مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: فكيف لو أدرك ابن بطة زماننا ؟

فكيف لو أدرك ابن بطة زماننا ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن بطة في كتابه النفيس إبطال الحيل ص84 :" فهذا عبد الله بن مسعود يحلف بالله : أن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه مجنون . ولو حلف حالف لبر أو قال لصدق : إن أكثر المفتين في زماننا هذا مجانين ، لأنك لا تكاد تلقى مسئولا عن مسألة متلعثما في جوابها ، ولا متوقفا عنها ، ولا خائفا لله ولا مراقبا له أن يقول له : من أين قلت ؟ بل يخاف ويجزع أن يقال : سئل فلان عن مسألة فلم يكن عنده فيها جواب . يريد أن يوصف بأن عنده من كل ضيق مخرجا ، وفي كل متعلق متهجرا ، يفتي فيما عيي عنه أهل الفتوى ، ويعالج ما عجز عن علاجه الأطباء ، يخبط العشوة ، ويركب السهوة ، لا يفكر في عاقبة ، ولا يعرف العافية"

فكيف لو رأى ابن بطة الغلاة في المصلحة ؟!

وكيف لو رأى أصحاب الفتاوى الجاهزة المباشرة في تويتر والفضائيات ؟

ولست أعيب على من تكلم بعلم ، ولكنني أعيب ذاك العبث الذي رأيته ، والغلو في أمر المصلحة حتى جاءوا إلى المحرمات التي لو أراد أحد أن يحصي مفاسدها لما استطاع إلا بجهد ثم أباحوها بحجة المصلحة

قال الدينوري في المجالسة 1847 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، نَا الزِّيَادِيُّ ، نَا الْأَصْمَعِيُّ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ قَالَ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرَادَهُ عَلَى الْقَضَاءِ ، قَالَ : إِنِّي لَا أَصْلُحُ . قَالَ لَهُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لِأَنِّي عَيِيٌّ ، وَأَنِّي ذَمِيمٌ ، وَأَنِّي حِدِّيدٌ . فَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : أَمَّا الْحِدَّةُ ؛ فَإِنَّ السَّوْطَ يُقَوِّمَكَ ، وَأَمَّا الدَّمَامَةُ ؛ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ أُحَاسِنُ بِكَ ، وَأَمَّا الْعِيُّ ؛ فَقَدْ عَبَّرْتَ عَمَّا تُرِيدُ ، وَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ نَفْسِكَ عَيِيًّا ؛ فَذَاكَ أَجْدَرُ . قَالَ الزِّيَادِيُّ : وَقِيلَ لِإِيَاسٍ لَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ : إِنَّكَ تَعْجَلُ بِالْقَضَاءِ . فَقَالَ إِيَاسٌ : كَمْ لِكَفِّكَ مِنْ أُصْبُعٍ ؟ فَقَالَ : خَمْسَةٌ ! فَقَالَ لَهُ إِيَاسٌ : عَجِلْتَ بِالْجَوَابِ . قَالَ : لَمْ يَعْجَلْ مَنِ اسْتَيْقَنَ عِلْمًا ! فَقَالَ إِيَاسٌ : هَذَا جَوَابِي .

وكيف لو رأى ابن بطة أصحاب فتاوى الدماء والبيانات الجماعية ، التي يقولونها اليوم وينقضونها غداً بدم بارد ، دون أدنى ندم أو تحرج ، حتى إذا جاءت فتنة جديدة استشرف لها ولم يتعظ بما وقع منه في الفتن السابقة

وقال ابن بطة في كتابه إبطال الحيل ص24 :" أنا أقول - والله المحمود - هذه صفة أحمد بن حنبل رحمه الله ، فيا ويح من يدعي مذهبه ، ويتحلى بالفتوى عنه ، وهو سلم لمن حاربه ، عون لمن خالفه ، الله المستعان على وحشة هذا الزمان "

فانظر إليه يشتكي وحشة الزمان ، فما عسانا نحن أن نقول ، وقد قال هذا الكلام وتأمل قوله ( فيا ويح من يدعي مذهبه ، ويتحلى بالفتوى عنه ، وهو سلم لمن حاربه ، عون لمن خالفه)

وما فيه من المفاصلة السلفية ، وإبطال قاعدة ( خلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا ) ، وقد قال هذا الكلام وهو يرد على أهل الرأي الذي عاداهم أحمد ولم يسالمهم ، فكيف لو رأى زماننا ، وقد صار من يذكر أهل الرأي ببعض ما قال أحمد فيهم مغموزاً بالبدعة مخالفاً للإجماع ! فالله المستعان على وحشة الزمان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي