مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هل الأصل في المسلم العدالة ؟

هل الأصل في المسلم العدالة ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فهذا بحث في مسألة ( الأصل في المسلم ) هل هو العدالة أم الجهالة؟

وقد تركت في هذه العجالة كثيراً من التأنق العلمي ، وسأشرع بالمقصود

من هو العدل ؟



قال الخطيب في الكفاية ص78 :" ان العدل هو من عرف بأداء الفرائض ولزوم ما أمر الله به وتوقي ما نهى عنه وتجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه" _ انتهى بتصرف _

الأدلة من القرآن على خطأ من قال أن الأصل في المسلم العدالة


1_قال تعالى :" وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً "

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/357) :" وأما قول من يقول الأصل فى المسلمين العدالة فهو باطل بل الاصل فى بنى آدم الظلم والجهل كما قال تعالى :" وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولاً " ومجرد التكلم بالشهادتين لايوجب انتقال الانسان عن الظلم والجهل الى العدل "

2_ قال تعالى :" وأشهدوا ذوي عدل منكم "

استدل ا عبد الوهاب البغدادي في كتابه ( الإشراف على نكت مسائل الخلاف ) (2/956) بهذه الآية على وجوب البحث عن حال الشاهد وعدم الاكتفاء بإسلامه فقط للتنصيص على العدالة في الآية ولو لم تكن وصفاً زائداً لما تم التنصيص عليها

3_ قال تعالى :" واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء"

قلت : وجه الدلالة التنصيص على الرضا ، مما يدل على أن ذلك وقع بعد التنقيب أفاد ذلك القاضي عبد الوهاب البغدادي في كتابه الإشراف (2/956)

الأدلة من آثار الصحابة

عن خرشة بن الحر قال شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه بشهادة فقال له لست اعرفك ولا يضرك ان لا أعرفك ائت بمن يعرفك فقال رجل من القوم انا أعرفه قال فبأى شيء تعرفه قال بالأمانة والعدل قال فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه قال لا قال فمعاملك بالدنيار والدرهم الذين بهما يستدل على الورع قال لا قال فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق قال لا قال لست تعرفه ثم قال للرجل ائت بمن يعرفك" رواه البيهقي في الكبرى (20187)

قلت : وجه الدلالة من هذا الأثر ظاهر

الأدلة النظرية في المسألة

الدليل الأول

والدليل النظري الأول في مسألتنا هو أن العدالة ليس وصفاً سلبياً فقط _ وهو اجتناب المحارم _ بل هو وصفٌ ثبوتيٌ أيضاً _ وهو القيام بالواجبات _ والأصل في الواجبات عدم الوجود ، وكيف يجعل الأصل في المعدوم الوجود؟!

ومن هذا تعلم أن قولهم ( الأصل في المسلم السلامة ) لا يساوي في المعنى قولهم ( الأصل في المسلم في العدالة ) فالعدالة ليست سلامةً من الجنايات فقط ! ، بل أداءٌ للواجبات أيضاً

الدليل الثاني

هو أنه يلزم من القول بأن الأصل في المسلم العدالة ،إغلاق باب جهالة العين الذي استقر عامة المحدثين على ذكره في كتبهم

الدليل الثالث

أن المشاهد من أهل العصر صدور الأفعال المفسقة منهم في الغالب

قال ابن القيم في بدائع الفوائد (3/790) :" إذا شك في الشاهد هل هو عدل أو لا لم يحكم بشهادته لأن الغالب في الناس عدم العدالة وقول من قال الأصل في الناس العدالة كلام مستدرك بل العدالة طارئة متجددة والأصل عدمها فإن خلاف العدالة مستندة جهل الإنسان وظلمه والإنسان خلق جهولا ظلوما فالمؤمن يكمل بالعلم والعدل وهما جماع الخير وغيره يبقى على الأصل أي فليس الأصل في الناس العدالة ولا الغالب "

قلت : إذا فهمت هذا أمكنك الجواب على استدلال من استدل بقول عمر _ رضي الله عنه _ :" المسلمون عدول بينهم بعضهم على بعض إلا مجلودا فى حد أو مجربا فى شهادة زور أو ظنينا فى ولاء أو فى قرابة " رواه الدارقطني (4525)

فقد أجيب عنه بعدة أجوبة

أولها : أنه خاص بأهل عصره ولا يقاس على عصرهم فإنه لا يأتي عام إلا والذي بعده شرٌ منه كما جاء في الحديث

وقد جاء في الحديث المتفق عليه :" خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام: تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته "

ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل القرون الفاضلة ومن يأتي بعدهم

ثانيها : أن أمير المؤمنين إنما أراد العدالة الظاهرة وإلا فقد جاء عنه أنه قد نقب عن العدالة الباطنة كما في الأثر الآنف الذكر


الإجابة على دليل القائلين بأن الأصل في المسلم العدالة الأثري







قال النسائي :

باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه على سفيان في حديث سماك
2111 - أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قال أنبأنا الفضل بن موسى عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال نعم فنادى النبي صلى الله عليه وسلم أن صوموا

2112 - أخبرنا موسى بن عبد الرحمن قال حدثنا حسين عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبصرت الهلال الليلة قال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا
2113 - أخبرنا أحمد بن سليمان عن أبي داود عن سفيان عن سماك عن عكرمة مرسل أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم مصيصي قال أنبأنا حبان بن موسى المروزي قال أنبأنا عبد الله عن سفيان عن سماك عن عكرمة مرسل

قلت : وجه الدلالة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن عدالة الرجل واكتفى بإسلامه
وقد أجاب الخطيب البغدادي عن هذا الإستدلال في الكفاية

قال الخطيب في الكفاية ص82 :" فيقال لهم ان كونه اعرابيا لا يمنع من كونه عدلا ولا من تقدم معرفة النبي صلى الله عليه و سلم بعدالته أو أخبار قوم له بذلك من حاله ولعله ان يكون نزل الوحي في ذلك الوقت بتصديقه وفى الجملة فما نعلم ان النبي صلى الله عليه و سلم اقتصر في قبول خبره على ظاهر إسلامه فحسب على ان بعض الناس قد قال انما قبل النبي صلى الله عليه و سلم خبره لأنه أخبر به ساعة إسلامه وكان في ذلك الوقت طاهرا من كل ذنب بمثابة من علم عدالته واسلامه عدالة له ولو تطاولت به الأيام لم يعلم بقاؤه على طهارته التي هى عدالة واحتجوا أيضا بأن الصحابة عملوا بأخبار النساء والعبيد ومن تحمل الحديث طفلا وأداه بالغا واعتمدوا في العمل بالأخبار على ظاهر الإسلام فيقال لهم هذا غير صحيح ولا نعلم الصحابة قبلوا خبر أحد الا بعد اختبار حاله والعلم بسداده واستقامة مذاهبه وصلاح طرائقه وهذه صفة جميع أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهن من النسوة اللاتى روين عنه وكل متحمل للحديث عنه"

قلت : غير أن الحديث معلول فهو من رواية سماك عن عكرمة وقد تكلموا فيها

قال العجلي في سماك :" بكري جائز الحديث إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء"
وقال يعقوب بن شيبة قلت لابن المديني رواية سماك عن عكرمة فقال مضطربة

قلت : فإن قيل إن سفيان قد روى هذا الحديث عن سماك وروايته عنه متماسكة

فالجواب : أن عامة أصحاب سفيان رووه عنه مرسلاً ، كما أوضحه النسائي أعلاه

وقال الدارقطني في سننه :" وأرسله إسرائيل وحماد بن سلمة وابن مهدى وأبو نعيم وعبد الرزاق عن الثوري "

وقد انفرد الفضل بن موسى بالوصل

نعم قد توبع عند الدارقطني



قال الدارقطني 2181 - حدثنا عبد الباقى بن قانع حدثنا الحسن بن على المعمرى حدثنا محمد بن بكار العيشى حدثنا أبو عاصم عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء أعرابى ليلة هلال رمضان فقال يا رسول الله إنى قد رأيت الهلال. فقال « تشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمدا رسول الله » قال نعم. فنادى فى الناس « أن صوموا ».


قلت : المعمري نص الذهبي في الميزان على أنه يرفع الموقوفات وينفرد بالغرائب، وعليه فإن الإرسال فيه أقوى ، وذلك لأن سماك وصف بالإضطراب في حديثه عن عكرمة كما تقدم فيجعل الحمل عليه في هذا الإضطراب بدلاً من توهيم الثقات كما أنهم وصفوه بأنه يصل الأحاديث عن عكرمة فلا يبعد أن يكون الحديث مرسلاً فوهم ووصله

وبقي أن نقول أن من يرفضون الامتحان بالأشخاص ويقولون الأصل في المسلم العدالة طرحهم متناقض ، فإذا كان الأصل العدالة فلم الخوف من الإمتحان ؟!

ولم ربط الامتحان بالتجريح أليس في هذا إساءة ظن في الممتحنين ؟!

دعونا نمتحنهم وسينجحون إن شاء الله !!

أليس الأصل فيهم العدالة ؟ ، علماً بأننا لا نمتحن إلا المتصدي للتعليم وهؤلاء أولى بالعدالة من غيرهم !!
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي