الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال الشاطبي في الموافقات (1/81_82)
:" والثاني : تحمل الأخبار والآثار على التزام كيفيات لا يلزم مثلها ولا يطلب
التزامها كالأحاديث المسلسلة التي أتي بها على وجوه ملتزمة في الزمان المتقدم على
غير قصد فالتزمها المتأخرون بالقصد فصار تحملها على ذلك القصد تحريا لها بحيث
يتعنى في إستحراجها ويبحث عنها بخصوصها مع أن ذلك القصد لا ينبني عليه عمل وإن
صحبها العمل لأن تخلفه في أثناء تلك الأسانيد لا يقدح في العمل بمقتضى تلك
الأحاديث كما في حديث
"الراحمون يرحمهم الرحمن "حسن
صحيح فإنهم التزموا فيه أن يكون أول حديث يسمعه التلميذ من شيخه فإن سمعه منه بعد
ما أخذ عنه غيره لم يمنع ذلك الإستفادة بمقتضاه وليس بمطرد في جميع الأحاديث
النبوية أو أكثرها حتى يقال إنه مقصود فطلب مثل ذلك من ملح العلم لا من صلبه
والثالث : التأنق في استخراج الحديث من
طرق كثيرة لا على قصد طلب تواتره بل على أن يعد آخذا له عن شيوخ كثيرة ومن جهات
شتى وإن كان راجعا إلى الآحاد في الصحابة أو التابعين أو غيرهم فالإشتغال بهذا من
الملح لا من صلب العلم خرج أبو عمر بن عبد البر عن حمزة بن محمد الكناني قال خرجت
حديثا واحدا عن النبي صلى الله عليه و سلم من مائتي طريق أو من نحو مائتي طريق شك
الراوي قال فداخلني من ذلك من الفرح غير قليل وأعجبت بذلك فرأيت يحيى بن معين في
المنام فقلت له يا أبا زكريا قد خرجت حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم من مائتي
طريق قال فسكت عني ساعة ثم قال أخشى أن يدخل هذا "تحت ألهاكم التكاثر " هذا
ما قال وهو صحيح في الإعتبار لأن تخريجه من طرق يسيرة كاف في المقصود منه فصار
الزائد على ذلك فضلاً "
أقول : في هذا عبرة لمن استكثروا مما
يسمونه بالإجازات الحديثية التي لا يصحبها علم ولا فهم ، بل تؤخذ عمن عرف بالعلم
ومن لم يعرف ، وحتى المعروف بالعلم لا يؤخذ منه علمه وإنما يأخذ أسانيده
وأيضاً من يطنب في تخريج الأحاديث من
مصادر كثيرة دون كبير فائدة تعود على القاريء إذ أن مدار الخبر واحد وذكر بعض
المصادر يفي بالمقصود
والكلام على الفهم السلفي للعلم الشرعي ،
واستشراء الفهم الخلفي للعلم الشرعي يطول وليس هذا محله
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم