الاثنين، 11 مايو 2015

تقويم المعاصرين ( الحلقة التاسعة ) [ الجزء الثاني ]



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

17_ أبو الحسن الأشعري

وهذا كثير يدعون رجوعه حتى أن الجامي يصفه ب( الإمام السلفي ) ويحتجون بالإبانة والإبانة فيها عقيدة الجبرية في أن القدرة لا بد أن تقارن الفعل وقد ذكرت كلام ابن تيمية في نقد هذه العقيدة فيما مضى ، وفي مقالات الإسلاميين كرر هذه العقيدة ونسبوها زوراً لأهل السنة كما نسب كذباً لأهل السنة في رسالته لأهل الثغر نفي الحكمة والتعليل

وهذا الرجل ما كان إماماً في الحديث ولا الفقه ومطعون في ديانته بطعونات شديدة ولكنه كان ذكياً


غير أن الذي ينبغي أن يعلم أن الأشعري لم يكن من أهل الحديث وما عرف بكتابته والعناية به


وليس له كلام البتة في تصحيح الأحاديث وتعليلها


ولو كان كذلك لروى أصحابه الذين يعظمونه أخباراً من طريقه


فهذا ابن عساكر صنف تاريخاً ضخماً أسند فيه كل شيء لم أرَ فيه خبراً واحداً أسنده من طريق الأشعري


وما ادعاه محقق جمع الجيوش من أن الأشعري له تفسيراً مسنداً ، تبعاً لابن عساكر والسبكي


فهذه دعوى من رجل متعصب للأشعري _ أعني ابن عساكر والسبكي _ وإلا لماذا لا يروي الأشاعرة أخباراً من طريقه ، وإنما أسند السبكي أربعة أخبار رواها الأشعري عن زكريا الساجي فقط لا غير ، والله أعلم بصحتها له


ولو كان حقاً ذا رواية لتكلم أهل الحديث في ضبطه تعديلاً أو تجريحاً ، لأنه راوية ومن طبقة الطبراني ، ولا أعرف كلاماً لأهل الحديث في عصره في روايته على شهرته مما يدل على أنه ما كان من أهل الرواية



قال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام 1271 - سمعت غير واحد من مشائخنا، [منهم] منصور بن إسماعيل الفقيه؛ قال: سمعت محمد بن محمد بن عبد الله الحاكم يقول: سمعت أبا زيد -ح-.

وكتب به إلي أحمد بن الفضل البخاري أبو الحسن؛ قال: سمعت أبا زيد الفقيه المروزي يقول:

((أتيت أبا الحسن الأشعري بالبصرة، فأخذت عنه شيئاً من الكلام، فرأيت من ليلتي في المنام كأني عميت، فقصصتها على المعبر؛ فقال: إنك تأخذ علماً تضل به. فأمسكت عن الأشعري، فرآني بعد يوماً في الطريق، فقال لي: يا أبا زيد! أما تأنف أن ترجع إلى خراسان عالماً بالفروع جاهلاً بالأصول؟ فقصصت عليه الرؤيا؛ فقال: اكتمها علي ها هنا)).


1272 - وسمعت أحمد بن محمد بن إسماعيل السيرجاني يحكيه عن بعض فقهاء مرو، عن أبي زيد كذلك.


هذا إسناد صحيح


وقال الهروي في ذم الكلام 1274 - سمعت يحيى بن عمار يقول: سمعت زاهر بن أحمد -وكان للمسلمين إماماً- يقول:

((نظرت في صير باب؛ فرأيت أبا الحسن الأشعري يبول في البالوعة، فدخلت عليه، فحانت الصلاة، فقام يصلي وما كان استنجى ولا تمسح ولا توضأ، فذكرت الوضوء؛ فقال: لست بمحدث)).


إسناده صحيح وقال الذهبي في السير معلقاً :" لعله نسي "


وإن كان الذهبي أمكنه الاعتذار لهذه فكيف يمكنه الاعتذار للرواية التالية


وقال الهروي في ذم الكلام 1275 - وسمعت منصور بن إسماعيل الفقيه يقول: سمعت زاهراً [يقول]:

((دورت في أخمص الأشعري بالنقش دائرةً وهو قائل؛ فرأيت السواد بعد ست لم يغسله)).


وهذا إسنادٌ صحيح ، ولعله تاب من هذا كله بعد توبته من الاعتزال ، وإن كانت القصة بعد التوبة فلا حل عندي لما فيها من الإشكال العظيم ، وقد زعم ابن عساكر أن الأشعري كان زاهداً عابداً متقللاً بخلاف هذه الرواية ، والله أعلم بالصواب


وقال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص39: فأخبرني الشيخ أبو المظفر أحمد بن أبي العباس الحسن بن محمد البسطامي الشعيري ببسطام قال أنا جدي لأمي الشيخ الزاهد أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد بن الحسين بن سهل السهلكي البسطامي قال سمعت محمد بن علي بن أحمد بن الحسين الواعظ رحمه الله يقول سمعت أحمد بن الحسين المتكلم قال سمعت بعض أصحابنا يقول إن الشيخ أبا الحسن رحمه الله لما تبحر في كلام الإعتزال وبلغ غاية كان يورد الأسئلة على أستاذيه في الدرس ولا يجد فيها جوابا شافيا فتحير في ذلك فحكى عنه إنه قال وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم عليك بسنتي فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا


وهذا إسناد فيه إبهام وجهالة شديدة

8_ النووي

وهذا الرجل يزعمون أن أصوله سلفية ويكفيك قبوريته وقوله عن الجويني والغزالي أئمته في العقيدة ، وقوله بأن تعلم علم الكلام فرض على الكفاية ، وترديده لعبارة ( منهج أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم ) والثانية وصفها ابن تيمية بأنها مقدمة كفرية ، وذكر عنه صاحب جوهرة التوحيد أنه يكفر مثبت العلو إذا كان عالماً في بلايا أخرى كثيرة ولو سلمنا رجوعه في باب الصفات فما يقال عن بقية الأبواب والعقيدة الموجودة في الجزء المنسوب له في الحرف والصوت عقيدة السالمية

وكل من كتب عن عقيدته كالذهبي والسبكي واليافعي نصوا على أنه أشعري

9_ ابن حجر العسقلاني

وهذا الرجل له استغاثات بالنبي في ديوانه الشعري ، وروى البردة للبوصيري على جهة الإقرار

وقال ابن حجر في شرح البخاري (2/444) :" وَقَدْ خَصَّ الْحَلِيمِيّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَع بِهِ الِاشْتِرَاك كَمَا لَوْ قَالَ الطَّبَائِعِيّ : لَا إِلَه إِلَّا الْمُحْيّ الْمُمِيت ، فَإِنَّهُ لَا يَكُون مُؤْمِنًا حَتَّى يُصَرِّح بِاسْمٍ لَا تَأْوِيل فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ مَنْ يُنْسَب إِلَى التَّجْسِيم مِنْ الْيَهُود لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي فِي السَّمَاء لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا كَذَلِكَ ، إِلَّا إِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْقَهُ مَعْنَى التَّجْسِيم فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّة الْجَارِيَة الَّتِي سَأَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ مُؤْمِنَة ، قَالَتْ نَعَمْ ، قَالَ فَأَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاء ، فَقَالَ أَعْتِقهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم"


فتأمل تصريحه بأن اليهودي الذي يؤمن بالعلو لا يكون مؤمناً ولو تلفظ بالشهادتين وذلك لأنهم يكفرون معتقد العلو ويردون على النبي صلى الله عليه وسلم شهادته للجارية بالإيمان وتأمل ما في كلامه من نبز الجارية بالجهل وعدم العلم بالتجسيم أي أنها لم تعلم من التوحيد ما علم هؤلاء


وقال ابن حجر أيضاً في شرح البخاري (5/123) :" لَكِنْ قَالَ حُذَّاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ : مَا عَرَفَ اللَّهَ مَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْيَدَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ فَمَعْبُودُهُمْ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ وَإِنْ سَمَّوْهُ بِهِ"


فجعل من يثبت اليد لله عز وجل كمن يقول لله ولد ومن قال بهذا القول ينبغي أن يوصف بأنه من فجرة الملحدين لا حذاق المتكلمين


وقال ابن حجر في الدرر الكامنة (1/49) :" ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما له عقد المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يعذر فقال البكري لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصاً يقتل وإن لم يكن تنقيصاً لا يعذر"


فانظر كيف كفروه بالتوحيد المحض وحديث ( إنه لا يستغاث بي ) معلوم عند أهل العلم وإن كان فيه ضعيف إلا أنه نص في المسألة ومشهور بين أهل العلم وما أنكر أحد متنه وتدل عليه قواطع الأدلة من الكتاب والسنة


وابن حجر ينقل هذا الهراء ساكتاً عليه في سلسلة من الاتهامات الفاجرة في حق شيخ الإسلام سردها سرداً والله الموعد

وقد جمع الأخ أبو موسى الروسي مخالفاته العقدية في مقال مستقل

وقد خالف عقيدة أهل السنة في باب الصفات والإيمان والقدر والنبوات وتوحيد الألوهية كما أن من قرأ ديوانه علم أن فيه ضرباً من المجون

وجهوده الحديثية مع كون كثير منها فيه نفع للأمة إلى أنها ليست كما يصور وسيأتي الكلام على هذا عند الكلام في المخالفات الحديثية

فهل مثل هذا يقال ( من بدعه فهو مبتدع ) كما يقول صالح الفوزان

10_ الصنعاني

وهذا يشهد بسلفيته الراجحي

قال محمد بن إسماعيل الصنعاني في رسالته في الحبس في التهمة المطبوعة ضمن رسائله الفقهية ص184 :" وأما النعمان بن بشير فلهم كلام فيه أيضاً قال العلامة الكبير محمد بن إبراهيم الوزير _ رحمه الله _ في كتابه قبول البشرى : النعمان بن بشير كان من المستمرين على حرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووالده  مع معاوية ويزيد ، ولم يزل مع معاوية ثم مع يزيد وتولى حمص ليزيد ثم كان زبرياً والقول بخلافة يزيد من أبعد البعيد بعد قتله الحسين "


إلى أن قال الصنعاني :" انتهى كلام السيد محمد ويريد أن النعمان كان صغيراً في عصره صلى الله عليه وسلم وكثير من يشترط طول الصحبة "


أقول : هذا الكلام في الطعن في النعمان بن بشير وأبيه لا يستغرب من الصنعاني فإن له قصيدة في سب معاوية وكان يقول بفضل علي على جميع الصحابة ويصفه ب( الوصي ) كما في كتابه ثمرات النظر وقال بأن التشيع الغالي واجب


هذا مع قوله بقول المعتزلة في خلق أفعال العباد وذبه عن عمرو بن عبيد ونصرته مذهب الجهمية الواقفة كما في رسالتيه الأنفاس اليمانية ، وإيقاظ الفكرة


ورده على ابن تيمية في مسألة العلو ورده عليه في مسألة شد الرحال في رسالة مستقلة ، وثنائه على الهادي الزيدي الجهمي وقوله عنه ( عليه السلام ) مع ظاهرية بينة في تصانيفه


وانتصر في كتابه الإشاعة إلى الخروج على الحاكم الفاسق وأنه مشروع مع القدرة واحتج بمن فعل ذلك من أهل البيت


فمع هذا كله أعجب من قول الشيخ الراجحي عنه أنه (سلفي العقيدة )


وأعجب من احتفاء الناس برسائله وإسباغ ألقاب المدح العظيم عليه ، نعم له ردود على بعض إخوانه من الزيدية في مسائل أصاب فيها وهذا لا يجعله من أئمة أهل السنة


والوقيعة في الصحابة علامة خذلان


قال حرب الكرماني في عقيدته :" فمن ذكر أحدًا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء أو طعن عليه بعيب أو تبرأ من أحد منهم، أو سبهم، أو عرض بسبهم وشتمهم فهو رافضي مخالف خبيث ضال"


وأما ما ذكره من قتال النعمان وأبيه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فلا أعلم هذا ثابتاً عن النعمان ولو ثبت فإن الصحابة دخلوا في هذا متأولين وما رد أحد منهم رواية الآخر وما اتهمه لما حصل بينهم من الفتن


قال ابن أبي شيبة في المصنف 39035- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.


نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ، ولكن قال روايته عن علي وردت من وجهٍ ضعيف ، ولعله يعني المرفوع ، فإن السند هنا قوي إلى يزيد


فهذا قول علي نفسه


وقال البخاري في صحيحه 3746 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ


وهذا الصلح نتج عنه ملك معاوية ، ولو كان الناتج عن هذا الصلح شراً لما أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم


قال أحمد في مسنده 1629 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي رِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ، وَعِنْدَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ يُدْعَى سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، فَحَيَّاهُ الْمُغِيرَةُ وَأَجْلَسَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ عَلَى السَّرِيرِ . فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَاسْتَقْبَلَ الْمُغِيرَةَ، فَسَبَّ وَسَبَّ، فَقَالَ: مَنْ يَسُبُّ هَذَا يَا مُغِيرَةُ ؟ قَالَ: يَسُبُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: يَا مُغِيرَ بْنَ شُعْبَة، يَا مُغِيرَ بْنَ شُعْبَة ثَلاثًا، أَلا أَسْمَعُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّونَ عِنْدَكَ ؟ لَا تُنْكِرُ وَلا تُغَيِّرُ، فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا سَمِعَتِ أذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنِ أرْوِي عَنْهُ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتُهُ، أَنَّهُ قَالَ: " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ، وَتَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ " لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، قَالَ: فَضَجَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يُنَاشِدُونَهُ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ التَّاسِعُ ؟ قَالَ: نَاشَدْتُمُونِي بِاللهِ، وَاللهِ عَظِيمِ أَنَا تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَوَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْعَاشِرُ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ يَمِينًا، قَالَ: وَاللهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ يُغَبِّرُ فِيهِ وَجْهَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ . وَلَوْ عُمِّرَ عُمُرَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ .


أقول : وقوله (وَاللهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ يُغَبِّرُ فِيهِ وَجْهَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ . وَلَوْ عُمِّرَ عُمُرَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ) فيه الرد القوي على من زعم أنه قد يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعضهم


وهذا الخاسر الموتور يقع هذه الوقيعة الفاجرة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم


قال مسلم في صحيحه 2422- [149-1065] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ ، يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ ، سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ قَالَ : هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ ، أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ ، يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ قَالَ : فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلاً ، أَوْ قَالَ قَوْلاً الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ ، أَوْ قَالَ الْغَرَضَ ، فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً ، وَيَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً ، وَيَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً.

قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ ، يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ.


فجعل النبي صلى الله عليه وسلم طائفة معاوية طائفة مباينة للخوارج وجمع مع طائفة علي في ضمير واحد كما في خبر أبي بكرة ، وسيرة علي بينة في الاغتباط بقتل الخوارج وذكر الأخبار الواردة في ذلك وقوله في قتال معاوية ( رأي رأيته )


وأما قول الصنعاني والوزير بإسقاط خلافة يزيد بن معاوية فهذا خلاف النص


قال مسلم في صحيحه 4732- [5-1821] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (ح) وحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيُّ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانَ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لاَ يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ، قَالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ خَفِيَ عَلَيَّ ، قَالَ : فَقُلْتُ لأَبِي : مَا قَالَ ؟ قَالَ : كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.



ونعم كان على يزيد مآخذ عظيمة وفعل في أهل الحرة ما فعل ولكن هذا لا يسقط خلافته بعد مبايعة أهل الحل والعقد ولا يمنع من ولاية الصلحاء من أهل الولاية إن كان في ذلك مصلحة راجحة وتحقيق المصالح ودفع المظالم


وقد ولي عمران بن الحصين لزياد بن أبيه ، بل إن علياً ولي لعثمان والقوم منحرفون عن عثمان



قال البخاري في صحيحه 7111 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ


وقال مسلم في صحيحه 4821- [58-1851] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ : اطْرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً ، فَقَالَ : إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.


وما ذكره من إدمان يزيد للفواحش والخمور كذب معروف ولو صح لما كان مسقطاً للخلافة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( حتى تروا كفراً بواحاً )


وأما قتل الحسين فلا شك أنه من أعظم الظلم


ويزيد لم يأمر بذلك بل تأسف لما أخبر بذلك وهذه أقوى الروايات


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (3/410) :" فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح وكان من شبان المسلمين ولا كان كافرا ولا زنديقا وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم وكان فيه شجاعة وكرم ولم يكن مظهرا للفواحش كما يحكي عنه خصومه

 وجرت في إمارته أمور عظيمة أحدها مقتل الحسين رضي الله عنه وهو لم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر


الفرح بقتله ولا نكت بالقضيب على ثناياه رضي الله عنه ولا حمل رأس الحسين رضي الله عنه إلى الشام لكن أمر بمنع الحسين رضي الله عنه وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله فزاد النواب على أمره وحض الشمرذي الجيوش على قتله لعبيدالله بن زياد فاعتدى عليه عبيدالله بن زياد فطلب منهم الحسين رضي الله عنه أن يجيء إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر مرابطا أو يعود إلى مكة فمنعوه رضي الله عنهم إلا أن يستأسر لهم وأمر عمر بن سعد بقتاله فقتلوه مظلوما له ولطائفة من أهل بيته رضي الله عنهم

 وكان قتله رضي الله عنه من المصائب العظيمة فإن قتل الحسين وقتل عثمان قبله كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله

 ولما قدم أهلهم رضي الله عنهم على يزيد بن معاوية أكرمهم وسيرهم إلى المدينة وروى عنه أنه لعن ابن زياد على قتله وقال كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين لكنه مع هذا لم يظهر منه إنكار قتله والانتصار له والأخذ بثأره كان هو الواجب عليه فصار أهل الحق يلومونه على تركه للواجب مضافا إلى أمور أخرى"


وقال أيضاً :" والقول الثالث أنه كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلا فى خلافة عثمان ولم يكن كافرا ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين وفعل ما فعل بأهل الحرة ولم يكن صاحبا ولا من أولياء الله الصالحين وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة

 ثم افترقوا ثلاث فرق فرقة لعنته وفرقة أحبته وفرقة لا تسبه ولا تحبه وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين

 قال صالح بن أحمد قلت لأبي إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد فقال يا بنى وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله والآخر فقلت يا أبت فلماذا لا تلعنه فقال يا بنى ومتى رأيت أباك يلعن أحدا

 وقال مهنا سألت أحمد عن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فقال هو الذي فعل بالمدينة ما فعل قلت وما فعل قال قتل من أصحاب رسول الله وفعل قلت وما فعل قال نهبها قلت فيذكر عنه الحديث قال لا يذكر عنه حديث وهكذا ذكر القاضى أبو يعلى وغيره "


وهذا هو التوسط والعدل


وليس من شرط الإمام أن يكون محبوباً أو عادلاً إلا في مذهب الخوارج الزيدية لا كثرهم الله ، وقد اعتد عامة الصحابة بخلافة هذا الرجل وبيعته كما تقدم عن ابن عمر وما طعن فيهم أحد بذلك


وأما ما ذكره عن اشتراط طول الصحبة فليس هذا مذهباً معروفاً لأهل العلم بل الرؤية كافية في ثبوت الصحبة


قال ابن أبي شيبة في المصنف 33084- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلاَءِ أَبُو الزَّبْرِ الدِّمَشْقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي .


فقيد الأمر بالرؤية وعلى هذا تصرف أهل الحديث وقد أجمعوا على قبول مرويات النعمان بن بشير وغاية ما يكون الأمر في مروياته أنها من مراسيل الصحابة المقبولة ، ومن مشاهير حديثه حديث ( إن الحلال بين وإن الحرام بين ) الذي أجمعت الأمة على تصحيحه


وإن من الخذلان أن تعل الأحاديث بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم


وإنني لأعجب من محقق هذه الرسائل خالد بن محمد بن عثمان المصري كيف لم يتعقب هذا الكلام بل إنه قال في ص183 :" وسيأتي كلام المصنف على رواة إسناده "


وكان من ضمن الكلام كلامه هذا في النعمان وما علق عليه بشيء سوى قوله :" ذكره الحافظ في القسم الأول من الصحابة في الإصابة " !


وترك تشكيكاته وطعوناته في هذا الصحابي بما يقضتي إسقاط جميع مروياته ، بل والطعن الواضح في أبيه أيضاً والله المستعان


بل العجيب أن المحقق وصف تلاميذ الصنعاني الذين ذكرهم بأنهم صاورا ( علماء نبلاء ) مع أن كثيراً منهم إن لم يكونوا كلهم مترجمون في أعلام الزيدية ، والزيدية المتأخرون رافضة يقعون في الصحابة وجهمية في باب الصفات وقدرية في باب القدر ولهم ضلال بعيد في باب الفقه هذا إن سلموا من الشرك في توحيد العبادة هذا مع التعظيم لأئمتهم بالضلال بل يجوز الثناء على مثل هؤلاء بهذا الثناء العظيم ؟


ولولا أن هذه الرسالة للصنعاني حققت ونشرت ووضعت منها نسخ مصورة على الشابكة لما وجدت نفسي مضطراً للرد على هذا الكلام فإن ذكره يؤلم قلبي 

والصنعاني واقفي ويغلو في التشيع ففي رسالته ( نتيجة النظر في علم الأثر ) أو نحوها يقول بأن التشيع الغالي واجب

11_ الشوكاني

وهذا يشهد له بالسلفية والتجديد أيضاً وإنا لله وإنا إليه راجعون

قال الأخ حمود الكثيري :"
قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله عن الشوكاني:
"رجل من أهل صنعاء يخطئ كثيراً، وإن كان يصيب في بعض، فليس هو حجّة على أحدٍ ولا يحتج بقوله، ولو لم يكن إلاّ أنّه مجهول الحال في العلم والدّين لكفى، وإن كان ينظر في الكتب فالذي بضاعته ما يأخذه عن الشّوكاني مزجى البضاعة، وافي الغباوة والوضاعة"
[مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 1/ 360]
***
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد وقفت على كلام لأحد الدكاترة ينفي فيه طعن محمد بن علي الشوكاني في الصحابة، وملخص ما اعتمد عليه:
-أن اللعن لمعاوية رضي الله عنه وابنه يزيد في نيل الأوطار لا يثبت.
-كيف يطعن الشوكاني فيهم وله كتاب اسمه در السحابة في مناقب الصحابة وإرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي.[وقد قلب في المقطع اسمه].
وأقول معلقاً على هذا الكلام:
-أما قضية اللعن فليس هي المعتمد الوحيد لمن قال:إن الشوكاني طعن في بعض الصحابة رضوان الله عليهم، حتى إذا ما نُفيت وأنها دسُ عليه قيل: لم يطعن الشوكاني في الصحابة أو بعضهم.
فالشوكاني له كلام قرره بشكل واضح فيه طعن في بعض الصحابة؛فقال كما في وبل الغمام[2/414-415] تحت باب حكم قتال البغاة:
"أما طلحة والزبير ومن معهم؛ فلأنهم قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته بغياً عليه، وخرجوا في جيوش من المسلمين، فوجب قتالهم"
قلت:هكذا يقع في الزبير حواري الرسول صلى الله عليه وسلم وفي طلحة الخير رضوان الله عليهم أجمعين، ولو صدق وصفه لما حصل لكان يحرم الخوض فيها فكيف والحال على خلاف هذا!
وقال[2/416-417]:
"وأما أهل صفين: فبغيهم ظاهر, ولو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار:"تقتلك الفئة الباغية"؛ لكان ذلك مفيداً للمطلوب؛ ثم ليس معاوية ممن يصلح لمعارضة علي, ولكنه أراد طلب الرياسة والدنيا بين قوم أغتام لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً؛ فخادعهم بأنه طالب بدم عثمان؛ فنفق ذلك عليهم, وبذلوا بين يديه دماءهم وأموالهم, ونصحوا له؛ حتى كان يقول علي لأهل العراق: إنه يود أن يصرف العشرة منهم بواحد من أهل الشام صرف الدراهم بالدينار. وليس العجب من مثل عوام الشام؛ إنما العجب ممن له بصيرة ودين؛ كبعض الصحابة المائلين إليه, وبعض فضلاء التابعين؛ فليت شعري أي أمر اشتبه عليهم في ذلك الأمر؛ حتى نصروا المبطلين، وخذلوا المحقين"
قلت:
إن لم يكن هذا خوضاً فيما شجر بين الصحابة وإن لم يكن كلامه في معاوية بأنه من المبطلين واتخذ دم عثمان خدعة ليصل للرياسة طعناً وسباً لهم فلا أدري ما هو الطعن والسب!
وهذا الذي فعله الشوكاني خلاف منهج السلف؛قال الخلال[799 ]: أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: سمعت أبا عبد الله، يقول: إن قوما يكتبون هذه الأحاديث الرديئة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكوا عنك أنك قلت: أنا لا أنكر أن يكون صاحب حديث يكتب هذه الأحاديث يعرفها، فغضب وأنكره إنكارا شديدا، وقال: " باطل، معاذ الله، أنا لا أنكر هذا، لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته، كيف في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: أنا لم أكتب هذه الأحاديث "، قلت لأبي عبد الله: فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر؟ قال: «نعم، يستأهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم»
وقال ابن بطة العكبري:
" نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم وكل ما شجر بينهم مغفور لهم"[ الإبانة في أصول السنة ص 268]
و قال ابن تيمية:
"ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"[الفتاوى3/152 وهو في الواسطية].
وقال:
" ويمسكون[أي أهل السنة]عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى أنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحوا السيئات ما ليس لمن بعدهم. وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم ثم إذا كان قد صدر عن أحد منهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر، والخطأ مغفور. ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهما به من الفضائل علم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله"[ العقيدة الواسطية ص 120وما بعدها]
والرد باختصار على افتراء الشوكاني وطعنه في معاوية رضي الله عنه وبأنه اتخذ دم عثمان رضي الله عنه سلماً للوصول للرياسة ؛قال ابن تيمية:
ومعاويةلم يدع الخلافة؛ ولم يبايع له بها حين قاتل عليا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه"[الفتاوى35/72]
وقد طعن الشوكاني أيضاً في المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فزعم أنه يقال عنه الأعور الزناء!!
قال الشوكاني في الفتح الرباني 3 / ص 1293 – فتوى بعنوان " الإيضاح لمعنى التوبة والإصلاح " : ( الوجه السادس ) أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وهو في اشتراطه لهذا الشرط في توبة الشهود، مخالف لما كان يتكلم به عند أن يلقى المغيرة بن شعبة وينظر إليه، فإنه كان يقول في غير مرة: "ما ذكرت قصتك إلا خشيت أن ارجم بحجارة من السماء". فهذا منه دليل، وأصعب دليل على أنه لم يقطع بكذب أولئك الثلاثة الذين شهدوا عليه، بل كان الأمر في نفسه محتملا، إن لم يكن عنده احتمال صدقهم أولى، كما يفيده هذا، ولكنه- رضي الله عنه- رجع إلى ظاهر الشرع، وهو الواجب عليه، وعلى كل مسلم، وهو المتقرر، في هذه الشريعة الغراء. وأما خشيته بأن يرجم بحجارة من السماء، فليس ذلك لكونه خطأ في الحكم الواقع منه بجلد الشهود الثلاثة، فإنه لم يخطئ بلا خلاف. ولكنه كان يقول هذه المقالة إن صحت عنه تقريعا للمغيرة وتوبيخا. وربما كان سبب قوله لها: إن المغيرة كان مشهورا. بمقارفته هذه المعصية، ولهذا كان يقال له: الأعور الزناء. ومن كان هذه المنزلة من الشهرة. بمقارفته لهذه المعصية، فهو غير عفيف. ولا جلد على القاذف بغير العفيف في الظاهر. فكان عمر- رضي الله عنه - يذكر هذا تندما، وتأسفا، حيث لم يدرأ عن الشهود الذين شهدوا عليه حد القذف ثم هذه الشبهة، وفي الأمر سعة. فيمكن [أن يقال] : إنه لم يبلغه ما يقال: من عدم عفة المغيرة إلا من بعد الجلد، ويمكن أنه لم يقطع بتلك الشهرة، ولا سيما والذين اشتهرت بينهم هذه المقالة هم أهل ولاية المغيرة، ومن كان كذلك فقد يفتري على أميره الكذب، ويقول الباطل. وعلى كل حال فالأمر في حين الاحتمال، فقد أصاب عمر .اهـ
قلت: جزمه أن المغيرة كان معروفاً بهذا باطل ! فهذه الرواية لم يروها أحد من أهل الكتب المعتبرة عند أهل السنة إنما ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني وهو رافضي حاطب ليل يجمع الغث والسمين حتى اتهمه بعضهم بسبب كثرة المناكير والموضوعات التي يأتي بها . وهذا إسناد الكلمة ؛ففي كتاب الأغاني : أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثني أبو سعيد السكري، قال: حدثنا محمد بن أبي السري- واسم أبي السري سهل بن سلام الأزدي- قال: حدثني هشام بن محمد قال: أخبرنا عوانة بن الحكم .فذكره في قصة طويلة .
قلت: هشام بن محمد هو الكلبي إخباري متروك معروف قال الإمام أحمد لابنه :من يحدث عنه ؟ إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدا يحدث عنه وقال الدارقطني متروك .
وأما ما نسبه لعمر رضي الله عنه أنه قال للمغيرة ( ما ذكرت قصتك إلا خشيت أن ارجم بحجارة من السماء ) فلا يصح, فقد ذكرها ابن خلكان في وفيات الأعيان بلا إسناد  وهي موجودة في بعض كتب الرافضة ولا يعول عليها وكذلك هي في كتاب الأغاني بلا إسناد !! فهذا غاية ما يعتمد عليه الشوكاني في الوقوع في المغيرة رضي الله عنه فالله المستعان.

ولا يمكن أن يقال إن ما قاله الشوكاني في وبل الغمام ينسخه أو يرفعه ما فعله في كتابه در السحابة الذي لم يذكر فيه معاوية رضي الله عنه، رغم ذكره لمناقب بعض التابعين !
ولو فعلنا ذلك لكان هذا من حمل المجمل[إن كان طعنه في وبل الغمام مجملاً !]على المفصل !
أما الكتاب الآخر الذي أرشد إليه الدكتور وهو كتاب إرشاد الغبي فلا أعلم صراحة هل قرأه قبل الإرشاد إليه أم لا ؟!
لأن الكتاب فيه تعظيم لأئمة الزيدية القائلين بخلق القرآن وهم أهل البيت عند الشوكاني الذي يعتمد عليهم في ذكر مذهب أهل البيت كلهم بل وفيه مخالفات واضحة لمنهج السلف كنقل الشوكاني عن الزيدي عبد الله بن حمزة حكايته لمذهب الزيدية في الخلفاء الراشدين الذين قبل عليّ رضي الله عنهم:
"يعتقدون(أي أئمة الزيدية)فيهم أنهم خير الخلق بعد محمد وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم وسلامه ويقولون قد أخطئوا(يعني الخلفاء الثلاثة) في التقدم(أي على عليّ) وعصوا معصية لا يعلم قدرها إلا الله سبحانه"[إرشاد الغبي ص53و54].
قلت:ولم يتعقب الشوكاني إمامه ابن حمزة بشيء !
بل وينقل بعدها الشوكاني عن يحيى بن حمزة الذي له رسالة مستقلة يلعن فيها معاوية وأباه رضوان الله عليهما !
وقد يستغرب القارئ من نقولات الشوكاني عن هؤلاء الزيدية الجهمية الوعيدية وهم يقعون في معاوية رضي الله عنه، أليس الشوكاني على مذهب أهل السنة في الإجماع على عدالة جميع الصحابة ويُفترض أن لا ينقل عمن يقع ولو في صحابي واحد؟
والجواب أن للشوكاني قاعدة في الصحابة يزعم عليها الإجماع وليست من قواعد أهل السنة؛قال في نيل الأوطار[7/164]وهو يتكلم عمن اخُتلف في صحبته:
" فثبوت صحبته لا يرفع القدح عنه على ما هو المذهب الراجح، بل هو إجماع لا يختلف فيه أهل العلم كما حققنا ذلك في غير هذا الموضع، وحققه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في تنقيحه "
قلت:وهذا مخالف لأهل السنة والجماعة الذين يقولون بعدالة الصحابة كلهم وأنه لا يجوز القدح فيهم أو ذكر مساويهم.
وقال أيضاً في الكتاب الذي أرشد له الدكتور:
"وقد ثبت إجماع الأئمة من أهل البيت على تحريم سب الصحابة وتحريم التكفير والتفسيق لأحد منهم إلا من اشتهر بمخالفته الدين"[50-51]
قلت:ويفهم وجه هذا الاستثناء إذا تذكرنا كلامه في معاوية رضي الله عنه وغيره والله المستعان.
وبذا يتم التعليق والله الموفق إلى سواء السبيل والطريق
وليعلم أن الشوكاني أشعري العقيدة يقول بالوقف في القرآن ويستنكر على من أنكر على الخارجين على أئمة الجور! ولبسط هذا موضع آخر"

والشوكاني والصنعاني فيهما ميل شديد لطريقة الظاهرية لذا لهما شذوذات كثيرة

12_ محمد رشيد رضا

وهذا يقول عنه مشهور حسن ( الإمام السلفي )

ويثني عليه بإطناب ابن عثيمين وبسببه تقلد تلك المقالة في حديث الجساسة

فمن العجائب في هذا العصر المليء بالعجائب أن يعظم معتزلي ينكر الأحاديث ويطعن في السلف وينكر أكثر آيات الأنبياء ( المعجزات ) ويخترع الأقوال الشاذة في الفقه فيترحم عليه كلما ذكر ويوصف ب( العلامة ) و ينصح بتفسيره وينعت ب( حكيم الإسلام ) ولا ضير بالنقل عنه ، وسني لا يقول بهذا كله بل يتبع السلف ما استطاع يسب ويحقر كلما ذكر لمجرد أنه يجرح أبا حنيفة بكلام السلف !


أعني بالمعتزلي محمد رشيد رضا والذي فيما أعلم تحمر له أنوف كثيرة أو تحمر لبعض مادحيه الذين لا أرى لهم عذراً في مدحهم المطلق له ، وإنما يتوجه المقيد في بعض المواطن مع جرحه بالجملة وإن كان على قاعدة السلف في مثل هذا الرجل أنه لا يذكر إلا بالثلب لأنه معتزلي غال


ولن أذكر كلاماً لأناس معتمدين عندي ، وإنما أذكر كلام صدق لقوم ليسوا على الجادة شهدوا ببعض الحق في هذا شأن هذا الرجل


فبين يدي كتاب اسمه ( فقه التنازلات إلى أين ) لكاتبه عادل الشعيبي ، وهذا الرجل معظم لسيد قطب ومعظم للقرضاوي مع أنه يرد عليه واشتد عليه في بعض المواطن من كتابه


وقد شهد على محمد رشيد رضا بمسألتين خطيرتين


الأولى : إلغاء جهاد الطلب


الثانية : قوله في دية المرأة بقول المعتزلة


قال عادل الشعيبي في ص 457 من كتابه المذكور :" وقد أشار _ يعني القرضاوي _ إلى أن عهد خصوم الجهاد الهجومي بدأ من لدن الإمام محمد عبده ورشيد رضا وشلتوت ودراز وخلاف وأبي زهرة وحسن البنا والسباعي والغزالي وعبد الله بن زيد المحمود


وهذا يعني أن هذا التوجه محدث لم يعرفه السلف ولا العلماء ابتدعه الإمام محمد عبده ، وقد تجاهل الشيخ _ يعني القرضاوي _ أن خصوم الجهاد الهجومي _ على حد تعبيره _ هم خصوم أئمة الإسلام وفقهاء الملة "


أقول : ولا أدري كيف طالب له وصف الماسوني محمد عبده بالإمام وتشييخ القرضاوي وإن كان شيخ سوء ومحمد عبده إمام ضلالة ، وما قاله في آخر كلامه كلام سليم بل في الواقع هم خصوم الله ورسوله


وقال عادل الشعيبي في ص599 وهو يتكلم عن كون دية المرأة في قتل الخطأ على النصف من دية الرجل :" ولولا أن هذا التفريق بين الديتين فيه إنصاف للرجل والمرأة والمجتمع لما أقره الإسلام ، فرفض هذا الحكم بحجة إنصاف المرأة فاسد جداً ، لما فيه من اتهام الإسلام بعدم إنصافها حين جاء والعرب تديها نصف دية الرجل .


كما أن فيه اتهاماً للأمة منذ القرن الأول إلى أن جاء الأصم وابن علية ، وهما من قد علمت في سوء سيرتهما ، ثم لم يرعوِ علماء الأمة عن ظلمهم وتحقيرهم للمرأة في عصر الأصم وابن علية وبعدهما طوال مئات السنين والأمة مجمعة على ضلالة ، حيث لم ينصفوا المرأة وظلوا ينظرون إليها نظرة دونية حتى جاء رشيد رضا وشلتوت وأبو زهرة والغزالي وقد كادت الشمس أن تطلع من مغربها ، فأنقذوا المرأة من ظلم علماء الملة وأئمة الإسلام وفقهاء الشريعة طيلة ثلاثة عشر قرناً "


وهذا كلام جيد ويضاف عليه أن هذا القول لداعي الاستسلام لقيم إنما ظهرت منذ خمسين عاماً تكابر كل الحقائق البيولوجية والنفسية والشرعية التي تقول أن الرجل غير المرأة ولهذا الكفار على مدى أربعة عشر قرناً لم يعترض أحد منهم على تعدد الزوجات في الإسلام أو مسألة الدية أو مسألة الميراث ولأن البشر اتفقوا على قيم منذ ظهرت الدنيا جاء منتكسو الفطرة في هذا الزمان وأرادوا تبديلها وكابروا الفطرة وجلبوا الويلات والضياع للبشر جميعاً  ، ويقلدهم هؤلاء المنهزمون نفسياً من المنتسبين للإسلام وقد حاول قبلهم أناس لما انبهروا بالفلسفة التلفيق بين بينها وبين الإسلام ، وفي عصرنا أراد كثير من الدجاجلة التلفيق بين الاشتراكية والإسلام فلما ذهب الاشتراكية وجاءت الديمقراطية أرادوا التلفيق بينها وبين الإسلام أيضاً


والكتاب الثاني عندي هو كتاب بعنوان ( آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية ) لكاتبه مشاري المطرفي


والكاتب يكثر الاستغفار لمحمد رشيد رضا مع إثباته عليه أنه ينكر الأخبار المتواترة !


قال مشاري المطرفي في خاتمة بحثه ص357 :" الخاتمة وتشمل على أهم نتائج البحث وهي "


وذكر أموراً حتى قال في ص358 :" 8_ إن تقديم العقل على النقل من أقوال الفلاسفة ومن نحا نحوهم من المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام ، وتابعهم على ذلك أصحاب المدرسة العقلية الحديثة المتمثلة بمحمد رشيد رضا ومن داء بعده من رواد مدرسة المنار .


9_ يعتبر الشيخ ! محمد رشيد رضا من أصحاب المدرسة العقلية الحديثة بل هو أحد رموزها والتي هي امتداد للمدرسة العقلية القديمة (( المعتزلة ))


10_ إن للشيخ محمد رشيد رضا من الآراء العقدية التي يكفي بالحكم على من قال ببعضها أنه إلى فكر الاعتزال أقرب منه للسلفية "


ثم ذكر إنكار رشيد رضا للدجال ونزول المسيح وخروج المهدي وطلوع الشمس من مغربها حتى قال :" 16_ إن آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى لها آثار فكرية سيئة ، فقد فتحت باباً للطعن في السنة النبوية والصحيحين ، وتشكيك المسلمين في عقائدهم ، وإحياء تراث المعتزلة وإيجاد الجرأة على الثوابت الإسلامية وخدمة أغراض المستشرقين "


ولغة الكاتب باردة وتمييعية والمقصود التنبيه على ضلال الرجل وهذا المذكور هنا لا يمثل إلا خمس ضلالات محمد رشيد رضا وإلا فضلالاته كثيرة جداً فقد أنكر عشرات الأحاديث الثابتة في غير أشراط الساعة وأنكر الرجم وقال بالتفويض وصدق النظريات الباطلة وطعن في السلف كأبي هريرة ومعاوية وانتصر للديمقراطية وأنكر الناسخ والمنسوخ وأمور كثيرة يصعب حصرها


وقد ذكر هذا الباحث له عدة شذوذات فقهية خالف فيها إجماع الأمة


أ_ قوله بجواز التيمم بالسفر حتى مع وجود الماء !


ب_ قوله بجواز ربا الفضل لأنه كما يقول منع سداً للربا الجاهلي فيباح للضرورة !


وقد رد عليه ابن إبراهيم آل الشيخ


ج_ قوله بجواز العمل بالحساب في الرؤية الشرعية


د_ قوله بجواز الجمع بين الصلاتين دون عذر !


و_ قوله بجواز نكاح الوثنيات !


ز_ قوله بعدم حرمة الحمر الأهلية


ونقل له كلام فاجر في حق معاوية بن أبي سفيان ، وأثبت عليه إنكار حقيقة السحر مطلقاً وإنكار سحر النبي صلى الله عليه وسلم وتصريحه بتقديم العقل على النقل وإنكاره لمعجزة انشقاق القمر ، وقوله بخلود أصحاب الكبائر في النار وقوله أن الاسراء والمعراج كان رؤيا منامية وقوله بأن الملائكة قوى طبيعية وتشكيكه في كون آدم أبا البشر


وبعد كل هذه الزندقات يقول عنه مشهور حسن ( الإمام السلفي ) ويصفه محمد براء ياسين بأنه من أهل السنة


وهذا سالم بهنساوي الإخواني المعروف


يقول في كتابه تهافت العلمانية في الصحافة العربية :" لقد نسب إلينا المقال القول بأن الشيخ محمد عبده ومدرسته الإصلاحية ردت المعجزات النبوية وأولت النصوص الشرعية تبعًا للهوى ومسايرة للغرب.

ثم دافع عنه لأنه «ليس في طائفتهم من ينكر معجزة أو يرده، مما ورد في القرآن أو جاءت به الأحاديث الصحيحة تواترًا أو آحادًا، وليس فيهم من يؤول المعجزات الواردة في القرآن بنص صريح بل فيهم من يعتبر ذلك ردة وكفرًا».

ولقد أيد وجهة نظره بأقوال الشيخ محمد، رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده.

ونود أن نؤكد أنه لم يرد في مقالي أن تأويلهم النصوص كان تبعًا للهوى، بل قلت: إنهم تأثروا في الغرب فسايروه في إنكار الإسراء بالجسد ظنًا منهم أنهم يدافعون عن الإسلام.

وكنت أود أن ينقل لنا الأستاذ أقوالاً للشيخ محمد عبده تفيد أنه لا يرد المعجزات النبوية الواردة بطريق أحاديث الآحاد، لأن أقوال الشيخ رشيد رضا تعبر عن وجهة نظر شيخه، اللهم إن كان شيخه لم يصرح بخلافها، فما بالنا والشيخ محمد عبده قد تجاوز الحدود العلمية في تأويل المعجزات، وقد نقلنا هذا التأويل عنه وكان الأولى أن يناقش ذلك من خالفنا ليتضح هل رجمناه بالغيب عندما نسبنا له ذلك أم أن هذه أقواله.

لقد جاء في مقالي ما نصه:

«وقد بدأ أصحاب هذا التيار برد المعجزات التي لم ينص عليها القرآن الكريم والسنة المتواترة، ولكن النتيجة الطبيعية لهذه البدعة هي أن هؤلاء العلماء أصبحوا يؤولون المعجزات الواردة في القرآن الكريم بنص صريح. فزعموا أن الإسراء كان بالروح فقط، وزعموا أن هزيمة أصحاب الفيل كانت عن طريق الرعب والخوف مع أن الله تعالى يقول: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (1) ولكن الإصلاح الديني الذي أرادوه هو الزعم بأن هذه الطيور هي مرض الجدري والحصبة الذي جعل الجيش يولي هاربًا». وهذه تأويلات الشيخ محمد عبده كما نقلت عنه في " التفسير " وفي " الأعمال الكاملة " وكتابه " رسالة التوحيد " حيث قال: «لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُتَّخَذَ حَدِيثٌ مِنْ أَحَادِيثِ الآحَادِ، دَلِيلاَ عَلَى العَقِيدَةِ مَهْمَا قَوِيَ سَنَدُهُ»"


تَأْوِيلُ صَرِيحِ القُرْآنِ:

والشيخ محمد عبده أَوَّلَ الملائكة والجن والشياطين، فقال عن الملائكة: «هِيَ نَوَازِعُ الخَيْرِ فِي أَنْفُسِنَا، وَعَنْ الشَّيَاطِينِ هِيَ نَوَازِعُ الشَّرِّ». (المرجع السابق: ج 4 ص 143).

والشيخ محمد عبده لا يجهل ما رواه الإمام مسلم عن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - (في تفسر سورة الجن): {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1].

فقد جاء في الحديث النبوي: «وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ. فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ. قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيْءٍ حَدَثَ. فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا. فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا».

فالحديث صريح في أن الشياطين مخلوقات تتحرك وليست نوازع في النفس الإنسانية.

والقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تدل على أن الملائكة مخلوقات وكذا الشياطين، وأن لها حياة ومملكة ووظائف نكتفي هنا بقول الله في وصف إبليس: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (2).

وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ

أَبَى} (1).

وقال تعالى عن وظائف الملائكة: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} (2).

ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (3).

كما يقول تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ} (4).

كما يقول تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} (5).

فهل هذه نوازع في النفس أم مخلوقات لها رسالة تتحرك لتحقيقها؟


تَحْقِيقُ أَهْدَافِ المُسْتَشْرِقِينَ:

إن الذين يؤولون نصوص القرآن والسنة يخدمون أهداف المستشرقين، مع أنهم ما فعلوا ذلك إلا رَدًّا على هؤلاء الأعداء ودفاعًا عن الدين فيما يفهمون، فالمستشرقون تواتروا على ذلك وحسبنا هنا ما كتبه المستشرق (درمنجم) الذي نقل عن الدكتور (هيكل) في كتابه " حياة محمد "، فقد زعم هذا المستشرق أن أحاديث الإسراء والمعراج أساطير لم يرجح منها علماء الحديث رواية واحدة يعتمد عليها"


والحركيون المعاصرون غالباً ما يذكرون رشيد رضا بخير حتى أن قصة ( أمات مسلم في الصين ) مشهورة في محاضراتهم للتدليل على هم محمد رشيد رضا بالأمة الإسلامية !


قال محمد بن موسى الشريف في كتابه التوريث الدعوي ص44 :" هذا فيما يتعلَّق بالعلماء مع طلبتهم، أما الدعاة فقد حرص كثير منهم على توريث دعوته لغيره من الناس باللقاء معهم، وإفادتهم من تجاربه، وتوريثهم من علمه وفنِّه، وكان منهم من يخص بعض طلبته بمزيد من الاعتناء والتوجيه، وذلك متضح في سير بعض الدعاة، منهم:

1 - جمال الدين الأفغاني  وتلميذه الأستاذ محمد عبده.

2 - الأستاذ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا

3 - الشيخ محمد محمود الصواف وأستاذه أمجد الزهاوي.

وعلاقة هؤلاء الثلاثة بمشايخهم وثيقة إلى حد كبير جداً، ولقد ورثوا منهجهم وطريقتهم في الدعوة، وكان للمشايخ أثر كبير في حياة التلاميذ الأعلام، وهذه العلاقة ينبغي أن تكون منهجاً يُسار عليه ويُصار إليه، ونبرات يضيء لنا الطريق إلى الاستفادة من كبار العلماء والدعاة الأحياء حتى لا يأتيهم الأجل إلا وقد وُرِثوا وراثة حقيقية نافعة"


وترجم في الحاشية لمحمد عبده الماسوني صاحب وحدة الوجود وشيخ قاسم أمين في الدعوة للسفور ووصفه بالإمام المجدد !


وقد قال سلمان العودة في محاضرة له عن المذهبية وهو يبحث مسألة نجاسة الخمر ويخرق إجماع السلف بالقول بنجاستها :" ولجماعة من الأئمة المعاصرين كالشيخ محمد رشيد رضا وغيره، أن الخمر طاهر بذاته وليس بنجس"


فمحمد رشيد رضا من الأئمة !


وقال في مكان آخر من دروسه :"

المرحلة الثانية: وهي أن هؤلاء الذين كانوا يقولون: لا تحاكمونا إلا إلى المجمع عليه، سينتقلون بنا بعدها ويقولون لنا حتى الإجماع نفسه فيه خلاف، فهناك من العلماء من لا يقبل الإجماع، كما هو مذهب بعض الظاهرية، حتى بعض المتأخرين من الأصوليين قد لا يقولون بالإجماع.

فنحن معذورون أن نأخذ ما نرى، خاصةً إذا تصورنا أن من الناس من لا يفرقون بين عالم قديم وعالم معاصر، فلو جاء عالم معاصر برأي ينقض إجماعاً قديماً، اعتبروا هذا العالم حجة في نقض الإجماع، ولذلك يحتج بعضهم بعلماء متأخرين، كالشيخ محمد رشيد رضا، وهم علماء أفذاذ، ولهم منزلة، ولهم آراء ناضجة، لكن لهم آراء -أيضاً- لا يوافقون عليها"


فرشيد رضا مع كل هذه الضلالات من العلماء الأفذاذ وأحسب في هؤلاء أن الجهم بن صفوان لو خرج فيهم لجعلوه إماماً مع مخالفتهم له ولا تسأل عن بشر المريسي فربما لو ظهر فيهم لصار يذكر ويترحم عليه أكثر من الحسن البصري وسعيد بن المسيب





فقد كتب محمد براء ياسين صاحب كتاب ( مقالات في تناقضات الأشعرية ) مقالاً في تحرير موقف محمد رشيد رضا من معاوية وأثبت فيه الطعن عليه ونشره في ملتقى أهل الحديث ، فجاء الناس وقد احتملته الحمية على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرأ من محمد رشيد رضا فتعقبه محمد براء ياسين بأن هذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة وأن المؤمن لا يتبرأ منه بزلة يزلها

وهكذا شهد لمحمد رشيد رضا بالإيمان ، وهذا الذي زعمه منهجاً لأهل السنة والجماعة ونقل كلاماً لابن تيمية يرددونه دائماً وكأن ابن تيمية لم يقل غيره في هذا الخصوص ولم ينزلوه منزلته الحق سيقضي على أئمة السلف بالغلو

قال الخلال في السنة 658- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : جَاءَنِي كِتَابٌ مِنَ الرَّقَّةِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لاَ نَقُولُ : مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَغَضِبَ وَقَالَ : مَا اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ , يُجْفَوْنَ حَتَّى يَتُوبُوا.
659- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : وَجَّهْنَا رُقْعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ : لاَ أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ , وَلاَ أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْبًا ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ , يُجَانَبُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ , وَلاَ يُجَالَسُونَ , وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ.

وهؤلاء الذين أمر أحمد بهجرهم لم يقولوا ما قاله محمد رشيد رضا

قال حرب الكرماني في عقيدته الموجودة في آخر مسائله (3/ 967) :" هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم"

ثم قال بعد أن قرر عدداً من المسائل (3/ 976) :" ومن السنة الواضحة البينة الثابتة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أحدًا منهم، أو طعن عليهم، أو عرض بعيبهم أو عاب أحدًا منهم بقليل أوكثير، أو دق أو جل مما يتطرق إلى الوقيعة في أحد منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا قبل الله صرفه ولا عدله بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربه، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة"
وقد حكى  الصابوني أنّ أهل السنة اتفقوا على القول بقهر أهل البدع و إذلالهم و إخزائهم و إبعادهم و إقصائهم و التباعد منهم و عن صحبتهم و عن مجادلتهم ، و التقرّب إلى الله ببغضهم و مهاجرتهم ) .[ عقيدة السلف أصحاب الحديث ، للصابوني ، ص : 130 ].

وقد تبرأ عبد الله بن عمر من القدرية

وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب معاص فتبرأ ممن سلق ومن حلق وتبرأ ممن استنجى برجيع دابة أو روث

فكيف بالبدع المضلة ؟

وهذا أصل معروف عند أهل السنة

ومحمد رشيد رضا لم يقتصر ضلاله على هذا ، فالرجل مفوض في باب الصفات طاعن في أبي هريرة منكر للعشرات من الأحاديث الصحيحة منكر للدجال ونزول المسيح والمهدي ومنكر للرجم

قال محمد رشيد رضا: ( ذكرنا في المنار غير مرة أن الذي عليه المسلمون من أهل السنة وغيرهم من الفرق المعتد بإسلامهم أن الدليل العقلي القطعي إذا جاء في ظاهر الشرع ما يخالفه فالعمل بالدليل القطعي متعين، ولنا في النقل التأويل أو التفويض وهذه المسألة مذكورة في كتب العقائد التي تدرس في الأزهر وغيره من المدارس الإسلامية في كل الأقطار كقول الجوهرة :
وكل نص أوهم التشبيها * أوله أو فوض ورم تنزيها .)
[شببهات النصارى وحجج الإسلام : محمد رشيد رضا ص71-72 (نقلاً من المدرسة العقلية الحديثة (289)]
وهذا يبين سيره في الصفات على منهج الجهمية

وقال محمد رشيد رضا : ( وإن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز، ليست من أصول الدين ولا فروعه … وأنه ليست من أصول الإيمان، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه ) [مجلة المنار: مجلد (29) ص 104] .
أقول : أعوذ بالله هكذا يخرج أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من الدين والله عز وجل يقول ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
وهذا نص عام وقد كان الصحابة يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في عامة أحواله ، فلما وضع الضب على مائدته تركوا الأكل حتى أخبرهم بعلة تركه ، وهذا أنس بن مالك لم يزل يحب الدباء منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحبه
وحتى لو كان الحديث من العادات التي لا تتبع بزعمك فما وجه الكفر بها وعدم الإيمان
فقوله ( ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه)
باطل بل من أركان الإسلام الإيمان بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة أهل الحديث ، وهذا الكلام ما تجرأ عليه حتى المعتزلة الأوائل

- وقال رشيد رضا –في معرض رده على أحد دعاة النصارى-: ( فإن كان أراد بأركان الشريعة، أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمناً، فقد علمت أنه لا يتوقف شيء منها على خبر الآحاد ) [مجلة المنار : مجلد (19) ص 29 ]
قال رشيد رضا : … بقي الكلام في مسألة العجائب التي بنيت على أساسها النصرانية على اختلاف مذاهبها، وفيما يدعونه من تجرد محمد صلى الله عليه وسلم من لباسها، وهي قد أصبحت في هذا العصر حجة على دينهم لا له، وصادة للعلماء والعقلاء عنه لا مقنعة به، ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام، لكان إقبال الإفرنج عليه أكثر واهتداؤهم به أعم وأسرع !! لأن أساسه قد بني على العقل والعلم وموافقة الفطرة البشرية، وتزكية أنفس الأفراد، وترقية مصالح الاجتماع، وأما آيته – أي محمد صلى الله عليه وسلم- التي احتج بها على كونه من عند الله تعالى هي القرآن وأمية محمد عليه الصلاة والسلام ، فهي آية علمية تدرك بالعقل والحس والوجدان .
كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
وأما تلك العجائب الكونية فهي مثار شبهات وتأويلات كثيرة، في روايتها وفي صحتها ودلالتها، وأمثال هذه الأمور تقع من أناس كثيرين في كل زمان، والمنقول عن صوفية الهنود والمسلمين أكثر من المنقول عن العهدين العتيق والجديد وعن مناقب القديسين وهي من منفرات العلماء عن الدين في هذا العصر . ا هـ[تفسير المنار (11/155) ]
قال أحد الباحثين معلقاً على كلام رشيد رضا هذا :
وفي الكلام السابق مغالطات شنيعة ما كان ينبغي أن يصدر من رجل كرشيد رضا :
الأولى : أن المعجزات أصبحت في هذا العصر حجة على الدين لا له .
الثانية: قوله: (ولولا حكاية القرآن …إلخ ) يُفهم منه أن القرآن بذكره للمعجزات والغيبيات التي لا يمكن إدراك كنهها،كان سبباً في صدود الأحرار الإفرنج عن دين الإسلام ! .
الثالثة: أن هذه العجائب الكونية أصبحت في هذا العصر من منفرات العلماء عن الدين !
أقول أنا عبد الله الخليفي : هذا الكلام باختصار هدم للدين وإيغال في العقلانية والاعتزال

ويقول رشيد رضا – في ذكر محاسن الخديوي عباس- : ( أول ما عرف الناس من محاسنه ما يسمى في عرف هذا العصر بالوطنية ) [تاريخ الأستاذ الإمام: (1/159) ( الاتجاهات الوطنية : (1/49)]
فهنا هو يثني على الوطنية التي هي دعوة حزبية خبيثة للتفريق بين المسلمين على أساس الانتماءات القطرية.

وقد نقل رشيد رضا في تفسير المنار (3/392) عن شيخه محمد عبده قوله :"
و أما ما ورد في حديث مريم و عيسى ، من أن الشيطان لم يلمسهما و حديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم ، و إزالة حظ الشيطان من قلبه ، فهو من الأخبار الظنية ، لأنه من رواية الآحاد ، و لما كان موضوعها عالم الغيب من قسم العقائد ، و هي لا يؤخذ فيها بالظن ، لقوله تعالى : [ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ] [ النجم : 28 ] ، فإننا غير مكلفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا "
فهذا إنكار لثلاثة أحاديث صحيحة متفق عليها اتفق أهل الصنعة على تصحيحها وإنكار حديث واحد صحيح كفر فكيف بإنكار عدد كبير من الأحاديث الصحيحة كما هو شأن محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا

زد على ذلك إنكاره أن يكون آدم أول البشر وثناؤه على دارون وطعنه في كعب الأحبار وقوله أن أصل العالم من الكهرباء
فالرجل كان داعية بدعة بل داعية زندقة

قال ابن تيمية كما في الفتاوى (10/ 376):" وكذلك يجوز قتال (البغاة) وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونهم عدولا ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه من جزية أو خراج أو غير ذلك إذ الصحابة لاخلاف فى بقائهم على العدالة أن التفسيق انتفى للتأويل السائغ وأما القتال فليؤدوا ما تركوه من الواجب وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وان كانوا متأولين
وكذلك نقيم الحد على من شرب النبيذ المختلف فيه وان كانوا قوما صالحين فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم بين في الدين أو الدنيا وان كانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم في الدنيا كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه إلى الإمام وان كان قد تاب توبة نصوحا وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المكره فيحشرون على نياتهم وكما يقاتل جيوش الكفار وفيهم المكره كأهل بدر لما كان فيهم العباس وغيره وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول في الدنيا من لا يستحقها في الآخرة وتكون في حقه من جملة المصائب كما قيل في بعضهم القاتل مجاهد والمقتول شهيد وعلى هذا فما أمر به آخر أهل السنة من إن داعية أهل البدع يهجر فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فإن هجرة تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها وإن كان في نفس الأمر تائبا أو معذورا إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين أما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وأما عقوبة فاعلها ونكاله فأما هجرة بترك في غير هذا الموضع"

قلت: فانظر كيف صرح بوقوع العقوبة على داعية البدع وإن كان في نفسه متأولاً مراعاةً للمصلحة العامة في ترك الناس لبدعته.

فكيف برجل كمحمد رشيد رضا وقد بدع السلف وضللوا وتبرأوا ممن هو خير منه ؟

والذي أريد قوله أن هنا ثمة منهج فتاك يميع من أي ضلالة عقدية بحجة أن المؤمن لا يتبرأ منه بالزلة وتسمى الضلالة ( زلة ) وتختزل الضلالات العظيمة بكلمة ( زلة ) أو ( زلات ) ، ثم يعظم هذا الضال تعظيماً يضن به على كثير من أهل السنة ممن هم أعلم منه وأتبع للسنة منه ، ولكن السني إذا كان مصنفاً من الغلاة أو غلاة التجريح عند هؤلاء فلا ترى له حسنة أبداً إلا في النادر ، وفقط تبصر مثل حسنات محمد رشيد رضا

ومحمد رشيد رضا ضلالاته ليست محصورة بالمألوف والتقليدي بل فتح باباً من الضلال الاعتزالي كان موصداً من قرون ، ولو أدركه السلف لما كان إلا في منزلة الأصم أو المريسي لجرأته العظيمة على السنة

وقد قال حرب الكرماني في عقيدته في الجهمية ( من لم يكفرهم فهو منهم )

فكيف بمن يرفض مجرد البراءة من واحد منهم اجتمع فيه من الضلالات ما يتنزه عنه عامة الجهمية ، فإن الواقفة واللفظية لا يؤثر عنهم إنكار للأحاديث الصحيحة بل حتى بشر المريسي كان يقر بأن رد الحديث كفر

وقال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ : يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ , فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ.

فانظر إلى إقرار المريسي الخبيث لتكفير أهل الحديث لصاحبه الراد للأحاديث ولكنه يعلمه حيلة ولا تنطلي على من نور الله قلبه بنور الإيمان ، فليس كل من هب ودب يقول ( له علة ) فإن هذا علم منضبط بقواعد يميز بها الصيرفي الطيب من الزيف

فقد صنف  مقبل بن هادي الوادعي كتاباً في بعد محمد رشيد رضا عن السلفية .

 وقد وجدت ضلالات يذيل بها على ما كتبه ، وقد استفدتها من بعض الأبحاث



قال محمد رشيد رضا: ( ذكرنا في المنار غير مرة أن الذي عليه المسلمون من أهل السنة وغيرهم من الفرق المعتد بإسلامهم أن الدليل العقلي القطعي إذا جاء في ظاهر الشرع ما يخالفه فالعمل بالدليل القطعي متعين، ولنا في النقل التأويل أو التفويض وهذه المسألة مذكورة في كتب العقائد التي تدرس في الأزهر وغيره من المدارس الإسلامية في كل الأقطار كقول الجوهرة :

وكل نص أوهم التشبيها * أوله أو فوض ورم تنزيها .)

[شببهات النصارى وحجج الإسلام : محمد رشيد رضا ص71-72 (نقلاً من المدرسة العقلية الحديثة (289)]

وهذا يبين سيره في الصفات على منهج الجهمية


وقال محمد رشيد رضا : ( وإن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز، ليست من أصول الدين ولا فروعه … وأنه ليست من أصول الإيمان، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه ) [مجلة المنار: مجلد (29) ص 104] .

أقول : أعوذ بالله هكذا يخرج أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من الدين والله عز وجل يقول ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )

وهذا نص عام وقد كان الصحابة يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في عامة أحواله ، فلما وضع الضب على مائدته تركوا الأكل حتى أخبرهم بعلة تركه ، وهذا أنس بن مالك لم يزل يحب الدباء منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحبه

وحتى لو كان الحديث من العادات التي لا تتبع بزعمك فما وجه الكفر بها وعدم الإيمان

فقوله ( ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه)

باطل بل من أركان الإسلام الإيمان بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة أهل الحديث ، وهذا الكلام ما تجرأ عليه حتى المعتزلة الأوائل


- وقال رشيد رضا –في معرض رده على أحد دعاة النصارى-: ( فإن كان أراد بأركان الشريعة، أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمناً، فقد علمت أنه لا يتوقف شيء منها على خبر الآحاد ) [مجلة المنار : مجلد (19) ص 29 ]

قال رشيد رضا : … بقي الكلام في مسألة العجائب التي بنيت على أساسها النصرانية على اختلاف مذاهبها، وفيما يدعونه من تجرد محمد صلى الله عليه وسلم من لباسها، وهي قد أصبحت في هذا العصر حجة على دينهم لا له، وصادة للعلماء والعقلاء عنه لا مقنعة به، ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام، لكان إقبال الإفرنج عليه أكثر واهتداؤهم به أعم وأسرع !! لأن أساسه قد بني على العقل والعلم وموافقة الفطرة البشرية، وتزكية أنفس الأفراد، وترقية مصالح الاجتماع، وأما آيته – أي محمد صلى الله عليه وسلم- التي احتج بها على كونه من عند الله تعالى هي القرآن وأمية محمد عليه الصلاة والسلام ، فهي آية علمية تدرك بالعقل والحس والوجدان .

كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم

وأما تلك العجائب الكونية فهي مثار شبهات وتأويلات كثيرة، في روايتها وفي صحتها ودلالتها، وأمثال هذه الأمور تقع من أناس كثيرين في كل زمان، والمنقول عن صوفية الهنود والمسلمين أكثر من المنقول عن العهدين العتيق والجديد وعن مناقب القديسين وهي من منفرات العلماء عن الدين في هذا العصر . ا هـ[تفسير المنار (11/155) ]

قال أحد الباحثين معلقاً على كلام رشيد رضا هذا :

وفي الكلام السابق مغالطات شنيعة ما كان ينبغي أن يصدر من رجل كرشيد رضا :

الأولى : أن المعجزات أصبحت في هذا العصر حجة على الدين لا له .

الثانية: قوله: (ولولا حكاية القرآن …إلخ ) يُفهم منه أن القرآن بذكره للمعجزات والغيبيات التي لا يمكن إدراك كنهها،كان سبباً في صدود الأحرار الإفرنج عن دين الإسلام ! .

الثالثة: أن هذه العجائب الكونية أصبحت في هذا العصر من منفرات العلماء عن الدين !

أقول أنا عبد الله الخليفي : هذا الكلام باختصار هدم للدين وإيغال في العقلانية والاعتزال


ويقول رشيد رضا – في ذكر محاسن الخديوي عباس- : ( أول ما عرف الناس من محاسنه ما يسمى في عرف هذا العصر بالوطنية ) [تاريخ الأستاذ الإمام: (1/159) ( الاتجاهات الوطنية : (1/49)]

فهنا هو يثني على الوطنية التي هي دعوة حزبية خبيثة للتفريق بين المسلمين على أساس الانتماءات القطرية.


وقد نقل رشيد رضا في تفسير المنار (3/392) عن شيخه محمد عبده قوله :"

و أما ما ورد في حديث مريم و عيسى ، من أن الشيطان لم يلمسهما و حديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم ، و إزالة حظ الشيطان من قلبه ، فهو من الأخبار الظنية ، لأنه من رواية الآحاد ، و لما كان موضوعها عالم الغيب من قسم العقائد ، و هي لا يؤخذ فيها بالظن ، لقوله تعالى : [ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ] [ النجم : 28 ] ، فإننا غير مكلفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا "



فهذا إنكار لثلاثة أحاديث صحيحة متفق عليها اتفق أهل الصنعة على تصحيحها وإنكار حديث واحد صحيح كفر فكيف بإنكار عدد كبير من الأحاديث الصحيحة كما هو شأن محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا

فإن كان عندهما علم فلا خير في علم لا يقود صاحبه إلى السنة ، ويجعله جريئاً على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأي حمية على الإسلام هذه التي تؤدي إلى هدم الإسلام بحجة الدفاع عنه

وهذه مجرد نماذج وإلا فالأمر كثير وفي أناس ربما يكونون خيراً من هؤلاء كالبغوي صاحب التفسير فإنه يسير على عقيدة الأشعري التي في مقالات الإسلاميين ومع ذلك دائماً يذكر تفسيره مع التفاسير السلفية

وهناك بلايا كثيرة في هذا الباب

فمحمد إسماعيل المقدم شهد للسنوسية بالسنية تأثراً ببعض المؤرخين الكذابين

وسيد العفاني عد حسن البنا إماماً مجدداً

والعدوي أقر كلاماً فيه جماعة من كبار الأشعرية بل وبعض المعتزلة من المجددين

والمغراوي أقر كلاماً فيه عد السرهندي من المجددين

وهذا من العدوي والمغراوي بسبب جهلهما بمقالات الناس والمغراوي فيه تحرق على العقيدة في الجملة لا يوجد عند عامة هؤلاء

ومحمد بن موسى الشريف يترحم على أبي حيان التوحيدي الزنديق

وبلايا كثيرة جداً في هذا الباب والله المستعان وأما مخالفة موقف كلام السلف في أهل الرأي فعجب عجاب

فهذا الحسن اللؤلؤي الذي قال فيه يزيد بن هارون ( أومسلم هو ) يتكلم فيه الدارمي فيأتي ويترجم له بترجمة حافلة بثناءات الذهبي عليه وإنا لله وإنا إليه راجعون

والمراد هنا أمثلة وتأمل أنني لم أذكر إلا من من تلبس ببدع مكفرة ويذكر منهم أيضاً الآلوسي صاحب روح المعاني فإنه صاحب وحدة وجود ، ويذكر المناوي فإنه معظم لابن عربي وأقر خرافات عجيبة له بعضها فيه طعن في الأنبياء

علاوة على الإطناب في الثناء على مثل السبكي والهيتمي وغيرهم ممن عادى التوحيد ظاهراً

ودعوى عدم قيام الحجة على دعاة الكفر الذين اشتهر عنهم الكذب والتدليس والدعوة للكفر كحسن السقاف وإسلام البحيري وسعيد فودة ومحمد زاهد الكوثري حتى أنه من ترحم على الكوثري لا ينكر عليه

وبعض أقحاح القبورية كالشعراوي والجفري

والعجيب أن المدخلي أغلظ المقال في الطرطوشي وتلميذه الظفيري أغلظ في العز بن عبد السلام وهذان الاثنان خير من معظم من ذكرناهم

الخطأ الثاني والأربعون : جعل جميع البدع على مرتبة واحدة وجعل كل ثناء على مبتدع ولو كان مقيداً موازانات وصاحبها مميع والخلط بين الغلط في المسألة والغلط في الموقف من المخالف ، والخلط بين الإقرار بالقاعدة مع الخطأ في تطبيقها وبين إنكار القاعدة أصلاً حتى جعل المقارنة بين المخالفين أو ذكر مقدمة قولهم موازنات مذمومة ، والخلط بين عدم إظهار العداوة الذي أمر أحمد أهل خراسان بمثله ، والقول بموافقة الناس في عقائدهم ظاهراً دون اضطرار

فالباب عند هؤلاء في هذا كله واحد بل من يسمونه بالمميع يشتغلون به أكثر من اشتغالهم من أصحاب البدع والأخطاء

ثم جعل الواقع في هذا كالجهمية وأهل الرأي

وهذه طريقة محمود الحداد وعماد فراج وعماد أكثر طرداً لها ، وأما الأذناب فلا شأن لي بهم ، وقد وصل الأمر في عماد أن عد ابن تيمية أخبث من أبي حنيفة وحام على تكفيره وتكفير أئمة الدعوة النجدية

وقد كتبت مقالاً بعنوان ( لماذا احتمل السلف هؤلاء ) في مناقشة هذا المسلك وتكلمت في بعض المواطن

وإذا رددنا على هؤلاء يقول بعض السفهاء ( أنت فتحت باباً للمميعة ) ولا يدري أن هؤلاء فتحوا باباً لكل زنادقة الدنيا

فكل الزنادقة من رافضة وإباضية وجهمية وصوفية يبغضون ابن تيمية وابن عبد الوهاب بغضاً شديداً ويحاولون الطعن عليهم في أي شيء وكثير منهم يكفرهم

فما أقر أعينهم إن علموا أن هناك من يكفرهم ويضللهم وسيفرحون بأن منهج الغلاة جاء بإسقاط رؤوسه ، هذا في الوقت الذي قويت فيه شوكة جميع أهل البدع

والآن سأسرد مجموعة أمثلة تنقض على هؤلاء طريقتهم وتلزمهم باتهام جميع السلف بالتمييع والموازنات

1_ إبراهيم بن طهمان

هذا الرجل مرجيء ومع ذلك روى عنه ابن المبارك

وذكر عبد الله بن أحمد وغيره من أئمة أهل السنة كلامه في تكفير الجهمية

وعلى قاعدة القوم ينبغي أن يكون هؤلاء مميعة وخونة إذ ينقلون كلام المرجيء في تكفير


 قال نوح أبو عمرو المروزى ، عن سفيان بن عبد الملك عن ابن المبارك : صحيح الحديث .
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه و أبو حاتم : ثقة .
و قال عبد الله بن أحمد عن يحيى بن معين : لا بأس به .
و كذلك قال العجلى .
و قال أبو حاتم : صدوق ، حسن الحديث .
و قال عثمان بن سعيد الدارمى : كان ثقة فى الحديث ، لم يزل الأئمة يشتهون حديثه ، و يرغبون فيه و يوثقونه .
و قال أبو داود : ثقة وكان من أهل سرخس ، فخرج يريد الحج فقدم نيسابور فوجدهم على قول جهم ، فقال : الإقامة على هؤلاء أفضل من الحج . فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء .
و قال صالح بن محمد الحافظ : ثقة حسن الحديث ، يميل شيئا إلى الإرجاء فى الإيمان ، حبب الله حديثه إلى الناس ، جيد الرواية

وهذا كله تميع عند القوم

والرجل بدعته ما كانت مكفرة ولا كان داعية وكان شديداً على الجهمية ما مدحوه بأمر ليس فيه

وأما الرواية التي فيها أن إرجاؤه لم يكن الخبيث فهي باطلة

وقد روي خبر في كون إرجاء ابن طهمان ليس مذموماً ولا يصح

 قال الخطيب في تاريخه (7/13) : أَخْبَرَنَا محمد بن عمر بن بكير، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن أحمد الصفار، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن ياسين، قَالَ: سمعت أحمد بن نجدة، وعلي بن محمد، يقولان: سمعنا أبا الصلت، يقول: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: ما قدم علينا خراساني أفضل من أبي رجاء عبد الله بن واقد الهروي

 قلت له: فإبراهيم بن طهمان قَالَ: كان ذاك مرجئا

 قَالَ علي قَالَ أبو الصلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم كانوا يرجون لأهل الكبائر الغفران، ردا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب، فكانوا يرجون، ولا يكفرون بالذنوب، ونحن كذلك

 سمعت وكيع الجراح، يقول: سمعت سفيان الثوري في آخر أمره يقول: نحن نرجو لجميع أهل الذنوب والكبائر الذين يدينون ديننا ويصلون صلاتنا وإن عملوا أي عمل، وكان شديدا على الجهمية.


أحمد بن محمد بن ياسين متهم بالكذب ، والمتن منكر فإن عدداً وصفوه بالإرجاء فلو كان يقول قولاً سبقه إليه سفيان ما بلغ به الأمر هذا المبلغ.

وقد هجره سفيان الثوري للإرجاء وما اتهمه أحد بالغلو أيضاً

وهذا اتزان ظاهر عند السلف فسفيان كان يهجره يرجو رجوعه فلما مات وما كان داعية إرجاء وبدعته ليست مكفرة وكان له بلاء في الرد على الجهمية رووا عنه واشتهوا حديثه بل وذكروا كلامه في السنة

ولولا تفاوت البدعة عند أئمة أهل السنة لما كان أمرهم هكذا

2_ إبراهيم التيمي

وهذا الرجل مرجيء حتى أن النخعي لم يكن يرد السلام عليه

ومع ذلك صح عن أبي وائل أنه كان يجالس في مجالسه في الوعظ وأبو وائل ما كان مرجئاً وما رماه أحد بالإرجاء لأنه جالس التيمي

فإن قيل : ماذا عن أثر أحمد ألحقه به

فيقال : الحكم على الشخص بالمصاحبة قرينة والقرينة قد يوجد ما هو أعظم منها يعارضها وأبو وائل عارض مذهب المرجئة صريحاً ، وأما إذا خلا المرء من بينة في عقيدته حكم عليه بالقرينة وإذا صاحب على جهة يحصل فيها التغرير للناس ذم لذلك

وقد قال يحيى القطان في إبراهيم التيمي ( ما جلست إلى أحد خير منه )

وقال فيه كنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله

وفعلاً التيمي كان حالة عجيبة من الاجتهاد

و قال الأعمش : كان إبراهيم إذا سجد تجىء العصافير فتنقر ظهره .


ولم يكن داعية ولم يكن إرجاؤه إرجاء من يقول إيماني كإيمان جبريل كما شرح ذلك أبو عبيد القاسم

3_ أبو نعيم الفضل بن دكين

هذا الرجل كان شيعياً بل كان يسمى من ليس شيعياً ب( المرجيء ) وكأنه يعني أنه أرجأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن منزلته

ومع ذلك كان يسب معاوية ويقول ما كتبت علي الحفظة أنني سببته

وقف موقفاً جليلاً في المحنة

و قال الفضل بن زياد الجعفى : سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، قلت : يجرى عندك ابن فضيل مجرى عبيد الله بن موسى ؟ قال : لا كان ابن فضيل أستر و كان
عبيد الله صاحب تخليط ، روى أحاديث سوء . قلت : فأبو نعيم يجرى مجراهما ؟ قال : لا . أبو نعيم يقظان فى الحديث و قام فى الأمر ـ يعنى : فى الامتحان . قال : إذا رفعت أبا نعيم من الحديث فليس بشىء

فانظر إلى دقة أحمد في حكمه على الناس وتفريقه بين شخص وشخص وقارنه بسفه الغلاة اليوم

وأبو نعيم ما تجرأ أحد على ذكره في كتب المجروحين رغم تشيعه فحتى العقيلي الذي تجرأ على وكيع جبن عنه وما تجرأ عليه لجلالته

وأبو نعيم مع تشيعه كان يحب الحسن بن صالح ويصفه بالإمامة واحتمل له هذا فالحسن كان أمراً عجباً وإنني لأتضايق من ذكره مع الجهمية هذا مع ابتداعه

قال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه  وَسَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، لَا يُعْجِبُهُ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَقَالَ: يَتَكَلّمُ فِي الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبيْدَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ!؟.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَسَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَا يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ، وَأَنَا رَأَيْتُهُ شَهِدَ الْجُمُعَةَ، فِي آخِرِ جُمُعَةٍ اخْتَفَى فِيهَا.
وَقَالَ لَنَا: كَانَ الْأَئِمَّةُ عِنْدَنَا: الْحَسَنُ، وَسُفْيَانُ، وَشَرِيكٌ.

ولو كان الغلاة في زمن السلف لجعلوا هذا الرجل رأساً في التمييع ولألحقوا به كل نقيصة وعارضوا مدح الأئمة له ولما اعتبروا قيامه في المحنة شيئاً

والفضل بن دكين ليس رافضياً وإنما شيعي يفضل ولا شك أنه لا يفضل علياً على الشيخين

4_ حسان بن عطية

وهذا منسوب للقدر وليعلم أن القدرية ليسوا شيئاً واحداً فالقدرية الذين قالوا بالقدر من باب تعظيم الأمر والنهي وضيق الجواب على استدلالات العصاة والمنحلين بالقدر حتى قال بعضهم ( الله لا يرزق بالحرام ) ليسوا كالقدرية القائلين بنفي العلم أو القدرية المنطلقين من شبهات كلامية


و قال أحمد بن سعد بن أبى مريم ، عن خالد بن نزار : قلت للأوزاعى : حسان بن عطية عن من ؟ قال : فقال لى : مثل حسان كنا نقول له عن من ! و قال عيسى بن يونس عن الأوزاعى ، قال حسان بن عطية : ما عادى عبد ربه بشىء أشد عليه من أن يكره أو من يذكره

قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ذَلِكَ، فَبَلَغَ الأَوْزَاعِيَّ كَلاَمُ سَعِيْدٍ فِيْهِ، فَقَالَ:
مَا أَغَرَّ سَعِيْداً بِاللهِ، مَا أَدْرَكتُ أَحَداً أَشَدَّ اجْتِهَاداً، وَلاَ أَعمَلَ مِنْ حَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ.
ضَمْرَةُ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، سَمِعَ يُوْنُسَ بنَ سَيْفٍ، يَقُوْلُ:
مَا بَقِيَ مِنَ القَدَرِيَّةِ إِلاَّ كَبْشَانِ: أَحَدُهُمَا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ.

ولو كان ثور سوهاج في زمن السلف لقال ( الأوزاعي لم يكن يعادي القدرية )

وكلام حسان بن عطية في السنة يذكر في عدد من كتب الاعتقاد وكلامه في الرقاق معتمد في كثير من كتب الرقائق

حتى أنني سمعت الحجي بثني عليه بعد قراءته لكتب ابن أبي الدنيا وما علم أنه قدري والبدعة كالزنا في المرأة على قول الحجي !

ولو كان أيضاً في زمنهم مجدد الألفية فيما بعد القرون المفضلة لقال ( الأوزاعي له أقوال تخالف السنة وأعمى قلبه حب شيخه وسأرد عليه بكلام شيوخه وشيوخ شيوخه ) ولجعل أذنابهم سبه تسبيحة يسبحونها ليل نهار

5_ مسعر بن كدام

وأمره في مسائل الإيمان كأمر إبراهيم التيمي


سفيان بن عيينة هذا الإمام الجليل الذي تتلمذ عليه أحمد والشافعي وابن المديني وابن معين وغيرهم كثير واتفقوا على جلالته


ومع ذلك قال أبو نعيم في الحلية (7/211) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دُرَيْجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ التَّمِيمِيُّ، ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: " لَمَّا مَاتَ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ رَأَيْتُ كَأَنَّ الْمَصَابِيحَ، وَالسُّرُجَ قَدْ طُفِئَتْ , قَالَ سُفْيَانُ: وَهُوَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ "


مسعر هذا ترك سفيان الثوري الصلاة عليه وكذا الحسن بن صالح من أجل أنه دخلت عليه شبهة المرجئة في الاستثناء مع قوله أن الإيمان قول وعمل فاعتبروه مرجئاً


فلم يمدحه ابن عيينة هذا المدح مع علمه بإرجائه ؟


إنما احتمل هذا المدح من ابن عيينة لأن مسعراً ما كان داعية وكان فعلاً من العلماء فقهاً وحديثاً وزهداً فتأمل هذه الحال وما فيها من الرد على الغلاة والجفاة في آن واحد


فمع كون الناس لا يقرون ابن عيينة على هذا المديح العظيم إلا أنهم احتملوه منه لشبهة عرضت ، وابن عيينة ما كان مرجئاً"


فجاء الجهول وضعف الأثر بتلميذ ابن عيينة وهذا سخف فالآثار لا تعامل هكذا


وقد ورد عن ابن عيينة مدح لمسعر من طرق كثيرة


قال أبو نعيم في الحلية  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: «رَأَيْتُ كَأَنَّ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ - قَدْ طُفِئَتْ , فَمَاتَ مِسْعَرٌ رَحِمَهُ اللهُ»



وقال أيضاً حَدَّثَنَا أَبِي، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، قَالَا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: «وَكَانَ مِسْعَرٌ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ»



وقال أيضاً حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، ثنا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: قِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: " مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتَ؟ قَالَ: مِسْعَرٌ , وَقِيلَ لِمِسْعَرٍ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتَ؟ قَالَ: عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ "



وهذا إسناد صحيح ليضعفه السفيه، والعجيب أنه يدعي على ابن معين تضعيف الشافعي وهو لا يثبت ثم يكذب بهذا الثابت


قال الخلال في السنة  985 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ لِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: " أَلَا تَقُولُ لِمِسْعَرٍ: أَيْ بِالْهِلَالِيَّةِ، يَعْنِي فِي الْإِرْجَاءِ ". فَقَالَ أَبِي وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قَالَ مِسْعَرٌ: «أَشُكُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا فِي إِيمَانِي»


وهذا إسناد صحيح

وقد فرق أحمد بين إرجاء مسعر وإرجاء أهل الرأي بل له فتيا يقول في مثل قول مسعر ( أرجو ألا يكون مرجئاً ) وإن كان سماه مرجئاً في مكان آخر وهذا من ورع الإمام ودقته في الكلام على الناس لا كم يخبط خبط شعواء حتى أنه لما رأى الناس شدة محازفتهم أعرضوا عن حتى الصواب الذي في كلامهم

وليعلم أن سفيان بن عيينة قال بأن تفسير ( ليس منا ) معناه ( ليس مثلنا ) وهذا تفسير المرجئة وقد تعقبه أبو عبيدة مع تنويهه بجلالته

وسفيان ما كان مهادناً لكل المرجئة بل كان حرباً على ابن أبي رواد

وعلى طريقة القوم العجيبة في أن الرجل إذا كان له كلام في نقد فرقة أو جماعة وله ثناء مقيد على بعض أفرادها فإنهم يأتون إلى هذا الثناء المقيد ويذكرونه لوحده دون بقية كلامه فيظن القاريء أنه مهادن لهذه الجماعة أو الفرقة والإنصاف أن يذكر كلام المرء كله في الفرقة خصوصاً إن كان له كلام متقدم وآخر متأخر أو يلخص كله فيقال ( له اضطراب في الموقف من الفئة الفلانية ) أو ( يذم منهجهم وله إعجاب ببعض أفرادهم في الباب الفلاني )

6_ الحسن بن صالح بن حيي

وهذا أثنى عليه عدد تقدم معنا كلام أبي نعيم الفضل بن دكين

وقد عده أبو حاتم الرازي في أئمة الفقه كما في تاريخ بغداد

وهذا يحيى بن آدم

قال يعقوب بن شيبة : ثقة كثير الحديث ، فقيه البدن و لم يكن له سن متقدم ، سمعت على ابن المدينى يقول : يرحم الله يحيى بن آدم أى علم كان عنده . و جعل يطريه ، و سمعت عبيد بن يعيش يقول : سمعت أبا أسامة يقول : ما رأيت يحيى بن آدم قط إلا ذكرت الشعبى ، يعنى أنه كان جامعا للعلم .

و قال محمود بن غيلان : سمعت أبا أسامة يقول : كان عمر بن الخطاب فى زمانه رأس الناس ، و هو جامع ، و كان بعده ابن عباس فى زمانه ، و كان بعد ابن عباس فى زمانه الشعبى ، و كان بعد الشعبى فى زمانه سفيان الثورى ، و كان بعد الثورى فى زمانه يحيى بن آدم


هذا الرجل ملأ كتابه الخراج من الاستدلال بأقوال الحسن بن صالح بن حيي الذي كان يرى السيف وكان يتشيع


فلم احتمل هذا من يحيى بن آدم ؟


احتمل لأنه ليس على مذهبه والحسن بن صالح مثله يفتن به لما كان يظهر من الزهد العظيم والورع وسعة الفقه حتى فضله بعضهم على سفيان الثوري


ويحيى بن آدم كان ينقل أقوال الثوري وهو المناويء للحسن بن صالح أيضاً


نعم كان زائدة يستتيب من يذهب للحسن بن صالح ، وغضب أحمد على الكرابيسي لما ذب عنه وسهل من سقطاته ويحيى لم يكن كذلك


ولكن لما إذا جاء رجل كيحيى بن آدم وانتقى من أقواله ما وافق الدليل أو ذكر فقهه مع التمييز يحتملون منه هذا لأنه إنما تفقه عليه وعلى الثوري


والاحتمال شيء وجعل ذلك قدوة شيء آخر


وليعلم أن الحسن بن صالح مع كونه يرى السيف إلا أنه لم يكن يسهل جداً في أمر الخروج بل لا يرى الخروج إلا مع رجل اكتملت عدالته وما سوى ذلك لا يراه جائزاً


وأما موقفه من عثمان فالظاهر أنه لم يكن يظهر الطعن فيه بل يتوقف في أمره مع احتجاجه بفقه معاوية فضلاً عن عثمان


قال ابن حزم في الفصل :" وَهَذَا الَّذِي لَا يَلِيق بالْحسنِ بن حَيّ غَيره فَإِنَّهُ كَانَ أحد أَئِمَّة الدّين وَهِشَام ابْن الحكم أعلم بِهِ مِمَّن نسب إِلَيْهِ غير ذَلِك لِأَن هشاماً كَانَ جَاره بِالْكُوفَةِ وَأعرف النَّاس بِهِ وأدركه وَشَاهده وَالْحسن بن حَيّ رَحمَه الله يحْتَج بِمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم وبابن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا وَهَذَا مَشْهُور عَنهُ فِي كتبه ورواياته من رُوِيَ عَنهُ"


وابن حزم يطري الحسن لأنه كان على مذهبه في السيف ولكن ما ذكره من احتجاجه بفقه معاوية نفيس


وقال الاسفرائيني في التبصير :" فَأَما الأبترية مِنْهُم فهم أَتبَاع الْحسن بن صَالح بن حَيّ وَكثير النواء الملقب بالأبتر وَقَول هَؤُلَاءِ كَقَوْل السليمانية غير أَنهم يتوقفون فِي عُثْمَان وَلَا يَقُولُونَ فِيهِ خيرا وَلَا شرا وَقد أخرج مُسلم بن الْحجَّاج حَدِيث الْحسن بن صَالح بن حَيّ فِي الْمسند الصَّحِيح لما أَنه لم يعرف مِنْهُ هَذِه الْخِصَال فأجراه على ظَاهر الْحَال"

وهذا وكيع بن الجراح


والذي كان معروفاً بسعة العلم والفقه حتى أنه ليكفر من لا يكفر الجهمية


ومع ذلك كان يذب عن شيخه الحسن بن صالح وهو على مذاهبه وغضب وكيع فأطلق كلمة لا تصلح في حق عثمان كما نقله العقيلي في الضعفاء


ولماذا احتمل منه هذا ولا يخلو كتاب من كتب العقيدة والحديث والفقه من كلام وكيع في الزمن السالف ؟


السبب في ذلك أنه كان كوفياً وأهل الكوفة فيهم تشيع وهو منصف لم يكن داعية وكان يفضل الشيخين ويروي فضائل الصحابة ولا يروي المثالب مع ما عرف عنه من شدة التعبد والتثبت في الحديث هذا مع تعظيمه لأئمة السنة كالثوري


قال الخلال في السنة 542 - وقَرَأْتُ عَلَيْهِ: يَحْيَى، وَوَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ وَكِيعٌ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ، قَالَ وَكِيعٌ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، قَالَ: «أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ وَلَمْ نَأْلُ»


ورواية وكيع لهذا الخبر يدل على أن رأيه حسن في عثمان فيما بعد أو كان خيراً من شيخه الحسن


ولما قال الفزاري في وكيع أنه ( رافضي ) غضب يحيى بن معين وقال ( وكيع خير منك ) ذكر ذلك يعقوب في تاريخه


وأحمد عالم بما عند وكيع لذا لما ذكر ابن مهدي وفضله على وكيع ذكر سلامة ابن مهدي تجاه السلف 

وأنا هنا أتكلم عن الاحتمال والاحتمال باب غير الاقتداء وإلا فالحسن بن صالح ما يبنغي أن ينزل هذه المنزلة

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل :" 68 - الحسن بن صالح بن صالح (140 م 2) بن مسلم بن حي أبو عبد الله الهمداني روى عن سماك وسلمة بن كهيل وأبي إسحاق وقيس بن مسلم والسدي روى عنه ابن المبارك ووكيع وأحمد بن المفضل وأبو نعيم والحسن بن عطية وأبو غسان وقبيصة وأحمد بن يونس سمعت أبي يقول ذلك.

حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن قال سمعت أحمد [يعني - 1] ابن حنبل يقول: الحسن بن صالح بن صالح صحيح الرواية يتفقه صائن لنفسه في الحديث والورع.

حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد [بن محمد - 1] ابن حنبل فيما كتب إلى قال سمعت أبي يقول: الحسن بن صالح أثبت في الحديث من شريك.

حدثنا عبد الرحمن أنا ابن أبي خيثمه فيما كتب إلي قال سمعت يحيى بن معين يقول: الحسن بن صالح بن حي الهمداني ثقة.

سمعت أبي يقول: الحسن بن صالح ثقة متقن حافظ.

حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن الحسن بن صالح قال: اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد"


الحسن بن صالح كانت عنده بدعة السيف ولكنه لم يكن كأبي حنيفة بل كان لا يرى الخروج مع أي أحد وحتى البربهاري في شرح السنة لما ذكر مسألة فقهية ذكره من ضمن من أفتى بها


وعلى منهج الغلاة ينبغي أن يسقط جميع هؤلاء الأئمة


وعلى منهج الجفاة من طعن فيه كسفيان يصير غالياً ، والحق أنه لا تعارض بين كلام السلف فيه فمن مدحه مدحه بأمر كان فيه في سياق علمي يؤمن في مثله الافتتان بمثله خصوصاً مع خمود البدعة التي كان يحملها ومن ذمه ذمه رجاء توبته وعودته وما كانت بدعته مكفرة أو ذمه حمية على الدين ولو فرضنا التعارض ففي مثل هذا السياق لا يجعل أحمد وأبو زرعة وغيرهم من الأعيان مميعة وأصحاب موازنات فهذا سفه من القول

7_ محمد بن إسحاق بن يسار

هذا الرجل صدوق وله مناكير غير أنه كانت له عناية عظيمة في السيرة حتى قال عنه شعبة ( أمير المؤمنين في الحديث ) إعجاباً بضبطه للسيرة وكلها مراسيل موقوفات وضبطها صعب

وابن إسحاق قدري متشيع

فعلى منهج ينبغي أن يطعن في الزهري وشعبة وغيرهم ممن مدحه

8_ عبد العزيز بن أبي رواد

قال الإمام أحمد ( كان رجلاً صالحاً وكان مرجئاً ) وفعلاً هو رجل صالح وهذي موازنات مذمومة عند القوم

9_ هشام الدستوائي

كان قدرياً ولكنه ثبت في الحديث حتى أن اثنين من الستة الذين عليهم مدار الإسناد هو من أثبت الناس فيهم

قال عنه أبو داود الطيالسي لهذا الداعي ( كان أمير المؤمنين في الحديث )

10_ أيوب السختياني

ما كان أحد في البصرة أشد على القدرية من هذا الرجل حتى أن الإمام أحمد لما سأله رجل من أهل البصرة عن السني قال له ( أتحب أيوب ) قال ( نعم ) قال ( فأنت سني )

وكان شديداً على القدرية حتى أنه توب الحسن لما وافقهم على بعض قولهم

قال الدوري في تاريخه 4217 - سَمِعت يحيى يَقُول حَدثنِي وهب بن جرير قَالَ كَانَ عباد بن مَنْصُور صديقا لأيوب فَلَمَّا ولي عباد بن مَنْصُور الْقَضَاء عرض عَلَيْهِ أَيُّوب رَاحِلَة وَغُلَامًا وَأَن يخرج إِلَى مَكَّة قلت ليحيى أَيُّوب الَّذِي عرض عَلَيْهِ الرَّاحِلَة قَالَ نعم قَالَ يحيى وَقَالَ وهب بن جرير يذهب أَيُّوب إِلَى قدري خَبِيث يعرض عَلَيْهِ

عباد قدري نعم وأيوب كان صديقاً له ولو كان الغلاة في زمن السلف لجعلوا أيوب مبتدعاً أو رأساً في التمييع وهدموا كل جهاده في الرد على القدرية وزهده وعبادته ونصرته للسنة وقوته في الحديث

ويحمل صنيع أيوب هذا على زلة عالم تخالف منهجه السائد أو أنه فعل هذا تألفاً لعباد وقول ابن حبان في عباد أنه داعية ما علمت أحداً سبقه إليه ، ولو كان أيوب لا يعلم بحاله لما عتب عليه وهب بن جرير

11_ محارب بن دثار

هذا الرجل قال أبو زرعة ( ثقة مأمون ) ووثقه بقية الأئمة وكان يتوقف في علي وعثمان فلا يشهد بجنة ولا نار وله أبيات في ذلك والمسألة اشتبهت عليه ولهذا وصفه بعضهم بالمرجيء

12_ الدارقطني

له ثناء على كتاب العلل ليعقوب بن شيبة الواقفي وفعلاً يعقوب كان باقعة هذا الشأن حمل عن أئمته فما حكم أحد على الدارقطني بأنه واقفي بمثل هذا الثناء ولا جعلوه قبلة للطعن مع علمه وإمامته في الحديث وتصانيفه الجيدة في العقيدة وإن كان قد يغلط بمثل هذا الكلام

13_ مقاتل بن سليمان

وهو كذاب معروف

وقد قلت في مقال لي :" وأما تفسير مقاتل فمحققه جهمي كوثري

ومع ذلك برأ مقاتلاً من تهمة التشبيه ، وحين أثبت عليه التجسيم بحسب مقاييسه الجهمية اعتذر له بأن من السلف من يوافقه على تجسيمه

غير أنه أثبت عليه التشيع وهذا ظاهر في تفسيره ويبدو ذلك لأنه يأخذ تفاسير الكلبي حتى أنه له كلام سوء في طلحة والزبير

فقال مقاتل في تفسيره :" ، يحذركم «الله» «4» ، تكون مع علي بن أبي طالب لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فقد أصابتهم يوم الجمل منهم طلحة، والزبير"

وظاهر أنه يفضل أبا بكر وعمر ويذكرهما بخير

فيقول في تفسيره :" . فانطلق أَبُو بَكْر وعمر وعلي- رحمة اللَّه عليهم- إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه بالذي قاله عَبْد اللَّه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عَلَى نبيه- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني لا تعملوا فِي الأرض بالمعاصي قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ- 11- يعنى مطيعين"

ويقول أيضاً :" فأتاهم رَسُول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لميعادهم ومعه ثلاثة نفر أَبُو بَكْر وعمر وعلي- رَضِيَ اللَّه عَنْهُم- وَهُوَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رابعهم"

ومع ذلك له ثناء على عثمان

فيقول في تفسيره :" مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعة الله- عَزَّ وَجَلّ- كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ يَقُولُ أخرجت سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ لتلك الأضعاف عَلِيمٌ- 261- بما تنفقون الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 262-[عند] الموت نزلت فى عثمان ابن عَفَّان- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فِي نفقته فِي غزاة تبوك وَفِي شرائه «6» رومة ركية بالمدينة وتصدقه «7» بها عَلَى الْمُسْلِمِين، وَفِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- حين تصدق بأربعة آلاف دِرْهَم كُلّ دِرْهَم مثقال وكان نصف ماله"

مع أنه لمزه في بعض المواطن"

ثم قلت :" واتهامه بالتشبيه إنما ورد عن أبي حنيفة وهو نفسه بالتجهم ولا يصح ذلك إليه ، وصح عن أبي يوسف ولعلها أخبار لا تصح نقلت إليه وأبو يوسف لينقذ نفسه هو من النقد فظاهر كلام ابن المبارك فيه التكفير

وفي تفسير مقاتل أعاجيب مع استقامته في الجملة فمن ذلك تفسيره ( استوى إلى ) بعمد مخالفاً بذلك للطبقة التي فوقه

وحمله قوله تعالى : ( مثل نوره ) على النبي صلى الله عليه وسلم !

فإن قيل : فلم يثني عليه أحمد والشافعي وابن المبارك في التفسير والحال هذه خصوصاً مع ما ثبت من أنه يكذب

و قال الخليلى : محله عند أهل التفسير محل كبير و هو واسع ، لكن الحفاظ ضعفوه فى الرواية ، و هو قديم معمر ، و قد روى عنه الضعفاء مناكير ، و الحمل فيها عليهم .
و مما يدل على سعة علم مقاتل ما قرأت بخط يعقوب النميرى قال : حدثنى أبو عمران ابن رباح عن سركس قال : خرجت مع المهدى إلى الصيد و هو ولى عهد ، إذ رمى البازى
ببصره ، فنظر البازى إلى فكرر ذلك ، فقال له المهدى : أطلقه ، فأطلقته ، فغاب فلم ير له أثر ، فأقام المهدى بمكانه بقية يومه و ليلته ، فلما أصبح أرسل من يفحص له عن خبره ، فنظر فإذا خيال فى الجو ، ثم جعل يقرب حتى بان أنه البازى ، فنزل و فى مخالبه حية بيضاء لها جناحان ، فأخذها المهدى و سار بها إلى المنصور ، فتعجب منها ثم قال : على بمقاتل بن سليمان ، فأحضر ، فقال له : ما يسكن هذا الجو من الحيوان ؟ قال : أقرب ما يسكنه حيات ذوات أجنحة تفرخ فى أذنابها ، و ربما صاد الشىء منها البزاة ، فعجب المنصور من سعة علمه .
و ذكر ابن عدى فى ترجمته من طريق أبى معاذ الفضل بن خالد عن عبيد بن سليمان بن مقاتل عن جده عن الضحاك ، فلم يعجبه . قال : فذكرت ذلك لعلى بن الحسين بن واقد ، فقال : كنا فى شك أن مقاتلا لقى الضحاك ، فإذا كان له من القدر ما يؤلف تفسير القرآن فى عهد الضحاك ، فقد كان فى زمانه رجلا جليلا . اهـ .


وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله، هو أحمد بن حنبل، يسأل عن مقاتل بن سليمان، فقال: كانت له كتب ينظر فيها، إلا أني أرى أنه كان له علم بالقرآن. «تاريخ بغداد» 13/161.

وقال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا عَلانٌ، حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مريم قَال لي نعيم بْن حَمَّاد رأيت عند سُفْيَان بْن عُيَينة كتابا لمقاتل بْن سُلَيْمَان فقلت لسفيان يَا أَبَا مُحَمد تروي لمقاتل فِي التفسير؟ قَال: لاَ ولكن أستدل بِهِ وأستعين بِهِ.

وقد استحسن ابن المبارك بعض كلامه فرواه

قال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمد بْنِ عُمَر بن بسطام، حَدَّثَنا الفضل بْن عَبد الجبار سَمِعت عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ يَقُولُ: سَمعتُ عَبد اللَّهِ بْنَ المُبَارك يَقُول: سَمعتُ مقاتل بْن سُلَيْمَان يَقُول الأم أحق بالصلة والأب بالطاعة قَالَ الفضل والمثنى سَمِعت عليا يَقُول ابْن المُبَارك لم يرو لمقاتل إلا هذين الحرفين.
وسمعت أصحاب عَبد اللَّه فِي طول ما رأيتهم لم أرهم يروون لمقاتل شيئا غير ذا.

ونفق أمره على شعبة فسبحان الله

وقال ابن عدي في الكامل :" ولمقاتل غير ما ذكرت من الحديث حديث صَالِح وعامة أحاديثه، لاَ يُتَابَعُ عَليه على أن كثيرا من الثقات والمعروفين قد حدث عَنْهُ والشافعي مُحَمد بْن إدريس يَقُول الناس عيال على مقاتل بْن سُلَيْمَان فِي التفسير وكان من أعلم الناس بتفسير القرآن وله كتاب الخمسمِئَة آية الَّتِي يرويها عَنْهُ أَبُو نصير مَنْصُور بْن عَبد الحميد الباوردي وفي ذلك الكتاب حديث كثير مسند، وَهو مع ضعفه يكتب حديثه."

وكلام ابن عدي فيه لين وإلا من نظر في المسندات التي في تفسيره لا يشك في كذبه ولعل الأمر من شيوخه أو تلاميذه

وللحربي دفاع عنه من جنس دفاعه عن الواقدي

وسبب مدح السلف أنه فعلاً كان له علم بالقرآن وكان يجمع النظائر بعضها إلى بعض بطريقة عجيبة وأكثر تفسيره مستقيم وعلى سنن السلف وكان من أوائل من جمع التفسير

ولهذا أثنى عليه الشافعي بما أثنى وإن كان أكثر أهل الحديث يكرهون الكتابة عنه لكذبه وإن كان تفسيره لا يختلف عن تفسير الكلبي كثيراً

ولو كان الشافعي في زمننا لرماه أهل الغلو ونقص العقل بالتمييع

وطريقة السلف غاية في الدقة لا تشبه طريقة أهل التمييع والتضييع الذين يجعلون الجهمي والزنديق كمثل الشيعي المفضل الذي يصون لسانه عن السلف سواءً بسواء في كل حال ، ولا كطريقة الغلاة الذين يسوون ولكن بالعكس

14_ عبد الله بن وهب
فهذا عبد الله بن وهب وهو رجل لا يختلف الناس في إمامته وجلالته واذهب واقرأ ما في ترجمته من الثناء ولم يتخلف أحد عن الثناء عليه



قال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه حدثني أحمد بن صالح قال: قلت لابن وهب: ما كان مالك يقول في ابن سمعان ؟ قال: لا يقبل قول بعضهم في بعض.


ابن سمعان هذا كذاب باتفاق أهل العلم وكلام مالك فيه حق لا مرية فيه


وهذه الكلمة عن ابن وهب ( لا يقبل قول بعضهم في بعض ) اعتمدها سحنون تلميذه في فتاويه فكان يسئل هل لا يقبل المحدثين بعضهم على بعض فيقول ( لا لأنهم يتحاسدون ) !


وأخذ هذا عن سحنون ابن عبد البر غير أنه حاول أن يقيدها بعض التقييدات


وإن كان أيضاً أسرف إسرافاً عظيماً في استخدامها وذكر هذا المثال وظلم إمامه مذهبه مالكاً


وكان يذكر خلافات الناس العقدية ويحملها على كلام الأقران !


كما كان بين رجاء بن حيوة ومكحول في القدر


وما كان بين يحيى بن أبي كثير وقتادة في القدر


وما كان بين الناس وبين أبي حنيفة في الإرجاء والرأي


ومع كون كلمة ابن وهب هذه باطلة تعييناً وتقعيداً ، احتمل له الناس ذلك ولا يجوز لمسلم أن يقلده فيما غلط فيه


والمتبع الصادق للسلف يتبعهم في شدتهم ولينهم ولا يجتزيء


ولو كان بعض الناس في زمن السلف لأطلقوا ألسنتهم في ابن وهب ولعلنا سنجد كلاماً عما قريب في ابن وهب وأنه جر على الأمة شراً عظيماً كما قالوه في أحمد تفريقه بين الداعية وغيره مع الفارق بين المسألتين

وليس هذا مسلكاً سوياً فبعض أهل الباطل ربما احتج بمن لا سبيل إلى الطعن فيه من صاحب زل في مسألة أو تابعي


وفرق بين الغلط في نفس المسألة والغلط في موقف من مخالف ، وفرق بين الغلط في الموقف من المخالف الذي يجعل المخالف والسني شيئاً واحداً أو المخالف فوق السني والغلط الذي يكون فيه وضع للمخالف في غير مرتبته التي يستحق مع نصرة السنة ورفع السني فوق المخالف  ، نعم قد تستوي هذه الأغلاط في بعض المسائل ولكن ليس هذا مطرداً وطرده باب شر عظيم



فاليوم ظهرت أنواع عجيبة من الجروح ما لها أصل عند السلف


منها الجرح بالأسلوب اللين


ومنها الجرح بالرد المفصل دون تسمية !


ومنها الجرح بالتسمية مع الرد دون التصريح بالتبديع مع التصريح بأن القول بدعة والمتكلم لا يفرق بين معين ومعين


ومنها الجرح بالتسمية مع الرد وذكر البدعة دون التصريح بالتكفير !


وهذه محاققة عجيبة يلزم منها اتهام أحمد بالتمييع لما قال في يعقوب بن شيبة ( مبتدع صاحب هوى ) وهو واقفي والأصول فيه مثله أن يكفر ! مع أن هذه العبارة لا أظنها تبعد عن الإشارة للتكفير


نعم أحمد غضب من أبي ثور لما قال ( اللفظية مبتدعة ) وذلك لأنه حكم على القول وحقه أن يحكم عليه بالكفر لأنه كمقالة الجهمية غير أن أحمد ما زاد على قوله ( إيش مبتدعة هؤلاء جهمية ) ولم ينزل حكماً على أبي ثور كما نزله في حديث الصورة


نعم اليوم ثمة سمت في ردود المعاصرين أنهم يردون المسألة ولا يحكمون على المخالف بشيء مهما بلغت زندقته وضلاله بل يؤصلون لإلانه اللفظ معه مطلقاً مهما بدر منه وإن لم يكن هو في نفسه ليناً أو اللين معه له مسوغ يتوفر في بعض الأعيان أو في حاله كأن يكون ذا نفوذ قد يؤذي الراد عليه


غير أن إيجاب ذلك في كل شخص أيضاً غلط وفي كل مخالف وعلى كل أحد ، وخصوصاً إذا كان هذا الفرد نفسه ممن ليس على سمت أهل التمييع من المعاصرين ممن يرفض التسمية مطلقاً أو يرفض ما يسميه بتصنيف الناس مطلقاً


وفي مسائل الكوسج


[3442-] قلت: من يقول القرآن مخلوق؟

قال: ألحق به كل بلية.

[3443-] قلت: يُقال له: كفر؟


قال: إي [والله] ، كل [شرّ] وكلّ بلية [بهم].

[3444-*] قلت: فتظهر العداوة [لهم] 4 أم تداريهم؟

قال: أهل خراسان لا يقوون بهم. يقول كأن المداراة.


وهذا لا يناقض الأصول في رد المخالفة والرد على أهل البدع وإهانتهم وإذلالهم وهجرهم غير أن مراعاة تفاوت أحوال المكلفين قوة وضعفاً هذا هو الشرع والإنصاف


وهذا يحيى بن أكثم قد اتهم في الحديث وفي عدالته وكان قاضياً عند المأمون وما عزل إلا في زمن المتوكل


وأحمد كان يقول عنه ( ما عرفته ببدعة ) وكان يكره أن يذكر ما أخذ عليه في الأمور الأخلاقية


وقد روى الخطيب عنه أنه قال ( من قال القرآن مخلوق يستتاب فإن تاب إلا ضربت عنقه )


وفعلاً ما كان صاحب بدعة ولو كان في عصرنا لجاءوه وقالوا له ( لا نقول صاحب سنة حتى تكفر المأمون بعينه وتصرح بذلك وتصرح بتكفير زملائك من قضاة الجهمية بأعيانهم ولا نكتفي منك بإطلاق عام حتى تسمي كل واحد باسمه فأنت كنت زميلاً لهم وكنت تعمل عند المأمون )!


ومن اللطائف في هذا الباب على جهالة في سنده


ما روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1837 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، ثنا نُعَيْمٌ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي وَعَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِلَى خَوَارِجَ خَرَجَتْ بِالْجَزِيرَةِ فَذَكَرَ الْخَبَرَ فِي مُنَاظَرَةِ عُمَرَ الْخَوَارِجَ، وَفِيهِ قَالُوا: خَالَفْتَ أَهْلَ بَيْتِكَ وَسَمَّيْتَهُمُ الظَّلَمَةَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْحَقِّ أَوْ يَكُونُوا عَلَى الْبَاطِلِ، فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّكَ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَالْعَنْهُمْ وَتَبْرَأْ مِنْهُمْ، فَإِنْ فَعَلْتَ فَنَحْنُ مِنْكَ وَأَنْتَ مِنَّا، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: " إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ لَمْ تَتْرُكُوا الْأَهْلَ وَالْعَشَائِرَ وَتَعَرَّضْتُمُ لِلْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلَّا وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُصِيبُونَ، وَلَكِنَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ وَضَلَلْتُمْ وَتَرَكْتُمُ الْحَقَّ، أَخْبِرُونِي عَنِ الدِّينِ أَوَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ؟ قَالُوا: بَلْ وَاحِدٌ، قَالَ: فَيَسَعُكُمْ فِي دِينِكُمْ شَيْءٌ يَعْجِزُ عَنِّي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَا حَالُهُمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: أَفْضَلُ أَسْلَافِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَقَامَ عُمَرُ رَدَّ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ عَلَى عَشَائِرِهِمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ عُمَرُ: فَهَلْ تَبَرَّأَ عُمَرُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَعَنَهُ بِخِلَافِهِ إِيَّاهُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَتَتَوَلَّوْنَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: «فَمَا تَقُولُونَ فِي بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ؟» قَالُوا: مِنْ خَيْرِ أَسْلَافِنَا بِلَالُ بْنُ مِرْدَاسٍ قَالَ: " أَفْلَسْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافًّا عَنِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَقَدْ لَطَّخَ أَصْحَابُهُ أَيْدِيَهُمْ فِي الدِّمَاءِ والْأَمْوَالِ فَهَلْ تَبَرَّأَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى أَوْ لَعَنَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَتَتَوَلَّوْنَهُمَا جَمِيعًا عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمَا؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: " فَأَخْبِرُونِي [ص:967] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يُرِيدُونَ أَصْحَابَكُمْ بِالْكُوفَةِ فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ فَقَتَلُوهُ وَبَقَرُوا بَطْنَ جَارِيَتِهِ، ثُمَّ عَدَوْا عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَنِي قَطِيعَةَ فَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَغَلُّوا الْأَطْفَالَ فِي الْمَرَاجِلِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُمْ كَافُّونَ عَنِ الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ والْأَمْوَالِ فَهَلْ تَبَرَّأَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى أَوْ لَعَنَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ عُمَرُ: «فَتَتَوَلَوْنَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمَا؟» قَالُوا: نَعَمْ قَالَ عُمَرُ: «فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فِي السِّيرَةِ وَالْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَبَرَّأْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمْ وَوَسِعَهُمْ وَوَسِعَكُمْ ذَلِكَ وَلَا يَسَعُنِي حِينَ خَالَفْتُ أَهْلَ بَيْتِي فِي الْأَحْكَامِ وَالسِّيرَةِ حَتَّى أَلْعَنَهُمْ وَأَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، أَخْبِرُونِي عَنِ اللَّعْنِ أَفَرْضٌ هُوَ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ لِأَحَدِهِمَا «مَتَى عَهْدُكَ بِلَعْنِ فِرْعَوْنَ؟» قَالَ: مَا لِي بِذَلِكَ عَهْدٌ مُنْذُ زَمَانٍ فَقَالَ عُمَرُ: «هَذَا رَأْسٌ مِنْ رُءُوسِ الْكُفْرِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ بِلَعْنِهِ مُنْذُ زَمَانٍ، وَأَنَا لَا يَسَعُنِي أَنْ لَا أَلْعَنَ مَنْ خَالَفْتُهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي»


وهذا الأثر عجيب يحتاج إلى تأمل


وقد ذكر ابن عبد الحكم نحوه في سيرة عمر بن عبد العزيز وهذا يقويه جداً


وهذا كحال القوم فمنهم من يتولى ابن باز فيسكت عليه الآخرون


ومنهم يتولى التويجري فيسكت عليه الآخرون


ومنهم من يتولى أئمة الدعوة ويسكت عليه الآخرون


وكل هذا على مضض


ولا يتولون متأخراً إلا وهو متولٍ لابن تيمية


ولما وجد بعضهم كلاماً للبخاري فيه مخالفة ربما أمسك يده عن الترحم عليه وإن كان الأصل البيان عندهم والجهر بذلك خصوصاً وأن البخاري قد توبع على كلامه في التلاوة والمتلو


ومنهم من يتولى ابن خزيمة ويظهر الترحم عليه


ومنهم يتولى أبا ثور ويظهر الترحم عليه معتمداً على تراجع لا يثبت، ونسي شذوذه في الفقه ودعاء أحمد عليه في بعض المسائل بل لعله لا يدري أصلاً


وكلهم يثني على عبد الغني المقدسي وما علموا أنه ما له نقد لطريقة قريبه ابن قدامة وكلامه في العذر معروف ، وعبد الغني إذا روى عن ابن الجوزي لقبه بألقاب كبار


وأئمة السلف ما منهم من أحد إلا وله ثناء على من لا يرتضيه هؤلاء أو حتى دفاع كثناء الأوزاعي على حسان بن عطية وغضبه من الكلام فيه وحسان كان زاهداً ورعاً ولكنه نسب للقدر


وهذا الأمر ليس دعوة لتعظيم أهل البدع ، ففرق بين صاحب البدعة المكفرة وغير المكفرة وفرق بين الداعية وغير الداعية وفرق بين من تحقق فيه العلم والديانة حقاً وبين من هو محض كاتب حركي وأمور كثيرة ، وفرق بين سني حقق في مسائل السنة وضعف في بعض أبواب الولاء والبراء وبين من تخبط في العقيدة والتخبطات العقدية نفسها ليست باباً واحداً ولا من لو أخطأ أسند آثاراً ومن إذا أخطأ أحال على أئمة الضلال


ولو لم يكن ما أقول صواباً فما تخريج تلك التصرفات الكثيرة للسلف التي لو صدر اليوم بعضها من بعض أهل الاستقامة لقيل فيه ( مميع ) أو ( صاحب موازنات )


وقد صدر من السلف في حق أهل الرأي ودعاة البدعة والجهمية ما يسميه السفلة اليوم غلواً

15_ أبو عبيد القاسم بن سلام

وهذا أبو عبيد القاسم في كتاب الإيمان له :" اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين، فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب، وشهادة الألسنة، وعمل الجوارح، وقالت الفرقة الأخرى: بل الإيمان بالقلوب والألسنة، فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر، وليست من الإيمان"


فانظر ما يقول عن المرجئة وفي مكان آخر وصفهم بالفقهاء !


ولكنه لما سمى ما ذكر أهل الرأي وكتابه كله في رد مقالتهم ولما جاء لإرجاء الجهمية قال هذا ما قال إبليس وأبو عبيد في سعة علمه وفضله يغتفر له مثل هذا اللين الزائد والمرجئة شأن السلف معهم معروف


والملاحظ أننا ما رأينا أحداً أقام الدنيا وما أقعدها على أبي عبيد في مثل هذا اللفظ لما ظهر من اجتهاده في الرد عليهم ونصرة قول أهل السنة

16_ الإمام مالك

وهذا الإمام الذي لا يختلف الناس في جلالته

توقف في حديث الصورة وبعض أحاديث الصفات لما كان راويها ابن عجلان

وقد انتحل قوم من المعطلة مالكاً لهذا الداعي واحتجوا على ابن تيمية بهذا وقالوا بأن مالكاً لا يرى التحديث بأحاديث الصفات

فجاءهم بأحاديث الصفات التي خرجها مالك في الموطأ ومنها حديث الجارية وحديث النزول وحديث (يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ، يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. كِلاَهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ. يُقَاتِلُ هذَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيُقْتَلُ. ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى الْقَاتِلِ، فَيُقَاتِلُ، فَيُسْتَشْهَدُ)

فلو كان يرى أن أحاديث الصفات لا تحدث بها العامة لما أودع هذه الأحاديث في الموطأ

وهذه الزلة من الإمام مالك لا تجعله دون المتأخرين الذين أثبتوا هذه الصفة كما أن إصابة مالك في مسائل أخطأ فيها بعض الصحابة لا تجعله فوقهم

وإنما عرف مالك غلط بعض الصحابة بمخالفة غيرهم ، وعرفنا غلط مالك بمخالفة نظير له في الطبقة وفوقها ، وكذلك من عرف أغلاط بعض من لهم فضل على الأمة في أبواب التوحيد والعقيدة ليلزم التواضع ولا يشبخ بأنفه فلولا الله ثم جهاد هؤلاء ما وصلنا الدين هكذا

وهذا الباب خارج منه الجهمية متقدميهم ومتأخريهم كالأشعرية ونحوهن وإنما الكلام عن أهل السنة والحديث


ذكرت هذا ليعلم أن حتى الإمام الجليل قد تخفى عليه سنن في العقيدة كما تخفى عليه في الأحكام ولا يقاس على هذا الجهمية الذين يأتون إلى أخبار الصفات الثابتة ويقولون ظنية أو ظاهرها التشبيه

ولا يظن شخص أنه خير من مالك إذ أصاب بعض السنة ومالك لم يصبها فلو كان كذلك لفضل بعض المتأخرين الصحابة لكون بعض الصحابة خفيت عليه بعض السنن

بل المتأخر ما أدرك غلط مالك إلا ببيان أناس هم تعلموا من مالك أصلاً فهذه بضاعته ردت إليه كأقوام تعلموا منا أو اهتدوا بدعوة الإمام المجدد ثم صاروا يسبون ابن تيمية وما علمناكم وما قامت دعوة المجدد إلا بفضل الله ثم بجهود ابن تيمية التي قيضها رب العالمين للأمة

قال الخطيب في تاريخه  أَخْبَرَنَا ابن الفضل القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، قَالَ: حَدَّثَنِي الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قَالَ: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث البيعين بالخيار، قَالَ: يستتاب وإلا ضربت عنقه، ومالك لم يرد الحديث، ولكن تأوله على غير ذلك


فتأمل اعتذار أحمد لمالك وكيف أنه بالتأويل درء عنه ما قيل فيه ومالك إمام في الحديث والسنة والاتباع وكان حرباً على الرأي وأهله واحتاج إليه كل من صنف في الحديث وأراد جمع حديث أهل المدينة فإذن هناك تأويل يدرأ به عن المرء خصوصاً في اعتبار سيرته العامة ولا يسوى بينه وبين أهل الشر، ولو سئل أحمد الرد عليه لبين ضعف تأويله ودفعه بقوة

وقد قلت في بعض مقالاتي :" وأيهم أعلم بمذهب الرأي  ؟ الشالنجي الذي بقي عليه أربعين عاماً ثم نقضه أم عبد الله الجديع الذي يتطاول على أهل العلم الذين تكلموا في أبي حنيفة في كتابه تحرير علوم الحديث ؟


ويقيس مالك على أبي حنيفة


وهذا من أفسد القياس ولو كان قياساً سديداً لما تكلم مالك في أبي حنيفة ولما كلف الناس بأبي حنيفة بالذات


وإليك إفساد هذا القياس من كلام ابن تيمية نفسه


فلابن تيمية رسالة في ترجيح مذهب أهل المدينة على أهل العراق وتقوية مسألة عمل أهل المدينة


يقول ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (20/310) :" وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ} . وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يَصِيرُ مُلْكًا عَضُوضًا} . فَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حُجَّةٌ وَمَا يُعْلَمُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَمَلٌ قَدِيمٌ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَ " الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ " إذَا تَعَارَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلَانِ كَحَدِيثَيْنِ وَقِيَاسَيْنِ جُهِلَ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ وَأَحَدُهُمَا يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ؛ فَفِيهِ نِزَاعٌ. فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُرَجِّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُرَجِّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَلِأَصْحَابِ أَحْمَد وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ - أَنَّهُ لَا يُرَجِّحُ وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ - أَنَّهُ يُرَجِّحُ بِهِ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد. وَمِنْ كَلَامِهِ قَالَ: إذَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ الْغَايَةُ. وَكَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَقْرِيرًا كَثِيرًا وَكَانَ يَدُلُّ الْمُسْتَفْتِي عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ الْمُسْتَفْتِي عَلَى إسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَنَحْوِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيَدُلُّهُ عَلَى حَلَقَةِ الْمَدَنِيِّينَ حَلَقَةِ أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ وَنَحْوِهِ. وَأَبُو مُصْعَبٍ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ مَاتَ بَعْدَ أَحْمَد بِسَنَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَحْمَد يَكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ وَيَقُولُ: إنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْآثَارَ. فَهَذِهِ مَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ تُوَافِقُ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي التَّرْجِيحِ لِأَقْوَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ"


فتأمل نقله لكراهية أحمد أن يرد على أهل المدينة كما يرد على أهل الرأي ويقول في أهل المدينة هؤلاء يتبعون الأثر


وهذا ما لم يفهمه أجلاف الظاهرية


فمالك إذا دفع الحديث واعتبره منسوخاً لمخالفة عمل أهل المدينة فهذه معارضة أثر بأثر ( فعمل أهل المدينة من الأثر عنده ) وقد ظهر لك في كلام ابن تيمية قوة الشبهة عند مالك في مسألة عمل أهل المدينة


بخلاف أبي حنيفة الذي يدفع الحديث بمخالفة القياس فإن هذه معارضة للأثر بالرأي فالقياس ليس أثراً


ثم إنه من أجهل الناس بالأخبار فكيف يحكم على هذا الخبر بأنه خبر واحد خالف القياس


فحديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وحديث ( لا نكاح إلا بولي ) دفعوها بأنها أخبار آحادية خالفت القياس وقد ثبت أنها ليست أخبار آحاد ( بالمعنى القديم ) بل رويت من طريق عدة


قال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِصْمَةَ، حَدَّثَنا أَحْمَد بْن أَبِي يَحْيى سَمِعْتُ أَحْمَد بْن حنبل يقول أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم، ولاَ نكاح إلاَّ بولي أحاديث يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها.


وكلمة أحمد هذه في الرد عليهم على أصولهم


وقال ابن تيمية أيضاً في رسالته المشار إليها (20/329) :" وَلَسْنَا نُنْكِرُ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ مُخَالَفَتَهُ أَوَّلًا لِأَحَادِيثِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدراوردي أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ تَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ: تعرقت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْ: صِرْت فِيهَا إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ أَقَلَّ الْمَهْرِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ لَكِنَّ النِّصَابَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فَالنِّصَابُ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ أَوْ رُبُعُ دِينَارٍ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ. فَيُقَالُ: أَوَّلًا: إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ  وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَافِقَهُمْ وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ يَعِيبُونَ الرَّجُلَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا اسْتَفْتَاهُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَكَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لِرَبِيعَةَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ عَقْلِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَمِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَلِيلٌ جِدًّا وَمَا مِنْ عَالِمٍ إلَّا وَلَهُ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ ابْنُ خويز منداد فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ كُتُبِ الرَّأْيِ وَالْإِجَارَةِ عَلَيْهَا: لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ رَأْيِ صَاحِبِنَا مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لَكِنَّهُ أَقَلُّ خَطَأً مِنْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَأَكْثَرُهُ نَجِدُ مَالِكًا قَدْ قَالَ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَمَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَوَوْا عَنْ مَالِكٍ الرَّفْعَ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ"


وهذا من أحسن الكلام في الرد على من يقيس فقه مالك على فقه أبي حنيفة


ويا ليت شعري


أين سخر مالك من السنن ؟


وأين حط على أبي هريرة وقال عنه ليس بفقيه ولا يؤخذ بحديثه إذا خالف القياس ؟


وأين قال مالك بالحيل ؟


والعجيب أن سعداً الشثري في شرحه على عمدة الأحكام ينسب لمالك أنه يقول برد خبر الواحد إذا خالف القياس وهذا غلط عظيم فهذا من مذاهب أهل الرأي وقد رد السمعاني على هذه الفرية في حق مالك


وقال ابن تيمية في رسالته المذكورة كما في المجموع (20/329) :" . وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ أَعْلَمُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ"


وهذا تفضيل ظاهر من ابن تيمية لسفيان الثوري على أبي حنيفة وهذا أمر لا يحتاج إلى نقاش عند من علم أحوال السلف غير أن بعض الجهلة يقيسون سفيان على أبي حنيفة


نعم هناك مسائل تتقاطع بينهم بسبب أنهم جميعاً يتبعون أصحاب ابن مسعود في بعضها غير أن سفيان لم يكن صاحب حيل ولا سخرية من الآثار ولا توسع في القياس ، بل لما كان لا يرفع يديه لم يكن ينكر على من يرفع


ولهذا قال ابن تيمية في رسالته المذكورة :" وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ أَعْلَمُ هَذِهِ الطَّبَقَةِ فِي الْحَدِيثِ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي الْفِقْهِ وَالزُّهْدِ وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ مَا أَنْكَرُوا مِنْ الرَّأْيِ الْمُحْدَثِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بَلْ سُفْيَانُ عِنْدَهُمْ أَمَامُ الْعِرَاقِ فَتَفْضِيلُ أَحْمَد لِمَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى مَذْهَبِ سُفْيَانَ تَفْضِيلٌ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي عِلْمِهِ وَعِلْمِ مَالِكٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ مَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّ أَحْمَد يُقَدِّمُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَلَى هَذِهِ الطَّبَقَةِ كُلِّهَا وَهُوَ يُعَظِّمُ سُفْيَانَ غَايَةَ التَّعْظِيمِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُلَمَائِهَا أَقْرَبُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَعُلَمَائِهَا. وَأَحْمَد كَانَ مُعْتَدِلًا عَالِمًا بِالْأُمُورِ يُعْطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُحِبُّ الشَّافِعِيَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَذُبُّ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يَطْعَنُ فِي الشَّافِعِيِّ؛ أَوْ مَنْ يَنْسُبُهُ إلَى بِدْعَةٍ وَيَذْكُرُ تَعْظِيمَهُ لِلسُّنَّةِ وَاتِّبَاعَهُ لَهَا وَمَعْرِفَتَهُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ كَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ؛ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ وَيُثْبِتُ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَمُنَاظَرَتَهُ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ خَالَفَهُ بِالرَّأْيِ وَغَيْرَهُ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: سَمَّوْنِي بِبَغْدَادَ نَاصِرَ الْحَدِيثِ. وَمَنَاقِبُ الشَّافِعِيِّ وَاجْتِهَادُهُ فِي اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَاجْتِهَادُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا وَهُوَ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكِّيِّينَ أَصْحَابُ ابْنُ جريج كَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ؛ وَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ وَأَخَذَ عَنْهُ الْمُوَطَّأَ وَكَمَّلَ أُصُولَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ أَجَلُّ عِلْمًا وَفِقْهًا وَقَدْرًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَهْدِ مَالِكٍ"



وهذه كلمة نفيسة من ابن تيمية في بيان أن الثوري لم ينكر أحد عليه الرأي كما أنكر على أبي حنيفة


وسفيان هذا أعجوبة فإنك ترى مقدماً في الفقه والزهد والورع والحديث


فتجد شعبة بن الحجاج ليس فقيهاً ولا في زهد سفيان ولكنه متفرغ للحديث فإذا الحديث كان سفيان الذي جمع الأمور كلها أثبت من شعبة !


وتجد الفضيل بن عياض زاهداً غير مشتغل بالفقه والحديث اشتغال سفيان فإذا قارنت بين زهد الفضيل وزهد سفيان ظهر فضل سفيان على الفضيل !


وتجد محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مشتغل بالفقه وهو ضعيف في الحديث ولا يذكر بكبير زهد فإذا قورن بين فقهه وفقه سفيان ظهر فضل سفيان عليه


وهذا كشأن أحمد ابن حنبل في أهل عصره


ويضاف إلى هذا شدة مجانبة سفيان للسلطان وصدعه بالحق عند السلاطين إن حصل لقاء ، هذا مع بعده عن الفتن والسيف ولو شاء لهيج العامة عليهم


حتى أن جعفراً  المنصور كان يتمنى أن يأتيه سفيان ويضع يده في يده ليعظم في قلوب العامة وحاول أن يغري سفيان مراراً  وسفيان يجانبه ويهرب منه ويؤثر شضف العيش لما يعلمه من ظلم المنصور


فإذا زدت على هذا شدته على أهل البدع والتي تظهر جلياً في موقفه من أبي حنيفة وإبراهيم بن طهمان والحسن بن صالح ومسعر بن كدام ( وكلهم أجل من أبي حنيفة ) ، ومع هذا فقد روى الحديث عن عمرو بن مرة واحتفى بتفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد فليصفه السفهاء بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع !


وقال العقيلي في الضعفاء   حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُؤَمَّلَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَى ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ فَقِيلَ لَهُ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ عِنْدِي، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى بِدْعَةٍ.


تأمل قوله ( لأرى الصلاة على من هو دونه عندي )


وأبو حنيفة لا يبلغ مد سفيان في هذا كله ولا نصيفه


ثم يأتي من يصف كلام سفيان في أبي حنيفة على أنه كلام أقران ! وأنه تحاسد


ويا ليت شعري على ماذا يحسده ؟


والعجيب استنكار بعضهم لعبارة ( ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة ) على سفيان


وقد قالها مالك والأوزاعي وابن عون ، ومالك إمام أهل المدينة والأوزاعي إمام أهل الشام وابن عون إمام أهل البصرة وقد فضلوه على شيخه الحسن


وقد اعترض بعضهم بأنه كيف يقال هذا وقد ولد يهود ونصارى وزنادقة وأهل ضلال عريض


فيقال هذا الاعتراض يعترض على حديث النبي أيضاً ( شر قتلى تحت أديم السماء )


والأئمة يقصدون سوء الأثر على الناس وعظيم الفتنة والمتأمل لتاريخ البدع يجد أن أهل الرأي كانوا الأساس لكثير منها ومن بابهم دخل المتكلمون فعبارة السلف غاية في الدقة


وإننا لفي زمن عجيب حيث لا يتمعر من تبديع الحسن بن صالح وهو رجل مشهور بالفقه والزهد والتثبت في الحديث وبعيد عن الرأي والإرجاء وإنما كان يرى السيف ثم يتمعر من تبديع أبي حنيفة ، والحسن حتى في أمر السيف خيرٌ من أبي حنيفة فلم يكن يرى الخروج مع كل أحد"

17_ يحيى بن معين

وله كلام في تفضيل فقه أبي حنيفة على فقه الشافعي والعجيب أنه صاحب حديث ومع ذلك صح عنه أنه قال في أبي حنيفة ( كان جهمياً ) ولا يصح أنه كان حنفياً بدليل قوله ( أصحابنا يفرطون في أبي حنيفة وأصحابه )

18_ الإمام الشافعي

الإمام الجليل

وله توسع في الرد على أهل الرأي

فأهل الرأي من أهل البدع بل من شر أهل البدع حتى أن السلف احتلموا بعض المرجئة والقدرية والشيعة وخرجوا لهم ولم يخرجوا لأهل الرأي في غالبهم


وللشافعي مناظرات كثيرة مع الشيباني يمكن أن تفرد في جزء والمناظرة تقتضي المجالسة وللشافعي قصد حسن وقد أظهر الله السنة به ولكن كثرة هذا الأمر مما ينتقده بعض الأئمة



قال الإمام الشافعي في اختلاف الحديث


وصنع ذلك الذين بعد التابعين المتقدمين مثل بن شهاب ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وغيرهم والذين لقيناهم كلهم يثبت خبر واحد عن واحد عن النبي ويجعله سنة حمد من تبعها وعاب من خالفها فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا العدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة واختلاف الناس والقياس والمعقول فما خالف منهم واحد واحدا وقالوا هذا مذهب أهل العلم من أصحاب رسول الله والتابعين وتابعي التابعين ومذهبنا فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارقا سبيل أصحاب رسول الله وأهل العلم بعدهم إلى اليوم وكان من أهل الجهالة وقالوا معا لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل وجاوزوا أو أكثرهم فيمن يخالف هذا السبيل إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه

وقال في نفس الكتاب


وقلت له قد شهد عليك أصحابنا الحجازيون وعلى من ذهب مذهبك في رد هذين الحديثين وفيما رددت مما أخذوا به من الحديث أنكم تركتم السنن وابتدعتم خلافها ولعلهم قالوا فيكم ما أحب الكف عن ذكره لإفراطه


فانظر كيف يصف كلام أهل الحديث في أهل الرأي أنه في كثير منه إفراط والأمر على غير ما قال بل الأئمة الذين ذموا اهل الرأي الشافعي معترف لهم بتمام الورع والتمحيص، والشافعي نفسه وصف أبا حنيفة بأنه جاهل بالقرآن جاهل بالسنة


ولو اتبعنا طريقة الفجرة لأخذنا هذه النصوص للشافعي وصورنا الشافعي على أنه مميع وأهملنا كل جهاده وردوده على أهل الرأي حتى سمي ناصر الحديث
وصح عنه أنه قال في أبي حنيفة ( كان جاهلاً بالحديث جاهلاً بالقرآن )

وليعلم أن الشافعي صح عنه التخميس بعمر بن عبد العزيز في الراشدين وهذه زلة وقد كان أحمد يغضب من هذه الكلمة وقد احتمل هذا للشافعي مع سلامة لسانه وصدره تجاه الصحابة الكرام

وكان الشافعي ينزه شيخه الأسلمي عن الكذب وهو كذاب قدري جهمي واحتمل ذلك للشافعي لأنه كان محباً للحديث معظماً لأهل الحديث راداً على أهل الرأي محترماً بالجملة لأحكام أهل الحديث

19_ محمد بن نصر المروزي

وهذا الرجل معلوم له بعض الزلات في مسائل الإيمان مع رده على المرجئة والجهمية في غالب أحواله

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّة: لَوْ لَمْ يُصَنِّفِ ابْنُ نَصْرٍ إِلاَّ كِتَابَ: (القسَامَةِ) لكَانَ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيّ، وَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَنْظُرْ إِلَى تَمَكُّنِ أَبِي عليٍّ الثَّقَفِيِّ فِي عَقْلِهِ؟
فَقَالَ: ذَاكَ عَقْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ.
قِيْلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: إِنَّ مَالِكاً كَانَ مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: صَارَ إِلَيْهِ عَقْلُ الَّذِيْنَ جَالسَهُم مِنَ التَّابِعِيْنَ، فجَالَسَهُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيّ، فَأَخَذَ مِنْ عَقْلِهِ وَسَمْتِهِ، ثُمَّ جَالسَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ سِنِيْنَ، حَتَّى أَخذَ مِنْ سَمْتِهِ وَعَقْله، فَلَمْ يُرَ بَعْدَ يَحْيَى مِنْ فُقَهَاءِ خُرَاسَانَ أَعْقَلُ مِنِ ابْنِ نَصْرٍ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَلِيٍّ الثَّقَفِيّ جَالسَهُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ أَعْقَلُ مِنْ أَبِي عليٍّ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ بِمِصْرَ إِمَاماً، فَكَيْفَ بِخُرَاسَانَ؟
وَقَالَ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ مَنْ مَشَايِخنَا يَقُوْلُوْنَ: رِجَالُ خُرَاسَانَ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ رَاهْوَيْه، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ.
قَالَ ابْنُ الأَخْرَمِ الحَافِظُ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى غَيْرَ مَرَّةٍ، إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقُوْلُ: سَلُوا أَبَا عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيّ: أَدْرَكْتُ إِمَامَيْن لَمْ أُرْزَق السَّمَاعَ مِنْهُمَا: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فَأَمَّا ابْنُ نَصْرٍ، فَمَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلاَةً مِنْهُ، لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ زُنْبُوراً قَعَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ، فسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجهِهِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ.

وما ذكره ابن مندة من هجر أهل خراسان له الله أعلم به فإذا كان محمد بن يحيى يثني عليه من الذي هجره ؟

والذي أريد قوله أنه ما أحد أدان هؤلاء بمثل هذا الثناء لأن له تخريجات وهناك ثناء آخر عظيم كثناء السليماني عليه

20_ ابن خزيمة

قال عنه ابن أبي حاتم ( إمام ) ومثل هذا الثناء ينبغي أن يخرج عندكم على شيء وإلا طعنتم في ابن أبي حاتم أو احتملتهم ابن خزيمة وهذا كله يخالف الإطلاقات التي يطلقها بعضكم ومنهج المسطرة الواحدة الذي تدعونه 

21_ الربيع بن صبيح 

هذا الرجل وصفه أحمد بأنه معتزلي ويبدو أنه وافقهم في مسألة وقد توفي قبل ظهور القول بخلق القرآن وانتشاره في المعتزلة  وقال أحمد عنه في رواية أخرى رجل صالح وقال عنه أبو الوليد الطيالسي شيخ الإسلام ما تكلم أحد في الربيع إلا والربيع فوقه  وقال عنه شعبة سيد من سادات المسلمين 

وذلك لأنه كان عابداً صالحاً وما كان داعية فعذر من مدحه مدحاً مقيداً بأمر فيه

وبعد هذا كله لا بد من عدة إيضاحات

الأول : أن عامة من ذكرناه احتمل في هذا المقال له ذم لأهل الرأي وذم أهل الرأي إجماع فمن أراد الاحتجاج بما ذكرناه عن مالك أو أحمد أو الأوزاعي أو أبو زرعة فليذكر كلامهم في أبي حنيفة

وأبو حنيفة وأصحابه دون هؤلاء جميعاً لذا اجتنبهم عامة المصنفين في الحديث مع احتمال هؤلاء

الثاني : أن السلف لهم منهج دقيق فلم يسووا بين من جمعهم اسم الإرجاء ولا من جمعهم اسم القدر

فمرجئة الجهمية كفار

والمرجئة القائلين بأن إيمان أبي بكر كإيمان الفاسق مبتدعة ضلال أخباث

والمرجئة الذين اشتبهت عليهم مسألة الاستثناء مرجئة فحسب واحتملوا في الرواية وغيرها خصوصاً من لم يكن داعية وكان معروفاً بزهد وعبادة فلا يقال أن إرجاءه لداع في نفسه

والقدرية نفاة العلم غير القدرية الذين لا ينفون العلم والقدرية الذين لا ينفون العلم من شبهته كلامية غير من يعظم الأمر والنهي

فحتى مع الجهمية أبو حاتم وأبو زرعة يذكرون التفريق بين واقفي جاهل وواقفي غير جاهل ولا يذكران هذا التفريق في الجهمية الذين يصرحون بخلق القرآن

وأما في اللفظية والواقفة فرق بين العوام وغيرهم ولكن في الجهمية المخلوقية لم يفرق

وهذه دقة وإنصاف

وكذلك في مسألة من لم يكفر الجهمية ترى القيود في كلام بعض السلف فيقول ( ممن يعرف كفرهم ) ولا تجد مثل هذا القيد في الجهمي نفسه

فهذا منهج دقيق فيه إنصاف وتقوى

والغلاة والجفاة جنوا على الدين

فالجفاة جعلوا الجهمية نفاة العلو وأهل الرأي ودعاة البدعة ليس كغيرهم من أهل البدع بل كأئمة أهل السنة  وجعلوهم محنة

وأما الغلاة فجاءوا إلى أناس هم أعلام الموحدين في الأزمنة المتأخرة وجعلوهم كالجهمية بل قال بعضهم ( ابن تيمية كاد الدين أكثر من أبي حنيفة )

وقد عظم الناس موقف عفان في المحنة وموقف أبي نعيم وما صنف أحد منهما التصانيف وكان ذلك في مسألة واحدة

وفي الأزمنة المتأخرة كان من يظهر خلاف اعتقاد الأشعري يهدر دمه وقد سجن ابن تيمية وامتحن مرات عامتها في التوحيد سواءً توحيد الألوهية أو توحيد الأسماء والصفات وحمل السيف على التتر الذين ادعوا الإسلام

وأما ابن عبد الوهاب فحاله غنية عن الشرح

والعجيب أنه بفضل الله ثم بفضل هذين الرجلين توفرت بيئة سلفية بعيدة عن عصبيات الصوفية والمذهبيين والجهمية الأشعرية وطبعت كتب السلف وأحيي في الناس حب اتباعهم والسعي للاجتهاد في ذلك بعيداً عن أطواق التقليد

فلما طبعت الكتب ووجد بعض المسائل التي تنتقد على هذين الرجلين في أمور خالفا فيها السلف وهي ما لا يسلم منه عامة العلماء في الأعصار المتأخرة وحتى في المتقدمة يوجد شيء من هذا

صار يأتي من يصنف كتاباً مثل ( ما بعد السلفية ) أو يسعى في تكفير هؤلاء الأئمة أو تبديعهم ولولا الله ثم ما فعلوه لكنت الآن قابعاً تحت وطأة تعصب مذهبي أو ركام جاهلي أو تصوف طرقي أو مد تغريبي أو تعطيل جهمي

والمستفز حقاً في حال الغلاة أن حقيقة حالهم تنفير من العلم فتراهم يلقون إلى الصغار وضعفاء العقول مسائل معينة ثم هذا الشادي يكفر الأولين والآخرين أو يضللهم ويمتليء غروراً

وربما شعر بعض الناس بالنفرة من العلم لأن أعيان الناس الذين أنفقوا حياتهم في الدعوة إلى التوحيد والسنة مع سعة العلم استبان أنهم كفرة ! أو مبتدعة ضلال ضروا الدين أكثر من أهل الرأي !

وهذا من أسوأ أثرهم على الناس ، مع كونهم يقدمون خدمة عظيمة لأهل التمييع حيث يتيحون لهم فرصة قرن أئتمهم من عتاة الجهمية ممن لا يصلح أن يقرن بالحسن بن صالح فضلاً عمن هو خير منه ، يتيحون لهم فرصة قرن هؤلاء بمثل ابن تيمية وابن عبد الوهاب فيقولون مثلاً ( الحدادية يطعنون في ابن حجر والنووي وأبي حنيفة وابن تيمية )

وإن كانت كلمة الطعن فضفاضة عند هؤلاء فكل نقد طعن ولكن القوم فعلاً يبدعون ويكفرون

وأيضاً من بلائهم أنك تراهم ضعاف في الرد على العقلانيين والجهمية الصرحاء والأحباش والسقافيين وغيرهم من النشطاء في الدعوة لباطلهم مع هجوم مكثف على ابن تيمية وابن عبد الوهاب فكأنهم يسيرون في طريق واحد

إلا أن الإنصاف يقتضي أن يقال أنهم ليسوا دسائس ولا هم يسيرون على طريقة هؤلاء ومأخذهم في الطعن مختلف ولكن النتيجة واحدة تماماً ، ومع التجني الظاهر وعدم النشاط في الرد على أولئك بقدر النشاط في ذم المنتسبين للسنة هذا يحدث فساداً وإن كان غير مقصود لهم

وقريباً سترى كلامهم في مواقع القوم على أن أئمة الغلاة انقلب منهجهم عليهم

ومن الأحوال المستفزة في طريقة القوم أن بعضهم يأتي إلى دعوة طويلة عريضة وجهاد طويل مع أهل الباطل ويختزله بنقلين أو ثلاثة ليظهر لك أن هذا الشخص من عتاة أهل التمييع !

ويترك كل ما سوى ذلك له في الباب وهذه طريقة غاية في الإجحاف

حتى بعض من تأثر بطريقتهم قال لي مرة ( لا فرق بينك وبين حسن السقاف ) لأنني قلت ( الشيخ ابن باز ) هذا وأنا هم أعرف الناس بما أصابني بسبب قولي في أهل الرأي وأثر مجاهد وتكفير الأشعرية وطريقتي في الحديث
وأعجبني قول بعض الناس لأحدهم ( وما يدريني أنك الآن لست واقعاً في الكفر ) ويريد أن أئمة الموحدين في أزمنتهم ادعيتهم عليهم الوقوع في الكفر فقد تكون أنت إمام في وقتك ثم يأتي من يكتشف كفرك بعد قرون

وعندهم خلط في مسألة الألفاظ المجملة فهناك فرق بين إنسان يتكلم بلفظ مجمل في حال مناظرة أو حال دفع تهمة أو حال ضجر كما كان من شعبة وسفيان تجاه أهل الحديث

ثم نجد في كلامه نفسه ما يبين هذا وينقض الفهم الباطل ويكون هذا أكثر وأوضح

وبين شخص جاء لمعتقد أهل السنة الواضح واستبدل اللفظ الواضح الصريح بلفظ مجمل يحتمل حقاً وباطلاً والتزمه وجعله بدليلاً للفظ السليم أو مقارناً له بشكل راتب كصنيع اللفظية حين قالوا ( لفظي بالقرآن مخلوق )

واستبدلوا به عقيدة أهل السنة الواضحة

والقوم يخلطون بين المقامين خلطاً عظيماً

قال ابن حجر في شرح البخاري (13/407) :" وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا وَمَنْ خَالَفَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَلَا الرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ لَيْسَ كمثله"

ماذا لو جاء شخص ونزل كلام الشافعي هذا على كل من ينكر الصفات حتى العلو المعلوم بالفطرة ودلالة النصوص عليه ظاهرة لكل أحد !

وإنما يجلي نص الشافعي هذا نصه الآخر
قال الإمام الشافعي في الأم (7/265) :" ما كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَمَّنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا"

وقال في الرسالة :" أما ما كان نصَّ كتاب بيِّن أو سنةٍ مجتمع عليها فيها مقطوع، ولا يسع الشكُّ في واحد منهما، ومن امتنعَ من قبوله استُتِيب"

ومن قرأ في الفقه علم أنه ما من إمام إلا وله مقالات تخالف السنة إلا أقل القليل ومن قرأ في التاريخ يجد أن الرافضة يجمعون زلات الأئمة ومثلهم النصارى وهذه طريقة الماسونيين كالبحيري وأضرابه

فجاء ابن تيمية وكتب كتاباً أسماه ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) وبين فيه أسباب مخالفة بعض الأئمة لسنن ثابتة بما يصلح جواباً على تشويش المشوشين ، ويحل إشكالاً عند طلبة العلم وابن تيمية نفسه في هذه الرسالة بين أن العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته وبين أنه لا يجوز تقليد إمام في زلته ، ولو فرضنا أنه حصل عنده توسع فأصل الفكرة صحيح وعامة كلامه صواب وله وجود في أحوال الأئمة

ولو رأيت كلام الحداد على هذه الرسالة لظننت أن ابن تيمية إخواني لا يرى التثريب على أحد بحال ولو كانت هذه حاله لما كتب كل هذه الردود ولما تكلف الناس سجنه وحربه وحرق كتبه ( وهذا الذي أقوله هنا قال الحداد نحوه في الخميس )

ومحاولة تصوير ابن تيمية على أنه الأساس لكل إشكالات المعاصرين أسطورة سخيفة فقد رأيت في الحلقات السابقة إبطال هذه الفرية الفاجرة
ومن رصيده في العلم مسائل معدودة والمخاصمة عليها لا يقدر جهاد الأئمة ، ومن يرد على فئة معينة من الناس دون بقية الفئات لا بد أن يقع في غلو أو جفاء ، والكلام على هؤلاء يطول ولا أقوى عليه بعد كل ما كتبته والخلاصة أنهم يهدمون ما يبنيه غيرهم وقد راهن الجفاة على جعلهم يطعنون في ابن تيمية وابن عبد الوهاب والتهويش على أحمد ونجحوا في ذلك
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم