الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فهذه حلقة جديدة من حلقات تقويم المعاصرين
ولا زلنا في مسائل الكفر والإيمان والتعامل مع المخالف
الخطأ الحادي والستون : اعتبار اشتراط
قيام الحجة غلقاً لباب التكفير
وهذه مسألة خطيرة وجدتها في كلام الكثير
من الشباب وبعضهم تظهر في فلتات لسانه وقد قدمنا أن عابد القبور لا يعذر ولا
الجهمي وأن هناك فرقاً بين الجاهل والمعرض ، غير أن اعتبار القول باشتراط قيام
الحجة غلقاً لباب التكفير قول له لوازم سيئة وإن كان هذا تطبيق بعض الجفاة ولكن لا
يجوز تحميل كل من قال هذا القول هذا المعنى
وخصوصاً أننا نشترط قيام الحجة في المسائل
الخفية
فالقول بأن اشتراط قيام الحجة غلق لباب
الكفر اعتقاد لتعذر قيام الحجة وهذه إساءة ظن عظيمة بالكتاب والسنة وأنهما لا
يقيمان الحجة وأن إنزال القرآن وما في السنن وكلام الأئمة كله لا يقيم الحجة وأنه
لا يمكن التحقق من قيام الحجة ببلوغها وهذا قول في منتهى الخبث من الغلاة والجفاة
من نفس الجهة
قال الله تعالى : ( رسلاً مبشرين ومنذرين
لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )
فدلت على أن بعث الرسل وما عندهم من الحجج
يقيم الحجة على كل مبطل
ولهذا كان أهل العلم يصنفون ويجمعون الحجج
فإن قلت : ما صفة قيام الحجة في المسائل
التي يشترط بها هذا ومن الذي يقيمها ؟
فيقال : صفة قيام الحجة أن يبلغ المنكر ما
ينكره من معنى في الأخبار أو كلام أهل العلم المعتمدين عند هذا الشخص
وقد قدمنا قول الشافعي فيمن أنكر اسماً أو
صفة ينكر مثلها وأنه لا يسعه ذلك بعد بلوغ الحجة
والمسائل تتفاوت في ظهورها وخفائها
فالخوارج ينكرون أحكاماً ثابتة كقضاء
المرأة للصوم دون الصلاة بعد حيضها وفضل علي وعثمان والمسح على الخفين وغيرها مما
ثبت في الأحاديث
ومع ذلك لم يطلق بعض الناس القول بتكفيرهم
إلا لمن بلغه ذلك ثم دفعه
قال ابن تيمية في قاعدة جليلة :" 30
- والثاني: دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضاً نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق
المسلمين. ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب
وإلا قتل مرتداً.
31 - ولكن التوسل بالإيمان وبطاعته هو أصل
الدين، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى
فكفره ظاهر للخاصة والعامة.
32 - وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين
بذلك فمن أنكره فهو أيضاً كافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف
ذلك، فإن أصر على إنكاره فهو مرتد"
وقد بلغني عن بعض الناس إنكاره لكلام
الشيخ هذا في عدم تكفير منكر الشفاعة مطلقاً إلا بقيد بلوغ الأحاديث له
وهذا شيء غريب وجهل وظلم وتعدي فإن
الخوارج وكل من يكفر بالكبائر ينكر أحاديث الشفاعة التي تنص على خروج الموحدين من
النار ولا زال الناس يتكلمون في الخلاف في تكفيرهم
وذلك أن كثيراً من الخوارج الأوائل لم
تبلغه الأحاديث وتأولوا آيات في الكتاب على غير تأويلها ولا أدل على ذلك من قصة
يزيد الفقير وطلق بن حبيب مع جابر لما كانا ينكران الشفاعة فلما حدثهما جابر
بالحديث تابا
وأما اليوم بعد انتشار الأحاديث وسهولة
الوصول إليها فالعذر أبعد غير أنه يدخل في حكم المعذور من كان بعيداً عن العلم
بحدوث عهد في الإسلام أو النشوء في مكان بعيد عنه
ونعود على موضوعنا الأصل فإذا فهمت هذا
فليس من شرط قيام الحجة أن يقيمها عالم كما يقول بعضهم وبيان المسألة من أوجه
أولها : أن الاجتهاد يتجزأ ومسائل التوحيد
والعقيدة أوضح مسائل الدين من استطاع بيانها وإن كان عامياً أو طالباً مبتدأً فبه
تقوم الحجة
قال البربهاري في شرح السنة [41] ولا نخرج
أحدا من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئا من آثار
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، فإذا فعل
شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن
مسلم بالاسم لا بالحقيقة.
وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في مصباح
الظلام ص63 :" وإن أراد أن النهي عن تكفير عموم الأمة وجميعها: فهذا لم يقله
أحد، ولم نسمع به عن مارق ولا مبتدع، وهل يقول هذا من له عقل يدرك به ويعرف ما في
الأمة من العلم والإيمان والدين؟ وأما بعض الأمة فلا مانع من تكفير من قام الدليل
على كفره كبني حنيفة، وسائر أهل الردَّة في زمن أبي بكر، وغلاة القدرية والمارقين الذين
مرقوا في زمن علي رضي الله عنه وغلوا فيه، وهكذا الحال في كل وقت وزمان، ولولا ذلك
لبطل الجهاد وترك الكلام في أهل الردة وأحكامهم"
وقال الإمام المجدد في كشف الشبهات
:" والعامِّي من الموحِّدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين"
ومعنى هذا أنه يقيم عليهم الحجة
ثانيها : أن الناس قد أجمعوا أن العامي
المسلم لو دعا كافراً للإسلام فإسلامه صحيح وأنه لو علمه الصلاة والصيام أو أي شيء
من أحكام الدين التي يصفها له حقاً أن عبادات هذه الكافر بعد الإسلام صحيحة ويلحقه
حكم الإسلام بمثل هذا
ثالثها : أننا قد وجدنا في قصص كثيرة
لمعاصرين وغيرهم أن الحجة قد قامت على أفراد على يد عوام أو أناس ليسوا بالعلماء
فهذا عبد الرحمن عبد الصمد ترك الطريقة
الرفاعية بعد سماع حديث ( إذا سألت فاسأل الله )
وهذا محمد سلطان المعصومي الخجندي قرأ في
كتب الأحناف الأوائل الإشارة بالسبابة فرآهم مخالفين للمتأخرين فأظهر المخالفة في
هذه المسألة ثم تدرج به الأمر حتى ترك مذهب أهل الرأي ومذهب الماتردية الجهمية
وهذا محمد تقي الدين الهلالي رجع عن
الطريقة التجانية بعد مناظرة بعد رجل كانت مناظرة عقلية يستطيع أي عامي عاقل وصفها
لما قيل له ( كيف يخرج النبي للصوفية ولما يخرج لأصحابه لما اختلفوا )
وهذا محمد حامد الفقي ترك مذهب الأشعرية
الجهمية بنظر يسير في اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم
ولا شك أن العالم وطالب العلم المتمكن
أولى بهذا الأمر من غيرهم ، وأن العامي الذي لم يحكم العلم لا يجوز له مجالسة أهل
الأهواء فضلاً عن مناظرتهم فالسلامة أولى من الغنيمة غير أن عامي الموحدين قد يكلم
بعض علماء المشركين اضطراراً أو يكلم عوام المشركين ويدعوهم بشيء تلقاه من العلم
من علماء الموحدين ويجعل الله في ذلك بركة عظيمة
وقد كان أئمة الدعوة يجزمون بأن المشركين
في زمنهم قامت عليهم الحجة ببلوغ الأدلة حتى ذكر الشيخ محمد في مفيد المستفيد أن
علماء المشركين ينكرون كثيراً من شركيات العوام فهذا أبلغ في قيام الحجة
والمقصود أن القول بأن اشتراط قيام الحجة
تعطيل للتكفير قول قبيح فيه إزراء على النصوص وإن لم نقل بهذا الاشتراط في كل كفر
ومن استخدم هذا الاشتراط لتعطيل التكفير
حقاً فهذا جمع بين الإرجاء والإزراء على النصوص
وهنا مقال لي قديم في نقد الجزء الإرجائي
من هذا المسلك :" فمما كنت أعتقد قديماً أنك لو لم تكفر الكوثري والسقاف
وحكمت بإسلامهما فلا ضير وهذا ما تعلمته من بعض الناس هداهم الله
وهذا يبين لك أن مسألة قيام الحجة عند
كثيرين إنما هي تعطيل لحكم التكفير تستراً بهذا المصطلح
إذ أن قيام الحجة أمرٌ خيالي لا وجود له
في الواقع
فالكوثري قد ترحمت عليه قديماً فما أنكر
علي أحد !
وقد بلغني الإنكار على من يكفره
والكوثري لمن لا يعرفه كان جهمياً قبورياً
متعصباً للمذهب الحنفي يقول بخلق القرآن وينكر العلو وعامة الصفات ويكفر ابن تيمية
وابن القيم وابن عبد الوهاب ونذر قلمه لحربهم ويطعن في حماد بن سلمة وعثمان
الدارمي وعبد الله بن أحمد
ومن تعصبه لأبي حنيفة ضعف ثلاثمائة ثقة
منهم تسعون حافظاً لروايتهم مثالب أبي حنيفة
وقد ذكر شمس الأفغاني في جهود علماء
الحنفية أن الكوثري وغيره يرون أن أبيات البوصيري في البردة فيها تقصير في حق
النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يستحق أكثر
هذا مع ما كان عليه من سعة اطلاع عظيمة
خصوصاً على المخطوطات ، وقد اطلع على تآليف السلفيين وردودهم عليه
ومع كونه كان يتكلف البتر والكذب لينصر
مذهبه
وهو مع كل هذا يقال ( عفا الله عنه ) و (
رحمه الله )
مع كونه داعية صريحاً للشرك والتجهم
مكفراً لأهل السنة ، وقد علل الإمام أحمد عدم عفوه عن ابن أبي دؤاد بأنه كان داعية
وغضب الثوري ممن ترحم على زفر أمامه
فأين زفر من الكوثري ؟
وقال الخلال في السنة 1762- أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ , قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
رَجُلٌ صَلَّى عَلَى ابْنِ أَبِي دَاوُدَ , فَقَالَ : هَذَا مُعْتَقِدٌ , هُوَ
جَهْمِيٌّ , قَالَ : وَذَكَرْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَارُودِيَّ , فَقَالَ :
ذَاكَ خِزَانَةُ بْنُ خَزَايِنِهِ , يَعْنِي ابْنَ أَبِي دُؤَادَ.
فهذا حكم أحمد فيمن صلى على ابن أبي دؤاد
، وما الفرق بين الكوثري وبين ابن أبي دؤاد والكوثري شر منه فإن الكوثري كان
قبورياً إلى جانب تجهمه
بل صح ما يدل على أنه صاحب وحدة وجود وكان
معظماً لابن عربي
وقد حكم الشيخ ابن سحمان على السبكي
والهيتمي بالردة في كتابه الصواعق المرسلة
قال العلامة سليمان بن سحمان: "فهذا
الرجلُ المسمى الشهابَ الرمليَّ إن كان مِن المعروفين بالعلم - لأني لا أعرِف ما
حالُه - فهو مِن جنْسِ السُّبْكِي وأضرابِه الغالينَ الذين يُصنِّفون في إباحة
الشرك وجوازه زاعمين أن ذلك من تعظيم الرسول , وتعظيم الأنبياء والأولياء , وذلك
لجهلهم , وعدم إدراكهم لحقائق الدين, ومدارك الأحكام, وليس لهم قدم صدق في
العالمين, ولا كانوا من العلماء العاملين, فلا حجةَ في أقوالهم . { وَمَنْ لَمْ
يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } ثم لو كان الشهاب الرملي
مِن أهل الفضل والعلم والعبادة وأكابرِ أهل الفقه والورع والزهادة لكان قد أخطأ
فيما قاله وأراده , ودعا إلى عبادة غير الله , وهذا يوجِب كفرَه وارتدادَه ه.
الصواعق المرسلة 1/268
وقال العلامة سليمان بن سحمان: " وما
قاله ابن حجر من أن بعضهم يكشف له عن اللوح المحفوظ حتى يراه وهلة عظيمة وقولة
مرفوضة ذميمة فما أعظم هذه من فرية وهل يجوز في خلد من يؤمن بالله واليوم الآخر
إلا أنها كذب بلا مرية سبحانك هذا بهتان عظيم وهذا لا يقوله إلا أفراخ الجهمية
والاتحاديةالذين يزعمون أن الولي ارفع منزلته من الرسول لأن الرسول يأخذ عن الله
بواسطة الملك والولي يأخذ عن الله بلا واسطة وينشدون في ذلك
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون
الولي
وقد جاء في الحديث الصحيح أنه لا ينظر فيه
غير الله عز وجل في حديث أبي الدرداء واللوح المحفوظ فوق السموات كما جاء في
الحديث: "أن الله كتب كتاباً فهو عنده على العرش"
فسبحان الله ما أعظم هذا الإفتراء وما
أجراهم على الله وما حصل هذا لأفضل خلق الله وأكرمهم عليه سيد ولد آدم فكيف بغيره
من الأولياء.
وما جرى للخضر فإنما هو كما قال لموسى:
"إنك على علم من الله علمك إياه لا أعلمه وأنا على علم من الله علمنيه لا
تعلمه" أو كما قال، لا يقال أنه أخذه عن اللوح المحفوظ إلا بدليل ولا دليل
على ذلك لا من كتاب ولا سنة ولا عن أحد من أهل العلم
وخبر أبي بكر من قبيل الفراسة، وما ذكر عن
عمر رضي الله عنه فهو على سبيل الكرامة والكشف وتقدم أن هذا الجزئي لا يفيد أن من
علمه فقد علم الغيب أو أنه ناسخ للنصوص العامة المطلقة غاية ما هناك إثبات ما دل
عليه الاستثناء في الآيات كبعض الأفراد الجزئية وهو لا يمنع العموم بل العام باق
على مفهومه فسبحان الله ما أجهل من أطلق علم الغيب على غير الله تعالى من حي أو
ميت وما أضله عن سوآء السبيل كيف يعارضون النصوص بهذا الكلام المموه المزخرف
ويعتمدون عليه وينبذون كتاب الله وراء ظهورهم وذلك أن من علم شيئاً من جزئيات
الغيب بنوع من الكرامات أو المكاشفات يقال: إنه يعلم الغيب ومن قال إنه يعلم الغيب
لا يكفر وهل هذا لا تكذيب ومكابرة للقرآن، وأعظم من هذا من يزعم أن الولي يكشف له
عن اللوح المحفوظ فيراه وقد قال بعض العلماء المحقيقين، فمن ادعى أنه إذا راض نفسه
يرى ما كتب في اللوح المحفوظ ويعلم الغيب فهو كافر"
البيان المبدي لشناعة قول المجدي 134-136
وهذا كله يقول به الكوثري وزيادة
وأما السقاف فزاد على الكوثري أنه رافضي
يكفر معاوية ويطعن في كثير من الصحابة ، ويقول بإسلام ابن سينا وينكر على ابن
تيمية تكفيره
في كفريات كثيرة وله عشرات التصانيف في
حرب التوحيد وأهله ملأها بالبتر والكذب والتدليس واجتهد في تضعيف أحاديث الصفات
التي في الصحيحين حتى ضعف كل أحاديث الرؤية وصنف في ذلك جزءاً مفرداً
وصنفت عليه عدد من الردود المفحمة فما
تراجع عن حرف عن كتبه إلا إلى الأسوأ
ومثل السقاف علي الجفري وإن كان لا يتكلم
بتكفير المخالف إلا أنه جهمي قبوري مشرك بالربوبية وكتبت عليه ردود كثيرة ( ولا
يشترط هذا للحكم بكفره ولكنني أتنزل مع الخصم )
ومثلهم عبد الله الحبشي الهرري وكل أتباع
ملته
وأحمد الخليلي الإباضي وسعيد بن فودة
فكل هؤلاء دعاة شرك وتجهم وبدعة يصنفون في
ذلك ويبترون ووقع من عامتهم تكفير أهل السنة
ومع هذا كله تكفير السقاف والكوثري فضلاً
عن البقية منكر عند كثير من الناس بدعوى إقامة الحجة !
فهم على كل أحوالهم لم تقم عليهم الحجة
فيدل على أن الحجة محض خيال ولا تقوم لا بكتاب ولا بسنة ولا بآثار السلف ولا بكتب
العلماء ولا حتى بردود المعاصرين
فإن قيل : كلامك غير صحيح
قلت : فلماذا لا يتم الإنكار على من يترحم
على الكوثري ؟
بل قد أنكر على بعض الناس تكفير الكوثري
وهذا معروف مشهور
وإذا كان يكفرهم ومن مذهبه اشتراط قيام
الحجة فبماذا كفرهم وبأي شيء اعتبر الحجة قامت عليهم حتى نقيس عليهم غيرهم
وإن لم يكفرهم فليذكر لنا ما الذي يشترطه
في التكفير ولم يتوفر في هذين الرجل هل يشترط أن يقول المرء ( أنا كافر )
جاء في الدرر السنية (10/ 136) :"
وأما السؤال الثالث، وهو قولكم ورد: " الإسلام يهدم ما قبله " ،وفي
رواية " يجُبُّ ما قبله "، وفي حديث حجة الوداع: " ألا إن دم
الجاهلية كله موضوع " 2 إلخ، وظهر لنا من جوابكم: أن المؤمن بالله ورسوله إذا
قال أو فعل ما يكون كفرا، جهلا منه بذلك، فلا تكفرونه، حتى تقوم عليه الحجة
الرسالية، فهل لو قتل من هذا حاله، قبل ظهور هذه الدعوة، موضوع أم لا؟
فنقول: إذا كان يعمل بالكفر والشرك،
لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة؛ ولكن لا نحكم بأنه
مسلم، بل نقول عمله هذا كفر، يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص،
لعدم قيام الحجة عليه؛ لا يقال: إن لم يكن كافرا، فهو مسلم، بل نقول عمله عمل
الكفار، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية. وقد
ذكر أهل العلم: أن أصحاب الفترات، يمتحنون يوم القيامة في العرصات، ولم يجعلوا
حكمه حكم الكفار، ولا حكم الأبرار"
وهذا الجواب لأبناء الشيخ محمد بن عبد
الوهاب وحمد بن ناصر بن معمر
والصواب في هذا أنه يحكم له بأنه مشرك
كافر ، ومثل الكوثري والسقاف حالهما أسوأ من حال هذا بكثير فهما دعاة شرك
وأما السقاف فقد رأيت عدداً ينسبون للحلبي
أنه يزعم بأن من فهم كلام شيخه الألباني تكفير السقاف فقد غلط ، وهذا ظاهر في أنهم
لا يكفرونه بل هناك من ينكر على من كفره وهذا بلاء عظيم
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل
:" 925- يوسف بن خالد السمتي
البَصري.
يقال: إِنما سمي السمتي للحيته وسمته،
وكان صاحب رأى.
رَوَى عَن: الأَعمش، وزياد بن سعد.
رَوَى عَنه: القَواريري، والعباس بن
الوليد النرسي، وأَبو كامل، وعَبد الله بن عاصم الحماني.
سَمِعتُ أَبي يقولُ ذلك.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، أَخبَرنا عَبد الله
بن أَحمد بن محمد بن حَنبل، فيما كَتَبَ إلَيَّ، قال: سَمِعْتُ يَحيَى بن مَعين
يقول، وذكر يوسف بن خالد السمتي، فقال: كذاب خبيث، عدو الله، رجل سوء، رأَيته
بالبصرة مالا أحصى لا يحدث عنه أحد فيه خير.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: قُرِئَ عَلَى
العباس بن محمد الدُّوري، قال: سَمِعتُ يَحيَى بن مَعين يقول: يوسف بن خالد السمتي
كذاب زنديق، لا يُكتَبُ حديثُهُ.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سمعت أَبي،
وسألته عن يوسف بن خالد السمتي، فقال: أنكرت قول يَحيَى بن مَعين فيه أَنه زنديق،
حتى حمل إلي كتاب قد وضعه في التجهم بابا بابا ينكر الميزان في القيامة، فعلمت أَن
يَحيَى بن مَعين كان لا يتكلم إلا علَى بصيرة وفهم، قلتُ: ما حاله؟ قال: ذاهب
الحديث"
فبإنكار الميزان زندقه فكيف كل تلك
البلايا التي ذكرت لك عن القوم ؟
وإنني لأجزم أن السقاف والكوثري لو كان
حاكمين لبعض بلاد المسلمين لاجتهد بعض الناس في بيان كفرهما ووجوب تكفيرهما لا
حمية على العقيدة وإنما لتبرير الخروج عليهما ولو كان الخروج تحت راية الديمقراطية
ولنقل ( نحن في خندق واحد مع العلمانيين ) هذا الخندق الذي يتسع لكل الدنيا ما
داموا سيوصلوننا للحكم ، وإذا غدر بنا العلمانيون بعد الثورة فلنقل ( المعركة الآن
بين الإسلام والكفر )! أو لنقل ( هؤلاء أسوأ من النظام السابق )
وسيأتي قومٌ آخرون سيغلقون باب التكفير
لهما بل باب التكفير مطلقاً لأن إبطال الخروج عندهم لا يبطل إلا بإغلاق باب
التكفير وإن كان حقاً وليطرد القياس في الذين يزعم أن السلف لم يكفروهم من الجهمية
وأما الذين كفرهم السلف فلا يقاس عليهم أحد
وليظهر الورع عن تكفير من كفره الله
ورسوله ممن يتكلم في التفسير والفقه والفروج والدماء والعقيدة بالرأي في كثير من
المسائل
ويتورعون عن تكفير المشركين ولا يتورعون
عن ثلب مخالفيهم في هذه المسألة وكل مخالف لهم ينتصر لقوله ويقيم عليه الأدلة صاحب
فتنة ثم تلي هذه الكلمة سلسلة من الشتائم التي ربما وصل بعضها إلى الإشارة
بالتكفير أو الاتهام بالنفاق كقولهم (
دسيسة ) أو ( لا ندري من وراءه )
وهكذا تكون العقيدة تابعة للأهواء
السياسية لا العكس "
وبقي أن يقال أن من المكفرات ما لا يتصور
فيه إقامة حجة أصلاً إذ لا شبهة علمية تدفع فاعله كسب الله والوطء على المصحف
ونحوها ومثل هذا قولهم ( إقامة الحجة فيه ) أمر غريب
الخطأ الثاني والستون : جعل عدم تكفير
العلماء لفعل من الأفعال مانعاً من التكفير عند من يعتقد أنه كفر
وهذا وقع فيه عبد العزيز الريس
قلت في مقال لي :" الثاني : أن
كثيراً من ممارسات عباد القبور لا يجيزها حتى علماء القبورية من الذبح لغير الله
والنذر لغير الله فأقل أحوال الفاعلين أنهم معرضون عن التعلم وهذا يدفع العذر عنهم
دنيا وآخرة
فإن قيل : أن علماء القبورية وإن لم
يجيزوا هذا فإنهم لا يعدونه شركاً أكبر
فيقال : وليس من شرط التكفير أن يعلم فاعل
الكفر أن فعله كفر أكبر بل يكفي أن يعلم أنه منهي عنه أو يفرط بالعلم بهذا
قال ابن تيمية في الصارم المسلول :"
وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد
الكفر أحد إلا ما شاء الله"
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير
العزيز الحميد :" يقول تعالى مخاطبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ} ، أي: سألت المنافقين الذين تكلموا بكلمة الكفر استهزاء
{لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 2، أي: يعتذرون بأنهم لم
يقصدوا الاستهزاء والتكذيب، إنما قصدوا الخوض في الحديث واللعب: {قُلْ أَبِاللَّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} 3، لم يعبأ باعتذارهم إما لأنهم
كانوا كاذبين فيه، وإما لأن الاستهزاء على وجه الخوض واللعب لا يكون صاحبه معذورًا،
وعلى التقديرين فهذا عذر باطل، فإنهم أخطئوا موقع الاستهزاء.
وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله،
والاستهزاء بذلك في قلب؟! بل ذلك عين الكفر فلذلك كان الجواب مع ما قبله {لا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 4.
قال شيخ الإسلام: فقد أمره أن يقول: كفرتم
بعد إيمانكم. وقول من يقول: إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً
بقلوبهم لا يصح، لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد
كفرتم بعد إيمانكم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد: إنكم أظهرتم
الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا ذلك إلا لخوضهم، وهم مع خوضهم ما زالوا
هكذا، بل لما نافقوا وحذروا {أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} ، [التّوبة، من
الآية: 64] ، تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء، أي: صاروا كافرين
بعد إيمانهم. ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين إلى أن قال تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 5،
فاعترفوا ولهذا قيل: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ
نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} 6، فدل على أنهم لم يكونوا
عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر. فتبين أن الاستهزاء بآيات
الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف،
ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم. ولكن لم يظنوه كفرًا وكان كفرًا كفروا به،
فإنهم لم يعتقدوا جوازه"
وهذه القاعدة تنقض قول من يقول ( إذا
اختلف العلماء في شيء هل هو كفر أم ليس بكفر فإن الواقع في هذا يعذر عندي لاختلاف
العلماء )
فهذه القاعدة الفاسدة التي يوميء إليها
عبد العزيز الريس أحياناً ، يظهر فسادها إن علمنا أن الواقع في الكفر يقع عليه
الكفر بمجرد علمه أو تمكنه من معرفة أن هذا لا يجوز وإن لم يعلم أنه كفر
والقاعدة التي ذكرناها في أن الواقع في
الكفر لا يشترط أن يعلم أنه كفر بل يكفي أن يعلم أنه منهي عنه يقررها الريس نفسه
ولا يتنبه لمناقضتها لما يوميء إليه
فالخلاف ولو كان معتبراً لا يدرأ التكفير
عند من قام عنده الدليل على الكفر لأنه ليس من شرط الكافر أن يقصد الكفر
وبهذا تعلم أن من يقول من كوني أكفر تارك
الصلاة فأنا لا أكفر تارك الصلاة في البلد التي علماؤها لا يكفرون تارك الصلاة
حقيقة قوله اعتبار قصد الكفر في فعل الكفر وهذا باطل كما بينه شيخ الإسلام في
الصارم المسلول
وأعجب من ذلك كلام الألباني الذي نقله
مشهور حسن في كتابه التصفية والتربية أنه لا يكفر من يصلي لقبر النبي صلى الله
عليه وسلم ركعتين فهذا أمرٌ لا يجيزه أحد ولا فيه رائحة الشبهة فكيف لا يكفر فاعله
حتى على أصول العاذرين
بل فاعل هذا أولى بالتكفير من أصحاب
مسيلمة ومن جاحدي الزكاة ومن الطائفة الممتنعة
وهذا الأمر لو تنبه له لسلمنا من جدل طويل
فعامة القبورية الذين ينافح عنهم من العوام يذبحون لغير الله وينذرون لغير الله
ولا يكتفون بالأمور التي ينافح عنها علماء القبورية كالاستغاثة ولا يبيح النذر
والذبح لغير الله إلا غلاة الغلاة ممن هم بمنزلة الباطنية وأصحاب وحدة
الوجود"
الخطأ الثالث والستون : الدخول في قول
شبابة في الإيمان
وهذا وقع فيه حمد العتيق إذ أنه عرف تارك
جنس العمل بأنه من ترك أعمال الجوارح ولم يتلفظ بالشهادتين مرةً أخرى
فيخرج من تعريفه من تلفظ بالشهادتين مرة
أخرى فلا يكفر وبالتالي يكون قد وقع في قول شبابة حيث قال ( من قال فقد عمل )
وقد رجع حمد العتيق عن قوله هذا بعد نقد
الفوزان له ، غير أن المدخلي قد نقل كلامه قديماً في ردوده على فالح الحربي وأقره
ولم يرجع إلى الآن
الخطأ الثالث والستون : القول بالمنع من
ذكر أسماء المخالفين مطلقاً في هذا العصر
وهذا نظر له الشثري وهي طريقة عبد الكريم
الخضير
جاء في جريدة الأنباء الكويتية بتاريخ
7مارس 2011 ( ولا أعرف التاريخ الهجري ) في لقاء مع الشيخ سعد الشثري
ما الطريقة المثلى لتحذير عوام الناس من
الفتاوى الشاذة أو من العلماء الذين يعرفون بها، خاصة من الفتاوى التي يعم ضررها
الأمة الإسلامية؟
فأجاب الشثري بقوله : الذي نشير اليه ألا
تذكر أسماءهم بل تغفل، وإغفال مثل هؤلاء الأشخاص أولى ليموت ذكرهم، فلو ذكرناهم
فسيعلو شأنهم عند الناس، وهناك كثير من أئمة الضلال في الزمان الأول كان لهم تأثير
كبير في زمانهم وما بقي اسمهم إلا لأن أهل العلم تكلموا بأسمائهم، هل تعرف شخصا
اسمه «حفص الفرد»؟
ما نعرفه لولا أن الإمام الشافعي تكلم فيه لمات
ذكره، ولولا أن عثمان بن سعيد رد على «بشر المريسي» لما عرفنا بشرا، كما ينبغي أن
يكون التحذير من القول لا من القائل.
فالناس عندهم عقول يعرفون بها الحق، وأنت إذا
حذرت من القائل أصبح هناك تعصب له وتعصب ضده، فيكون الولاء والبراء في اسم هذا
الشخص لا في اتباع الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قد يكون هذا التحذير
من الأسباب المنفرة عن هذا المتكلم.
فالناس سيرونك تتكلم في الآخرين، والنفوس تمج
ولا تقبل التكلم في الآخرين أو العيب فيهم، وعلينا أن نعلم الناس على أنه لا يصح
أن يرجح قول لأن فلان قاله، وإنما القاعدة الشرعية متابعة الدليل الشرعي كتابا
وسنة، وعند اختلاف العلماء على العامي فإنه يرجح بينهما على حسب العلم والورع
والأكثرية.انتهى
أقول : قوله (كما ينبغي أن يكون التحذير
من القول لا من القائل) باطل ومخالف لمنهج السلف من وجوه
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد
عين الخوارج وذكر حتى أوصافهم الخلقية
قال البخاري في صحيحه 3610 : حَدَّثَنَا
أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ
وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ
وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ
أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ
عُنُقَهُ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ
مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا
يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ
الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ
إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ
وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ
إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ
وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ
أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا
مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ
إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي
نَعَتَهُ.
فهل الصحابة ليس عندهم عقول حتى يعين لهم
النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوصاف ؟
فإن قول الشثري ( الناس اليوم عندهم عقول
فلا حاجة للتعيين )
فدل على مفهومه على أن الإيضاح بالتحذير
من الأعيان إنما يكون للجهال وقليلي المعرفة ، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد
أوضح حال الخوارج إيضاحاً لا يلتبس على أحد وكذلك أوضح في أحاديث الدجال
فإذا كان في زمن السلف يحتاجون إلى
التعيين ، فالناس في زمننا أولى وأولى
الوجه الثاني : إجماع السلف على التحذير
من أهل البدع بأعيانهم
قال شيخ الإسلام كما في مجموعة الرسائل
والمسائل (5/110) : "ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة
أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق
المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في
أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع
فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس
الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبل الله ودينه ومناهجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء
وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر
هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء
إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك فهم يفسدون
القلوب ابتداء"
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى
(28/ 233) :" فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ وَإِنْ
اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَهُمْ وَتَعْيِينَهُمْ"
فانظر كيف نص شيخ الإسلام على وجوب تعيين
أهل البدع خلافاً للشثري
قال العقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 174) :
حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : سمعت أبي يقول : حدثنا أبو جعفر الحذاء ، قال :
قلت لسفيان بن عيينة : إن هذا يتكلم في القدر ، أعني : إبراهيم بن أبي يحيى ، قال
: عرف للناس بدعته ، واسألوا ربكم العافية.
وقال العقيلي في الضعفاء الكبير (6/ 272)
: حدثنا محمد بن موسى قال : حدثنا عباس بن أبي طالب قال : حدثنا موسى بن إسماعيل
قال : سمعت حزما يقول : سمعت عاصما الأحول قال : كان قتادة يذكر عمرو بن عبيد ويقع
فيه ، قال : فجثوت على ركبتي فقلت : يا أبا الخطاب ، وإذا الفقهاء يقع بعضها في
بعض ، فقال : يا أحول ، رجل ابتدع بدعة فنذكر بدعته خير من أن نكف عنها
فتأمل قول قتادة (رجل ابتدع بدعة فنذكر
بدعته خير من أن نكف عنها) وما فيه من الرد البليغ على الشثري
ونصوص السلف في هذا كثيرة ، وقد عينوا
عامة أهل البدع ، وكتب الجرح والتعديل تعج بذلك وهم أعلم منا بالمصالح والمفاسد
ولا شك ، وكثيرٌ من أهل البدع الذي عينوهم في عصرهم ، أقل خطراً من أهل البدع في
عصرنا خصوصاً مع انتشار وسائل الإعلام اليوم
وإخماد ذكرهم لا يتم إلا بالتحذير منهم ،
وتنفير الناس منهم وتحذيرهم
الثالث : أن في عدم تعيين أهل البدع تعطيل
للأحكام المتفرعة على الحكم عليهم بالبدعة
كحكم الصلاة خلفهم ، والصلاة عليهم ،
ومجالستهم ومناكحتهم والتحذير منهم وغيرها من الأحكام
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى
(10/ 376) :" على هذا فما أمر به آخر أهل السنة من إن داعية أهل البدع يهجر
فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فإن هجرة
تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها وإن كان
في نفس الأمر تائبا أو معذورا إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين أما ترك الذنوب
المهجورة وأصحابها وأما عقوبة فاعلها ونكاله فأما هجرة بترك في غير هذا
الموضع"
الرابع : قوله ( الناس عندهم عقول )
تزكية مبالغ لأهل العصر ، وإذا كان الناس
في زمن السلف يحتاجون إلى تعيين كما ذكر هو نفسه أن الشافعي عين حفصاً الفرد ،
والدارمي عين المريسي ، فالناس في زمننا أولى بذلك
قال البخاري في صحيحه 2652 : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ
شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ
قال البخاري في صحيحه 7068 : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ
أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ
فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي
بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال مسلم في صحيحه 289- [232-145] :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ، جَمِيعًا عَنْ
مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ ، قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ، عَنْ
يَزِيدَ ، يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَدَأَ
الإِسْلاَمُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى
لِلْغُرَبَاءِ.
وقال البخاري في صحيحه 85 : حَدَّثَنَا
الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
عَنْ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ
وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا
بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ
فهذه النصوص كلها تدل على أن العلم يتناقض
مع مرور الزمن ، وهذا يجعل الحاجة إلى البيان والإيضاح أعظم ، لا العكس
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (3/ 1280)
: " إذا شك في الشاهد هل هو عدل أو لا لم يحكم بشهادته لأن الغالب في الناس
عدم العدالة وقول من قال الأصل في الناس العدالة كلام مستدرك بل العدالة طارئة
متجددة والأصل عدمها فإن خلاف العدالة مستندة جهل الإنسان وظلمه والإنسان خلق
جهولا ظلوما فالمؤمن يكمل بالعلم والعدل وهما جماع الخير وغيره يبقى على الأصل أي
فليس الأصل في الناس العدالة ولا الغالب"
فقوله ( الغالب في الناس عدم العدالة )
وهذا في عصره فيقال في عصرنا ( الأصل في الناس الجهل وعدم العلم ) وهذه الحال
مقتضية للإيضاح والتعليم
الخامس : قد ثبت بالدليل جواز تعيين السني
إذا أخطأ
فحديث ( كذب أبو السنابل ) معروف
وقال البخاري في صحيحه 2223 : حَدَّثَنَا
الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
يَقُولُ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ
قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ
الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا
وقال البخاري في صحيحه 122 : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا
عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ
إِنَّ نَوْفًا الْبَِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ
حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فذكر الحديث .
السادس : أن أهل البدع يختلفون من جهة
الشهرة والخمول ، فمنهم من هو مشهورٌ جداً وفتاويه مشهورة ، وترك أهل السنة الرد
عليه بعينه لا يفيده إلا مزيد اشتهار ، وما انتشر باطل قط إلا بتقاعس أهل الحق
وإلى الشثري يوميء كلام المفتي عبد العزيز
آل الشيخ
ومن عجائب العصر أنك تجد من ينشر هذا
الكلام ويقول ( فيه رد على الجامية غلاة التجريح ) ! فيكون هو أول مخالف للفتيا
التي ينقلها حيث أنه عين !
والناس إنما تأخذهم الأهواء في مثل هذا
الخطأ الرابع والستون : تجويز وجود كفر
أكبر ظاهر يخرج به المرء من الملة دون وجود كفر باطن
وهذا وقع في كلام سعد الشثري
قال في ص20 من رسالته في الإيمان :"
ثم قال تعالى ( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي
القوم الكافرين ) ، فدل على أن كفرهم ليس عن اعتقاد أو جهل أو بغض لدين أو نحو ذلك
من الأمور القلبية ، بل إن الله حكم بكفرهم - مع علمهم بصحة الدين وحبهم له -
بفعلهم لأمر مكفر تقديماً لأمور الدنيا على الآخرة ، وهذا إنما يحصل في الأعمال
الظاهرة "
أقول : هذا مذهب الجهمية في تجويز وجود
كفر عملي أكبر مع صلاح الباطن
قال البخاري في صحيحه 52 : حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ
بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا
يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ
لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ
الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا
إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ
مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ
الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ
فكيف يظهر الكفر الأكبر اختياراً مع صلاح
الباطن وسلامته من الأمور المكفرة ؟!
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/
557): " فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله
والتكلم بالتثليب وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفرا فى الباطن ولكنه دليل فى
الظاهر على الكفر ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم فى الباطن عارفا بالله
موحدا له مؤمنا به فاذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطنا وظاهرا
قالوا هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن وأن الإيمان يستلزم عدم ذلك "
قلت: فتأمل كيف أن الجهمية يجوزون أن يوجد
هذا الفعل الكفري مع الإيمان الباطن!
وهذا هو قول الشثري
وقال شيخ الإسلام (7/ 557):" وأما
الثاني فالقلب إذا كان معتقدا صدق الرسول وأنه رسول الله وكان محبا لرسول الله
معظما له امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه فلا يتصور ذلك منه إلا مع نوع من الإستخفاف
به وبحرمته فعلم بذلك أن مجرد إعتقاد أنه صادق لا يكون إيمانا إلا مع محبته
وتعظيمه بالقلب "
قلت: فتأمل كيف أن شيخ الإسلام جعل القول
باجتماع الكفر العملي الكبر مع الإيمان القلبي الواجب من الممتنعات فلا بد من وجود
تكذيب أو بغض أو استخفاف معها فتأمل !
وقال شيخ الإسلام في (7/ 644):" حتى
آل الأمر بغلاتهم - كجهم وأتباعه - إلى أن قالوا: يمكن أن يصدق بقلبه ولا يظهر
بلسانه إلا كلمة كلمة الكفر وقالوا حيث حكم الشارع بكفر أحد بعمل أو قول: فلكونه
دليلاً على انتفاء ما في القلب وقولهم متناقض فإنه إذا كان ذلك دليلاً مستلزماً
لانتفاء الذي في القلب امتنع أن يكون الإيمان ثابتاً في القلب "
قلت: تأمل هذا النص جيداً، الإيمان القلبي
عند غلاة المرجئة محصور التصديق فإذا كان العمل عندهم دالاً على انتفاء ما في
القلب فهو دال على التكذيب لانحصار الكفر في التكذيب عندهم لذلك التزم بعضهم أن
إبليس واليهود كانوا مكذبين بقلوبهم وهذا القول مكابرة للنصوص بخلاف أهل السنة
الذي يرون أن هذه الكفر قد يقع عن كبر أو بغض أو استخفاف
ويرون أنه كفرٌ ظاهراً وباطناً لأن الكفر
الأكبر الظاهر يقع مع تحصل الشروط وانتفاء الموانع مع وجود الإيمان القلبي الواجب
من تصديق ومحبة وتعظيم
وقال شيخ الإسلام في (7/ 582):"
وبهذا يتبين فساد قول جهم والصالحي ومن اتبعهما في الإيمان كالأشعري في أشهر قوليه
وأكثر أصحابه وطائفة من متأخري أصحاب أبي حنيفة كالماتردي ونحوه حيث جعلوه مجرد
تصديق في القلب يتساوى فيه العباد، وأنه إما أن يعدم وإما أن يوجد لا يتبعض وأنه
يمكن وجود الإيمان تاماً في القلب مع وجود التكلم بالكفر والسب لله ورسوله طوعاً
من غير إكراه وأن ماعلم من الأقوال الظاهره أن صاحبه كافر فلأن ذلك مستلزم عدم
التصديق في الباطن "
قلت: فانظر كيف أنهم يحصرون الكفر القلبي
في عدم التصديق - وهو التكذيب - بخلاف أهل السنة الذين يجعلونه أنواع فيدخلون
الإستخفاف والإستكبار وغيرها
وقد تعقب بعضهم كلامي هذا ودافع بعضهم عن
قول الشثري هذا
فقلت في جوابه :" جاء التعقب علي
ببعض الكلام الذي لم يفهموه على وجهه ولا فهموا وجه الانتقاد على الشثري
فالشثري يقول أن الكفار الذين استحبوا
الدنيا على الآخرة أن كفرهم ليس اعتقاداً ولا جهلاً ولا بغضاً للحق بل هم محبون له
!
ثم أكمل الشثري قائلاً ( ولا نحواً من تلك
الأعمال القلبية ) فأقول تفصيلاً لما أجمل ( ولا حسداً ولا كبراً ) فإن هذه كلها
أعمال قلبية تصلح بدلاً عن قوله ( نحواً من تلك الأعمال القلبية )
بل يؤكد
الشثري أن كفر هؤلاء وقع في الظاهر دون الباطن بقوله (وهذا إنما يحصل في
الأعمال الظاهرة) وإنما من أدوات الحصر
إذا فهمت هذا فلا يصلح الاحتجاج بما قال
اللالكائي في السنة 1276 - وأخبرنا محمد بن أحمد البصير ، قال : أخبرنا أحمد بن
جعفر ، قال : ثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ ، قال : سأل رجل من أهل خراسان أبا
ثور عن الإيمان ، وما هو ؟ يزيد وينقص ؟ ، وقول هو أو قول وعمل ؟ وتصديق وعمل ؟
فأجابه أبو ثور بهذا ، فقال أبو ثور : « سألت رحمك الله وعفا عنا وعنك عن الإيمان
ما هو ؟ ، يزيد وينقص ؟ وقول هو أو قول وعمل وتصديق وعمل ؟ فأخبرك بقول الطوائف
واختلافهم : فاعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب ، وقول باللسان ،
وعمل بالجوارح ؛ وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال : أشهد أن الله عز
وجل واحد ، وأن ما جاءت به الرسل حق ، وأقر بجميع الشرائع ثم قال : ما عقد قلبي
على شيء من هذا ، ولا أصدق به أنه ليس بمسلم ، ولو قال : المسيح هو الله ، وجحد
أمر الإسلام قال : لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك ، وليس
بمؤمن"
وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد
الوهاب في الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك :" اعلم رحمك الله : أنَّ
الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم : خوفاً منهم ومداراةً لهم ،
ومداهنةً لدفع شرِّهم . فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم ،
ويحبُّ الإسلام والمسلمين … ولا يستثنى من ذلك إلاَّ المُكرَه ، وهو الذي يستولي
عليه المشركون فيقولون له : اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلاَّ فعلنا بك وقتلناك . أو
يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم . فيجوز له الموافقة باللِّسان ، مع طُمأنينة
القلب بالإيمان . وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه
يكفر . فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا
ونحوها من النصوص فإنها كلها فيمن لم (
يعتقد ) والاعتقاد هو عقد القلب على ما يظهر اللسان
فالإنسان قد يظهر الكفر مع علمه بأنه كفر
أكبر ، ولكن يكون لذلك سبب كحسد أو كبر أو نحوهما
وأما شخص سليم الباطن فيمتنع أن يظهر
الكفر الأكبر عالماً مختاراً ، وهذا ما دلت عليه النصوص التي نقلتها"
الخطأ الخامس والستون : اعتقاد أن بعض
المعاصي أسوأ من بعض البدع
وهذا قول أشهره سالم الطويل وقال به غيره
وأساس الخلط عدم فهم الفرق بين الحكم على
الفعل والحكم على المعين
فالبدعة شر من المعصية مطلقاً غير أنه قد
يقترن بصاحب البدعة من الأحوال ويقترن بصاحب المعصية أحوال يصير بها هذا العاصي
شراً من المبتدع
كأمر الكبيرة والصغيرة فقد يقترن بالكبيرة
من الوجل والخوف واحتقار النفس واستقباح الفعل ما يجعلها صغيرة عند الله ويقترن
بالصغيرة من المجاهرة والاستهانة والإصرار ما يجعلها كبيرة عند الله فيصير فاعل
هذه أشر من فاعل الأولى لا باعتبار نفس الفعل ولكن بحكم ما اقترن به من القرائن
ولكن لا يقال والحال هذه أن بعض الكبائر أصغر من بعض الصغائر فهذا يكون هذيان
ثم إن هذه الأحوال في كثير منها إنما تعلم
عند الله ولا يجوز أن تتخذ مطية للتهوين من شأن المعاصي
وهذا مقال لي قديم في المسألة : (فمن
الأطروحات الحادثة في هذا العصر قول بعضهم جنس البدع شر من جنس المعاصي وأنه قد
يوجد من المعاصي ما هو شر من البدع مخالفين بذلك لإطلاق السلف أن البدعة شر من
المعصية
قال ابن وضاح في البدع ص43نا أسد قال نا
محمد بن الفضيل عن أبي بكر بن عياش قال كان عندنا فتى يقاتل ويشرب وذكر أشياء من
الفسق ثم أنه تقرأ فدخل في التشيع فسمعت حبيب بن أبي ثابت وهو يقول لأنت يوم كنت
تقاتل وتفعل ما تفعل خير منك اليوم.
وهذا إسناد جيد وحبيب بن أبي ثابت تابعي
جليل
وهذا الماجن قد ذكر عنه بعض أكبر الكبائر
كالقتل وشرب الخمر ، وأما البدعة التي دخل فيها فهي التشيع ، والتشيع الذي لم يصل
إلى الرفض ( وهو الغالب على حال ذلك العصر ) من أخف البدع وقد اتفقوا على أنه لا
يصل إلى الكفر وقد وقع فيه كثيرون ، ومع هذا كله قال له حبيب بن أبي ثابت ما قال
قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/322)
:" وقال مالك بن مغول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل السنة قلت
: يريد أن البدعة من الكبائر وأنها أكبر من كبائر أهل السنة فكبائر أهل السنة
صغائر بالنسبة إلى البدع وهذا معنى قول بعض السلف "
وقال أبو بكر الزبيري في فوائده 64 -
قَالَ: وَسَمِعْتُ الرَّبِيعَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لأَنْ
يَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ خَلا الشِّرْكِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ
يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ
ولهذا الخبر طرق عديدة عن الشافعي وهو
صحيح وهو في معنى أثر حبيب السابق ، وكذا آثار السلف في هذا الباب كلها على نسق
واحد لا يتخلف منها شيء)
الخطأ السادس والستون : اعتبار القول بأن
أهل البدع لا يقبل لهم عمل من أقوال الخوارج
وهذا وقع فيه عدد وهذا غلط
فإن هذا الإطلاق وقع من عدد من علماء أهل
السنة وما أنكر عليهم أحد
وقال اللالكائي في السنة 239 - أخبرنا الحسن بن عثمان ، قال :
أخبرنا أحمد بن حمدان ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال
: سمعت الفضيل بن عياض يقول :
لا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل
قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (
3/390) : حدثنا الربيع بن نافع قال حدثنا مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن الحسن
قال: صاحب البدعة لا يقبل الله له صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا
صرفا ولا عدلا، وهشام بن حسان أخذ الرواية عن الحسن من كتب حوشب ، وهو ثقة ثبت.
قال أبو داود : إنما تكلموا فى حديثه عن
الحسن و عطاء لأنه كان يرسل ، وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب، ولا أعرف تخريجاً
لهذا الكلام، وما أحب التحاذق على السلف
ثم وجدت له تخريجاً من كلام ابن القيم
خلاصته أن الله عز وجل توعد من رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم بحبوط
العمل وهذه حال المبتدع يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدثه في
الدين
وهذا الكلام خرجه أناس تخريجات فمنهم من
حمله على مآل المبتدع إذ أنه لا يستقر حتى يصل إلى الكفر
ومنهم من حمله على نفس العمل الذي دخلت
فيه البدعة وهذا فيه بعد
وبعضهم حملها على البدع المكفرة
وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيُّ،
ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ:
«مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَزْرِي
بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , وَأَخْشَى أَنْ لَا يَنْفَعَهُ مَعَ ذَلِكَ
عَمَلٌ»
فهنا سفيان ما جزم ولكن هذا يدل على أن
للحكم عنده أصلاً
والذي يظهر أنه نص وعيد وقد يتخلف عن بعض
الأفراد ونصوص الوعيد تطلق ولا تنكر وخروج بعض الأفراد لعذر لا يعني إنكار إطلاق
الوعيد
وقد وقع من عدد من السلف الثناء بعض
عبادات المنسوبين للبدعة وقال عثمان في إمام الفتنة ( إن أحسن الناس فأحسن معهم )
وجاء في صحيح البخاري 695 - قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، - وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَقَالَ: إِنَّكَ
إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ،
وَنَتَحَرَّجُ؟ فَقَالَ: «الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ
النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ»
ولا إشكال أبداً في حبوط عمل صاحب البدعة
التي يكفر بها ومن قال كلام ابن عمر في القدرية
وقال أبو نعيم في الحلية (9/8) :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَهْدِيٍّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَاجْتِهَادُهُمْ فِي الْعِبَادَةِ
فَقَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا مَا كَانَ عَلَى الْأَمْرِ وَالسُّنَّةِ».
ثُمَّ قَرَأَ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}
فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَوَبَّخَهُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «الْزَمِ
الطَّرِيقَ وَالسُّنَّةَ»
فنص على قبول أعمال أهل البدع التي تكون
على السنة
الخطأ السابع والستون : تقسيم الرافضة إلى
صفويين وعرب والتهوين من شأن العرب
وهذا مقال لي قديم في المسألة
قلت : (فهذه كلمات في نقض تلك البدعة
الحادثة وهي تقسيم الرافضة إلى ( صفويين فرس ) و ( شيعة عرب ) ثم إلحاق كل نقيصة
بالقسم الأول ، وتحسين الظن إلى حدٍ يصل إلى السذاجة في القسم الثاني
وهذا التقسيم باطلٌ شرعاً من وجوه
الأول : أنه من المتقرر أن جنس العرب خيرٌ
من جنس غيرهم بإجماع أهل السنة ، ولكن لا يصح ذلك لأن يجعل ذريعةً للتهوين من شأن
أهل البدع من العرب ، كما أن جنس قريش أفضل من جنس غيرهم
ومع ذلك نزل في مشركيهم من الآيات الشيء الكثير
، بل إن سورة المسد ( تبت يدا أبي لهب وتب ) ، نزلت في عم النبي صلى الله عليه
وسلم ، وهو من أشرف الناس نسباً
والرافضة العرب فيهم من الشرك والطعن في
الصحابة وأمهات المؤمنين ما لا ينكره عاقل
وقد كان السلف يذمون أهل الروافض في عصرهم
بأبلغ الألفاظ مع كون عامتهم من العرب
قال البخاري في خلق أفعال العباد (2/33)
:" مَا أُبَالِي صَلَّيْتُ خَلْفَ الْجَهْمِيِّ الرَّافِضِيِّ أَمْ صَلَّيْتُ
خَلْفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَلاَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ يُعَادُونَ
، وَلاَ يُنَاكَحُونَ ، وَلاَ يُشْهَدُونَ ، وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ.
52- وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ : هُمَا مِلَّتَانِ : الْجَهْمِيَّةُ ، وَالرَّافِضيَّةُ"
أقول : هنا يفرق ابن مهدي بين الرافضة
والجهمية ، وأما اليوم فقد اتحدوا فالرافضة اليوم يقولون بخلق القرآن وإنكار
الرؤية ، ويزيدون على ذلك عبادة القبور ، والقول بتحريف القرآن وغيرها من المقالات
القبيحة
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/2)
:" ولهذا كان بينهم وبين اليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى وغير ذلك
من أخلاق اليهود وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من
أخلاق النصارى ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه وما زال الناس يصفونهم
بذلك ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة وقد ثبت عن الشعبي أنه
قال: "ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من
البهائم لكانوا حمرا والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب
على علي لأعطوني ووالله ما أكذب عليه أبدا"
أقول : والشعبي من أواسط التابعين ، وإنما
يصف الرافضة الذين عنده في الكوفة ، وعامتهم لم يكونوا من الفرس ، والتجهم الذي
تقول به الرافضة اليوم إنما جاء من يهود العرب كما هو معروف من سلسلة الجعد بن
درهم التي تنتهي بلبيد بن الأعصم ، والرافضة اليوم أيضاً قدرية يقولون بأن العباد
يخلقون أفعالهم وبسط مقالاتهم القبيحة وكلام السلف فيهم يطول ، والمراد هنا
الإشارة
الثاني : أن عبد الله بن سبأ مؤسس دين
الرافضة يماني فلا يمكن وصفه بالصفوي أو الفارسي ، وكذلك الكثير من أساطين التشيع
والرفض مثل الحارث الأعور الهمداني وجابر الجعفي وزرارة بن أعين ، ونصر بن مزاحم
المنقري وغيرهم لم يكونوا فرساً ، بل إن ابن العلقمي الوزير الرافضي الذي أدخل
التتر إلى بغداد لم يكن فارسياً ، والشريف الرضي الذي جمع نهج البلاغة هو شريفٌ (
نسباً ) هاشمي
فتحويل الخلاف بين ( أهل السنة ) و (
الرافضة ) إلى خلاف بين ( العرب ) و ( الفرس ) مكرٌ كبار ومغالطة قبيحة
فإن قيل : قد رأينا الكثير من علماء
الرافضة من الفرس
فالجواب : هؤلاء الفرس معتبرون عند العرب
الروافض ، فلا وجه للتفريق بينهم ، والإدخال في دين الرافضة أمرٌ هين سواءً من
اليهود والنصارى والفلاسفة أو من الشعوبيين فلسنا ننكر أن الشعوبيين قد أدخلوا في
دين الرافضة الكثير
ولكن في دين الرافضة ما هو أقدم من بدعة
الشعوبية وأعظم ضلالاً ، كالشرك بالله ، وسب الصحابة وأمهات المؤمنين ،والقول بقول
الخوارج في السيف وغيرها من البدع الكبرى التي أتى بها ابن سبأ وأتباعه
قال ابن المقريء في معجمه 432 : حدثنا
أحمد ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا سعيد بن منصور قال : سمعت ابن المبارك يقول : من
أراد الشهادة فليدخل دار البطيح بالكوفة ، وليقل رحم الله عثمان بن عفان رضي الله
عنه .
أقول : فهل هؤلاء الكوفيون الذين يقتلون
من يترحم على عثمان ، كلهم من الفرس ؟!
بل إن قتلة عثمان لم يصح أن فيهم فارسياً واحداً
!
الثالث : أن كثرة الانحراف العقدي في بلدٍ
معين ، أو في قوم معينين ، لا يجوز أن يكون ذريعةً لذم عرق أو نسب هؤلاء الناس ،
خصوصاً إذا ثبت في حقهم فضائل نبوية
قال البخاري 4897 - حَدَّثَنِي عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ
ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا
يَلْحَقُوا بِهِمْ } قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ
يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ
قَالَ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ
مِنْ هَؤُلَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ
هَؤُلَاءِ
ورواه مسلمٌ أيضاً
فلا يجوز والحال هذه ما يقوله بعضهم ( الفارسي
بطبعه جبان ) ، ( الفارسي بطبعه يؤمن بالخرافة )
وانتشار هذه البدعة في العجم أكثر من العرب أمرٌ
يتناسب مع كون جنس العرب أفضل من جنس غيرهم ، ولكن الدعوة لا بد أن تكون موجهةً
لكل من انحرف سواءً كان عربياً أو أعجمياً
ولا يجوز الحط على كل العرق بما لم يرد فيه نص ،
بل ربما صادم النص ، وهذا مذهب النصيرية ينتشر في الشام ، ومذهب الإسماعيلية ينتشر
في بعض القبائل العربية المعروفة ، ومذهب الزيدية ينتشر في اليمن ، ولا يجوز أن
يجعل ذلك سبباً للحط على أهل اليمن أو أهل الشام أو غيرهم بشكلٍ عام
بل إن العرب الروافض أبعد عن العذر من
أعاجمهم ، لأن كثيراً منهم يعيشون بين أهل السنة ، ويسمعون القرآن بل إن منهم من
درس التوحيد والسنة في المدارس ثم هو بعد ذلك سادرٌ في غيه مقيمٌ على شركه
وهنا لا بد من وقفة مهمة مع قول بعضهم (
لم يكن هناك نزاعٌ مسلح بين أهل السنة والرافضة قبل الخميني ) ، وهذه مغالطة
تاريخية فجة
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان (1/ 24)
:" آبه: بالباء الموحدة، قال أبو سعد: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن
مردويه. آبه من قرى أصبهان، وقال غيره أن آبه قرية من قرى سَاوَة. منها جَرير بن
عبد الحميد الآبي سكن الري. قلت: أنا أما اَبه بليدة تقابل ساوة تعرف بين العامة
بآوه فلا شك فيها وأهلها شيعة وأهل ساوة سنية لا تزال الحروب بين البلدين قائمة
على المذهب"
وقال أيضاً في معجم البلدان (2/ 377) وهو
يتكلم عن الري :" كان أهل المدينة ثلاث طوائف شافعية وهم الأقل وحنفية وهم
الأكثر وشيعة وهم السواد الأعظم لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق
فليس فيهم إلا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعية أحد فوقعت العصبية
بين السنة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعية وتطاولت بينهم الحروب حتى لم
يتركوا من الشيعة من يعرف فلما أفنوهم وقعت العصبية بين الحنفية والشافعية"
وغير ذلك كثير ، ولقتل أهل السنة أصل أصيل
في مذهب الرافضة عربهم وعجمهم
وقال الصدوق في {علل الشرائع ص601 ط نجف/
الحر العاملي في وسائل الشيعة18/463/ والجزائري في الانوارالنعمانية2/308}:
(عن داود بن فرقد قال: قلتُ: لأبى عبد
الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟
قال: حلال الدم ولكن اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب
عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. قلتُ: فما ترى في ماله؟ قال:
تُوه ما قدرت عليه).
ولست ها هنا أداهن ، بل أقول أن قتال
الرافضة مع القدرة أوجب من قتال الخوارج
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى
(28/ 499) :" وكذلك الخروج والمروق يتناول كل من كان في معنى أولئك ويجب
قتالهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم كما وجب قتال أولئك وإن كان الخروج عن الدين
والإسلام أنواعا مختلفة وقد بينا أن خروج الرافضة ومروقهم أعظم بكثير"
وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (28/
527) :" وقد اظهروا الرفض ومنعوا أن نذكر على المنابر الخلفاء الراشدين
وذكروا عليا وأظهروا الدعوة للاثني عشر الذين تزعم الرافضة أنهم أئمة معصومون وإن
أبا بكر وعمر وعثمان كفار وفجار ظالمون لا خلافة لهم ولا لمن بعدهم ومذهب الرافضة
شر من مذهب الخوارج المارقين فان الخوارج غايتهم تكفير عثمان وعلي وشيعتهما
والرافضة تكفير أبي بكر وعمر وعثمان وجمهور السابقين الأولين وتجحد من سنة رسول
الله صلى الله عليه و سلم أعظم مما جحد به الخوارج وفيهم من الكذب والافتراء
والغلو والإلحاد ما ليس في الخوارج وفيهم من معاونة الكفار على المسلمين ما ليس في
الخوارج والرافضة تحب التتار ودولتهم لأنه يحصل لهم بها من العز مالا يحصل بدولة
المسلمين والرافضة هم معاونون للمشركين واليهود والنصارى على قتال المسلمين وهم
كانوا من أعظم الأسباب في دخول التتار قبل اسلامهم إلى أرض المشرق بخراسان والعراق
والشام وكانوا من أعظم الناس معاونة لهم على أخذهم لبلاد الاسلام وقتل المسلمين
وسبى حريمهم وقضية ابن العلقمي وأمثاله مع الخليفة وقضيتهم فىي حلب مع صاحب حلب
مشهورة يعرفها عموم الناس وكذلك في الحروب التي بين المسلمين وبين النصارى بسواحل
الشام قد عرف أهل الخبرة أن الرافضة تكون مع النصارى على المسلمين وأنهم عاونوهم
على أخذ البلاد لما جاء التتار وعز على الرافضة فتح عكة وغيرها من السواحل وإذا
غلب المسلمون النصارى والمشركين كان ذلك غصة عند الرافضة وإذا غلب المشركون
والنصارى المسلمين كان ذلك عيدا ومسرة عند الرافضة
ودخل في الرافضة أهل الزندقة والإلحاد من
النصيرية و الإسماعيلية وأمثالهم من الملاحدة القرامطة وغيرهم ممن كان بخراسان
والعراق و الشام وغير ذلك والرافضة جهمية قدرية وفيهم من الكذب والبدع والافتراء
على الله ورسوله أعظم مما في الخوارج المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي
وسائر الصحابة بأمر رسول الله بل فيهم من الردة عن شرائع الدين أعظم مما في مانعي
الزكاة الذين قاتلهم أبو بكر الصديق والصحابة"
ثم قال الشيخ في ( 28/ 527) :"
فهؤلاء الخوارج المارقون من أعظم ما ذمهم به النبي أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون
أهل الأوثان وذكر أنهم يخرجون على حين فرقة من الناس والخوارج مع هذا لم يكونوا
يعاونون الكفار على قتال المسلمين والرافضة يعانون الكفار على قتال المسلمين فلم
يكفهم أنهم لا يقاتلون الكفار مع المسلمين حتى قاتلوا المسلمين مع الكفار فكانوا
أعظم مروقا عن الدين من أولئك المارقين بكثير كثير
وقد أجمع المسلمون على وجوب قتال الخوارج
والروافض ونحوهم إذا فارقوا جماعة المسلمين كما قاتلهم علي رضي الله عنه فكيف إذا
ضموا إلى ذلك من أحكام المشركين كنائسا وجنكسخان ملك المشركين ما هو من أعظم
المضادة لدين الإسلام "
أقول : وعلى هذا كل فضل ورد في قتال
الخوارج ، ينطبق من باب أولى على من قاتل الرافضة
ومن ذلك ما روى الإمام أحمد في مسنده
13338 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ،
حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ
رَجَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَيَكُونُ
فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ
الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَحْقِرُ
أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، ثُمَّ لَا
يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ
وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ
اللهِ، وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللهِ
مِنْهُمْ " . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا سِيمَاهُمْ ؟ قَالَ: "
التَّحْلِيقُ "
و قال الإمام مسلم 2430- وحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ،
وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ح) وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ح) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُمَا ، قَالاَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبِيدَةَ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، قَالَ : ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ : فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ
، أَوْ مُودَنُ الْيَدِ ، أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ ، لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرُوا
لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ ، عَلَى لِسَانِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ قُلْتُ : آنْتَ سَمِعْتَهُ
مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : إِي ، وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ ، إِي ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، إِي ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
أقول : وفي هذا بشرى لمن يقاتل الحوثيين الأنجاس _ لعنهم الله _ ( وليسوا
فرساً )
هذا يقودنا إلى الوجه الرابع
وهو أن حركة أمل في لبنان ، والنصيريين في
سوريا والحوثيين في اليمن والصدريين في العراق الذين قتلوا من أهل السنة الكثير
وإن وضعوا أيديهم بأيدي إيران فإن ذلك لا ينفي أنهم عرب
بل يدل على أن الولاء الديني عند القوم مقدمٌ
على كل شيء فلا داعي لذلك التقسيم البارد إلى (صفويين ) و ( عرب ) ، فإن هذا
التقسيم ليس كبير أثر في واقع الرافضة بل كلهم مشركون وضلال
وهنا تنبيه مهم : وهو أنه لا يجوز أن يقال
( عقلاء الشيعة ) و ( شرفاء الشيعة ) ، فإن من يشرك بالله ، ويسب الصحابة ، ويقذف
أمهات المؤمنين ليس عاقلاً ولا شريفاً ، وهذا توقيرٌ لا يجوز
قال أبو نعيم في الحلية (8/103) :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
, قَالَا: ثنا أَبُو يَعْلَى , ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: «مَنْ أَعَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ
فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الْإِسْلَامِ» . قال: وَسَمِعْتُ رَجُلًا قَالَ
لِلْفُضَيْلِ: مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا
قَالَ: وَسَمِعْتُ فُضَيْلًا، يَقُولُ:
"نَظَرَ الْمُؤْمِنُ إِلَى الْمُؤْمِنِ جَلَاءُ الْقَلْبِ , وَنَظَرُ
الرَّجُلِ إِلَى صَاحِبِ الْبِدْعَةِ يُورِثُ الْعَمَى"
أقول : عبد الصمد وثقه ابن سعد وابن حبان
، واختلفت الرواية عن ابن معين فيه ، فمثله يقبل في هذا
وما كان من هدي السلف أن يقولوا ( عقلاء
المرجئة ) أو ( شرفاء النواصب ) فضلاً عن أن يقولوا ( عقلاء الشيعة ) و ( شرفاء
الشيعة )
قال المزي في تهذيب الكمال (22/ 355)
:" عِمْران بن مسلم الفزاري ، ويُقال: الأزدي الكوفي.
يروي عَن: جعفر بْن حريث، وعطية العوفي،
ومجاهد.
ويروي عَنه: أسباط بْن مُحَمَّد القرشي،
وأبو نعيم الفضل ابن دكين، والفضل بْن موسى السيناني، وأبو معاوية مُحَمَّد بْن
خازم الضرير، ومحمد بْن ربيعة الكِلابي، ومروان بن معاوية الفزاري.
قال إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرعرة
عَن أَبِي أَحْمَد الزبيري كَانَ رافضيا كأنه جرو كلب"
وهكذا ينبغي أن يقال عنهم وإن كانت الكلاب
أطهر منهم ، ولكن يحقرون بما يناسب المقام)
الخطأ الثامن والستون : الخلط بين الخوارج
والبغاة
فكثير منهم لا يجعل فرقاً بين الخوارج
والبغاة سوى أن الخوارج يكفرون بالذنوب
ومعنى هذا حصر مسمى الخوارج في الذين
يكفرون بالذنوب، ومع ذلك هو لا يحصر مسمى المرجئة في الذين يقولون (الإيمان لا
يزيد ولا ينقص والعمل ليس من الإيمان).
قال البربهاري في شرح السنة: "ومن
قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره.
ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد
مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول
الخوارج أوله وآخره".
فاشترط للبراءة من قول الخوارج عدة خروج
ليس منها عدم التكفير بالذنوب فتأمل.
فإن قلت : ما الفرق بين البغاة والخوارج ؟
قد صح التفريق من سيرة علي بن أبي طالب
-رضي الله عنه- ، فقد قال قتال من رآهم بغاة: "رأي رأيته"
وأما في قتال الخوارج فقد كان يذكر فضل
قتالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغتبط لذلك ويرجو ثوابه
قال ابن أبي شيبة في المصنف [ 39035]:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ
صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ
الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.
أقول : نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ،
ولكن قال روايته عن علي وردت من وجهٍ ضعيف ، ولعله يعني المرفوع ، فإن السند هنا
قوي إلى يزيد .
وجعفر بن برقان نص الإمام أحمد على أنه
ثبت في حديث الأصم.
قال عبد الله بن أحمد في زوائده على
المسند [ 1271 ]: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ أَبُو مَعْمَرٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُلَيَّةَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ ، قَالَ :
قُلْتُ لِعَلِيٍّ : أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ هَذَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ : مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا ؟ قُلْتُ
: دِينَنَا دِينَنَا .
قَالَ : مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ رَأْيٌ
رَأَيْتُهُ .
أقول : هذا قاله علي في حربه مع معاوية ،
أما حربه مع الخوارج فقد تقدم اغتباطه بذلك وذكره للأحاديث في فضل قتالهم ، وخبر
ذي الثدية معروف مشهور .
وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن
تيمية؛ قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (35/ 55):
"وكان علي رضي الله عنه مسرورا لقتال
الخوراج و يروي الحديث عن النبى صلى الله عليه و سلم فى الأمر بقتالهم و أما قتال
صفين فذكر أنه ليس معه فيه نص و إنما هو رأي رآه و كان أحيانا يحمد من لم ير
القتال".
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى
(28/ 415) أيضاً:
"وهؤلاء يجب قتالهم باجماع المسلمين كما
قاتل الصديق ما نعى الزكاة بل هؤلاء شر منهم من وجوه وكما قاتل الصحابة أيضا مع
أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الخوارج بأمر رسول الله حيث قال صلى الله عليه
وسلم فى وصفهم: ((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يقرأون القرآن لا
يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية اينما لقيتموهم
فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة))، وقال: ((لو يعلم
الذين يقاتلون ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل وقال هم شر الخلق والخليقة
شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه))، فهؤلاء مع كثرة صيامهم وصلاتهم
وقرائتهم أمر النبي بقتالهم
وقاتلهم أمير المؤمنين علي وسائر الصحابة الذين
معه ولم يختلف احد فى قتالهم كما اختلفوا فى قتال اهل البصرة والشام لأنهم كانوا
يقاتلون المسلمين فان هؤلاء شر من اولئك من غير وجه وان لم يكونوا مثلهم في
الاعتقاد فان معهم من يوافق رأيه في المسلمين رأي الخوارج".
وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (35/54):
"ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ
عَلَى أَنَّ مِثْلَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ
أَهْلِ الْعَدَالَةِ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِ وَلَا
فِسْقٍ؛ بَلْ مُجْتَهِدُونَ: إمَّا مُصِيبُونَ وَإِمَّا مُخْطِئُونَ.
وَذُنُوبُهُمْ مَغْفُورَةٌ لَهُمْ. وَيُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْبُغَاةَ
لَيْسُوا فُسَّاقًا فَإِذَا جُعِلَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ سَوَاءً لَزِمَ أَنْ
تَكُونَ الْخَوَارِجُ وَسَائِرُ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ
الْبَاقِينَ عَلَى الْعَدَالَةِ سَوَاءً؛ وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ بِفِسْقِ
الْبُغَاةِ وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ".
وقد اجتهد أهل العلم في بيان الفروق بين
الطائفتين وخلاصة كلام الأئمة أن البغاة لهم أربعة شروط:
الأول: أن يكون لهم تأويل سائغ ، ويعنون
ألا يكون داعي خروجهم تكفير المسلمين أو نقض البيعة كالخوارج، قال صاحب البهجة
الوردية: "خَرَجَ بِذَلِكَ الْمُخَالِفَةُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي
حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا ، أَوْ بِتَأْوِيلِ بَاطِلٍ قَطْعًا
كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ ، وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ ،
وَالْخَوَارِجِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ"، ويخرج قطاع الطريق الذين خرجوا
للإفساد.
الثاني: أن يكون لهم شوكة ومنعة، وبهذا
الشرط يخرج قطاع الطريق ، فالمراد بالشوكة أن يكون عندهم جيش يقارن جيش الإمام؛
قال في الروض المربع :" فإن كانوا جمعا يسيرا لا شوكة لهم أو لم يخرجوا
بتأويل أو خرجوا بتأويل غير سائغ، فقطاع طريق".
الثالث: أن يكونوا خارج قبضة الإمام
المسلم.
الرابع: أن يكون لهم إمام نصبوه (وهذا
الشرط فيه خلاف).
قال الجويني في نهاية المطلب (17/ 126):
"وقد قال الفقهاء: البغاة هم الذين يستجمعون أوصافاً: إحداها - التمسك بتأويل
مظنون يزعمون أنه حاملهم على الخروج على الإمام والانسلال عن متابعته، هذا لا بد
منه. والثاني - أن يرجعوا إلى شوكة ومَنعة، فهذان معتبران.
وقال معظم الأئمة في الطرق: يشترط أن
ينصبوا إماماً بينهم، ويُسندوا إليه أحكامَهم، ويصدر عنه نصبُ القضاة والولاة،
وذكر العراقيون هذا وحكَوْه عن بعض الأصحاب، ثم زيّفوه، وزعموا أنه لا يشترط أن
ينتهى بَغْيُهم إلى نصب إمام.
وذكروا وصفاً آخر فقالوا: من أوصاف البغاة
ألا يكونوا في قبضة الإمام، ثم فسروا ذلك بألا يكونوا بمكان يحيط بهم جند الإمام
من جوانبهم، والشرط أن يكونوا على طرفٍ لا يحيط به نَجْدة الإمام. هذا ما
ذكروه".
وقال الشيرازي في المهذب: "إذا خرجت
على الامام طائفة من المسلمين ورامت خلعه بتأويل أو منعت حقا توجه عليها بتأويل،
وخرجت عن قبضة الامام وامتنعت بمنعة، قاتلها الامام لقوله عزوجل (وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى
حتى تفئ إلى أمر الله)".
والشيرازي والجويني ليسا من المعتد بهم
عند أهل السنة ولكنهما لخصا كلام الفقهاء تلخيصاً جيداً ويعتد بهما المخالف
وشروط البغاة لا تكاد تنطبق على أحد من
الخارجين اليوم فعامتهم يخرجون بلا شوكة ولا منعة فيما يسمى بالمظاهرات السلمية
وما سواها ، وعامتهم يخرجون تحت قبضة الحاكم ولا يكون عندهم حاكم مولى وعامتهم
دخلت عليهم شبهات الخوارج أو شبهات الديمقراطية
فالعلماني كافر ولا شك ولكن لا يخرج عليه
باسم الديمقراطية أو بدون قدرة ليفتك بالمسلمين
وبعضهم يحتج لمثل هذا التقسيم بما في كتب
الفقه من تعريف الخوارج أنهم يكفرون بالذنوب غير أن الذي في كتب الفقه أيضاً ذكر
أن الخوارج يتبرأون من علي وعثمان وهذا إطلاق أغلبي فحسب وإلا فهؤلاء الفقهاء
أنفسهم يذكرون قيوداً في البغاة لا تراها فيمن يراد تبرئته من اسم البغي والخروج
معاً
الخطأ التاسع والستون : القول بأن الخوارج
اسم محصور فيمن خرج على علي
وهذا قال به محمد الددو وتابعته إيمان
البغا
وقد قلت في الرد عليها :" بغض النظر
عن سياق الكلام والبحث فيه قولها بأن صفات الخوارج لا تنطبق إلا على الذين خرجوا
على علي قول باطل وخرق لإجماع المسلمين
وكونك تدافع عن شخص ترى أنه مظلوم لا يسوغ
لك هذا الإحداث في الدين
وهذه المصيبة تلقتها هذه الدكتورة من محمد
الحسن ولد الددو
ويكفي لنقض هذا اتفاق المصنفين في الفرق
على ذكر فرق الخوارج وذكر الإباضية والصفرية وغيرهم فيهم
وقد كان من النبي بيان زائد في حق الخوارج
الذين خرجوا على علي فذكر التحليق وذي الثدية وهذا لا ينفي انطباق الأحاديث الأخرى
على من وافقهم في عقيدتهم أو بعض أصولها
قال عبد الله بن أحمد في السنة 1422 -
حدثني أبي قال ، : نا هاشم بن القاسم ، نا حشرج بن نباتة العبسي ، حدثني سعيد بن
جمهان ، قال : لقيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه فقال « لي من
أنت ؟ » قال : قلت أنا سعيد بن جهمان قال : « فما فعل والدك ؟ » قال : قلت : قتلته
الأزارقة . قال : لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة ، حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنهم كلاب النار » قال : قلت : الأزارقة وحدهم
أم الخوارج كلها قال : لا ، بل الخوارج كلها «
والأزارقة ظهروا بعد علي ومثلهم النجدات
ولم يختلف الصحابة في أنهم خوارج
وقال عبد الله في السنة 1413 - حدثني أبو
خيثمة ، نا سفيان بن عيينة ، عن أبي غالب ، سمع أبا أمامة ، قال : خرجت معه فرأى
رءوسا من رءوس الخوارج على درج دمشق فقال : « كلاب النار كلاب النار شر قتلى وخير
قتلى من قتلوه » قلت : يا أبا أمامة ، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم ، غير مرة
1414 - حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، نا
عمر بن يونس الحنفي ، نا عكرمة بن عمار ، نا شداد بن عبد الله ، قال : وقف أبو
أمامة وأنا معه على رءوس الحرورية بالشام عند باب مسجد حمص أو دمشق فقال لهم : «
كلاب النار » مرتين أو ثلاثا « شر قتلى تظل السماء وخير قتلى من قتلوهم » ودمعت
عينا أبي أمامة قال رجل : أرأيت قولك لهؤلاء القوم شر قتلى تظل السماء وخير قتلى
من قتلوهم أشيء من قبل رأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال :
من قبل رأيي ؟ إني إذا لجريء ، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات ما حدثتكم . فقال له رجل : رأيتك دمعت عيناك فقال :
رحمة رحمتهم كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم ثم قرأ هذه الآية ( ولا تكونوا
كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض
وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم)
فهذا بعد علي بدليل ذكر دمشق _ وعلي لم
يكن في دمشق_ فهذا الصحابي نزل الحديث على قوم غير الذين قاتلهم علي مما يبطل
مقالة الددو الخبيثة التي تابعته عليها الأخت إيمان
وقال ابن سعد في الطبقات 9230-
أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ
، قَالاَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، قَالَ : ذُكِرَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ بَعَثَ إِلَى الْخَوَارِجِ يَدْعُوهُمْ فَقَالَ لَهُ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : إِلَى مَنْ تَدْعُوهُمْ ؟ إِلَى الْحَجَّاجِ ؟.
وهذان تابعيان لم يدركا علياً يذكران
تسمية الخوارج
وقال الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه
:" ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثرت عنه، وعن الصحابة
والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم
في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية وترك السنة"
وقال البربهاري في شرح السنة :" ومن
قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان
بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره"
ومعلوم أن هذا الكلام كله إنما يكون لولي
الأمر المسلم
وقال البخاري في صحيحه 6930 - حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،
حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ، أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ،
فَإِنَّ الحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ
الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ،
لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ
القِيَامَةِ»
فذكر علي آخر الزمان فلا شك أن الوصف لا
يدخل الذين قاتلهم ، على أن هذا الحديث وأضرابه تنزيلها على شخص معين أو فئة معينة
يحتاج إلى أدلة وبينات ولسنا هنا بصدد المحاكمة خصوصاً وقد رأينا من يصف من يكفر
عباد القبور والجهمية بالخوارج والتكفيريين !
كما ألصق بعض الجهلة بالإمام أحمد وابن
تيمية من بعده وأئمة الدعوة في نجد من بعدهم والله المستعان
ثم يأتون إلى رجل يرى السيف ويجعلونه
إماماً من أئمة المسلمين ومحنة يستحل بها أعراض الموحدين ( أعني أبا حنيفة )
والمراد أن هذه الأخت غلطت غلطاً بيناً
فيما قالت ولا أدري حقيقة هل أتيت من اجتهادها أم أنها تأثرت بهنبثة الددو
تنبيه : الحديث المروي عند ابن ماجه
قال ابن ماجه في سننه 174 - حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا
يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلَّمَا
خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَخْرُجَ فِي
عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ»
هشام بن عمار كان يلقن فيتلقن وهو شامي
وانفراده بسنة مدنية من طريق نافع عن ابن عمر محل استنكار والأوزاعي تكلموا في
روايته عن نافع
وللخبر شاهد
قال الطيالسي في مسنده 2407 - حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ، قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَوْفًا فَقَالَ: حَدِّثْ،
فَإِنَّا، قَدْ نُهِينَا عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُحَدِّثَ
وَعِنْدِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
قُرَيْشٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَخْرُجُ
خِيَارُ الْأَرْضِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَبْقَى
فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ
اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»
وهذا في سنده شهر بن حوشب الراجح ضعفه والناس
مختلفون في قصته ولست مطمئناً لتقوية الخبر بهذه الطرق فالأول إلى النكارة أقرب
والجرح بالتلقن شديد"
الخطأ السبعون : إيجاب قتال الخوارج
مطلقاً حتى مع أئمة الجور بل مع العلمانيين واتهام من يتخلف بالتخذيل !
قال ابن حجر في شرح البخاري (12/301)
:" وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَضْرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَذَكَرَ الْخَوَارِجَ
فَقَالَ إِنْ خَالَفُوا إِمَامًا عَدْلًا فَقَاتِلُوهُمْ وَإِنْ خَالَفُوا
إِمَامًا جَائِرًا فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ مَقَالًا قُلْتُ وَعَلَى
ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ لِأَهْلِ
الْمَدِينَةِ فِي الْحَرَّةِ ثُمَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ
لِلْقُرَّاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْحَجَّاجِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
أقول : كلام ابن حجر هذا أذكره إلزاماً
لمن يتكثر بهذا الرجل ويعده إماماً
وإلا فذكره للحسين في هذا السياق قبيح
فإنه يعده خارجياً وكذا يعد ابن الزبير وينزل الأثر عليهم وهذا غاية في القبح
غير أن البحث في هذا الأثر عن علي والذي
ينص على أن الخوارج لا يقاتلون إذا خرجوا على إمام فاسق غير عادل وإنما تعتزل
الفتنة
وأثر علي هذا فيه مبهم وقد يحتمل لأن
الراوي عن هذا المبهم رجل من أعيان التابعين من بني هاشم
وما قاله هو ظاهر كلام الإمام مالك
جاء في المدونة (1/530) :" قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْحَرُورِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ:
إنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا لَمْ يَتُوبُوا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا"
ومفهوم هذا أن الإمام إذا لم يكن عدلاً لا
يقاتل معه الخوارج بل يترك الأمرين
ولعل هذا هو سبب اعتزال السلف لقتال
الحجاج للخوارج
وأما إذا كان هناك كافر واستباح حرمات
المسلمين كبابك الخرمي فهذا يقاتل مع قاتله كائناً من كان
ولما خرج بعض المغاربة وأفسدوا في زمن
هشام بن عبد الملك شجع الليث بن سعد على قتالهم
وقد ذهب بعض المالكية من أعيانهم إلى أن
أهل الذمة لا يقاتلون إذا خرجوا على حاكم مسلم يظلمهم ! إلا إذا استباحوا الحرمات
قال ابن رشد في البيان والتحصيل (2/602)
:" قال ابن القاسم: إن كان الإمام عدلا قوتلوا أو قتلوا، واستحلت نساؤهم
وذراريهم وأولادهم المراهقون، والأبكار تبع لهم يستحلون ويسبون، وهم من النساء
والذرية؛ وأما من يرى أنه مغلوب على أمره، وأنه لم يعن مثل الضعيف والشيخ الكبير
الزمن؛ فلا أرى أن يستحلوا، ولا يقتلوا، ولا يسترقوا على حال. قال وإن نقضوا
وقاتلوا وظهر على الذرية قبل أن يظهر عليهم، استحلوا أيضا وسبوا، وكانوا كسبيل ما
فسرت لك؛ وذلك إذا كان الإمام عدلا لم ينقموا منه شيئا، وإن نقضوا وخرجوا إلى دار
الحرب، وبقيت الذرية بين أظهر المسلمين؛ لم تستحل الذرية، ولم يكن إلى الذرية سبيل
بوجه من الوجوه؛ وإن تحملوا الذرية معهم، وظفر بهم قبل أن يصلوا إلى دار الحرب؛
فهم كلهم فيء بحال ما فسرت لك - إذا كانوا قد نقضوا وامتنعوا، وكان الإمام عدلا -
كما أخبرتك، وإن كان الإمام غير عدل ونقموا شيئا يعرف ما قاموا به، لم يقاتلوا ولم
يقتلوا"
وابن القاسم هذا تلميذ مالك المباشر
فإن قيل : أوليس الأمر النبوي بقتالهم
مطلقاً
فيقال : المسلم لا يريق دمه إلا في حق
وكذلك المرء منهي عن إعانة الظالم ، وعلي يجعل الناس أفعاله مفسرة للأمر النبوي
بالقتال لأنه هو المطبق لها باتفاق الجميع
ولهذا قال الشافعي وغيره أن الخوارج لا
يحل قتالهم حتى يقاتلوا استناناً بعلي
ثم إن من الظلمة من هو أجرأ على الدماء
والأعراض من الخوارج وما حصل لأهل الحرة لا يخفى على أحد وسيرة الحجاج غير خافية
على أحد
وقد نسب ابن تيمية لمالك ما نسبته إليه
قال ابن تيمية في منهاج السنة (6/116)
:" وَقَدِ اتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ
عُلَمَاءِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ، مِثْلَ
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
لَكِنْ هَلْ يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ؟ فَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ
أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، (2) وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ مِنْ
أَهْلِ الذِّمَّةِ: لَا يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْكُفَّارِ، وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ
أَصْحَابِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ،
وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالُوا: يُغْزَى مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ
أَوْ فَاجِرًا إِذَا كَانَ الْغَزْوُ الَّذِي يَفْعَلُهُ جَائِزًا، فَإِذَا قَاتَلَ
الْكُفَّارَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ نَاقِضِي الْعَهْدِ أَوِ الْخَوَارِجَ
قِتَالًا مَشْرُوعًا قُوتِلَ مَعَهُ، وَإِنْ قَاتَلَ قِتَالًا غَيْرَ جَائِزٍ لَمْ
يُقَاتَلْ مَعَهُ، فَيُعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يُعَاوَنُ
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَافِرُ مَعَ مَنْ
يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَافِلَةِ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ.
فَالظَّالِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاوَنَ
عَلَى الظُّلْمِ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 2] .
وَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 17] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [سُورَةُ هُودٍ: 113] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {مَنْ يَشْفَعْ
شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً
سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 85"
ومن قتال الظلم القتال تحت رايات عمية
جاهلية، وكلام ابن تيمية ظاهره أنه إذا غلب على ظنك أن الإمام سيفعل في قتاله
للخوارج ظلماً كتمثيل أو إجهاز على جريح أو استباحة أموال لا تستباح أو هتك أعراض
أو قتل من ليس أهلاً للقتل فلا يقاتل معه
وهذا هو ظاهر الكتاب فقد قال تعالى : (
فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ) ومفهومه أن البغي إن كان متبادلاً
فالاعتزال والسعي في الصلح وحقن الدماء إن أمكن ذلك
قال ابن سعد في الطبقات أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: ذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ بَعَثَ إِلَى
الْخَوَارِجِ يَدْعُوهُمْ. فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إلى من
تدعوهم؟ إلى الحجاج؟
وهذا إسناد صحيح إلى إبراهيم النخعي
وهذا لا ينطبق على جهاد الكفار المحاربين
فليعلم هذا
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم