الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فمن الأحكام التي قال بها كثير من الفقهاء
ويعمل بها بعض العوام في البلدان المذهبية وينكر عليهم بعض الأخوة ولا وجه للإنكار
تغطية الرأس عند دخول الخلاء وتحري ذلك
قال النووي في المجموع :"
(الثَّامِنَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ
وَآخَرُونَ يستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ قَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَضَعَ كُمَّهُ عَلَى رَأْسِهِ ويستحب أن
لايدخل الْخَلَاءَ حَافِيًا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ
سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا
مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا دَخَلَ
الْخَلَاءَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا
عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دخل
الخلاء غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ عِنْدَ دُخُولِ
الْخَلَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ
عَنْهُ: (قُلْت) وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ
وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ
بِمُقْتَضَاهُ"
أقول كلام النووي فيه تخليط
فحديث البيهقي ضعيف جداً لا يدخل في باب
المحتمل
وأقوى حجة أثر الصديق وآثار الصحابة
خصوصاً الراشدين حجة في الفضائل وغيرها ما لم يرد معارض أقوى
قال الخرشي في شرح مختصر الخليل :"
(قَوْلُهُ: تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ) أَيْ حَالَةَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَتَعَلُّقِهَا
كَحَالِ الِاسْتِنْجَاءِ وَنَحْوِهِ لِلْحَطَّابِ بَلْ قَضَاءُ الْحَاجَةِ شَامِلٌ
لِحَالِ الِاسْتِنْجَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِكُمِّهِ) أَيْ فَالْمُرَادُ أَنْ لَا
يَكُونَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَبِيِّ وَغَيْرِهِ
فَيُكْرَهُ أَنْ يَذْهَبَ لِلْخَلَاءِ حَاسِرًا، وَأَمَّا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ،
فَإِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ بِالسَّتْرِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ
يَخْطُبُ أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ إذَا خَلَوْتُمْ إنِّي
لَأَذْهَبُ إلَى حَاجَتِي فِي الْخَلَاءِ مُتَقَنِّعًا بِرِدَائِي حَيَاءً مِنْ
رَبِّي اهـ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
كَانَ رَأْسُهُ مَسْتُورًا"
وقال الشربيني في الإقناع :" وَلَا
يدْخل الْخَلَاء حافيا وَلَا مَكْشُوف الرَّأْس لِلِاتِّبَاعِ"
وقال في مغني المحتاج :" قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ: مَحَاسِنُ كَلَامِ الشَّرِيعَةِ يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِ بَقَاءِ
الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْيَسَارِ حَالَ
الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى تَنْجِيسِهِ اهـ
مُلَخَّصًا، وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَلَى مَا إذَا خِيفَ
عَلَيْهِ التَّنْجِيسُ، وَلَا يَدْخُلُ الْمَحَلَّ حَافِيًا، وَلَا مَكْشُوفَ
الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا."
قال دبيان الدبيان في أحكام الطهارة
:" استحب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، تغطية الرأس عند
قضاء الحاجة"
وعزى لكتب هذه المذاهب
غير أن أثر الصديق فيه خلاف في إسناده
قال الدارقطني في العلل :" 12-
وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ
يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إِنِّي لَأَظَلُّ حِينَ أَذْهَبُ إِلَى الْغَائِط مُتَقَنِّعًا بِثَوْبِي
حَيَاءً مِنْ رَبِّي.
فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ يُونُسُ
بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ؛
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ.
وَخَالَفَهُ مَعْمَرٌ فَرَوَاهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ ذَلِكَ.
وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
مُرْسَلًا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ"
وهذا يحتمل في الموقوف خصوصاً وأن الناس
قد احتجوا به
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم
