الثلاثاء، 12 مايو 2015

تقويم المعاصرين ( الحلقة العاشرة )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فهذه حلقة جديدة من سلسلة تقويم المعاصرين ولا زلنا في باب الكفر والإيمان والموقف من المخالف

الخطأ الثالث والأربعون : حصر الكفر في نوعين

وهذا وقع فيه منقذ السقار ومراد شكري ورجل لبناني لا أذكر اسمه الآن

قال منقذ السقار في كتابه ضوابط التكفير :" وهكذا فالردة هي الرجوع عن الإسلام بارتكاب ناقض من نواقضه القولية أو القلبية أو العملية، والردة صورة من صور الكفر التي تدور بمجموعها حول التكذيب والجحود"



وهذا الحصر في التكذيب والجحود غلط


فإن هناك كفر الاستكبار وهذا كفر إبليس وإبليس لم يأته خبر حتى يصدق أو يكذب وإنما جاءه أمر فاستكبر وهذا فرق جوهري بين حقيقة كفر التكذيب وكفر الاستكبار


وهناك كفر الإعراض الذي لا يصدق صاحبه الحق ولا يكذبه



قال شيخ الإسلام في التسعينية (5/166) :" والكفر أعم من التكذيب فكل من كذب الرسول كافر، وليس كل كافر مكذباً، بل من يعلم صدقه، ويقر به وهو مع ذلك يبغضه أو يعاديه


كافر، أو من أعرض فلم يعتقد لا صدقه ولا كذبه كافر وليس بمكذب"



وجاء في الرسالة المفيدة للإمام محمد بن عبد الوهاب ص45 :" فالكفر كفران:

كفر يخرج من الملة وهو خمسة أنواع:

"النوع الأول" كفر التكذيب، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ}.

"النوع الثاني" كفر الإباء والاستكبار مع التصديق والدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.

"النوع الثالث" كفر الشك وهو كفر الظن، والدليل قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}.

"النوع الرابع" كفر الإعراض، والدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}.

النوع الخامس" كفر النفاق، والدليل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}"


تأمل قوله في كفر الاستكبار ( مع التصديق ) إذ لا تكذيب ولا جحود والجحود هو تكذيب اللسان مع عدم تكذيب القلب


وهذه المسألة تحتمل بسطاً أكبر غير أن المراد هنا التنبيه خصوصاً وأن اللجنة الدائمة قد انتقدت على بعضهم هذا الحصر


والعجيب أن بعض من ينشر فتيا اللجنة الدائمة ينشر أيضاً كتاب الدكتور منقذ أيضاً فقط لأنه يوافقه في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، فهي معقد الولاء والبراء عندهم وكل ما وراءها يهون وربما تترسوا ببعض المسائل ولا يريدونها وإنما يريدون هذه المسألة



وكنت قد أرسلت نصيحة للدكتور منقذ حول هذا الموضع قبل أكثر من خمس سنوات فأعاد علي بتكرار الكلام مع زيادة توضيح تبين أنه معتقد لما كتب


وقبلها قد راسلته حول موطن ذكر فيه خبراً واهياً في كتابه دلائل النبوة ، فكان رحب الصدر وعدل الموطن


وبانتظار أن يعدل هذا الموضع أيضاً


والله الهادي للصواب

الخطأ الرابع والأربعون : إطلاق عدم تكفير المقلد

وهذا وقع فيه عبد الله بن عبد الحميد الأثري !

قال عبد الله بن عبد الحميد الأثري في كتابه الإيمان :

" ذهب جمهور أئمة أهل السنة والجماعة إلى جواز التقليد في العقائد والأحكام للعامي، والذي يعجز عن فهم الحجة والنظر والاستدلال.

ويحرم التقليد على العالم، أو الذي يستطيع النظر والاستدلال؛ إذا اجتهد وبان له الحق في المسألة أن يقلد غيره، سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام؛ لورود الأدلة في ذم التقليد والمقلدين.

واتفقوا على أن التقليد من موانع التكفير؛ لأن المقلد جاهل لا يفهم الدليل أو الحجة، ولا بصيرة له ولا فقه؛ فهو معذور حتى تقام عليه الحجة ويعلم"



أقول : لم يجمعوا على هذا الإطلاق بل إن تكفير المقلد فيه تفصيل بسطه ابن القيم في طريق الهجرتين




قال ابن القيم في طريق الهجرتين ص411 :" فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً وإما جهلاً وتقليداً لأهل العناد.

فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد، وقد أخبر الله فى القرآن فى غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار، وأن الأتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون فى النار وأن الأتباع يقولون: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ، قَالَ لِكُلِّ ضِعْفٌ وَلِكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38]، وقال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلّ فِيهَا إِن اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47-48]، وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجَعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْلَ يَقُولُ الذين اسْتُضْعِفُوا لِلِّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ الَّذِينَ استكبروا للذين اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأمُرُونَنَا أن نَكْفُرِ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً} [سبأ: 31- 33].

فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا فى العذاب ولم يغن عنهم تقليدهم شيئاً. وأصرح من هذا قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُا مِنَّا} [البقرة: 166-167].

وصح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل أوزار من اتبعه، لا ينقص من أوزارهم شيئاً"، وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو بمجرد اتباعهم وتقليدهم.

نعم لا بد فى هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان فى الوجود، فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذى لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضاً أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب له، غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة. الثانى: معرض لا إرادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه. فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدى ونهاية معرفتى. والثانى: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه


سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق: فالأَول كمن طلب الدين فى الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع فى طلبه عجزاً وجهلاً، والثانى كمن لم يطلبه، بل مات فى شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض.

فتأمل هذا الموضع، والله يقضى بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به فى جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أم لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول.

هذا فى الجملة والتعيين موكول إلى علم الله [عز وجل] وحكمه هذا فى أحكام الثواب والعقاب. وأما فى أحكام الدنيا [فهى جارية مع ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار فى أحكام الدنيا] لهم حكم أوليائهم. وبهذا التفصيل يزول الإشكال فى المسألة. وهو مبنى على أربعة أُصول:

أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نبعث رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَلْقِى فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزْنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك: 8- 9]، وقال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11]، وقال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [الأنعام: 130]، وهذا كثير فى القرآن، يخبر أنه إنما يعذّب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة، وهو المذنب الذى يعترف بذنبه، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76]، والظالم من عرف ما جاءَ به الرسول أو تمكن من معرفته، وأما من لم [يكن عنده من الرسول خبراً أصلاً ولا يمكن من معرفته بوجه] وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟ الأصل الثانى: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم [إرادة العلم] بها وبموجبها. الثانى: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض والثانى كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذى نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.

الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار فى زمان دون زمان وفى بقعة وناحية دون أُخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذى لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له. فهذا بمنزلة الأصم الذى لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم فى حديث الأسود وأبى هريرة وغيرهما" انتهى كلامه رحمه الله



وهذا التفصيل الجليل من ابن القيم يزيل الكثير من الإشكالات وقد كرر نحواً منه في النونية عند كلامه على تكفير الجهمية




قال ابن القيم في النونية




فاسمع إذا يا منصفا حكميهما ... وانظر إذاً هل يستوي الحكمان

هم عندنا قسمان أهل جهالة ... وذوو العناد وذلك القسمان

جمع وفرق بين نوعيهم هما ... في بدعة لا شك يجتمعان

وذوو العناد فأهل كفر ظاهر ... والجاهلون فإنهم نوعان

متمكنون من الهدى والعلم بالـ ... أسباب ذات اليسر والإمكان

لكن إلى أرض الجهالة أخلدوا ... واستسهلوا التقليد كالعميان

لم يبذلوا المقدور في إدراكهم ... للحق تهوينا بهذا الشان

فهم الألى لا شك في تفسيقهم ... والكفر فيه عندنا قولان

والوقف عندي فيهم لست الذي ... بالكفر أنعتهم ولا الإيمان

والله أعلم بالبطانة منهم ... ولنا ظهارة حلة الإعلان



وهنا يجزم ابن القيم بتفسيق من تمكن من العلم وأعرض وينقل قولين لأهل العلم في تكفيره ( خلافاً للأثري الذي ادعى الإجماع ) ويختار هو التوقف


والذي يظهر من كلام السلف تكفيرهم لغالية الجهمية نفاة العلو تكفيراً مطلقاً وإلى هذا يشير كلامه في مدارج السالكين ومثلهم من يعبد غير الله فهذا مشرك في الدنيا والتفصيل السابق في حكمه الأخروي



وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/44) :" وكل من اعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد ان يقول هذا يوم القيامة فإن قيل فهل لهذا عذر في ضلالة إذا كان يحسب انه على هدى كما قال تعالى ويحسبون انهم مهتدون قيل لا عذر لهذا وامثاله من الضلال الذين منشأ ضلالهم الاعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ولو ظن انه مهتد فإنه مفرط باعراضه عن اتباع داعي الهدى فإذا ضل فإنما اتى من تفريطه واعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول اليها فذاك له حكم آخر والوعيد في القرآن إنما يتناول الاول واما الثاني فإن الله لا يعذب احدا إلا بعد إقامة الحجة "



وهذا على سنن النقلين السابقين

الخطأ الخامس والأربعون : نسبة إيجاب الموازنات للسلف

وهذا يقع فيه كثيرون ومنهم محمود الرضواني وقد قدمنا أن ليس كل مدح لواقع في بدعة يسمى موازنات بل من ذلك ما وقع على وجه شرعي ومنه ما وقع من أئمة على جهة الزلل وتحسين الظن ومنها ما هو مدح حق ولكن لا يناسب أن يقال في مخالف وقع فيه الافتتان

غير أن الجفاة يوجبون هذا مطلقاً وليس واجباً بحال وإنما الواجب ألا تقول فيه ما ليس فيه حقاً ويجعلون هذا شاملاً لكل الواقعين في بدع حتى أهل الرأي وشأن السلف معهم معلوم والجهمية والمعتزلة ودعاة البدعة والرؤوس فيها

قال الرضواني في منة الرحمن ص1372 وهو يتكلم عن منهج أئمة الجرح والتعديل :

" وقد تميز هذا المنهج في بيان أحوال الرواة ببعض القواعد الهامة التي تتضح فيما يلي


1_ الأمانة في الحكم : فكانوا يذكرون للراوي ما له وما عليه وفضائله ومساوئه "


أقول : هذا كلام من لم يقرأ شيئاً من كتب الجرح والتعديل ، والرضواني في العادة يعترض على مخالفيه بأنهم يتكلمون في غير تخصصهم ، وهو هنا يتكلم في غير تخصصه


فإن الراوي إذا كان مجروحاً بسوء حفظٍ أو ببدعة فإن أهل العلم لا يلتزمون ذكر حسناته ولا يرون ذلك واجباً عليهم إن لم يفعلوه فهم ظلمة


قال ابن أبي الدنيا في الصمت 553 :

 وحدثني أبو صالح قال : سمعت رافع بن أشرس قال :

 كان يقال : إن من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه .

 قال : وأنا أقول : ومن عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه .


وسأذكر خمسة أمثلة فقط تقضي على هذه الدعوى


1- إبراهيم بن طهمان


هذا الرجل كان شديداً على الجهمية وصدوقاً في الحديث إليك ترجمته في كتاب الضعفاء للعقيلي


قال العقيلي في الضعفاء ( 1/156): إبراهيم بن طهمان الخراساني كان يغلو في الإرجاء .

حدثنا محمد بن سعيد بن بلج الرازي بالري قال : سمعت عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان يذكر عن عبد العزيز بن أبي عثمان قال : كان رجل من المغاربة يجالس سفيان وكان سفيان يستخفه ، ثم جفاه فشكا ذلك إلينا ، قال : فقلت له : تكلم فلانا كذا ، فإنه أجرأ على سفيان ، قال : فكلمه ، قال : يا أبا عبد الله هذا الشيخ المغربي قد كنت تستخفه فما حاله اليوم ؟

 فلم يزل به حتى قال سفيان : إنه يجالس . . . ولم يسم أحدا

 قال : فقال له : من جالست ؟ قال : جلست يوما إلى إبراهيم بن طهمان في المسجد الحرام ودخل سفيان من باب المسجد فنظر إلي فأنكرت نظره .

حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثنا محمد بن علي الوراق ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : إبراهيم بن طهمان من أهل خراسان وكان مرجئا يتكلم .

 حدثنا أحمد بن علي الأبار قال : حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا جرير قال : رأيت على باب الأعمش رجلا أدكن الوجه ، فقال : كان نوح النبي عليه السلام مرجئا

فذكرته للمغيرة ، فقال : فعل الله بهم وفعل ، لا يرضون حتى ينحلون بدعتهم الأنبياء

 قال : وهو إبراهيم بن طهمان


أقول : هذه ترجمة كاملة ليس فيها أي حسنة ، وذكر كلام سفيان وأحمد ومغيرة في الرجل ليس فيه ذكر أي حسنة

ومن مدح ابن طهمان بما فيه حقاً لم يقل أحد فيه ( مميع ) وقد قدمت الكلام على ضوابط مثل هذا الأمر بعيداً عن التحاذق على السلف


2_ عباد بن كثير


هذا الرجل كان من العباد ولكنه كان منكر الحديث إلى درجة أغاظت الأئمة منه وعامتهم يجرحونه بسوء الحفظ ولا يذكرون صلاحه


قال ابن عدي في الكامل (5/ 538) : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثني عَبد العزيز بن سلام، حَدَّثَنا مُحَمد بن نافع أخبرني عَبد الله بن إدريس، قَال: كان شُعْبَة لا يستغفر لعباد بن كثير.


ولم يصل عليه سفيان لما مات

و قال عثمان بن سعيد الدارمى ، عن يحيى بن معين : ليس بشىء فى الحديث ، و كان رجلا صالحا .
و قال عبد الله بن المبارك ( مق ) : قلت لسفيان الثورى : إن عباد بن كثير من
تعرف حاله ، و إذا حدث جاء بأمر عظيم ، فترى أن أقول للناس : لا تأخذوا عنه ؟
قال سفيان : بلى ، قال عبد الله : فكنت إذا كنت فى مجلس ذكر ( فيه ) عباد ،
أثنيت عليه فى دينه ، و أقول : لا تأخذوا عنه

ولو كان هؤلاء في عصرنا لنسب الجفاة سفيان إلى الغلو ونسب الغلاة ابن المبارك إلى التمييع


3_ محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني صاحب الرأي


وهو أحد الثلاثة الذين ذكرهم الطحاوي في مقدمة عقيدته التي يعرفها الرضواني جيداً


قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل :" 1253- محمد بن الحسن الشيباني، مولى لهم.

صاحب الرأي أَبو عَبد الله، أصله من دمشق، من أهل حرستا، قدم أَبوه العراق، فولد محمد بواسط، ونشأ بالكوفة، وخرج مع هارون فمات بالرَّي.

رَوَى عَن: زَمعَة، والثَّوري، وبكير بن عامر، وأبي يوسف يعقوب.

رَوَى عَنه: أَبو سليمان الجُوزْجَاني، وهشام الرازي، والعلاء بن زهير، وإسماعيل بن توبة.

سَمِعتُ أَبي يقولُ ذلك.

قال أَبو مُحَمد: رَوَى عَن: مِسْعَر، والثَّوري، والأَوزاعي، ومالك، وإِبراهيم الخوزي، ومحمد بن أبان.

حَدثنا عَبد الرَّحمن، أَخبَرنا عَبد الله بن أَحمد بن محمد بن حَنبل، فيما كَتَبَ إلَيَّ، قال: سَألتُ أَبي عن محمد بن الحسن صاحب الرأي، قال: لا أروى عنه شيئًا.

حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: قُرِئَ عَلَى العباس بن محمد الدُّوري، قال: سُئِل يَحيَى بن مَعين عن محمد بن الحسن الشيباني، فقال: ليس بشيءٍ.

حَدثنا عَبد الرَّحمن، سَمِعتُ أَبي يقول: وجدت في كتاب السير لمحمد بن الحسن صاحب الرأي، عن الواقدي أحاديث فلم يضبطوا عن محمد بن الحسن، فرووا عن محمد بن الحسن، عن الواقدي أحاديث، ورووا الباقي عن محمد بن الحسن، عن مشايخ الواقدي مثل خارجة بن عَبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، وعن محمد بن هلال، وعن الضحاك بن عثمان، وهذا كله عن الواقدي، فجعلوه عن محمد بن الحسن عن هؤلاء المشايخ"


هذه ترجمته كما ترى ليس فيها إلا الجرح !

وكذا أكثر تراجم أهل الرأي في كتب المتقدمين لعظيم جنايتهم على الدين


4_ عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد


كان مرجئاً غير أنه كان عابداً لم يكن يرفع رأسه إلى السماء حياءً من الله والأكثر يوثقونه


قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/392) :" وعبد المجيد بن عبد العزيز كان مبتدعاً عنيداً داعية، سمعت حماد بن حفص يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: كذاب - يعني عبد المجيد"


ولم يذكر فيه إلا هذه الكلمات


5_ يعقوب بن شيبة


وهذا كان إماماً في العلل ثقة ثبتاً قال فيه الإمام أحمد ( مبتدع صاحب هوى ) لأنه قال بالوقف بل حكم عليه عبد الوهاب الوراق بالزندقة كما في الإبانة لابن بطة


وأكمل الرضواني كلامه بقوله :

" 3_ التزام الأدب في النقد : فلم يخرج هؤلاء العلماء في نقدهم عن آداب البحث العلمي الصحيح

 وكانوا مع ذلك يأمرون طلابهم بالتزام الأدب في نقدهم ، يقول المزني تلميذ الشافعي رحمهما الله : سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب : فقال لي : يا إبراهيم اكسي ألفاظك أحسنها ولا تقل كذاب ولكن قل حديثه ليس بشيء"



فهل معنى هذا أن كل من قال ( كذاب ) من أئمة الجرح والتعديل قليل الأدب !



يا شيخ مهلاً ولا تتكلم في غير فنك ، هذا الأثر ذكره ابن حجر عن الشافعي في التلخيص ولم أجده في مكان آخر ، وبقية عمل الأئمة على خلاف هذا وما كانوا يتورعون عن تكذيب الكذاب وهذا يفعلونه تديناً




والشافعي نفسه كان شديداً على الكذابين




قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 324) : حَدثنا محمد بن عَبد الله بن عَبد الحكم، قال: سَمِعتُ الشافعي يقول، وذكر أَبو جابر البياضي، فقال: بيض الله عين مَن يَرْوي عَنه.

قال أَبو مُحَمد: أراد بذلك تغليظا على من يكذب على رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم.



فهذا قوله في الذي يروي عنه لا فيه هو فحسب

والرضواني نفسه بعيد عن هذا ومن تابعه يعلم هذا






وبعض الناس يقول هذه الألفاظ قالها هؤلاء الأئمة حمية ولم يقصدوا معناها




فيقال : وهل رفعت الحمية من على وجه الأرض فإذا سمعت من يتكلم بها حمية فلا تنكر عليه !

وقد قدمت نقد مسالك الغلاة في هذا الباب ودين الله بين الغالي والجافي

الخطأ السادس والأربعون : قولهم الأشاعرة وافقوا أهل السنة في سبع صفات

وهذا غير صحيح ففي السمع والبصر والإرادة لا يثبتون السمع الفعلي والبصر الفعلي والإرادة الفعلية

وهم جبرية لا يفرقون بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية

وفي القدرة يقولون ( القدرة تتعلق بالممكنات ) ويخرجون ذات الله من الداخل في القدرة ويقولون بأن الله لا يقدر على نفسه

وأما الكلام النفسي فليس هو الكلام المعروف في لغة العرب بل لا فرق بين الكلام النفسي وصفة العلم في حقيقة الأمر كما بينته ابن تيمية

ثم إن طريقة الإثبات أصلاً غير شرعية بل راجعة إلى أصول كلامية

قال الإمام أحمد في أصول السنة : [ وَأَن لَا يُخَاصم أحدا وَلَا يناظره وَلَا يتَعَلَّم الْجِدَال فَإِن الْكَلَام فِي الْقدر والرؤية وَالْقُرْآن وَغَيرهَا من السّنَن مَكْرُوه ومنهي عَنهُ لَا يكون صَاحبه وَإِن أصَاب بِكَلَامِهِ السّنة من أهل السّنة حَتَّى يدع الْجِدَال ويؤمن بالآثار ]


فهذا نص واضح من الإمام أحمد أن الرجل لا يكون سنياً ولو أصاب السنة ، حتى تكون مقدمته سنية


وهذا الكلام ينبغي تنزيله على الأشاعرة في الصفات التي أثبتوها بالعقل وظن من ظن أنهم في هذا الباب موافقون للسنة ، بل إن طريقتهم التي أثبتوا فيها الصفات واستغنوا فيها عن الأدلة تدل على البعد عن السنة وأنهم ليسوا من أهل السنة


وأضرب لك مثلاً بابن العربي المالكي وهو من أحسن الأشاعرة


قال ابن العربي في قانون التأويل 461 :

" وتعجبوا من رأس المحققين _ يعني الجويني _ يعول في نفي الآفات على السمع ولا يجوز أن يكون السمع طريقاً إلى معرفة الباري ولا شيء من صفاته لأن السمع منه "


وهذه العبارة السيئة واضحة في أن النصوص لا يعتمد عليها في باب الصفات وهذا عين التجهم ، ويصف الجويني الأشعري بأنه رأس المحققين مما يدل على أنه على مذهبه ، والجويني والرازي لهما مذهب خبيث في أن العقل لا يدل على نفي النقائص عن الله عز وجل فيعولون في هذا الباب على السمع على غير عادتهم


فتأمل كيف أن الأشعري قد أصاب في تنزيه الله عن النقائص ولكنه اعتمد على العقل بل صرح أن السمع ( يعني أدلة الكتاب والسنة ) لا تصلح أن تكون دليلاً لمعرفة الباري


والأشاعرة معترفون بأنهم أهل كلام وأن مذهبهم كلامي لهذا تجدهم يقولون في التراجم مثلاً ( المالكي مذهباً المتكلم على مذهب الأشعري )


قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" قال ابن أبي داود: ثنا موسى بن عمران الإصبهاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تجالس أصحاب الكلام، وإن ذبوا عن السنة"


والواقع أنهم ما ذبوا عن الإسلام في كبير شيء بل جرأوا الفلاسفة على أهل الإسلام لكثرة تناقضهم واضطراب أصولهم


وإلا فحالهم كما قال ابن القيم في الصواعق المرسلة ص973:" حقيقة قول هؤلاء القول بالدهر وإنكار الخالق بالكلية وقولهم {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية24] وإنما صانعوا المسلمين بألفاظ لا حقيقة لها واشتق إخوانهم الجهمية النفي والتعطيل من أصولهم فسدوا على أنفسهم طريق العلم بإثبات الخالق وتوحيده بمشاركتهم لهم في الأصل المذكور وإن باينوهم في بعض لوازمهم كإثباتهم كون الرب تعالى قادرا مريدا فاعلا بالاختيار وإثباتهم معاد الأبدان والنبوة ولكن لم يثبتوا ذلك على الوجه الذي جاءت به الرسل ولا نفوه نفي إخوانهم الملاحدة بل اشتقوا مذهبا بين المذهبين وسلكوا طريقا بين الطريقين لا للملاحدة فيه وافقوا ولا للرسل اتبعوا ولهذا عظمت بهم البلية على الإسلام وأهله بانتسابهم إليه وظهورهم في مظهر ينصرون به الإسلام ويردون به على الملاحدة فلا للإسلام نصروا ولا لأعدائه كسروا بل أتباع الرسل كفروهم وضللوهم وصاحوا بهم من أقطار الأرض امتازوا من المسلمين أيها المعطلون وانحازوا إلى إخوانكم من الملاحدة الذين هم بربهم يعدلون وخلوا عن نصوص الوحي فكم بها تتلاعبون فمرة تقولون هي أدلة لفظية معزولة عن إفادة العلم واليقين ومرة تقولون هي مجازات واستعارات لا حقيقة لها عند العارفين ومرة تقولون: لا سبيل إلى تحكيمها والالتفات إليها وقد عارضها المعقول وقواطع البراهين ومرة تقولون أخبار أحاد فلا يحتج بها في المسائل القطعية التي يطلب منها اليقين فأرضيتم بذلك إخوانكم من الملاحدة أعداء الدين وكنتم بذلك لهم موافقين فصالوا عليكم به فيما أثبتموه وكنتم به من الإسلام وأهله متقربين وصال عليكم المسلمون بما وافقتم فيه إخوانكم من الضلال المبين فتدافعكم الفريقان تدافع الكرة بين الضاربين فدعونا من التلبيس والمصانعة"


وقال شيخ الإسلام في النبوات ص806 :" لهذا عدل الغزالي وغيره عن طريقهم في الاستدلال بالمعجزات؛ لكون المعجزات على أصلهم لا تدلّ على نبوة نبيّ. وليس عندهم في نفس الأمر معجزات، وإنما يقولون: المعجزات عِلمُ الصدق؛ لأنّها في نفس الأمر كذلك.

وهم صادقون في هذا، لكن على أصلهم ليست دليلاً على الصدق، ولا دليلَ على الصدق.

فآيات الأنبياء تدلّ على صدقهم دلالة معلومة بالضرورة تارةً، وبالنظر أخرى.

وهم قد يقولون: إنّه يحصل العلم الضروري بأنّ الله صدّقه بها؛ وهي الطريقة التي سلكها أبو المعالي، والرازي، وغيرهما؛ وهي طريقة صحيحة في نفسها، لكن [تناقض] بعض أصولهم.

فالقدح ليس في آيات الأنبياء، لكن في الأقوال الفاسدة التي تناقض ما هو معلوم بالضرورة عقلاً، وما هو أصل الإيمان شرعاً. ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد قولهم، لا في جهة صحة الدلالة؛ فقد يظهر بلسانه ما ليس في قلبه؛ كالمنافقين الذين يقولون: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.

ولقد صدق الإمام أحمد في قوله: علماء الكلام زنادقة.

وطريقة القرآن فيها الهدى، والنور، والشفاء؛ سماها آيات، وبراهين"


فتأمل كيف أن شيخ الإسلام في معرض نقده للأشاعرة وذكره لكبار أئمتهم يذكر عبارة الإمام أحمد في أن علماء الكلام زنادقة

والعجيب أن بعض سفلة الغلاة ينزل الكلام في ذم المتكلمين على ابن تيمية وشيخه الذي يغلو فيه كان يقول بقول الأشاعرة في التحسين والتقبيح العقليين وابن تيمية ذم علم الكلام وقال بأنه شر ولا ينتفع به وبين تناقض أهله وأن الهدى كله في النصوص وإنما أبان تناقضهم وأن ما في قولهم من الصواب موجود في النصوص بشكل أظهر وبلا شوب من الباطل

الخطأ السابع والأربعون : قولهم لا يكفر إلا منكر المتواتر من الأحاديث

وهذا غلط

بل من أنكر حديثاً اتفق أهل الصنعة على تصحيحه أو من كان من ضعفه منهم قد دفعت حجته ببينة مما اتفق أهل العلم على أن مثلها يدفع حجته فمن ينكر مثل هذا فهو كافر

لأن الله عز وجل أمر باتباع السنة وأمر بسؤال أهل الذكر فعلم أن كل فن يسأل أهله وهذا أمر يعلمه الناس في حياتهم فكل فن يحكم فيه أهل التخصص من أهله ممن قضوا زمناً من عمرهم في هذا الفن

فما اتفق عليه أهل العلم كان حجة ملزمة ومن رد عليهم كان كالراد على الرسول وإلا فتح باب الفوضى وصار كل من لا يروقه خبر دفعه بجهله وأهواء الناس متفاوتة ولا أدل على ذلك من شدة اختلاف المعتزلة وأهل الرأي فيما بينهم


فقد قال تعالى : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )

ومن توقيره صلى الله عليه وسلم تعظيم سنته التي جعلها الله عز وجل بالمكان العالي من دينه وجعلها مفسرة لكتابه سبحانه وتعالى

قال الله تعالى : ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

وقال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

فهذا حكم رب العالمين فيمن وجد في نفسه حرجاً من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمن جهر بالمحادة له عليه الصلاة والسلام ورد حديثه بكل جرأة وصفاقة

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/51) :" وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟! أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم؟!"

قلت : إي والله هو أولى

قال أحمد في مسنده 17174 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَرِيزٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ "

فمن رد على النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن على الله عز وجل أمره في كتابه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن ومثله معه ، ومن مقتضيات هذه المثلية أن يكون راد هذا كراد ذاك

ثم إن الله عز وجل قد قيض لهذه الأمة علماءً أفذاذاً لم يخل منهم ، ميزوا الصحيح المروي من السقيم لم يخل منهم زمان وأجمعت الأمة على هدايتهم ، فكان لزاماً على الأمة الرجوع إلى أقوالهم في هذا وألا يتكلم كل امريء بهواه ورأيه ومن خالفهم كان متبعاً لغير سبيل المؤمنين

قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

وقال الله تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )

ومن أولئك الأئمة الإمام البخاري صاحب الصحيح الذي أجمع أهل الصنعة على أن كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل

ولا حجة لأهل الزيغ في بعض الأحاديث التي انتقدها بعض الأئمة بناءً على نظر إسنادي دقيق في صحيح البخاري فمن أراد ترجيح قولهم على قول البخاري بحسب القواعد المتبعة عند أهل الفن فلا ضير

وأما أن يعمد المرء إلى أخبار تلقاها المحدثون بالقبول ولم يطعن فيها أحد ، ويتكلم فيها بهواه وجهله فإن هذا فتح باب زندقة عريض

قال الخطيب في شرف أصحاب الحديث 151 - وأخبرنا أبو بكر ، أيضا ، قال حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ، يقول : سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي ، عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث ، فقال : أصحاب الحديث قوم سوء . فقام أبو عبد الله ، وهو ينفض ثوبه ، فقال : « زنديق ، زنديق ، زنديق ، ودخل بيته »

فهذا حكم أحمد فيمن طعن في أهل الحديث ، لأن في ذلك ذريعة في الطعن على الحديث نفسه ، فكيف بمن عمد إلى الحديث مباشرة ورام رده ، وفي ذلك من الإزراء على قائله الإزراء العظيم

وقال الله تعالى : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ)

والمكذب بالحديث الصحيح مكذب بالصدق ، وباطر للحق

قال ابن حزم في الإحكام (1/89) :" وقد ذكرنا محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر"

ولا يهولنك هذا الحكم أخ الإسلام ، فإن مستند إلى ما ذكرنا من الأدلة السابقة وغيرها

وقال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ : يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ , فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ.

فانظر إلى إقرار المريسي الخبيث لتكفير أهل الحديث لصاحبه الراد للأحاديث ولكنه يعلمه حيلة ولا تنطلي على من نور الله قلبه بنور الإيمان ، فليس كل من هب ودب يقول ( له علة ) فإن هذا علم منضبط بقواعد يميز بها الصيرفي الطيب من الزيف

وقال الخلال في السنة 1735- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : سَمِعْتُ الْبُوَيْطِيَّ يُوسُفَ بْنَ يَحْيَى الْقُرَشِيَّ , قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ : ذَاكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ الْمِرِّيسِيَّ , يَعْنِي حَدِيثَ الْقُرْعَةِ بَيْنَ السِّتَّةِ إلا عبد , فَقَالَ : هَذَا قِمَارٌ . فَأَتَيْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , شَاهِدٌ آخَرُ , وَأَرْفَعُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ , وَأَصَلِّبُهُ.

فهذا دأبهم من يرد الأحاديث يعدونه مرتداً ويهمون بصلبه

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (14/32) :" وَقَدْ حَدَّثَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ يَوْمًا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ: " " «احْتَجَّ آدَمُ، وَمُوسَى» " " فَقَالَ عَمُّ الرَّشِيدِ: أَيْنَ الْتَقَيَا يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ؟ فَغَضِبَ الرَّشِيدُ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَتَعْتَرِضُ عَلَى الْحَدِيثِ؟ ! عَلَيَّ بِالنَّطْعِ، وَالسَّيْفِ. فَأُحْضِرَ ذَلِكَ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ يَشْفَعُونَ فِيهِ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَذِهِ زَنْدَقَةٌ. ثُمَّ أَمَرَ بِسَجْنِهِ، وَقَالَ: لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُخْبِرَنِي مَنْ أَلْقَى إِلَيْهِ هَذَا. فَأَقْسَمَ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا قَالَ لَهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ بَادِرَةً مِنِّي، فَأَطْلَقَهُ"

فهذا صنيع الرشيد مع من أورد إشكالاً يحتمل الاعتراض وشوش على السنة فكيف بمن جاهر بردها دون أدنى حياء

قال أبو نعيم في الحلية (9/106) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِمِصْرَ، فَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَأْخُذُ بِهَا؟ فَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتَنِي خَرَجْتُ مِنَ الْكَنِيسَةِ أَوْ تَرَى عَلَيَّ زُنَّارًا؟ إِذَا ثَبَتَ عِنْدِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قُلْتُ بِهِ وَقَوَّلْتُهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ أَزُلْ عَنْهُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي لَمْ أُقَوِّلْهُ إِيَّاهُ. أَتَرَى عَلَيَّ زُنَّارًا حَتَّى لَا أَقُولَ بِهِ»

وهذا الأثر صحيح عن الشافعي وهو مخرج في عدة كتب ، فالشافعي هنا لا يتصور في مسلم أن يرد حديثاً صحيحاً وإنما ذلك عنده من شأن الكفار

فإلى المشتكى من غربة السنة في هذه الأيام ، ومن جرأة أعدائها نسأل الله عز وجل أن يعفو عن تقصيرنا بمنه وكرمه

فيوم يخرج علينا من ينكر حديث الوزغ ، وآخر يخرج علينا من ينكر حديث العرنيين نعوذ بالله من الشقاء

وأما من نصب نفسه منافعاً عن الرادين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقول له ليكن قول الله عز وجل ( ولا تكن للخائنين خصيماً ) واعظاً لك فمعناه لا تكن مدافعاً عنهم

وقد قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)

فكيف بمن آذى المؤمنين والمؤمنات بتعظيمهم للسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعهم للسلف الصالح ووصفهم ظلماً وجهلاً بالغلو والتطرف ، فكيف إذا تسلط على سادات وعلمائهم وآذاهم في أعراضهم ، غير أن من لم يحترم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو وحي من الحق ، فأنى له أن يعرف قدر ذوي الهيئات من الخلق

والعجيب أن كثيراً من المعاصرين يتمعرون ممن ينكر الأحاديث ويهاجمونه ثم يعظمون رؤوس منكري الأحاديث وهم أهل الرأي وعلى رأسهم أبو حنيفة الذي رد كثيراً من الأحاديث واستهزأ بها

وقد دافع عنه الزنديق حسن المالكي بأن له منهجية ، وكذا دافع عنه صاحبا ما بعد السلفية

وهذا سخف وذلك أن أبا حنيفة ما عرف بطلب الحديث وقوة حفظه بل اتفقوا على ضعفه وهو شهد على نفسه بالضعف فلكي تكون عندك منهجية يجب أن تكون ممارساً وذا سعة حفظ

وإلا يجوز لكل جاهل أن يخترع منهجية تخالف طريقة أئمة الفن ثم يحاكم لها

ثم إنه كان يتناقض فيحتج بواهيات المراسيل كمراسيل أبي العالية ثم يدفع أحاديث صحاح يرويها أبو هريرة وهو يحتج بأبي هريرة في مكان آخر والعجيب أن هذه المراسيل تخالف القياس

ولذا أصحابه الذين على أصوله خالفوه في الكثير من المسائل

ولذا قال ابن الجوزي في المنتظم :" ولكونه خالف مثل هَذِهِ الأحاديث الصحاح سعوا بالألسن فِي حقه، فلم يبق معتبر من الأئمة إلا تكلم فِيهِ، ولا يؤثر أن نذكر مَا قالوا، والعجب منه إذا رأى حديثا لا أصل لَهُ هجر القياس ومال إِلَيْهِ، كحديث: نقض الوضوء بالضحك. فإنه شيء لا يثبت، وقد ترك القياس لأجله"

الخطأ الثامن والأربعون : دعوة ضرورة الأخذ عن أهل الرأي في الفقه

وهذا مقال لي في نقض هذا القول

من البدع التي حدثت في الأعصار المتأخرة بدعة التسوية بين أهل الحديث وأهل الرأي وإنكار تبديع أهل الرأي الذي أجمع عليه السلف ، بل وإنكار تبديعهم للمرجئة بل إنكار تبديع من أجمع السلف على تبديعه وكان مرجئاً جهمياً ويرى السيف وإماماً في الرأي الحادث

ومن الإمعان في مخالفة منهج السلف نصح بين المنتسبين للعلم بكتب أهل الرأي ( الحنفية ) المتأخرة التي جمع مصنفوها بين التصوف والرأي الحادث والحيل وبعض التجهم

قال الخطيب البغدادي في نصيحة أهل الحديث ص41 : أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي نا أحمد بن علي الأبار نا علي بن خشرم المروزي قال سمعت وكيعا يقول لأصحاب الحديث لو أنكم تفقهتم الله الحديث وتعلمتموه قال ما غلبكم أصحاب الرأي ما قال أبو حنيفة في شئ يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه بابا

وقال الحاكم في معرفة علوم الحديث 97 - سمعت أبا الطيب الكرابيسي يقول : سمعت إبراهيم بن محمد بن يزيد المروزي يقول : سمعت علي بن خشرم يقول : كنا في مجلس سفيان بن عيينة فقال : يا أصحاب الحديث تعلموا فقه الحديث لا يقهركم أصحاب الرأي ، ما قال أبو حنيفة شيئا إلا ونحن نروي فيه حديثا أو حديثين ، قال : فتركوه ، وقالوا : عمرو بن دينار عمن ؟

فهذا نص من وكيع أو سفيان بن عيينة أنه لا يحتاج إلى أهل الرأي في شيء وأن الحديث يغني عنهم ، وهذا بديهي لمن أنار الله بصيرته فيكون يحتاج إلى البدعة مع وجود السنة

وقد رأيت من نقل هذا الأثر وبتر الجزء المتعلق بأبي حنيفة لفرط ولائه لأهل الرأي

قال المزي في تهذيب الكمال (1/413) :" وَقَال الحاكم أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبد اللَّهِ الْحَافِظ: أَخْبَرَنَا قاسم السياري بمرو، حَدَّثَنَا عيسى بْن مُحَمَّد بْن عيسى، حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مصعب بْن بشر، قال: سمعت أَحْمَد بْن يحيى بْن عَبد اللَّهِ الكشميهني وكان حجاجا معروفا بالفضل والعقل، يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن عُمَر الوكيعي أَبَا جَعْفَر يَقُول: وليت المظالم بمرو اثنتي عشرة سنة، فلم يرد علي حكم إلا وأنا أحفظ فيه حديثا، فلم أحتج إِلَى الرأي، ولا إِلَى أهله"

قال ابن الهادي في بحر الدم :" 207 - الحسين بن الوليد النيسابوري: قال أحمد: ثقة، دلني عليه عبد الرحمن بن مهدي، فدخلت عليه، فإذا في يده كتاب فيه رأي أبي حنيفة، فقال له عبد الرحمن: سلني عن كل مسألة في كتابك حتى أحدثك فيها بحديث"

وابن مهدي من أعظم الناس ذماً لأبي حنيفة وهذا الذم عن معرفة وتحقيق والمادح له لم يعلم الأمر بل هو جاهل متسلط على أئمة الفن

وجاء في طبقات الحنابلة (1/238) :" وقال عباس الدوري سمعت أَحْمَد بن حنبل يقول عجب لأصحاب الحديث تنزل بهم المسألة فيها عَنِ الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس حتى عد عدة فيذهبون إلى أصحاب الرأي فيسألونهم ألا ينظرون إلى علمهم فيتفقهون به؟"

وهذه الحال التي تعجب منها أحمد حال عامة الآكادميين اليوم ممن هو أعرف بمذاهب أهل الرأي من مذاهب الصحابة والتابعين والله المستعان

وجاء في طبقات الحنابلة (1/229) :" أخبرني محمد بن أحمد الطرسوسي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن يَزِيدَ المستملي يقول سأل رجل أَحْمَد بن حنبل فقال: أكتب كتب الرأي قَالَ: لا تفعل عليك بالآثار والحديث فقال: له السائل إن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك قد كتبها فقال: له أَحْمَد ابن المبارك لم ينزل من السماء إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق.
قَالَ وسألت أَحْمَد عن عبد الرزاق كان له فقه فقال: ما أقل الفقه فِي أصحاب الحديث"

فكيف لو رأى أحمد من ينصح طلبة العلم بكتب السرخسي وكتب ابن الهمام

قال السرخسي في المبسوط طاعناً في أبي هريرة (6/77) :" من مذهبنا انه انما يقبل من أحاديت أبى هريرة رضى الله
تعالى عنه مالا يخالف القياس فأما ما خالف القياس الصحيح فالقياس مقدم عليه لانه ظهر تساهله في باب الرواية"

فيصرح بأنه يرد حديث أبي هريرة إذا خالف القياس وأن هذا مذهبه فمثل هذا لا يكون إلا ضالاً مبتدعاً وكتابه يستحق الحرق لا الاحتفاء لما فيه من الطعن على راوية الإسلام أبي هريرة ولا خير فيمن لا يحمر أنفه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

إذا علمت هذا علمت مدى غش من ينصح طلبة العلم باقتناء المبسوط

جاء في طبقات الحنابلة (1/54) :" قَالَ أَحْمَد من دل عَلَى صاحب رأي ليفتنه فقد أعان عَلَى هدم الإسلام"

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (5/63) :" وَلَا خِلَافَ عَنْهُ_ يعني أحمد _  فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِي أَهْلَ الرَّأْيِ الْمُخَالِفُونَ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ"

فإن قيل : يعتذر بعض الناس لأهل الرأي بأنهم كانوا بالكوفة وقد فشا الكذب فاضطروا للرأي

فيقال : هذا اعتذار سخيف يدل على جهل المعتذر بأمر الرواية ويجاب عليه من وجوه

أولها : الأئمة نسبوا أبا حنيفة لرد السنن ولو كان هناك عذر لاعتذروا له

وقد بسطت ذلك في الترجيح

ثانيها : لماذا لم يصر إبراهيم النخعي والشعبي والحكم بن عتيبة وسفيان الثوري وغيرهم من فقهاء الكوفة أهل رأي ؟

ثالثها : لو جاز الرأي لكذب الكذابين أفتجوز الحيل

رابعها : من لم يحط بالحديث لا يجوز له الفتيا وقد أغناهم الله عن ذلك

وهذا جواب ابن الجوزي

قال المروزي في الوتر 52 - حدثني علي بن سعيد النسوي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل : « يقول لهؤلاء ، أصحاب أبي حنيفة : ليس لهم بصر بشيء من الحديث ، ما هو إلا الجرأة »

أي تجرأوا على الفتيا وليسوا لها بأهل

قال ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص154 : ثنا أَبِي، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: " قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَوْمًا، وَذَكَرَ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسْكُتَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ، وَلا لِصَاحِبِكُمْ أَنْ يُفْتِيَ يُرِيدُ مَالِكًا، قُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَتَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَنَا يَعْنِي مَالِكًا كَانَ عَالِمًا بِكِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ ".
قُلْتُ: فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَتَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَنَا كَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَالِمًا بِاخْتِلافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَكَانَ عَاقِلا؟ قَالَ: لا.
قُلْتُ: فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَتَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ، كَانَ جَاهِلا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَانَ جَاهِلا بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاهِلا بِاخْتِلافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ، قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَكَانَ عَاقِلا؟ ، قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَتَجْتَمِعُ فِي صَاحِبِنَا ثَلاثٌ لا تَصْلُحُ الْفُتْيَا إِلا بِهَا، وَيُخِلُّ وَاحِدَةً، وَيُخْطِئُ صَاحِبُكَ ثَلاثًا، وَيَكُونُ فِيهِ وَاحِدَةٌ، فَتَقُولَ: لا يَنْبَغِي لِصَاحِبِكُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَلا لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسْكُتَ؟ !

وهذا إسناد صحيح غاية للشافعي فلعنة الله على الكاذبين

خامسها : وهو أدق الأجوبة وأوسعها

وهو أن الكوفة لم تكن كما يصور هؤلاء بل اثنان من الستة الذين عليهم مدار الإسناد كانا كوفيين

ولا يختلف الناس في قبول حديثهم

فهذا الأعمش الذي أدركه أبو حنيفة وسمع منه

كان يحمل حديث عائشة من طريق إبراهيم عن الأسود عنها في طرق أخرى

وكان يحمل حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن أبي صالح السمان عنهما

وكان يحمل حديث ابن مسعود من طرق عديدة من أشهرها روايته عن زيد بن وهب عن ابن مسعود وروايته عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة عنه ، وروايته عن أبي وائل عنه

ويحمل حديث جابر عن أبي سفيان عن جابر

ويحمل حديث حذيفة عن أبي ظبيان عنه

ويحمل حديث عمر بن الخطاب عن أبي وائل وزيد بن وهب عنه

وأما حديث علي فلا يعسر عليه البتة وهو كوفي

ويحمل حديث ابن عباس من عدة طرق أشهرها مسلم البطين عن سعيد عنه ، وسمع من مجاهد عدة أحاديث مباشرة

هذا مع حمله لفقه أصحاب ابن مسعود عن النخعي


وله شيوخ كثر غير هؤلاء ، وهناك صاحبه منصور بن المعتمر يشركه في عامة ما ذكرت لك وربما زاد عليه أو نقص

والأعمش يوثقه كل الناس حتى الرافضة والزيدية

وفي الكوفة أبو إسحاق السبيعي وهو من الستة الذين عليهم مدار الإسناد

يحمل حديث علي عن عاصم بن ضمرة عن علي

ويحمل حديث ابن مسعود عن أبي الأحوص والأسود وأبي عبيدة عن ابن مسعود

ويحمل حديث عائشة عن الأسود عنها

وسمع البراء بن عازب مباشرة

وله أسانيد كثيرة والمراد هنا الإشارة

فهؤلاء ثلاثة من أهل الكوفة فقط وما أريد أن أذكر كل من أدركهم أبو حنيفة من الأثبات ولو اكتفى بفقه ابن مسعود وتلاميذه فيما أعضل عليه ما كان لأحد عليه سبيل

فكيف إذا علمت أن أبا حنيفة قد أخذ عن هشام بن عروة

وهشام عنده كنز ثمين من أحاديث أبيه عن عائشة أفشاه في الكوفة والمدينة وعليه بنى مالك قسماً كبيراً من الموطأ

هذا مع أحاديث أبيه عن بقية الصحابة

فكيف إذا علمت أن أبا حنيفة قد سمع من عطاء بن أبي رباح أحد أعيان تلاميذ ابن عباس وأدرك جمعاً من الصحابة وكان أفقه التابعين في المناسك

فكيف إذا علمت أنه أخذ عن جعفر الصادق وعنه حمل مالك فتاوى علي وأودعها في الموطأ

فكيف إذا علمت أنه سمع عمرو بن دينار الذي تتلمذ على عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وطاوس عطاء فكان لا يفوته شيء من علم ابن عباس

فكيف إذا علمت أن أبا حنيفة قد قد لقي أيوب السختياني وحمل عنه وقد كان يروي عن نافع عن ابن عمر ، وكان عنده صحيح حديث أهل البصرة وفتاوى ابن سيرين والحسن البصري

هذا مع التقاء أبي حنيفة بحماد بن زيد ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري وما انتفع منهم ومن علمهم وبعضهم أصغر منه ، ولكن ليس في العلم كبير وقد كان الشافعي يحمل عن أحمد علم الحديث ويسأله عن ذلك ويتواضع

وهذا يبطل تلك الحجة الواهية وابن أبي شيبة لما رد على أبي حنيفة كان عامة الأخبار التي يخرجها كوفية المخرج فابن أبي شيبة كوفي

ولهذا يقال أنه قد تحصل لأبي حنيفة من العلم من لو بذل نفسه في طلبه لكان أوسع رواية من مالك والأوزاعي والليث بن سعد

ثم إنه يترك هذا كله ويحتج بالواهيات كما هو مشهور من مذهبه حتى أنه استدل على خصوصية صلاة الإمام بالناس جالساً بخبر رواه جابر الجعفي ونكت عليه ابن حبان لذلك لأنه يجرح الجعفي

ولهذا اشتدوا عليه ونسبوه لرد السنن والافتاء بغير علم

قال عبد الله في السنة 286 - حدثني أبي رحمه الله ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : سمعت حماد بن سلمة ، وذكر أبا حنيفة ، فقال : « إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن بردها برأيه »

• وقال حنبل بن إسحاق: سمعت عمي، يعني أحمد بن حنبل، يقول: وكان يعقوب أبو يوسف منصفًا في الحديث، فأما أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن فكانا مخالفين للأثر وهاذان لهما رأي سوء، يعني أبا حنيفة، ومحمد بن الحسن. «تاريخ بغداد» 2/179.

ومحمد بن الحسن سمع الموطأ من مالك ومع ذلك بقي صاحب رأي مذموماّ عند أهل الحديث فالمسألة ليست بلوغ آثار بل منهجية فاسدة عند أهل الرأي

وقال عبد الله بن أحمد في العلل [ 2456 ] حدثني أبي قال حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع عن بن عيينة قال قلت لسفيان الثوري لعله يحملك على أن تفتي إنك ترى من ليس بأهل للفتوى يفتي فتفتي قال أبي يعني أبا حنيفة

وهذا إسناد صحيح للثوري وابن عيينة

قال ابن عدي في الكامل (8/241) : سمعتُ ابْن أبي دَاوُد يَقُول الوقيعة فِي أبي حنيفة إجماعة من العلماء لأَن إمام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه وإمام الكوفة الثَّوْريّ وقد تكلم فيه وإمام الحجاز مَالِك وقد تكلم فيه وإمام مصر اللَّيْث بْن سعد وقد تكلم فيه وإمام الشام الأَوْزاعِيّ وقد تكلم فيه وإمام خراسان عَبد اللَّه بْن المُبَارك وقد تكلم فيه فالوقيعة فيه إجماع من العلماء فِي جميع الأفاق أو كما قَالَ

وقال الخطيب في تاريخه (15/516) : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن علي بن مخلد الوراق لفظا، قال: في كتابي عن أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن صالح الأبهري الفقيه المالكي، قال: سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني، يوما وهو يقول لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من هذه، فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة.

فاعجب ممن يشرح حائية ابن أبي داود ويصفه بالإمامة ثم يكذبه في هذا الإجماع

والآثار في ذلك كثيرة جداً ذكرت بعضها في الترجيح بين أقوال المعدلين والمجرحين في أبي حنيفة

وسبب كتابة هذا المقال ما رأيته من نصيحة بعض الناس بكتب أهل الرأي في الوقت لا يحكم فيه عامة الناس مذاهب أهل الحديث وجعله إياها جنباً إلى جنب مع كتب أهل الحديث

وقد قال الله تعالى : ( ولا تكن للخائنين خصيماً )

والمدافع عن أهل الرأي والمرجئة المخاصم عنهم بالباطل المتهم للسلف بالظلم داخل في هذه الآية ( ولا يصرحون باتهام السلف بالظلم غير أن هذه حقيقة قولهم )

وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)

فكيف بمن آذى الموحدين من أجل قول صواب تابعوا به السلف وأخذوا فيه بالجرح المفسر التي قامت براهينه جلية كالشمس ، لا شك أن إثمه عظيم فإذا اتخذ ذلك ديناً وغر به الجهلة فقد تم خسرانه

الخطأ التاسع والأربعون : ذكر كتب بدعية ضمن كتب العقيدة السلفية

وهذا أمر وقع فيه صاحب كتاب الوجيز عبد الله بن عبد الحميد الأثري وعادل الشيخاني

وإليك ردي على الشيخاني

قال الدكتور  عادل الشيخاني  في كتابه قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند السلف ص90:

 "وسنذكر جملة من مصنفات أهل السنة والجماعة في الاعتقاد على حسب الترتيب الزمني:

(1) الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة.

(38) الأسماء والصفات للبيهقي .

(54) أقاويل الثقات في الأسماء والصفات لمرعي الحنبلي.

(55) العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ" .


لقد حذفت الكتب التي لا اعتراض عليها ، وإنما اكتفيت بالكتب التي لا ينبغي أن تذكر في الكتب السلفية، أما كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة فلا يصح عنه أصلاً وفيه مواطن كثيرة تخالف اعتقاد أهل السنة والجماعة.


جاء في كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة ص301: "وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته".


القول بأن صفة الكلام ذاتية مشكل بل باطل لأن صفة الكلام ذاتية فعلية ، فالله يتكلم بما شاء متى شاء والقول بأنها ذاتية إنما يجري على أصول الكلابية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، والقول بأن صفة الكلام ذاتية إنما يجري على أصول الكلابية القائلين بالكلام النفسي فالكلام عندهم لا يتعلق بالمشيئة، وحتى السمع والبصر هي قديمة النوع حادثة الآحاد.


قال  صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية: "الأشاعرة والماتريدية وجماعات يقولون سمعه قديم، يثبتون السمع ولكن السمع عندهم ليس بحادث، السمع قديم، فسمع الكلام في القدم لعلمه به هكذا يزعمون، وهذا الكلام فيه التكذيب للقرآن ولولا التأويل لكانوا كفارا بذلك ، لأن الله جل وعلا يقول: ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾، وقال ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ وإذا كان السماع في الماضي قبل مجيء الكلام وقبل حصوله وقبل حصول المجادلة بين المرأة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يصح أن يقال: ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ بصيغة الماضي؟


وإنما يقال: ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ إذا كان الأمر قد وقع وانتهى ولهذا قال نجد في النصوص لفظ الماضي ولفظ المضارع فقد يكون في إثبات السمع القديم البصر القديم دون البصر الحادث والسمع الحادث والكلام الحادث فيه نفي لدلالات النصوص وفيه تكذيب لها لأن الله جل وعلا يقول ?قَدْ سَمِعَ? وهؤلاء يقولون سمعه قديم، كيف؟ سمع في القدم قبل حدوث الكلام؟


هذا لا يصح أن يقال ﴿قَدْ سَمِعَ﴾.


قال جل وعلا: ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ هذا فعل مضارع دلالته على الحال يعني يسمع تحاوركما الآن .


قد قالت عائشة: (سبحان من وسع سمعه الأصوات أتت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها وليس بيني وبينها إلا جدار لم أسمعها)، الله يسمع ، حين الكلام سمع ذلك جل وعلا.


وهذا ما يثبته أهل السنة والجماعة ، هذا ولا شك يعظم الصفة في نفس المؤمن لأنه يعلم أن الله جل وعلا يسمع سره ونجواه ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ يسمع جل وعلا السر والنجوى فلا يخفى عليه شيء ، سمعه وسع الأصوات ، ما من شيء يُسْمَع إلا والله جل وعلا يسمعه ، يسمع صوت دبيب النمل فوق الصفا ، وهذه الصفة يجب الإيمان بها كما ذكرت بدلالاتها".


أقول: وهذا الكلام الذي ذكره صالح في صفة السمع والبصر يقال أيضاً في صفة الإرادة إذ أن لها آحاداً حادثة، قال الله تعالى : ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية كلاماً لابن رشد الفيلسوف ينقض فيه مذهب المتكلمين القائل بأن الله عز وجل أراد بإرادة قديمة جميع المحدثات.



وقال صالح بن فوزان الفوزان في التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية: "وأما أفعاله سبحانه، فهي قديمة النوع حادثة الآحاد"، وعلى قول الشيخ هذا يصح إطلاق (قديمة النوع حادثة الآحاد) في جميع الصفات الفعلية، من هذا تعلم خطأ الشيخ الدكتور محمد الخميس حين أورد هذا النص في كتابه اعتقاد الأئمة الأربعة على أنه اعتقاد سلفي، وكذلك أحمد النجار في كتاب له في القواعد في الأسماء والصفات.


وهناك نصوص أخرى مشكلة أو باطلة في كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة، فمن ذلك قوله: "ولفظنا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وكتابتنا لَهُ مخلوقة وقراءتنا لَهُ مخلوقة وَالْقُرْآن غير مَخْلُوق"، وهذا قول اللفظية الذين بدعهم السلف، وهذا من براهين بطلان نسبة هذه الرسالة لأبي حنيفة فإنه لم يدرك مبحث اللفظ هذا.


ومن ذلك قوله في الفقه الأكبر: "وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وهم فِي الْجنَّة بأعين رؤوسهم بِلَا تَشْبِيه وَلَا كَيْفيَّة وَلَا يكون بَينه وَبَين خلقه مَسَافَة"، فنفي وجود المسافة إنما يجري على أصول القائلين بأنه يرى إلى غير جهة وهو قول الأشعرية الجهمية ومذهب السلف أن الإثبات والنفي بحسب الوارد بالنصوص، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم رؤية الله عز وجل برؤية القمر ، والقمر يرى بالبصر وهو فوقنا.


ومن ذلك قوله: "والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كلهم منزهون عَن الصَّغَائِر والكبائر وَالْكفْر والقبائح وَقد كَانَت مِنْهُم زلات وخطايا"، القول بتنزيه الأنبياء عن الصغائر هو قول الأشاعرة ، وقد بينت بطلانه في الرد على الداني آل زهوي.


وقوله: "وَمُحَمّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَبِيبه وَعَبده وَرَسُوله وَنبيه وَصفيه ونقيه وَلم يعبد الصَّنَم وَلم يُشْرك بِاللَّه تَعَالَى طرفَة عين قطّ وَلم يرتكب صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة قطّ"

 هذا يخالف القرآن في قوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾، وقوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾، ويخالف الأحاديث الكثيرة ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فِي سُجُودِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ ، وَجِلَّهُ ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ))، رواه مسلم.


وكذلك قوله في الفقه الأكبر: "وَالْقُرْآن منزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَصَاحِف مَكْتُوب وآيات الْقُرْآن فِي معنى الْكَلَام كلهَا مستوية فِي الْفَضِيلَة وَالْعَظَمَة الا ان لبعضها فَضِيلَة الذّكر وفضيلة الْمَذْكُور مثل آيَة الْكُرْسِيّ لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا جلال الله تَعَالَى وعظمته وَصِفَاته فاجتمعت فِيهَا فضيلتان فَضِيلَة الذّكر وفضيلة الْمَذْكُور ولبعضها فَضِيلَة الذّكر فَحسب مثل قصَّة الْكفَّار وَلَيْسَ للمذكور فِيهَا فضل وهم الْكفَّار وَكَذَلِكَ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات كلهَا مستوية فِي العظمة وَالْفضل لَا تفَاوت بَينهَا".


القول بأن آيات القرآن مستوية في الفضيلة هو قول الأشاعرة ويدفع ذلك حديث أبي في فضل آية الكرسي، والأحاديث في فضل سورة الإخلاص وما ذكره في الفضل تأويل لحقيقة الفضيلة، وكذلك القول بأن أسماء الله مستوية في الفضل هو قول الأشعري ويدفعه الأخبار الواردة في اسم الله الأعظم.


وقوله: (وَالْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار والتصديق) وهذا تعريف مرجئة الجهمية.


وقوله: (وَلَيْسَ قرب الله تَعَالَى وَلَا بعده من طَرِيق طول الْمسَافَة وقصرها وَلَكِن على معنى الْكَرَامَة والهوان والمطيع قريب مِنْهُ بِلَا كَيفَ والعاصي بعيد مِنْهُ بِلَا كَيفَ والقرب والبعد والإقبال يَقع على المناجي وَكَذَلِكَ جواره فِي الْجنَّة وَالْوُقُوف يين يَدَيْهِ بِلَا كَيْفيَّة).


وهذا تأويل للقرب والبعد بل هو قرب وبعد حقيقي

 قال البخاري في صحيحه 2441 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.



وقال الخلال في السنة 320- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاَّدٍ الْبَاهِلِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ : ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ قَالَ : ذَكَرَ الدُّنُوَّ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضَهُ.


321- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ , قَالَ : سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ , وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ قَالَ : ذَكَرَ الدُّنُوَّ مِنْهُ.


والخلاصة أن هذا أن هذا الكتاب ما ينبغي ذكره في كتب العقيدة السلفية والشيخاني يزعم أنه صنف رسالته المذكورة للرد على المرجئة، فكيف يصدر كتب العقيدة بكتاب يقرر عقيدة المرجئة!!


أما كتاب الأسماء والصفات للبيهقي فالمعروف أن البيهقي أشعري وكان يتحرز من إثبات الصفات الفعلية على طريقة الكلابية.


قال المعلمي في التنكيل (1/ 242): "والبيهقي أرعبته شقاشق أستاذه ابن فورك المتجهم الذي حذا حذو ابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات والطعن فيها".


ومخالفته لأهل السنة في الصفات التي أنكرها واضح ، غير أنه حتى الصفات التي أثبتها ، قام بإثباتها على غير طريقة أهل السنة بل على طريقة الكلابية، قال البيهقي في فصلٍ عقده لإثبات صفة اليدين (2/118) ط الحاشدي ((اليدين صفتين لا من حيث الجارحة)).


قوله: (لا من حيث الجارحة)؛ نفي الجارحة هي طريقة الكلابية وأهل السنة لا يثبتون ولا ينفون، وقال البيهقي (2/114): ((العين صفة لا من حيث الحدقة))، وهذا كالسابق ، وعلى هذا فقس.


وأما كتاب أقاويل الثقات للكرمي فهو كتاب تفويض!


قال مرعي في كتابه هذا في ص 120: "ومن المتشابه الإستواء في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وقوله (ثم استوى على العرش)، وهو مذكور في سبع آيات من القرآن، فأما السلف فإنهم لم يتكلموا في ذلك بشيء جريا على عادتهم في المتشابه من عدم الخوض فيه مع تفويض علمه إلى الله تعالى والإيمان به".


وقال أيضاً: "وجمهور أهل السنة - منهم السلف وأهل الحديث - على الإيمان بها وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها".


قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (13/294-295 ): "وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم، فإنهم وإن أصابوا في كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم فالكلام على هذا من وجهين؛ الأول: من قال: إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه فنقول أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم ولا قالوا: إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: "تمر كما جاءت"، ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها".


ودعواه أن السلف لم يفسروا آية الاستواء غير صحيح بل فسروها على الاثبات؛ قال ابن جرير الطبري في تفسيره (1/192) : " الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيم:


طال على رسم مهدد *** أبده وعفا واستوى به بلده

يعني: استقام به.


ومنها الإقبال على الشيء بالفعل، كمايقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه. ومنها الاحتيازوالاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه. وأولى المعاني في قول الله جل ثناؤه: ﴿ثم استوى إلى السماء فسواهن﴾ علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات".


قلت: هذا واضح في أنه اختار معنى العلو والإرتفاع ومثل له بعلو الرجل على سريره وهذا لا يكون معنوياً فقط كما لا يخفى.


وقال صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية :" ولهذا شيخ الإسلام انتبه لقوة هذا المعنى في الرد في المبتدعة الصفاتية والجهمية وغيرهم، فقرَّرَهُ في كتابه التدمرية كما تعلمون.


إذاً فتفويض المعنى، المعنى أصلاً متفاوت فإذا فوضنا المعنى معناه أننا لا نعلم أي قدر من المعنى، وهذا لاشك أنه نفي وجهالة بجميع دلالات النصوص على دالاً على ماالأمور الغيبية، وهذا باطل؛ لأنَّ القرآن حجة، وجعله الله من نعوت الجلال والجمال والكمال. وما يتّصف به ربنا يجب له التفويض يحتاج إلى مزيد بسط؛ لكن يمكن أن ترجعوا إليه في مظانه، وكثير من العلماء فهم وظنْ أنَّ مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والسلف هو التفويض، حتى إنهم ينقلون كلام شيخ الإسلام ويحملونه على التفويض مثل السَفَّارِيني ومثل مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات، وجماعة من المتأخرين ينقلون كلام شيخ الإسلام وفهموا أنَّ مذهب الإمام أحمد ومذهب شيخ الإسلام ومذهب السلف الذي هو أسلم أنه التفويض، وهذا ليس بصحيح".


وأما كتاب العلم الشامخ للمقبلي؛ فالمقبلي وإن كان قد رد على الزيدية في عدة مسائل إلا أنه واقفي ويطعن في الإمام أحمد


وكتابه الذي ينصح به دكتور العقيدة ويحشره في كتب أهل السنة والجماعة فيه الطعن في معاوية والدفاع عن عمرو بن عبيد، وقد أنكر العلو وطعن في شيخ الإسلام.


والدكتور  عادل الشيخاني  ذكر في كتب العقيدة للمعاصرين كتب العقل والسعد وسفر الحوالي وهذا يبين مسلكه المنهجي وهؤلاء هم يتميعون مع كل أهل البدع ، وفقط تظهر الحمية على السنة عندهم في مسائل الإيمان ! مع بعض المعاصرين وغايتهم من ذلك تحقيق الانتقام لا تحرير مسائل العلم والله المستعان.

وأما صاحب كتاب الوجيز فقال :" * " الإٍبانة عن أصول الديانة ".
     " رسالة إلى أَهل الثغر ". * " مقالات الإِسلاميين ": جميعها للإمام أَبي الحسن الأشعري - 320هـ."

وهذه الكتب كلها فيها عقيدة الجبرية بل في الرسالة إلى أهل الثغر دعوى أن أفعال الله لا تعلل

وذكر أيضاً أقاويل الثقات كصحابه ويذكرون العقيدة الطحاوية وهي عقيدة أهل الرأي وفيها مواطن فيها تجهم وغلو في الإرجاء

وذكر أيضاً كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد لابن العطار وهو كتاب على طريقة متقدمي الأشعرية في العقيدة وإليك التفصيل

قلت في مقال لي :" قال ابن العطار تلميذ النووي في كتابه الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد ص52 بعد أن تكلم على تكفير القائلين بخلق القرآن ص 49 :" ويبنغي استنقاص المحرفين من العلماء ، والمغيرين العلم والمذلين له البائعين له بثمن بخس من عرض الدنيا وشهواتها

ومقتضى الكتاب العزيز والسنة النبوية تكفيرهم سواءً كانوا متعمدين أو متأولين ولا يكفر منتقصهم ولا يفسق بل هو مثاب عليه خصوصاً إذا قصد التنفير عما هم عليه وإظهار الدين والقيام به "

أقول : الله أكبر الحمد لله أنطق هذا الرجل ( تلميذ النووي ) بهذا الكلام الذي فيه رد على منتحلي العلم في عصرنا ، ولم ينتفع بهذا الكلام محقق الكتاب ولا المحيل عليه

وتأمل كيف أنه سمى الذين يكفرهم ( علماء ) وذكر أنهم يبدلون الدين محاباةً ومعلوم أن الدولة في عصره كانت للأشاعرة فالمحابي هو من كان على مذهب الأشعري وهذا الرجل الشافعي يتهم القوم بأنهم بائعون لدينهم

ويزعم أن مقتضى النصوص تكفيرهم سواءً كانوا متعمدين أو متأولين

وإن لم ينطبق هذا الكلام على منكري العلو وعامة الصفات فعلى من ينطبق ؟

ثم تأمل تحسينه الظن بمن يكفر المعطلة والجهمية الأشعرية وقوله أنه لا يجوز تفسيقه ولا تبديعه ولا تكفيره خصوصاً إذا قصد حماية الدين فالله أكبر

وقد قال في ص36 :" أحكام المعتقدات في صفاته سبحانه قطعية "

فأين المعتذرين لمنكري العلو ؟

علماً أن كتاب ابن العطار هذا ليس سالماً من الانتقاد بل إن الرجل تكلم بكلام الجهمية في عدد من المسائل

قال ابن العطار في كتابه المذكور في ص35 وهو يتكلم عن القرآن  :" إذ هو صفة من صفاته وهي قديمة "

وهذا اعتقاد الكلابية والسالمية كما شرحته في مقال ( التحذير من مذهب السالمية في القرآن الكريم )

وقوله :" لا يشاركه فيه أحد من البرية لتعاليه عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات "

هذه العبارة اغتر بها العطار لذكر الطحاوي لها وهي عبارة خبيثة أشنع من قول اللفظية الذي أنكره العطار نفسه

قال الدارمي في الرد المريسي :" وَادَّعَى الْمُعَارِضُ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ وَلَا نِهَايَةٌ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بنى عَلَيْهِ جهم ضَلَالَاتِهِ وَاشْتَقَّ مِنْهَا أُغْلُوطَاتِهِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ سَبَقَ جَهْمًا إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ"

فنفي الحد والغاية بدعة جهمية كان الأئمة يجهمون بمثلها وكلام الدارمي ظاهر في هذا

وقال الذهبي في العرش :" 211- وقال حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي، سمعت أبي يقول: سمعت هشام بن عبد الله الرازي، يقول: حُبس رجل في التجهم، فتاب، فجيء به إلى هشام ليمتحنه- فقال له: "أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟. قال: لا أدري ما بائن من خلقه. فقال: رُدَّه فإنه لم يتب بعد".

ونفي الحد الغاية أبلغ من التوقف في البينونة فتأمل

وأيضاً نفى ابن العطار الجلوس والاستقرار والمماسة والحركة

وهذه كلها سكت عليها الحلبي وما علق عليها بشيء

قال ابن سحمان في تنزيه الشريعة  بخصوص الحركة :" وكذلك ما قاله الشارح بعد هذا قال سفيان بن عيينة كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لا حد أن يفسره إلا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . فأقول قد تقدم الكلام على ذلك وإنما مقصود السلف بذلك تأويله وصرفه عن ظاهره . وأما قوله وسمع الامام أحمد رحمه الله شخصاً يروي حديث النزول ويقول ينزل بغير حركة ولا انتقال ، ولا تغير حال ، فانكر الامام أحمد عليه ذلك وقال قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كان اغير على ربه منك . فاقول نعم قد كان أحمد ينكر هذه الألفاظ التي لم يأت بها كتاب ولا سنة ولا نطق بها أصحاب رسول الله عليه وسلم ولا من بعدهم من التابعين وكان يحب السكوت عن ذلك كما قدمنا ذلك عنه في الحد .
ولأئمة السلف ومنهم أحمد كلام في الحركة والانتقال فنذكر من ذلك ما تبين به صحة مذهب السلف وبطلان ما خالفهم من كلام أهل البدع . قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه في العقل والنقل بعد كلام طويل قال فيه : والفعل صفة كمال لا صفة نقص كالكلام والقدرة وعدم الفعل صفة نقص كعدم الكلام وعدم القدرة فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع وهو المطلوب . وكان الناس قبل ابي محمد بن كلاب صنفين فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا .
وهذا فاثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ووافقه على ذلك ابو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري وغيرهما وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب ولهذا أمر أحمد بهجره وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب واتباعه ثم قيل عن الحادث أنه رجع عن قوله وقد ذكر الحارث في كتاب فهم القرآن عن أهل السنة في هذه المسألة قولين ورجع قول ابن كلاب وذكر ذلك في قوله تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) وأمثال ذلك .
وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرمائي وعثمان بن سعيد الدرامي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب ائمة السلف والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرمائي قول من لقيه من أئمة السلف كأحمد بن حنبل واسحق بن راهوية وعبدالله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وقال عثمان بن سعيد وغيره : أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم ، وطائفة أخرى من السلفين كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلاً ونحوه لكن يمنعون عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وأبي عبدالله بن بطة وأمثالهما ومنهم من يوافق الأولين كأبي عبد الله بن حامد وأمثاله – ثم ذكر كلاماً – طويلاً إلى أن قال : وقال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن أحمد وإسحق وغيرهما وذكر معهما من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وغيرهم ما ذكر – إلى أن قال : وادركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أوطعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وهو مذهب أحمد وإسحق وإبراهيم بن مخلد وعبدالله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم وذكر الكلام في الإيمان والقدر والوعيد والإمامة وما أخبر به الرسول من اشراط الساعة وأمر البرزخ والقيامة وغير ذلك إلى أن قال : وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عرش وللعرش حملة يحملونه ، وله حد الله أعلم بحده والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله غيره والله تعالى سميع لا يشك ، بصير لا يرتاب ، عليم لا يجهل ، جواد لا يبخل حليم لا يعجل ، حفيظ لا ينسى ، يقظان لا يسهو رقيب لا يغفل ، يتكلم ويتحرك ويسمع ويبصر وينظر ويقبضض ويبسط ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويسخط ويغضب ويرحم ويعفو ويغفر ويعطي ويمنع وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء وكما شاء ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) إلى أن قال : ولم يزل منكلما عالما ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) اهـ .
والمقصود أن ذكر عن أئمة السلف في أفعال الله الاختيارية التي تتعلق بمشيئته وقدرته الحركة فليس لنا أن نعدل عن قولهم ونأخذ بمذاهب أهل البدع وآرائهم  .
وقال شيخ الاسلام أيضاً في العقل والنقل : وقال عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه المعروف ( بنقص عثمان بن سعيد ، علي المريسي الجهمي العنيد ، فيما افترى على الله في التوحيد ) قال : وادعى المعارض أيضاً أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل فيقول هل من مستغفر هل من تائب هل من داع )) قال : وادعى أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته وهو على العرش وبكل مكان من غير زوال لأنه الحي القيوم بزعمه من لا يزول ( قال ) فيقال لهذا المعارض وهذا أيضاً من حجج النساء والصبيان ، ومن ليس عنده بيان ، ولا لمذهبه برهان ، لأن أمر الله ورحمته ينزل في كل ساعة ووقت وأوان ، فمال بال النبي صلى الله عليه وسلم يحد لنزوله الليل دون النهار ويوقت من الليل شطره والاسحار ، أفأمره ورحمته يدعوان العباد إلى الاستغفار ، أو يقدر الامر والرحمة أن يتكلما دونه فيقولا (( هل من داع فأجيبه ؟  هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فاعطيه ؟  )) فإن أقررت مذهبك لزمك أن تدعى أن الرحمة والامر هما اللذان يدعوان العباد إلى الاجابة والاستغفار بكلامه دون الله وهذا محال عند السفهاء فكيف عند الفقهاء ؟ قد علمتم ذلك ولكن تكابرون ؟ وما بال رحمته وأمره ينزلان من عنده شطر الليل ثم يمكثان إلى طلوع الفجر ثم يرفعان لأن رفاعة راوية يقول في حديثه (( حتى ينفجر الفجر )) قد علمتم إن شاء الله تعالى أن هذا التأويل باطل ، ولا يقبله إلا ساهل ، وأما دعواك أن تفسير القيوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرك فلا يقبل منكم هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه أو التابعين لأن الحي القيوم يفعل ما شاء ويتحرك إذا شاء ويهبط  ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك . كل حي متحرك لا محالة كل ميت غير متحرك  لا محالة . ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ، ورسول رب العزة ؟ إذ فسر نزوله مشروعاً منصوصاً ، ووقت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، ولم يدع لك ولاصحابك فيه لعباً ولا عويصاً . انتهى والله أعلم .
"

ولابن تيمية كلام في التسعينية ينص فيه على أن نفي أبي يعلى وأضرابه للحركة مخالف لنص أحمد ويسند عن حرب الكرماني وعثمان الدارمي

والخلاصة أن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات

وهذا إخبار كقولهم ( الحد ) و ( بائن ) يريدون بها تحقيق الصفات ومفارقة الجهمية لذا نقل حرب إجماع أهل السنة على الحركة بمعنى إثبات النزول والمجيء والاستواء على الحقيقة

على أن الكتاب فيه ردود على تأويلات الأشاعرة المتأخرين وإغلاظ للعبارة فيهم لذلك فالرجل يبدو أنه يسير على طريقة البيهقي وأمثاله مع شيء من الزيادة والنقصان

وإنني لأعجب من صالح العصيمي كيف يزعم سلفية ابن العطار بعد هذا كله ؟

وقد غرني بهذا الكلام هو وغيره حتى قرأت الكتاب بتأمل بعد قرأت جزءاً يسيراً منه قبل قرابة عشر سنين

وأعجب منه الحلبي الذي حقق الكتاب وسكت على هذا كله "

والحلبي أيضاً زكى عقيدة مرعي كما زكى صاحبه الهلالي عقيدة الشاطبي ويكفي قراءة رد ناصر الفهد في هذا

الخطأ الخمسون : القول بأن السلف صلوا خلف أهل البدع مطلقاً والقول بأن السلف رووا عن أهل البدع مطلقاً وقياس الرواية عن أهل البدع في زمن الروايات على الإجازات المعاصرة

وهذا خلط عظيم يقع فيه كثيرون ، فأولاً أهل الرأي عامتهم لم يخرج عنهم أهل الحديث لعظم جناية بدعتهم على الدين وما أظهروه من الانحلال في أمر الحيل ودفع الأحاديث وغيرها

لا يوجد راو في الكتب الستة كان يسب عائشة أو يقذفها أو يتجهم بالقول بخلق القرآن صراحة ، أو إنكار العلو ولا أعرف أحداً من رواة الكتب الستة كان جبرياً والسبب في ذلك والله أعلم أن الجبرية ملة منحلة ، وقد هجروا عامة القدرية الذين ينكرون العلم ، وأما الخوارج فعامة من احتمل منهم الإباضية الذين يعاملون مخالفيهم معاملة أهل الإسلام مع اعتقادهم أنهم كفار في الآخرة ، بخلاف الأزارقة فلم يخرج في الكتب الستة عن أزرقي إلا رجلاً واحداً وهو جري بن كليب ، وأما النجدات فلا أعرف أحداً منهم خرج عنه وهؤلاء يتوسعون في دماء مخالفيهم ودفع السنن ، وكذلك المعتزلة الأقحاح لم يخرج لهم

وأما القدرية الذين جاءهم القول بالقدر من باب تعظيم الأمر والنهي ومعاكسة الجبرية لا من شبهات كلامية ولا إنكار للعلم فهؤلاء احتمل غير الدعاة منهم خصوصاً في البصرة لأن عموم أهلها كذلك إلا نزراً يسيراً كأيوب وسليمان التيمي

قال عبد الله بن أحمد في العلل  2595 - سَمِعت مُحَمَّد بْن يحيى بْن سَعِيد الْقطَّان قَالَ لما ولي مُعَاذ بْن مُعَاذ قَضَاء الْبَصْرَة أَبى أَن يُجِيز شَهَادَة الْقَدَرِيَّة قَالَ فَكَلمهُ أَبِي وخَالِد بْن الْحَارِث وَقَالا لَهُ قد عرفت أَهْل هَذَا الْمصر قَالَ فَكَأَنَّهُ تساهل بعد

وإنما تسمح بعض الناس في الرواية عن بعض الواقفة وبعض اللفظية مع هجرهم ليعقوب بن شيبة والكرابيسي

ومن عجيب أمر المتأخرين إنكارهم تكفير الأشعرية مع وقوع عامة الأشاعرة في بدعة مكفرة في العلو وفي الكلام وفي الصفات الفعلية وفي الإيمان وفي الحكمة والتعليل

وهذا كله نبه عليه ابن تيمية !

والأزارقة والرافضة الأوائل والمجسمة والنجدات وأهل الرأي والمعتزلة الأوائل كلهم خير من الأشعرية
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/ 456) :" وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم".


فقال المعلقون على سير أعلام النبلاء :" ذكره في " خلق أفعال العباد " ص 71، وهو من الغلو والافراط الذي لا يوافقه عليه جمهور العلماء سلفا وخلفا، وكيف يحكم بكفرهم، ثم يروي عنهم، ويخرج أحاديثهم في صحيحه الذي انتقاه وشرط فيه الصحة؟".


أقول : وهذه قلة حياء وصفاقة وكذب، فإن الإجماع منعقد على تكفير الجهمية كما تقدم على تكفير الجهمية كما نقله عدد من الأئمة على رأسهم حرب الكرماني والطبراني واللالكائي، بل حتى أئمتكم أئمة أهل الرأي يقولون بتكفير القائلين بخلق القرآن.


قال الذهبي في كتاب العلو :" 409 - وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم الْحَافِظ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُسلم حَدثنَا عَليّ بن الْحسن الكراعي قَالَ قَالَ أَبُو يُوسُف ناظرت أَبَا حنيفَة سِتَّة أشهر فاتفق رَأينَا على أَن من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر"، وصحح هذا الأثر بدر الدين العيني في مغاني الأخيار.


وقال الطحاوي في عقيدته :" وأن القرآن كلام الله: منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً: وصدّقه المؤمنون على ذلك حقاً:

وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة: ليس بمخلوق ككلام البرية: فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر، فقد كفر: وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: (سأصليه سقر) فلما أوعد الله بسقر لمن قال: (إن هذا إلا قول البشر) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر:

ولا يشبه قول البشر: ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر: فمن أبصر هذا اعتبر: وعن مثل قول الكفار انزجر: وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر".


وقال الحافظ أبو العلاء الهمذاني (ت 569 هـ) قي " فتواه في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف " (ص 90 - 91) : (فصل في ذكر الاعتقاد الذي أجمع عليه علماء البلاد).


ثم روى بسنده الصحيح إلى الإمام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327 هـ) قال: (سألت أبي وأبا زرعة - رضي الله عنهما -: عن مذاهب أهل السنة، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار: حجازا، وعراقا، ومصر، وشاما، ويمنا؟ فكان من مذهبهم:


    أن الإيمان قول، وعمل، يزيد، وينقص.

    والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته) .


ثم ذكر بقية معتقدهما، إلى أن قالا (ص 93) :


    وأن الجهمية كفار.

    والرافضة رفضوا الإسلام.

    والخوارج مراق.

    ومن زعم أن القرآن مخلوق: فهو كافر كفرا ينقل عن الملة.

    ومن شك في كفره ممن يفهم: فهو كافر".



فهذا إجماع آخر.


وأما دعواهم أن البخاري خرج في صحيحه للجهمية فهذا كذب على الإمام البخاري رحمه الله إذ لا يعرف في رواة الصحيح أحدٌ قال ( القرآن مخلوق ) صراحةً ، ولا من ينكر علو الله عز وجل على خلقه ، وإنما روى عن واقفيين اثنين وهما علي بن الجعد وعلي بن أبي هاشم وهما من يقف ويقول ( لا أقول مخلوق أو غير مخلوق ) .


قال  ابن حجر في هدي الساري وهو يعد من رمي ببدعة ممن خرج له في الصحيح ص407 : "وهذه أسماؤهم خ م إبراهيم بن طهمان رمى بالإرجاء خ م إسحاق بن سويد العدوي رمى بالنصب خ إسماعيل بن أبان رمى بالتشيع خ م أيوب بن عائذ الطائي رمى بالإرجاء خ م بشر بن السري رمى برأي جهم بهز بن أسد رمى بالنصب خ م ثور بن زيد الديلي المدني رمى بالقدر خ م ثور بن يزيد الحمصي رمى بالقدر خ م جرير بن عبد الحميد رمى بالتشيع ع ا حريز بن عثمان الحمصي رمى بالنصب خ م حسان بن عطية المحاربي رمى بالقدر خ الحسن بن ذكوان رمى بالقدر خ حصين بن نمير الواسطي رمى بالنصب خ خالد بن مخلد القطواني رمى بالتشيع خ م سليمان المكي رمى بالقدر خ شبابة بن سوار رمى بالإرجاء خ شبل بن عباد المكي رمى بالقدر خ م شريك بن عبد الله بن أبي نمر رمى بالقدر خ م عباد بن العوام رمى بالتشيع خ عباد بن يعقوب رمى بالرفض خ عبد الله بن سالم الأشعري رمى بالنصب خ م عبد الله بن عمرو أبو معمر رمى بالقدر خ م عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى رمى بالتشيع خ م عبد الله بن أبي لبيد المدني رمى بالقدر خ م عبد الله بن أبي نجيح المكي رمى بالقدر عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري رمى بالقدر عبد الحميد بن عبد الرحمن بن إسحاق الحماني رمى بالإرجاء عبد الرزاق بن همام الصنعاني رمى بالتشيع عبد الملك بن أعين رمى بالتشيع عبد الوارث بن سعيد التنوري رمى بالقدر عبد الله بن موسى العبسي رمى بالتشيع عثمان بن غياث البصري رمى بالإرجاء عدي بن ثابت الأنصاري رمى بالتشيع عطاء بن أبي ميمون رمى بالقدر عكرمة مولى بن عباس رمى برأي الأباضية من الخوارج علي بن الجعد رمى بالتشيع علي بن أبي هاشم رمى بالوقف في القرآن عمر بن ذر رمى بالإرجاء عمر بن أبي زائدة رمى بالقدر عمرو بن مرة رمى بالإرجاء عمران بن حطان رمى برأي القعدية من الخوارج عمران بن مسلم القصير رمى بالقدر عمير بن هانئ الدمشقي رمى بالقدر عوف الأعرابي البصري رمى بالقدر الفضل بن دكين أبو نعيم رمى بالتشيع فطر بن خليفة الكوفي رمى بالتشيع قتادة بن دعامة رمى بالقدر وقال أبو داود لم يثبت عندنا عنه قيس بن أبي حازم رمى بالنصب كهمس بن المنهال رمى بالقدر محمد بن جحادة الكوفي رمى بالتشيع محمد بن حازم أبو معاوية الضرير رمى بالإرجاء محمد بن سواء البصري رمى بالقدر محمد بن فضيل بن غزوان رمى بالتشيع مالك بن إسماعيل أبو غسان رمى بالتشيع هارون بن موسى الأعور النحوي رمى بالقدر هشام بن عبد الله الدستوائي رمى بالقدر ورقاء بن عمرو اليشكري رمى بالإرجاء الوليد بن كثير بن حيي المدني رمى برأي الإباضية من الخوارج وهب بن منبه اليماني رمى بالقدر ورجع عنه يحيى بن حمزة الحضرمي رمى بالقدر يحيى بن صالح الوحاظي رمى بالإرجاء".


فلم يذكر رجلاً رمي بالتجهم بشكل صريح.


وأما الواقفيان فأمرهما سهل فكلاهما من شيوخ البخاري الكبار ، ويبدو أن البخاري قد احتاج إلى الرواية عنهما بعلو ، مع كون الأحاديث محفوظة عند المحدثين معروفة ، فلم يرو عن علي بن الجعد إلا ما كان من حديثه عن شعبة ، وأحاديث شعبة معروفة عند الناس مشهورة ، وهي أربعة عشر حديثاً كلها توبع عليها علي بن الجعد ، وأما علي بن أبي هاشم فلم أستطع الوقوف على رواية البخاري عنه ، ويبدو أنها نادرة جداً وفي المتابعة أيضاً.


هذا إن سلمنا أن البخاري عرف ذلك عنهم ، ولم أعرف أحداً من رجال الستة صح عنه إنكار العلو أو القول بقول جهم في الإيمان أو القدر كما تقول الجهمية الأشعرية


وللفائدة علي بن الجعد هذا كان من شيوخ الإمام أحمد أيضاً ، ولم يخرج عنه حديثاً واحداً في المسند
قال محمد الحسن ولد الددو في محاضرة بعنوان عقيدة أهل السنة :" فإن في المذهب المالكي أن الاقتداء بهم في الصلاة يجوز - يعني أهل البدع - ، وأن الحرورية وهم من أوائل الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه تصح الصلاة خلفهم، وذلك أن علياً رضي الله عنه قال: حين سئل عنهم: (أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا)، وقال لهم: (إن لكم علينا ثلاثاً: ألا نبدأكم بقتال ما لم تقاتلونا، وألا نمنعكم مساجد الله ما صليتم إلى قبلتنا، وألا نمنعكم نصيبكم من الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا)"


هذا كذب على المالكية إذ لا يجوزون الصلاة خلف أهل البدع بهذا الإطلاق ، بل المعروف عنهم المنع


جاء في المدونة من كلام الإمام مالك (1/176) :" : وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُنْكَحُ أَهْلُ الْبِدَعِ وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا تُشْهَدُ جَنَائِزُهُمْ "


قال ابن أبي زمنين في أصول السنة :" 231 - اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْد الْعَزِيزِ كَانَ يَكْتُبُ فِي كُتُبِهِ أَنِّي أُحَذِّرُكُمْ مَا قَالَتْ إِلَيْهِ اَلْأَهْوَاءُ وَالزَّيْغُ اَلْبَعِيدُ.

قَالَ اِبْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُهُ، وَسُئِلَ عَنْ خُصُومَةِ أَهْلِ اَلْقَدَرِ وَكَلَامِهِمْ? فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُمْ عَارِفًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُوَاضَعُ اَلْقَوْلَ وَيُخْبَرُ بِخَلَاقِهِمْ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا أَرَى أَنْ يُنَاكَحُوا"


قال ابن قدامة في المغني (3/419) :" ( 1121 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُعْلِنُ بِبِدْعَةٍ ، أَوْ يَسْكَرُ ، أَعَادَ ) .

الْإِعْلَانُ الْإِظْهَارُ ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِسْرَارِ .

فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ يُظْهِرُ بِدْعَتَهُ ، وَيَتَكَلَّمُ بِهَا ، وَيَدْعُو إلَيْهَا ، أَوْ يُنَاظِرُ عَلَيْهَا ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ .

وَمَنْ لَمْ يُظْهِرْ بِدْعَتَهُ ، فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لَهَا .

قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِمَا تَعْرِفُ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، آمُرُهُ أَنْ يُعِيدَ .

قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : وَهَكَذَا أَهْلُ الْبِدَعِ كُلُّهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْكُتُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ وَلَا يَتَكَلَّمُ .

وَقَالَ : لَا تُصَلِّ خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، إذَا كَانَ دَاعِيَةً إلَى هَوَاهُ .

وَقَالَ : لَا تُصَلِّ خَلْفَ الْمُرْجِئِ إذَا كَانَ دَاعِيَةً .

وَتَخْصِيصُهُ الدَّاعِيَةَ ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْإِعَادَةِ ، دُونَ مَنْ يَقِفُ وَلَا يَتَكَلَّمُ ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ .

وَقَالَ الْقَاضِي : الْمُعْلِنُ بِالْبِدْعَةِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا بِدَلِيلٍ ، وَغَيْرُ الْمُعْلِنِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا تَقْلِيدًا .

وَلَنَا ، أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْلَانِ هُوَ الْإِظْهَارُ ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِخْفَاءِ وَالْإِسْرَارِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إبْرَاهِيمَ : { رَبَّنَا إنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُحْفِي وَمَا نُعْلِنُ } وَلِأَنَّ الْمُظْهِرَ لِبِدْعَتِهِ لَا عُذْرَ لِلْمُصَلِّي خَلْفَهُ - لِظُهُورِ حَالِهِ - ، وَالْمُخْفِيَ لَهَا مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَعْذُورٌ ، وَهَذَا لَهُ أَثَرٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالنَّجِسِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُمَا ؛ لِخَفَاءِ ذَلِكَ وَمِنْهُمَا وَوَجَبَتْ عَلَى الْمُصَلِّي خَلْفَ الْكَافِرِ وَالْأُمِّيِّ ، لِظُهُورِ حَالِهِمَا غَالِبًا .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ بِحَالٍ .

قَالَ ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ : لَا يُصَلِّي خَلْفَ


مُرْجِئٍ وَلَا رَافِضِيٍّ ، وَلَا فَاسِقٍ ، إلَّا أَنْ يَخَافَهُمْ فَيُصَلِّيَ ، ثُمَّ يُعِيدَ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُد ، قَالَ أَحْمَدُ : مَتَى مَا صَلَّيْت خَلْفَ مَنْ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَأَعِدْ .

قُلْت : وَتَعْرِفُهُ .

قَالَ : نَعَمْ .

وَعَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ .

فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ بِبِدْعَتِهِ ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ .

وَمَنْ لَمْ يُعْلِنْهَا فَفِي الْإِعَادَةِ خَلْفَهُ رِوَايَتَانِ "


فنقل عن مالك ترك الصلاة خلف أهل البدع


وقال في التاج والإكليل (2/ 397) :" مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ : لَا يُصَلَّى عَلَى مَوْتَى الْقَدَرِيَّةِ .

قَالَ سَحْنُونَ : أَدَبًا لَهُمْ فَإِذَا خِيفَ أَنْ يُضَيَّعُوا غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ .

وَكَذَا فِي التَّلْقِينِ وَكَذَا فَسَّرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُدَوَّنَةَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ } هَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْطَعَ أَحَدٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ "


وقال في التاج والإكليل (12/ 37) :" قَالَ مَالِكٌ : يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ .

قَالَ سَحْنُونَ : أَدَبًا لَهُمْ "


وفي مواهب الجليل من كتب متأخري المالكية (4/130) :" ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ جَاهِلًا بِبِدْعَتِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَهُ سُتْرَةً فِي نَافِلَةٍ فَكَيْفَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ إمَامًا فِي فَرِيضَةٍ انْتَهَى ."



وقال في مواهب الجليل (3/ 396) :" وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ الثَّالِثُ خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ لِكَسَلَامٍ ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ : يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْآكِلِ ، وَعَلَى الْمُلَبِّي ، وَعَلَى الْمُؤَذِّنِ ، وَعَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ ، وَعَلَى الْمُصَلِّي ، وَعَلَى الْبِدْعِيِّ ، وَعَلَى الشَّابَّةِ ، وَعَلَى الْيَهُودِ ، وَعَلَى النَّصَارَى ، وَعَلَى الْقَارِئِ ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ ، وَعَلَى أَهْلِ اللَّهْوِ حَالَ تَلَبُّسِهِمْ بِهِ ، وَعَلَى لَاعِبِ الشِّطْرَنْجِ انْتَهَى .

( قُلْتُ ) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي خِلَافُ مَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السَّهْوِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِ ، وَالنَّصَارَى ، وَأَهْلِ الْبِدَعِ صَرَّحَ بِهِ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ : وَلَا يُبْتَدَأُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ ، قَالَ الْجُزُولِيُّ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنْ الْخَوَارِجِ ، وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ وَأَهْلُ الْمَعَاصِي اُخْتُلِفَ فِي السَّلَامِ عَلَيْهِمْ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ : أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِمْ زَجْرًا لَهُمْ"


وباب ترك الصلاة خلف أهل البدع ليس بابه تكفيرهم فقط ، وإنما بابه أيضاً هجران أهل البدع


قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/7) :" ولكن من أظهر بدعته وجب الإنكار عليه بخلاف من أخفاها وكتمها وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم ولا يستشهد وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور منهم من أطلق الإذن ومنهم من اطلق المنع والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين ومن هذا الباب ترك عيادتهم وتشييع جنائزهم كل هذا من باب الهجر المشروع"


وما قاله شيخ الإسلام هو التحقيق في التفريق بين الداعية وغيره ونصوص أحمد ناطقة بذلك إن لم تكن البدعة مكفرة ، وهذا البحث في إمام الجماعة وأما إمام العامة في الجمعة والعيدين فلا يتخلف عنه وإن كان مبتدعاً


وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/294) :" قَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْمُجَانَبَةِ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَهْجُرُ أَهْلَ الْمَعَاصِي وَمَنْ قَارَفَ الْأَعْمَالَ الرَّدِيَّةَ ، أَوْ تَعَدَّى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ ، أَوْ الْإِضْرَارِ ، وَأَمَّا مَنْ سَكِرَ أَوْ شَرِبَ أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْظُورَةِ ، ثُمَّ لَمْ يُكَاشِفْ بِهَا ، وَلَمْ يُلْقِ فِيهَا جِلْبَابَ الْحَيَاءِ ، فَالْكَفُّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ ، وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ ، وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ أَسْلَمُ .

وَكَلَامُ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ السَّابِقُ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدْعَةِ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إجْمَاعُ السَّلَفِ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِي عِيَادَةِ الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ رِوَايَتَيْنِ ، وَتَرْكُ الْعِيَادَةِ مِنْ الْهَجْرِ ، وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَصْلَحَةَ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَتِرَ بِالْمُنْكَرِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَرُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ فُعِلَ مَا يَنْكَفُّ بِهِ إذَا كَانَ أَنْفَعَ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّ الْمُظْهِرَ لِلْمُنْكَرِ يَجِبُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَانِيَةً بِمَا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ .

وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْخَيْرِ أَنْ يَهْجُرُوهُ مَيِّتًا إذَا كَانَ فِيهِ كَفٌّ لِأَمْثَالِهِ فَيَتْرُكُونَ تَشْيِيعَ جِنَازَتِهِ "


ومستور الحال يصلى خلفه ولا يسأل عنه كما حقق شيخ الإسلام ، إلا أن يكون أهل البلاد مشهورين ببدعة مكفرة فينبغي السؤال


قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/59) :" قال: المروذي سئل أَحْمَد أمر فِي الطريق فأسمع الإقامة ترى أن أصلي فقال: قد كنت أسهل فأما إذ كثرت البدع فلا تصل إلا خلف من تعرف"


وأما ما نقله عن علي بن أبي طالب لا يثبت بهذا اللفظ


قال ابن أبي شيبة في المصنف 39097: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , حَدَّثَنَا مُفَضَّل بْنُ مُهَلْهِلٍ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَلِي ، فَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ النَّهَرِ أمُشْرِكُونَ هم ؟ قَالَ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا ، قِيلَ : فَمُنَافِقُونَ هُمْ ؟ قَالَ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ، قِيلَ لَهُ : فَمَا هُمْ ، قَالَ : قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا.


فعلي قال ( قوم ) ولم يقل ( إخواننا)

قال عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه المنهج المعتدل :

 "فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر وأصحاب النبي ? لم يكفروا الخوارج مع تكفير الخوارج لعلي والمسلمين

 وهاهم أهل السنة لم يكفروا أهل التأويل في الصفات من الجهمية، والمعتزلة والأشعرية وفرقوا بين مقالاتهم الكافرة وبين القائلين بهذه المقالات، والتمسوا العذر بالجهل فيما ذهبوا إليه من التأويل

 ولم يمتنعوا من قبول رواياتهم والثناء على من رد منهم بدعة أكبر من بدعته، وصلوا خلفهم إلا من استحل الكذب منهم وثبت عندهم أنه زنديق يقول ما ليس في قلبه، ويتلون ليفسد على المسلمين دينهم".


هذا كذب على أهل السنة فإن أئمة أهل السنة لا تختلف الرواية عنهم في عدم جواز الصلاة خلف الجهمية الصرحاء ، والمعتزلة القائلين بخلق القرآن ، بل والإنكار على من يصلي خلف الجهمي إذا لم يكن الإمام الأعظم ، وإذا كان الإمام الأعظم فأحمد كان يصلي خلفه ويعيد:


(1) قال حرب الكرماني في مسائله (3/1073) : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأنصاري، عن أبي عبيد قال: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهودي والنصراني، ولا يصلى خلف من لا يقدم أبا بكر على الخلق أجمعين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما الصلاة خلف القدري، والخارجي والمرجئ فلا أحبها، ولا أراها.


سمعت أحمد بن يونس قال: سمعت زائدة يقول: لو كان رافضيًّا ما صليت وراءه. حدثنا أحمد بن يونس قال: سمعت رجلًا يقول لسفيان الثوري: الرجل يكذب بالقدر أصلي وراءه؟ قال: لا تقدموه.


حدثنا محمد بن الوزير قال: حدثنا مروان قال: سألتُ مالكًا هل يصلى خلف القدري؟ قال: لا.


حدثنا عبيد الله بن يوسف قال: حدثني فطر بن حماد قال: سألتُ معتمر بن سليمان فقلت: إمام لقوم يقول: القرآن مخلوق، أصلي خلفه؟ قال: أصلي خلف مسلم أحب إليّ. قال فطر: فأتيت يزيد بن زريع فقلت: إمام لقوم يقول: القرآن مخلوق، أصلي خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة.


(2) قال أبو داود في مسائله (1/43) : سمعت أحمد سئل عن رجل تكلم ببدعة فقيل إن هذا بدعة فرجع عنه، قال فصلوا خلفه إذا كنتم ترضونه ورجع عن الذي تكلم به، قال أبو داود قلت أيام كان يصلي الجمع الجهمية، قلت له الجمعة قال أنا أعيد ومتى ما صليت خلف أحد ممن يقول القرآن مخلوق فأعد، قلت وتعرفه؟ قال نعم


(3) قال البخاري في خلق أفعال العباد (2/33) :" مَا أُبَالِي صَلَّيْتُ خَلْفَ الْجَهْمِيِّ الرَّافِضِيِّ أَمْ صَلَّيْتُ خَلْفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَلاَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ يُعَادُونَ ، وَلاَ يُنَاكَحُونَ ، وَلاَ يُشْهَدُونَ ، وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ.

52- وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : هُمَا مِلَّتَانِ : الْجَهْمِيَّةُ ، وَالرَّافِضيَّةُ.



(4) قال اللالكائي في السنة 688 - ذكره عبد الرحمن قال : ثنا إسماعيل بن صالح الحلواني ، قال : سمعت محمد بن سليمان المصيصي لوين قال : قيل لابن عيينة هذه الأحاديث في الرؤية ترويها ، فقال : « حق نرويها على ما سمعناها ممن نثق به ونرضى به » روى عنه أبو مروان الطبري ، لا نصلي خلف الجهمي ، والجهمي الذي يقول : « لا يرى ربه يوم القيامة »


(5) قال ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة 20 - حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي ، نا الفضل بن زياد ، نا أبو طالوت ، عن أبي عبد الله ، قال : قلت : « من صلى خلف جهمي سنة يعيد الصلاة ؟ قال : نعم ، يعيد سنة سنة وسنتين ، كلما صلى خلفه يعيد »


(6) قال ابن قدامة في الكافي (1/ 368) : ولا تجوز الصلاة على كافر، لقول الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة: 84] ، وقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}[التوبة: 113] . ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه، قال أحمد: لا أشهد الجهمي ولا الرافضي، ويشهدهما من أحب.


(7) قال ابن عبد الخالق في زوائد الورع (1/89) : سألت عبد الوهاب عمن لا يكفر الجهمية قلت يا ابا الحسن يصلي خلفه قال لا يصلي خلفه هذا ضال مضل منهم على الاسلام.


ولا تختلف الرواية عن أئمة الإسلام في هذا ، ولم يطلق أحدٌ منهم جواز الصلاة خلف الجهمية الصرحاء كما ادعى عبد الرحمن عبد الخالق.


وقوله (ولم يمتنعوا من قبول رواياتهم والثناء على من رد منهم بدعة أكبر من بدعته)، وليس هذا صحيحاً ، فإن عامة الأئمة كان يجتنبون الرواية عن الدعاة إلى البدعة ، وما أثنوا على ردودهم على أهل الباطل لأنها مبنية على منهجية باطلة.


قال شيخ الإسلام في درء التعارض (7/183) :" وأهل الكلام الذين ذمهم السلف لا يخلو كلام أحد منهم عن مخالفة السنة ورد لبعض ما أخبر به الرسول كالجهمية والمشبهة والخوارج والروافض والقدرية والمرجئة ، ويقال بأنها لا بد أن تحرس السنة بالحق والصدق والعدل لا تحرس بكذب ولا ظلم فإذا رد الإنسان باطلا بباطل وقابل بدعة ببدعة كان هذا مما ذمه السلف والأئمة".


ولم يصح عن الأئمة أنهم رووا عن الجهمية الصرحاء ، وإن كان قد تجوز بعضهم بالرواية عن بعض الواقفةوأما اللفظية فقد تركوهم والأشاعرة أضلع في التجهم من كل هؤلاء


 وقال عبد الحليم ابن تيمية في المسودة (1/265) :" قال أحمد في رواية الأثرم وقد ذكر له أن فلانا أمرنا بالكتب عن سعيد العوفي فاستعظم ذلك وقال ذلك جهمى ذلك أمتحن فأجاب قبل أن يكون تهديد فنهى نهيا مطلقا وعلل بالتجهم".


فأحمد ينكر الرواية عن الجهمية فأين دعوى عبد الرحمن عبد الخالق ؟


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 386) :" ولكن لما اشتهر الكلام فى القدر ودخل فيه كثير من اهل النظر والعباد صار جمهور القدرية يقرون بتقدم العلم وإنما ينكرون عموم المشيئة والخلق وعن عمرو بن عبيد فى إنكار الكتاب المتقدم روايتان وقول أولئك كفرهم عليه مالك والشافعى وأحمد وغيرهم وأما هؤلاء فهم مبتدعون ضالون لكنهم ليسوا بمنزلة أولئك وفى هؤلاء خلق كثير من العلماء والعباد كتب عنهم العلم وأخرج البخاري ومسلم لجماعة منهم لكن من كان داعية إليه لم يخرجوا له وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره ان من كان داعية الى بدعة فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس وإن كان فى الباطن مجتهدا وأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة فى الدين لا يؤخذ عنه العلم ولا يستقضى ولا تقبل شهادته ونحو ذلك ومذهب مالك قريب من هذا ولهذا لم يخرج أهل الصحيح لمن كان داعية ولكن رووا هم وسائر أهل العلم عن كثير ممن كان يرى فى الباطن رأي القدرية والمرجئة والخوارج والشيعة".


وكلام السلف في تكفير الجهمية أكثر من كلامهم في تكفير أي فرقة أخرى.


قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :" ولا يقدر أحد ان ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم، وإذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث".


قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/257) :" ولهذا كان السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع"

 وهذا ينسحب على الإباضية والزيدية والرافضة وهم يقولون بخلق القرآن صراحةً ، وينكرون الرؤية وعلو الله عز وجل.


ومثلهم الأشاعرة وإياهم قصد ابن تيمية في كلامه


وبهذا يعلم افتراء عبد الرحمن عبد الخالق على السلف في زعمه أن السلف كانوا يصلون خلف أصحاب البدع المكفرة ، ويقبلون روايتهم ويثنون عليهم

إذا فهمت هذا علمت غلط من يأخذ الإجازات من القبورية والجهمية ثم يحتج بأمر الرواية 



هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم