الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد كنت جمعت بدائع الاحتجاجات على
الرافضة على مر التاريخ وفاتني هذا النص النفيس
قال الخطيب في تاريخه (8/536) : خْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَتِيقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عَبْدُونَ وَهُوَ يَكْتُبُ لِبَدْرٍ، وَعِنْدَهُ جَمْعٌ
فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الدَّاوُدِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْمَادَرَائِيُّ،
فَذَكَرَ قِصَّةَ مُنَاظَرَتِهِ مَعَ الدَّاوُدِيِّ فِي التَّفْضِيلِ إِلَى أَنْ
قَالَ: فَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: وَاللَّهِ مَا نَقْدِرُ نَذْكُرُ مَقَامَاتِ
عَلِيٍّ مَعَ هَذِهِ الْعَامَةِ، قُلْتُ: أَنَا وَاللَّهِ أَعْرِفُهَا، مَقَامَهُ
بِبَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَإِن عرفتها
ينفعني أن تقدمه عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وعمر، قُلْتُ: قد عرفتها، ومنه قدمت أبا بكر،
وعمر عليه، قَالَ: من أين؟ قُلْتُ: أَبُو بَكْر كَانَ مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى العريش يوم بدر مقامه مقام الرئيس، والرئيس ينهزم به
الجيش، وعلي مقامه مقام مبارز، والمبارز لا ينهزم به الجيش، وجعل يذكر فضائله،
وأذكر فضائل أَبِي بَكْرٍ، فقلت: كم تكثر هذه الفضائل، لهما حق، ولكن الذين أخذنا
عنهم القرآن والسنن أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدموا
أبا بكر فقدمناه لتقديمهم، فالتفت أَحْمَد بن خالد، وَقَالَ: ما أدري لم فعلوا
هذا؟ فقلت: إن لم تدر فأنا أدري، قَالَ: لم فعلوا؟ فقلت: إن السؤدد والرياسة فِي
الجاهلية كانت لا تعدو منزلتين، إما رجل كانت لَهُ عشيرة تحميه، وإما رجل كَانَ
لَهُ مال يفضل به، ثم جاء الإسلام فجاء باب الدين، فمات النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس لأبي بكر مال، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي
بَكْرٍ ".
ولم تكن تيم لها مع عبد مناف، ومخزوم تلك
الحال، وإذا بطل اليسار الذي به كَانَ يرؤس أهل الجاهلية لم يبق إِلا باب الدين،
فقدموه لَهُ، فأفحم
إسناد القصة صحيح
والمحاملي هذا سمع من البخاري بل ومن بعض
شيوخه وكثير من أهل العلم وروى عنه الدارقطني والطبراني وغيرهم كثير
قال الذهبي في السير :" قَالَ أَبُو
بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ فَاضِلاً ديناً، شهد عِنْد القُضَاة وَلَهُ عِشْرُوْنَ
سَنَةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ الكُوْفَةِ سِتِّيْنَ سَنَةً .
قَالَ ابْنُ جَمِيْع الصيدَاوِي: كَانَ
عِنْدَ القَاضِي المَحَامِلِيّ سَبْعُوْنَ نَفْساً مِنْ أَصْحَاب سُفْيَان بن
عُيَيْنَةَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّاوُوْدِيّ: كَانَ
يحضر مَجْلِس المَحَامِلِيّ عَشْرَة آلاَف رَجُل .
وَاستعفَى مِنَ القَضَاء قَبْل سنَة
عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَ مَحْمُوْداً فِي وَلاَيته .
عقد سنَة سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ
بِالكُوْفَةِ فِي دَاره مَجْلِساً لِلْفقه فَلَمْ يَزَلْ أَهْل العِلْمِ
وَالنَّظَر يَخْتلفون إِلَيْهِ"
فكأنه من أوائل من عقد درساً فقهياً
راتباً
وفي هذا الباب لابن تيمية كلام حسن
قال ابن تيمية :" كثير من الخاصة
فضلاً عن العامة يتعذر عليه معرفة التمييز في هذا الباب وغيره؛ وإنما يعرف ذلك
علماء الحديث.
ولكن نذكر طريقًا آخر فنقول: نقدر أن
الأخبار المتنازع فيها (2) لم توجد أو لم يعلم أيها الصحيح، ونترك الاستدلال بها
في الطرفين، ونرجع إلى ما هو معلوم من التواتر وما يعلم من المعقول والعادات وما
دلت عليه النصوص المتفق عليها؛ فنقول: من المعلوم والمتواتر عند الخاصة والعامة
الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات والسير أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب
الخلافة لا برغبة ولا برهبة، لا بذل فيها ما يرغب الناس به، ولا شهر سيفًا يرهبهم
به، ولا كانت له قبيلة ولا أموال تنصره وتقيمه في ذلك، كما جرى من عادة الملوك أن
أقاربهم ومواليهم يعاونونهم. ولا طلبها أيضًا بلسانه، ولا قال بايعوني، بل أمر
بمبايعة عمر أو أبي عبيدة، ومن تخلف عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه (3) ، ولا
أكرهه على المبايعة، ولا منعه حقًا له، ولا حرك عليه ساكنًا. وهذا غاية في عدم
إكراه الناس على المبايعة.
والذين بايعوه هم الذين بايعوا النبي - صلى
الله عليه وسلم - تحت الشجرة، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين
اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد.
ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين
والمشركين ولم يقاتل مسلمين؛ بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة، وأخذ يزيد
الإسلام فتوحًا، وشرع في قتال فارس والروم، ومات والمسلمون محاصرو دمشق. وخرج منها
أزيد ما دخل فيها، ولم يستأثر عنهم بشيء، ولا أمر له قرابة.
ثم ولى عمر بن الخطاب؛ ففتح الأمصار، وقهر
الكفار، وأعز أهل الإيمان، وأذل أهل النفاق والعدوان، ونشر الإسلام والدين وبسط
العدل في العالمين، ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين، ومصر الأمصار للمسلمين،
وخرج منها أزيد مما دخل فيها، لم يتلوث لهم بمال، ولا ولى أحدًا من أقاربه ولاية،
فهذا أمر يعرفه كل أحد.
2- أن المسلمين اتبعوا الحق في بيعته لا
الهوى وهذا من كمالهم فيقال: دواعي المسلمين بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -
كانت متوجهة إلى اتباع الحق، وليس لهم ما يصرفهم عنه وهم قادرون على ذلك، وإذا حصل
الداعي إلى الحق وانتفى الصارف مع القدرة وجب الفعل. فعلم أن المسلمين اتبعوا فيما
فعلوه الحق، ذلك أنهم خير الأمم، وقد أكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة، ولم
يكن عند الصديق رضي الله عنه غرض دنيوي يقدمونه لأجله، بل لو فعلوا بموجب الطبع
لقدموا عليًا، وكانت الأنصار لو اتبعت الهوى أن تتبع رجلاً من بني هاشم أحب إليها
أن تتبع رجلاً من بني تيم، وكذلك عامة قبائل قريش لا
سيما بنو عبد مناف وبنو مخزوم، فإن طاعتهم
لمنافي كانت أحب إليهم من طاعة تيمي لو اتبعوا الهوى.
ولهذا لما مات رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وتولى أبو بكر قيل لأبي قحافة: مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال:
حدث عظيم، فمن تولى بعده؟ قالوا: أبو بكر. قال: أو رضيت بنو عبد مناف وبنو مخزوم؟
قالوا: نعم. قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أو كما قال ( .
ولهذا جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أرضيتم
أن يكون هذا الأمر في بني تيم؟ فقال: يا أبا سفيان إن أمر الإسلام ليس كأمر
الجاهلية، أو كما قال .
فعدولهم عن العباس وعلي وغيرهما إلى أبي
بكر دليل على أن القوم وضعوا الحق في نصابه، وأقروه في إهابه، وأتوا الأمر الأرشد
من بابه، وأنهم علموا أن الله ورسوله كانا يرضيان تقديم أبي بكر رضي الله عنه.
فالله هو ولاه شرعًا وقدرًا، وأمر
المؤمنين بولايته، وهداهم إلى أن ولوه، من غير أن يكون طلب ذلك لنفسه
3- استخلافه من كمال نبوة محمد - صلى الله
عليه وسلم - ورسالته، ومما يظهر أنه رسول الله حقًا، ليس ملكًا من الملوك، فإن
عادة الملوك إيثار أقاربهم والموالاة بالولايات أكثر من غيرهم، وكان ذلك مما
يقيمون به ملكهم (.
فتولية أبي بكر وعمر بعد النبي - صلى الله
عليه وسلم - دون عمه العباس وبني عمه علي وعقيل، وربيعة بن الحارث وأبي سفيان
وغيرهم، ودون سائر بني عبد مناف، كعثمان بن عفان، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبان
بن سعيد وغيرهم من بني عبد مناف الذين كانوا أجل قريش قدرًا وأقرب نسبًا إلى النبي
- صلى الله عليه وسلم - من أعظم الأدلة على أن محمدًا عبد الله ورسوله، وأنه ليس
ملكًا حيث لم يقدم في خلافته أحدًا بقرب نسب منه ولا بشرف بيته؛ بل إنما قدم
بالإيمان والتقوى.
ودل ذلك على أن محمدًا وأمته من بعده إنما
يعبدون الله ويطيعون أمره؛ لا يريدون ما يريد غيرهم من العلو في الأرض، ولا يريدون
أيضًا ما أبيح لبعض الأنبياء من الملك؛ فإن الله خير محمدًا بين أن يكون عبدًا
رسولاً وبين أن يكون ملكًا نبيًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولاً. فإنه لو أقام
أحدًا من أهل بيته لكانت شبهة لمن يظن أنه جمع المال لورثته. فلما لم يستخلف أحدًا
من أهل بيته ولا خلف لهم مالاً كان هذا ما يبين أنه كان أبعد الناس عن طلب الرياسة
والمال، وإن كان ذلك مباحًا، وأنه لم يكن من الملوك الأنبياء بل كان عبد الله
ورسوله"
إلى آخر كلامه حسن "
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم