الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد انتشر بين عدد من الشباب السلفي الثناء على بعض ردود المبتدعة على
الكفار والمشركين أو حتى على مبتدعة آخرين والاحتفاء بها ، والتسهيل في أمر المبتدع
الذي يشتهر عنه هذا بحجة أنه على ثغر، فكان لا بد من تجلية المسألة، وذلك في بيان عدة
أمور:
الأول: أن أهل السنة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، وليسوا
بحاجة إلى أحد من خارج دائرة أهل السنة.
قال البخاري في صحيحه 71 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا
أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى
أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ.
وإنني لأعجب من كثير ممن يروج لبعض رسائل المبتدعة في الرد على غيرهم من
أهل الكفر أو البدع ، ومع ذلك تراه عازفاً عن كتب السلف مستغنياً عنها ، فيا للعجب!!
الثاني: أن هذا قد يكون من طرائق أهل البدع لاصطياد الشباب السلفي.
قال ابن بطة في الإبانة 399 - حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر قال : حدثنا
أبو حاتم ، قال : حدثنا الحسن بن الربيع ، قال : حدثنا نوفل بن مطهر ، عن مفضل بن مهلهل
، قال : لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته ، وفررت منه ، ولكنه
يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه ، ثم يدخل عليك بدعته ، فلعلها تلزم قلبك ، فمتى
تخرج من قلبك.
وقال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص210 : أخبرنا عبد الملك : قال أخبرنا
عبد الله بن محمد ، قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال أخبرنا جدي ، قال أخبرنا يعقوب
بن إسحاق ، قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الوليد الأصبهاني ، قال سمعت أبا عمران موسى
بن عبد الله الطرسوسي ، قال سمعت أحمد ابن حنبل يقول : لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا
عن السنة.
وقد نفق ابن كلاب وأصحابه عند كثير من الناس بسبب إظهارهم الرد على المعتزلة.
قال الذهبي في السير (13/ 214): "قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ
فِي كِتَاب اختصَار فرق الفُقَهَاء مِنْ تَأْلِيْفه، فِي ذكر القَاضِي ابْنِ البَاقِلاَّنِيّ:
لَقَدْ أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أَبُو ذَر وَكَانَ يَمِيلُ إِلَى مَذْهَبِهِ، فَسَأَلْتُهُ:
مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ مَاشياً بِبَغْدَادَ مَعَ الحَافِظ
الدَّارَقُطْنِيّ، فَلَقِيْنَا أَبَا بَكْرٍ بنَ الطَّيِّب فَالتزمه الشَّيْخُ أَبُو
الحَسَنِ، وَقبَّلَ وَجهَهَ وَعَيْنَيْهِ، فَلَمَّا فَارقنَاهُ، قُلْتُ لَهُ: مَنْ
هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ بِهِ مَا لَمْ أَعْتَقِدْ أَنَّكَ تَصْنَعُهُ وَأَنْتَ إِمَامُ
وَقْتِكَ؟ فَقَالَ: هَذَا إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ، وَالذَّابُّ عَنِ الدِّيْنِ، هَذَا
القَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الطَّيِّب. قَالَ أَبُو ذَر: فَمِنْ ذَلِكَ الوَقْت
تَكَرَّرْتُ إِلَيْهِ مَعَ أَبِي، كُلُّ بَلَد دَخَلْتُهُ مِنْ بلاَد خُرَاسَان وَغيرِهَا
لاَ يُشَارُ فِيْهَا إِلَى أَحدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّة إلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ
وَطَرِيْقِهِ".
وإنما كان هذا الثناء لما كان الباقلاني يظهر من الذب عن السنة ، وقد كان
الباقلاني يستخدم التقية.
قال أبو نصر السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص305 :" وبهذا
الفعل منهم دخل كثير من العوام والمبتدئين في مذهبهم لأنهم يظهرون له الموافقة في الأول
ويكذبون بما ينسب إليهم حتى يصطادوه، فإذا وقع جروه قَليلاً قليلاً حتى ينسلخ من السنة.
وكان أبو بكر بن الباقلاني من أكثرهم استعمالاً لهذه الطريقة وقد وشح كتبه
بمدح أصحاب الحديث واستدل على الأقاويل بالأحاديث في الظاهر، وأكثر الثناء على أحمد
بن حنبل رحمة الله عليه، وأشار في رسائل له إلى أنه كان يعرف الكلام، وأنه لا خلاف
بين أحمد والأشعري وهذا من رقة الدين، وقلة الحياء".
الثالث: أن أئمة أهل السنة لم يكونوا يقبلون ردود أهل البدع على الكفار
أو غيرهم من أهل البدع ولا يأتمنونهم.
قال مروان بن محمد الطاطري الذي يقول: «ثلاثة لا يؤتمنون على الدين: الصوفي،
والمبتدع يرد على المبتدعة، والقصاص» -ذكر هذا القاضي عياض في «ترتيب المدارك» في ترجمة
مروان بن محمد الطاطري . _ ومروان نفسه مذكور بالبدعة !_
قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/18) :" قرأت عَلَى علي القرشي
عن الحسن الأهوازي قَالَ: سمعت أبا عبد اللَّه الحمراني يقول: لما دخل الأشعري إلى
بغداد جاء إلى البربهاري فجعل يقول: رددت عل الجبائي وعلى أَبِي هاشم ونقضت عليهم وعلى
اليهود والنصارى والمجوس وقلت لهم وقالوا وأكثر الكلام فِي ذَلِكَ فلما سكت قَالَ البربهاري:
ما أدري مما قُلْتُ قليلا ولا كثيرا ولا نعرف إلا ما قاله أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أحمد
بن حنبل قَالَ: فخرج من عنده وصنف كتاب " الإبانة " فلم يقبله مِنْهُ ولم
يظهر ببغداد إلى أن خرج منها".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (1/65): "وقد اتفق سلف
الأمة وأئمتها على إنكار ذلك وذم من يطلقه وإن قصد به الرد على القدرية الذين لا يقرون
بأن الله خالق أفعال العباد ولا بأنه شاء الكائنات وقالوا هذا رد بدعة ببدعة وقابل
الفاسد بالفاسد والباطل بالباطل".
وقال أيضاً في درء التعارض (1/254): "فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون
المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية فيعبرون بها
ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا وقالوا إنما قابل بدعة
ببدعة وردا باطلا بباطل".
وقال أيضاً في الدرء (7/ 165): "هذا مع أن السلف والأئمة يذمون ما
كان من الكلام والعقليات والجدل باطلا وإن قصد به نصر الكتاب والسنة فيذمون من قابل
بدعة ببدعة وقابل الفاسد بالفاسد فكيف من قابل السنة بالبدعة وعارض الحق بالباطل وجادل
في آيات الله بالباطل ليدحض به الحق".
وقال أيضاً في الدرء (7/ 182) :" وأهل الكلام الذين ذمهم السلف لا
يخلو كلام أحد منهم عن مخالفة السنة ورد لبعض ما أخبر به الرسول كالجهمية والمشبهة
والخوارج والروافض والقدرية والمرجئة، ويقال بأنها لا بد أن تحرس السنة بالحق والصدق
والعدل لا تحرس بكذب ولا ظلم فإذا رد الإنسان باطلا بباطل وقابل بدعة ببدعة كان هذا
مما ذمه السلف والأئمة".
تأمل قوله: (بأنها لا بد أن تحرس السنة بالحق والصدق والعدل لا تحرس بكذب
ولا ظلم) فما أحوجنا له اليوم وقد كثر الكذب والفجور.
الرابع: أن إخماد ذكر أهل البدع مقصد شرعي سار عليه السلف ، والثناء على
ردود القوم من إعلاء ذكرهم خصوصاً الدعاة منهم.
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 386): "وهذا مذهب فقهاء
أهل الحديث كأحمد وغيره ان من كان داعية الى بدعة فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن
الناس وإن كان فى الباطن مجتهدا وأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة فى الدين لا
يؤخذ عنه العلم ولا يستقضى ولا تقبل شهادته ونحو ذلك ومذهب مالك قريب من هذا ولهذا
لم يخرج أهل الصحيح لمن كان داعية ولكن رووا هم وسائر أهل العلم عن كثير ممن كان يرى
فى الباطن رأي القدرية والمرجئة والخوارج والشيعة".
قال العقيلي في الضعفاء (1/59) : حدثنا عبد الله بن أحمد قال : سألت أبي
عن أسد بن عمرو صدوق ؟ قال : أصحاب أبي حنيفة ليس ينبغي أن يروى عنهم شيء، وهذا في
باب الرواية وهم لا يستطيعون أن يدخلوا فيه شيئاً ، فكيف بالردود التي يمكنهم أن يدخلوا
فيها ما شاءوا من بدعهم إذا تلطفوا في ذلك ووجدوا له مناسبة.
الخامس: يقع من بعض أهل العلم كشيخ الإسلام من باب التنزل والإلزام ذكر
كلام بعض المبتدعة في باب الاحتجاج وذلك يكون مقروناً بأمور:
الأول: أنه يلزم به متأخري أصحابهم فتجده مثلاً ينقل كلام متقدمي الأشاعرة
في إثبات العلو ملزماً به متأخريهم.
الثاني: أنه لا يكون مقروناً بما يدل على تعظيمهم أو أنهم من أئمة أهل
السنة والجماعة ، إلا ما كان على سبيل المقارنة فيقول (فلان من أفضل المتكلمين) أو
نحوها من العبارات.
الثالث: أنه لا يذكر كلامهم مجرداً بل يذكره مع كلام أئمة أهل السنة والجماعة.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم