الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فإن لأبي الخطاب الكلوذاني دالية في العقيدة زعم فيها أنه يذكر اعتقاد
الإمام أحمد ، وقد ذكرها كما هي الدكتور محمد الخميس في كتابه اعتقاد أئمة الحديث ،
والحق أن الكلوذاني كان متأثراً بالكلابية في عدة مسائل، وقد قال في مقدمة داليته:
واسمع مقالي إن أردت تخلصاً *** يوم الحساب وخذ بهديي تهتدي
واقصِد فإني قد قصدت مُوَفَّقاً *** نهج ابن حنبل الإمام الأوحدِ
فهو يزعم أنه سائر على منهج الإمام أحمد فهو لا يذكر عقيدة نفسه فحسب بل
ينسب المعتقد إلى إمام أهل الحديث.
قال الكلوذاني في داليته:
قالوا:
بم عرف المكلَّف ربه؟ *** فأجبت: بالنظر الصحيح المرشِدِ
هذا الإطلاق فيه نظر.
قال أبو الفرج المقدسي في امتحان السني من البدعي ص8:"يُسأل عن معرفة
الله – تعالى – هل يعرف بالشرع أم بالعقل ؟
فإن قال بالشرع : فهو سني، و إن قال بالعقل فهو معتزلي .
و دليلنا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ﴾، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2)﴾،وقوله:
﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾، وقوله: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ﴾،
الآية.
وقال شيخ الإسلام في النبوات (1/173):
"تنازع الناس في معرفة الله وتوحيده وأصول الدين هل يجب ويحصل بالشرع
أو يجب بالشرع ويحصل بالعقل أو يجب ويحصل بالعقل
على ثلاثة أقوال مشهورة لأصحاب الإمام أحمد وغيرهم من أتباع الأئمة الأربعة
فطائفة يقولون يجب بالشرع ويحصل به وهو قول السالمية وغيرهم مثل الشيخ
أبي الفرج المقدسي وهذا هو الذي حكاه عن أهل السنة من أصحاب أحمد وغيرهم وكذلك من شابههم
مثل ابن درباس وابن شكر وغيرهما من أصحاب الشافعي وهو المشهور عن أهل الحديث والفقه
الذين يذمون الكلام
وهذا مما وقع فيه النزاع بين صدقة بن الحسين الحنبلي المتكلم وبين طائفة
من أصحاب أحمد وكذلك بين أبي الفرج بن الجوزي وطائفة منهم أولئك يقولون الوجوب والحصول
بالشرع
وهؤلاء يقولون الحصول بالعقل والوجوب بالشرع وقد ذكر الآمدي ثلاثة اقوال
في طرق العلم قيل بالعقل فقط والسمع لا يحصل به كقول الرازي
وقيل بالسمع فقط وهو الكتاب والسنة وقيل بكل منهما ورجح هذا وهو الصحيح
والقول الثاني أنها لا تجب إلا بالشرع لكن يحصل بالعقل وهو قول الأشعري وأصحابه ومن
وافقهم كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهم
والقول الثالث أنها تحصل بالعقل وتجب به وهو قول من يوجب بالعقل كالمعتزلة
والكرامية وغيرهم من أتباع الأئمة كأبي الحسن الآمدي وأبي الخطاب وغيرهم وهو قول طائفة
من المالكية والشافعية وعليه أكثر الحنفية ونقلوه عن أبي حنيفة نفسه وقد صرح هؤلاء
قبل المعتزلة وقبل أبي بكر الرازي وأبي الخطاب وغيرهم أن من لم يأته رسول يستحق العقوبة
في الآخرة لمخالفته موجب العقل
وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن
أعدل الأقوال أن الأفعال مشتملة على أوصاف تقتضي حسنها ووجوبها وتقتضي قبحها وتحريمها
وأن ذلك قد يعلم بالعقل لكن الله لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة".
في كلام شيخ الإسلام فوائد من أهمها أن الذين قالوا أن المعرفة لا تكون
إلا بالعقل وبه تجب ، هم المعتزلة ، وأن القول بأن المعرفة تحصل بالشرع وبه تجب هو
قول أهل الحديث ، وقد تحصل المعرفة بالعقل ، ولا يعذب الله عز وجل حتى يبعث رسولاً.
وهذا يبين غلط العبارة المشهورة على لسان العامة ( الله عرفناه بالعقل
ما رأيناه بالعين ) ، وقد انتقد ابن حزم القائلين بوجوب المعرفة بالعقل بأن معرفة الله
عز وجل ضرورية فطرية ، وفعلاً معرفة وجوده فطرية ضرورية ، غير أن تفاصيل الأسماء والصفات
لا بد فيها من الشرع ، فالأمر لا يدرك بالفكر كما قال الشافعي وإن كانت هناك صفات يستدل
لها بالعقل كالعلو والسمع والبصر وغيرها.
وقال الكلوذاني:
قالوا:
فهل تلك الصفات قديمةٌ *** كالذات؟ قلت: كذاك لم تتجددِ
القول بأن الصفات كلها قديمة قول الكلابية وذلك أن هناك صفات فعلية متعلقة
بالمشيئة، وهذه صفة الكلام ذاتية فعلية، فالله يتكلم بما شاء متى شاء والقول بأنها
ذاتية إنما يجري على أصول الكلابية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ
شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، والقول بأن صفة الكلام ذاتية إنما يجري
على أصول الكلابية القائلين بالكلام النفسي فالكلام عندهم لا يتعلق بالمشيئة، وحتى
السمع والبصر هي قديمة النوع حادثة الآحاد، قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح العقيدة
الواسطية: "الأشاعرة والماتريدية وجماعات يقولون سمعه قديم.
يثبتون السع ولكن السمع عندهم ليس بحادث ، السمع قديم .
فسمع الكلام في القدم لعلمه به هكذا يزعمون .
وهذا الكلام فيه التكذيب للقرآن ولولا التأويل لكانوا كفارا بذلك ، لأن
الله جل وعلا يقول ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾، وقال: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾، وإذا كان السماع في الماضي قبل مجيء الكلام وقبل حصوله
وقبل حصول المجادلة بين المرأة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يصح أن يقال
﴿قَدْ سَمِعَ﴾ بصيغة الماضي؟
وإنما يقال ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ إذا كان الأمر قد وقع وانتهى ولهذا قال نجد في
النصوص لفظ الماضي ولفظ المضارع فقد يكون في إثبات السمع القديم البصر القديم دون البصر
الحادث والسمع الحادث والكلام الحادث فيه نفي لدلالات النصوص وفيه تكذيب لها لأن الله
جل وعلا يقول ?قَدْ سَمِعَ? وهؤلاء يقولون سمعه قديم .
كيف ؟ سمع في القدم قبل حدوث الكلام ؟
هذا لا يصح أن يقال ﴿قَدْ سَمِعَ﴾.
قال جل وعلا ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ هذا فعل مضارع دلالته
على الحال يعني يسمع تحاوركما الآن .
قد قالت عائشة: ((سبحان من وسع سمعه الأصوات أتت المجادلة إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها وليس بيني وبينها إلا جدار لم أسمعها))، الله يسمع
، حين الكلام سمع ذلك جل وعلا .
وهذا ما يثبته أهل السنة والجماعة ، هذا ولا شك يعظم الصفة في نفس المؤمن
لأنه يعلم أن الله جل وعلا يسمع سره ونجواه ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ يسمع جل وعلا السر والنجوى فلا يخفى عليه شيء ، سمعه وسع
الأصوات ، ما من شيء يُسْمَع إلا والله جل وعلا يسمعه ، يسمع صوت دبيب النمل فوق الصفا
، وهذه الصفة يجب الإيمان بها كما ذكرت بدلالاتها".
أقول : وهذا الكلام الذي ذكره الشيخ صالح في صفة السمع والبصر يقال أيضاً
في صفة الإرادة إذ أن لها آحاداً حادثة
قال الله تعالى : ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية كلاماً
لابن رشد الفيلسوف ينقض فيه مذهب المتكلمين القائل بأن الله عز وجل أراد بإرادة قديمة
جميع المحدثات.
وقال صالح بن فوزان الفوزان في التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية:
"وأما أفعاله سبحانه، فهي قديمة النوع حادثة الآحاد"، وعلى قول الشيخ هذا
يصح إطلاق (قديمة النوع حادثة الآحاد) في جميع الصفات الفعلية.
قال الكلوذاني:
قالوا:
فتزعم أنْ على العرش استوى؟ *** قلت:الصواب كذاك أخبر سيدي
قالوا:
ما معنى استواه أبن لنا؟ *** فأجبتهم: هذا سؤالُ المعتدِ
قلت: بل معنى الاستواء معروف عند السلف وقد فسروه بعلا وارتفع واستقر وصعد
وفسره خارجة بن مصعب وعبد الوهاب الوراق بـ(قعد)، وهذا البيت يجري على أصول المفوضة.
هذا ما غلط به أبو الخطاب الكلوذاني.
وأما أبو الحسن الأشعري فنقل في كتابه مقالات الإسلاميين اعتقاد أهل الحديث
وقد غلط عليهم في عدة مسائل.
قال الأشعري في مقالات الإسلاميين:
"وقالوا أن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله".
هذا هو قول الأشعرية الجبرية وليس قول أهل السنة ، وقول أهل السنة أنها
تكون قبل الفعل ولا تكليف إلا باستطاعة وتكون مقارنة للفعل أيضاً.
قال شيخ الإسلام كما في مجموع
الفتاوى (8/371): "قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي
" اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ " هَلْ هِيَ مَعَ فِعْلِهِ أَمْ قَبْلَهُ ؟
وَجَعَلُوهَا قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ
فَقَوْمٌ جَعَلُوا الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ
عَلَى مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ
وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ .
وَقَوْمٌ جَعَلُوا الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْغَالِبُ
عَلَى الْنُّفَاةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَجَعَلَ الْأَوَّلُونَ الْقُدْرَةَ
لَا تَصْلُحُ إلَّا لِفِعْلِ وَاحِدٍ إذْ هِيَ مُقَارِنَةٌ لَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ
وَجَعَلَ الْآخَرُونَ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا صَالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ وَلَا
تُقَارِنُ الْفِعْلَ أَبَدًا وَالْقَدَرِيَّةُ أَكْثَرُ انْحِرَافًا ؛ فَإِنَّهُمْ
يَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةً بِحَالِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ
الْمُؤَثِّرَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَثَرِ لَا يُقَارِنُهُ بِحَالِ
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْأَمْرُ".
وقال شيخ الإسلام وهو ينقض قول الأشاعرة بأن الاستطاعة لا تكون إلا مع
الفعل (يريدون بذلك أن العبد لا قدرة عنده وهو الجبر الصريح) كما في مجموع الفتاوى
(8/480):
"بَلْ نُصُوصُهُمْ مُسْتَفِيضَةٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ
وَالسُّنَّةُ مِنْ إثْبَاتِ اسْتِطَاعَةٍ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ .
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا﴾، وقَوْله تَعَالَى:
﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾.
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : ((صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ
فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)).
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مُسْتَطِيعٍ
وَأَنَّ الْمُسْتَطِيعَ يَكُونُ مُسْتَطِيعًا مَعَ مَعْصِيَتِهِ وَعَدَمِ فِعْلِهِ
كَمَنْ اسْتَطَاعَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ
وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا
وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اسْتَطَاعَهُ وَلَمْ
يَفْعَلْهُ لَا عَلَى تَرْكِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ .
وَصَرَّحُوا بِمَا صَرَّحَ بِهِ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ
الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْفِعْلِ تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حِينَ
الْفِعْلِ مُسْتَطِيعًا أَيْضًا عِنْدَهُمْ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْفِعْلِ
وَمَعَ الْفِعْلِ وَهُوَ حِينَ الْفِعْلِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا تَارِكًا
فَلَا يَقُولُونَ : إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ ، كَقَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ كَقَوْلِ الْمُجَبِّرَةِ
بَلْ يَكُونُ مُسْتَطِيعًا قَبْلَ الْفِعْلِ وَحِينَ الْفِعْلِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : الْعُلَمَاءُ
قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ يَفْعَلُهَا قَسْرًا .
يُقَالُ لَهُ : لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ
وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَكَابِرِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ
الْأَرْبَعَةِ وَإِنَّمَا يُصَرِّحُ بِهَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ سَلَكُوا
مَسْلَكَ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَلَيْسَ هُوَ لِأَهْلِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ بَلْ
وَلَا جُمْهُورِهِمْ وَلَا أَئِمَّتِهِمْ بَلْ هُمْ عِنْدَ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ
أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ".
فالقول الذي نسبه الأشعري لأهل السنة هو في الحقيقة عند السلف من البدع
المنكرة وهو قول الجبرية، والجويني شنع على إمامه الأشعري في هذه المسألة وتهكم به
وقال أن مذهبه لا يرتضيه عاقل.
قال الزركشي في البحر المحيط (2/55): "[التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ
أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَ بِأَنَّ الْفِعْلَ حَالَ حُدُوثِهِ
مَأْمُورٌ بِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّيْخِ فِي الْقُدْرَةِ -يعني أبا الحسن
الأشعري-، ثُمَّ قَالَ : وَمَذْهَبُهُ مُخْتَبَطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ثُمَّ قَالَ : لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ لِأَبِي الْحَسَنِ مَا قَالَهُ فِي
الْقُدْرَةِ جَدَلًا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ كَوْنُ الْحَادِثِ مَأْمُورًا ، هَذَا
حَاصِلُهُ .
وَمَذْهَبُهُ فِي الْقُدْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ ،
ثُمَّ أَلْزَمَ الشَّيْخُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ.
ثُمَّ قَالَ : فَقَالَ فِي الْحَادِثِ : هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ
الْمُخَاطَبُ ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّجِهَ الْقَوْلُ فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ طَلَبًا
وَاقْتِضَاءً مَعَ حُصُولِهِ ، فَلَا يَرْضَى هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ
لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ".
وهذا يدل على أن الأشعري بقي جبرياً حتى بعد تحسنه في باب الصفات.
وقال الأشعري في مقالاته ناسباً إلى أهل الحديث: "ويقولون: أسماء
الله هي الله"، وهذه مسألة الاسم والمسمى ونسبة هذا القول لأهل الحديث غلط، قال
ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1106 - حدثنا خلف نا الحسن نا سعيد بن أحمد
بن زكريا نا يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت الشافعي يقول : «إذا سمعت الرجل يقول :
الاسم غير المسمى أو الاسم المسمى فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له».
وقال اللالكائي في السنة 305 - أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران ، عن أبي
بكر بن أبي داود السجستاني قال : من زعم أن الاسم غير المسمى فقد زعم أن الله غير الله
، وأبطل في ذلك ؛ لأن الاسم غير المسمى في المخلوقين؛ لأن الرجل يسمى محمودا وهو مذموم،
ويسمى قاسما ولم يقسم شيئا قط، وإنما الله جل ثناؤه واسمه منه ولا نقول : اسمه هو،
بل نقول : اسمه منه، فإن قال قائل : إن اسمه ليس منه، فإنه قال : إن الله مجهول ، فإن
قال : إن له اسما وليس به فقال : إن مع الله ثانيا.
فتأمل قوله (ولا نقول اسمه هو) فالاسم للمسمى ودال عليه كما في قوله تعالى
(ولله الأسماء الحسنى) ولا نقول الاسم هو المسمى ولا غيره.
وقال الطبري في صريح السنة (1/17): "وأما القول في الاسم : أهو المسمى
أم غير المسمى ؟ فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ، ولا قول من إمام
فيستمع ، فالخوض فيه شين ، والصمت عنه زين .
وحسب امرئ من العلم به ، والقول
فيه أن ينتهي إلى قول الله، عز وجل ثناؤه ، الصادق ، وهو قوله : (قل ادعوا الله أو
ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) وقوله تعالى : (ولله الأسماء الحسنى
فادعوه بها) ويعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، (له ما في السموات وما في الأرض
وما بينهما وما تحت الثرى)".
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/186):
"الاسم والمسمى، هل هو هو
أو غيره او لا يقال هو هو ولا يقال هو غيره أو هو له أو يفصل فى ذلك.
فإن الناس قد تنازعوا فى ذلك والنزاع
اشتهر فى ذلك بعد الائمة بعد احمد وغيره
والذى كان معروفا عند أئمة السنة احمد وغيره الانكار على الجهمية الذين
يقولون اسماء الله مخلوقة فيقولون الاسم غير المسمى واسماء الله غيره وما كان غيره
فهو مخلوق وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول .
لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق بل هو المتكلم به وهو المسمى
لنفسه بما فيه من الأسماء
والجهمية يقولون كلامه مخلوق واسماؤه مخلوقة وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم
بذاته ولا سمى نفسه باسم هو المتكلم به بل قد يقولون انه تكلم به وسمى نفسه بهذه الاسماء
بمعنى انه خلقها فى غيره لا بمعنى انه نفسه تكلم بها الكلام القائم به فالقول فى اسمائه
هو نوع من القول فى كلامه".
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/187) :
" فلهذا يروى عن الشافعى والاصمعى وغيرهما انه قال اذا سمعت الرجل
يقول الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة .
ولم يعرف ايضا عن أحد من السلف أنه قال الاسم هو المسمى بل هذا قاله كثير
من المنتسبين الى السنة بعد الأئمة وانكره أكثر اهل السنة عليهم، ثم منهم من أمسك عن
القول فى هذه المسألة نفيا واثباتا اذ كان كل من الاطلاقين بدعة كما ذكره الخلال عن
ابراهيم الحربى وغيره وكما ذكره أبو جعفر الطبرى فى الجزء الذى سماه صريح السنة ذكر
مذهب أهل السنة المشهور فى القرآن والرؤية والايمان والقدر والصحابة وغير ذلك".
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/198):
"ولهذا قال تعالى ولله الأسماء الحسنى كان المراد أنه نفسه له الأسماء
الحسنى ومنها اسمه الله كما قال قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى
فالذى له الأسماء الحسنى هو المسمى بها ولهذا كان فى كلام الامام أحمد
أن هذا الإسم من أسمائه الحسنى وتارة يقول الاسماء الحسنى له اى المسمى ليس من الأسماء
ولهذا فى قوله ولله الأسماء الحسنى لم يقصد أن هذا الاسم له الأسماء الحسنى بل قصد
أن المسمى له الأسماء الحسنى".
وليعلم أن القول الذي كفر به السلف هو أن الاسم غير المسمى وأن أسماء الله
مخلوقة يقول به الماتردية كما بينه شمس الأفغاني في رسالته عداء الماتردية للعقيدة
السلفية.
وقد غلط أبو نصر السجزي أيضاً في الرد على من أنكر الحرف والصوت ونسب القول
بأن الاسم هو المسمى لأهل السنة ونسبه للشافعي والأصمعي وكلامهما أمامك واضح في أنهما
لا يطلقان ذلك
وقد قلده على هذا عبد الرحمن الحجي.
وهناك مسائل أخرى تناقش والمراد التنبيه على هذا.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم