الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد بلغني أن بعض الخلوف ممن يتصدر لتصنيف
الكتب في هذه الأزمان قد اتخذ عادة محدثة في معارض الكتاب وهو أنه يجلس ويقف الناس
صفاً يوقع لهم نسخاً من كتابه !
وهذه العادة واجب على من له سبب في العلم
أن يتركها لأمور
أولها : أنها شهرة للمرء مندوحة عنها ،
فإن المرء ربما ابتلي بالشهرة رغماً عنه كما حصل لكثير من أئمة الإسلام ، ومع ذلك
تراهم يبتعدون عن كل سبيل شهرة لهم عنه غنية
لا كأقوام نراهم يسعون للأمر سعياً حثيثاً
فلما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي اجتهد بعضهم في نشر صوره بين الناس ومن زوايا
متعددة حاسراً ومغطياً رأسه لكيلا لا يخطئه من رآه
قال ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول 58
- حدثنا أحمد ، حدثنا أبو داود ، عن حماد بن زيد قال : « كنا إذا مررنا بالمجلس
ومعنا أيوب فسلم ردوا ردا شديدا قال : فكأن ذلك نقمة » قال أبو داود : كراهة
الشهرة
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس :" وباسناد
مرفوع عن أبي حاتم الرازي قال سمعت عبدة بن سليمان يقول كنا في سرية مع عبد الله
بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا
إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فطعنه
فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل
فقتله فازدحم الناس عليه فكنت فيمن ازدحم عليه فاذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف
كمه فمددته فاذا هو عبد الله بن المبارك فقال وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا قلت
فانظروا رحمكم الله إلى هذا السيد المخلص كيف خاف على إخلاصه برؤية الناس له
ومدحهم إياه فستر نفسه وقد كان ابراهيم بن أدهم يقاتل فاذا غنموا لم يأخذ شيئا من
الغنيمة ليوفر له الأجر"
والآثار في هذا الباب كثيرة والمقصود هنا
الإشارة
ثانيها : أن في هذا ضياع للوقت بغير طائل
ولعلهم بعضهم سيتحجج بأن الحريري قد وقع نسخاً من المقامات والأدباء ليسوا محل
اقتداء وتوقيع النسخ آنذاك كان علامة على المقابلة على المصنف وسلامة النسخة من
الغلط والإدخال وأما اليوم فهذا المعنى غير موجود في تلك النسخ التي يوقعها
المؤلفون في معارض الكتاب
ثالثها : أن في ذلك تشبهاً بالشعراء
وأرباب الفسق الذين تشبهوا ابتداءً بالكفار في هذا الأمر والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم