الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فمعلوم ما في ملة الإسلام من الأمر ببر
الوالدين وصلة الأرحام
وقد علم أن أعلى درجات الكفار عداوة
الكفار المحاربون ، الذين يقاتلون أهل الإسلام على الكفر
ومن لطائف المسائل في هذا الباب ما نص
عليه الإمام الشافعي من أنه يكره للمرء أن يعمد لقتال أبيه وإن كان مشركاً محارباً
والمسلم مجاهد ولو فعل فلا بأس غير أن الأفضل ترك ذلك مع أن قتال المشركين محمود
مطلقاً غير أن الفاضل يعرض له ما يجعله مفضولاً
قال البيهقي في السنن الصغير :" قَالَ
الشَّافِعِيُّ: كَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا حُذَيْفَةَ
بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ، وَأَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ
ابْنِهِ " قَالَ الشَّيْخُ وَرُوِّينَا عَنْ حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحِ أَنَّ
طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ
فَقَالَ لَهُ: «اقْتُلْ أَبَاكَ» فَخَرَجَ مُوَلِّيًا لِيَفْعَلَ، فَدَعَاهُ
فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ»
2844 - وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ، أَنَّهُ كَانَ " يَحِيدُ عَنْ أَبِيهِ، يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ
يُنْصَبُ لَهُ الْآلَةَ، فَلَمَّا كَثُرَ قَصَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَقَتَلَهُ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ {لَا تَجِدُ قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22]
2845 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ
بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، نا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، نا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ،
قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنِّي لَقِيتُ الْعَدُوَّ، وَلَقِيتُ أَبِي
فِيهِمْ، فَسَمِعْتُ لَكَ مِنْهُ مَقَالَةً قَبِيحَةً، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى
طَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ، أَوْ حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ، فَقَالَ: إِنِّي لَقِيتُ
أَبِي، فَتَرَكْتُهُ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَلِيَهُ غَيْرِي، فَسَكَتَ عَنْهُ "
تَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ.
وقد عمم الشافعي هذا في كل أهل الأرحام
وعممه في أهل البغي من أهل الإسلام
فقال في الأم (4/235) :" وَأَكْرَهُ
لِلْعَدْلِيِّ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَوْ
كَفَّ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ أَوْ أَخِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ
لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ بَلْ أُحِبُّهُ وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ
أَبِيهِ وَأَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ»"
بل ذهب بعض الناس إلى حرمة هذا إلا
اضطراراً
قال ابن قدامة في المغني :" ذَكَرَ
الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذِي رَحِمِهِ الْبَاغِي؛
لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، فَأَشْبَهَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَكَرِهَتْ
طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ. وَهُوَ أَصَحُّ، إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى
أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حُذَيْفَةَ وَعُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ
أَبِيهِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَمَرَ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ"
فإن لم يكن الأب محارباً فهو داخل في قوله
تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ
أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ) باتفاق
وقد بلغني عن بعضهم أنه بعد أن كفر والديه سرق مالهما ! وجاء يسأل عن دمهما فهل قرأ هذا المسكين القرآن وكلام أهل العلم ؟
وقد بلغني عن بعضهم أنه بعد أن كفر والديه سرق مالهما ! وجاء يسأل عن دمهما فهل قرأ هذا المسكين القرآن وكلام أهل العلم ؟
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم