الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى،
وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] قَالَ: «قُرَيْشٌ تَقُولُهُ
لِلْأَوْثَانِ، وَمَنْ قَبْلَهُمْ يَقُولُهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَلِعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ وَلِعُزَيْرٍ»
أقول : هذا أثر ثابت عن مجاهد إمام
المفسرين
وهو يقضي على شبهة القبورية الأنجاس في أن
عبادة غير الله التي ذمت في القرآن هي عبادة الأوثان متناسين أن الأوثان إنما صور
لرجال صالحين
وقال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي
قَوْلِهِ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
[الزمر: 3] قَالَ: هِيَ مَنْزِلَةٌ "
فسبحان الله ما قاله المشركون الأوائل
يقوله الحاليون ( هؤلاء لهم منزلة عند الله وجاه )
وما قاله الأوائل للأوثان يقوله القبورية
اليوم لعبد القادر والرفاعي والبدوي والحسين وعلي بن أبي طالب
وهذا المعنى نبه عليه الإمام المجدد في
القواعد الأربع
وأود التنبيه على أمر هام يغفل عنه من
يعذر عباد القبور بل أمور
الأول : أن الشبهة التي يقولونها مشتركة
بينهم وبين المشركين الأوائل فما نفعت المشركين وما دفعت عنهم اسم الشرك
الثاني : أن كثيراً من ممارسات عباد
القبور لا يجيزها حتى علماء القبورية من الذبح لغير الله والنذر لغير الله فأقل
أحوال الفاعلين أنهم معرضون عن التعلم وهذا يدفع العذر عنهم دنيا وآخرة
فإن قيل : أن علماء القبورية وإن لم
يجيزوا هذا فإنهم لا يعدونه شركاً أكبر
فيقال : وليس من شرط التكفير أن يعلم فاعل
الكفر أن فعله كفر أكبر بل يكفي أن يعلم أنه منهي عنه أو يفرط بالعلم بهذا
قال ابن تيمية في الصارم المسلول :"
وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد
الكفر أحد إلا ما شاء الله"
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير
العزيز الحميد :" يقول تعالى مخاطبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ} ، أي: سألت المنافقين الذين تكلموا بكلمة الكفر استهزاء
{لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 2، أي: يعتذرون بأنهم لم
يقصدوا الاستهزاء والتكذيب، إنما قصدوا الخوض في الحديث واللعب: {قُلْ أَبِاللَّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} 3، لم يعبأ باعتذارهم إما لأنهم
كانوا كاذبين فيه، وإما لأن الاستهزاء على وجه الخوض واللعب لا يكون صاحبه
معذورًا، وعلى التقديرين فهذا عذر باطل، فإنهم أخطئوا موقع الاستهزاء.
وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله،
والاستهزاء بذلك في قلب؟! بل ذلك عين الكفر فلذلك كان الجواب مع ما قبله {لا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 4.
قال شيخ الإسلام: فقد أمره أن يقول: كفرتم
بعد إيمانكم. وقول من يقول: إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً
بقلوبهم لا يصح، لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد
كفرتم بعد إيمانكم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد: إنكم أظهرتم
الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا ذلك إلا لخوضهم، وهم مع خوضهم ما زالوا
هكذا، بل لما نافقوا وحذروا {أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} ، [التّوبة، من
الآية: 64] ، تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء، أي: صاروا كافرين
بعد إيمانهم. ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين إلى أن قال تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 5،
فاعترفوا ولهذا قيل: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ
نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} 6، فدل على أنهم لم يكونوا
عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر. فتبين أن الاستهزاء بآيات
الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف،
ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم. ولكن لم يظنوه كفرًا وكان كفرًا كفروا به،
فإنهم لم يعتقدوا جوازه"
وهذه القاعدة تنقض قول من يقول ( إذا
اختلف العلماء في شيء هل هو كفر أم ليس بكفر فإن الواقع في هذا يعذر عندي لاختلاف
العلماء )
فهذه القاعدة الفاسدة التي يوميء إليها
عبد العزيز الريس أحياناً ، يظهر فسادها إن علمنا أن الواقع في الكفر يقع عليه
الكفر بمجرد علمه أو تمكنه من معرفة أن هذا لا يجوز وإن لم يعلم أنه كفر
والقاعدة التي ذكرناها في أن الواقع في
الكفر لا يشترط أن يعلم أنه كفر بل يكفي أن يعلم أنه منهي عنه يقررها الريس نفسه
ولا يتنبه لمناقضتها لما يوميء إليه
فالخلاف ولو كان معتبراً لا يدرأ التكفير
عند من قام عنده الدليل على الكفر لأنه ليس من شرط الكافر أن يقصد الكفر
وبهذا تعلم أن من يقول من كوني أكفر تارك
الصلاة فأنا لا أكفر تارك الصلاة في البلد التي علماؤها لا يكفرون تارك الصلاة
حقيقة قوله اعتبار قصد الكفر في فعل الكفر وهذا باطل كما بينه شيخ الإسلام في
الصارم المسلول
وأعجب من ذلك كلام الألباني الذي نقله
مشهور حسن في كتابه التصفية والتربية أنه لا يكفر من يصلي لقبر النبي صلى الله
عليه وسلم ركعتين فهذا أمرٌ لا يجيزه أحد ولا فيه رائحة الشبهة فكيف لا يكفر فاعله
حتى على أصول العاذرين
بل فاعل هذا أولى بالتكفير من أصحاب
مسيلمة ومن جاحدي الزكاة ومن الطائفة الممتنعة
وهذا الأمر لو تنبه له لسلمنا من جدل طويل
فعامة القبورية الذين ينافح عنهم من العوام يذبحون لغير الله وينذرون لغير الله
ولا يكتفون بالأمور التي ينافح عنها علماء القبورية كالاستغاثة ولا يبيح النذر
والذبح لغير الله إلا غلاة الغلاة ممن هم بمنزلة الباطنية وأصحاب وحدة الوجود
بل التمسح بالقبر النبوي يمنع منه جماعة
من كبار أساطينهم
قال محمد بن يوسف المالكي وهو صوفي قبوري
في كتابه الأجوبة الكافية :" بل نصوص الشريعة بعدم رفع الأصوات في المساجد
إلا لخطيب أو إمام يسمع المصلين أو مدرس على قدر الحاجة، ومنها الانحناء عند زيارة
الأحياء أو الأموات، ومنها تقبيل الأرض أمام المزور، أو تقبيل عتبته إن كان مشهدا
ومنها التمسح وإلصاق الظهر والبطن بمشاهد الأنبياء والأولياء، وغير ذلك مما
يفعلونه ويقصدون بذلك التبرك، وليس التبرك إلا بفعل ما ورد عن الشارع في الدر
المنظم لابن حجر: لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم كما نقله النووي رحمه
الله تعالى عن أطباق العلماء، وبوجه بأنهم كما أجمعوا على تحريم الصلاة لقبره صلى
الله عليه وسلم إعظاما له كذلك أجمعوا على حرمة الطواف بقبره؛ لأن الطواف بمنزلة
الصلاة كما في الحديث الصحيح إلا في مسائل ليست هذه منها قال الحليمي وغيره: من
أئمتنا وغيرهم يكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر المكرم ا. هـ.
قال العلامة ابن حجر: وكان القياس
تحريمها، لكن لما كان من شأن ذلك عند فاعله أنه لا يفعله إلا لقصد التبرك به جهلا
بما يليق من الأدب اقتضى ذلك رفع الحرمة عنهم وإثبات الكراهة ولا عبرة بذلك القصد
في نفي الكراهة أيضا زجرا لهم عن التهجم عليه بما لم يؤذن لهم فيه، ومن ثم تعين
على كل أحد أن لا يعظمه إلا بما أذن الله لأمته في جنسه مما يليق بالبشر، فإن
مجاوزة ذلك تفضي إلى الكفر والعياذ بالله، بل مجاوزة الوارد من حيث هو ربما تؤدي
إلى محذور انظر تمام كلامه تستفد كثيرا، وفي الإحياء للعلامة الغزالي: مس الشاهد
وتقبيلها عادة اليهود والنصارى، وقال الزعفراني: وضع اليد على القبر ومسه وتقبيله
من البدع التي تنكر شرعا، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأى رجلا وضع يده
على القبر المكرم فنهاه، وقال: ما كنا نعرف هذا ولا يلتفت إلى بعض من يترخص في مثل
هذا لما علمت من كلام من يوثق بعلمهم ودينهم والله الهادي إلى سواء السبيل، وفي
الدر المنظم أيضا يكره الانحناء للقبر الشريف وأقبح منه تقبيل الأرض، ذكره ابن
جماعة ولفظه: قال العلماء: إن ذلك من البدع أي القبيحة، ويظن من لا علم له أنه من
شعار التعظيم وأقبح منه تقبيل الأرض له؛ لأنه لم يفعله السلف الصالح والخير كله في
اتباعهم، ومن خطر بباله أن تقبيل الأرض أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن
البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال السلف وعملهم، وليس عجبي ممن جهل ذلك
فارتكبه
بل عجبي ممن أفتى بتحسينه مع علمه أي لو
تأمل قبحه ومخالفته لعمل السلف، واستشهد لذلك بالشعر قال السيد ولقد شاهدت بعض
جهال القضاة فعل ذلك بحضرة المنلا وزاد بوضع الجبهة كهيئة الساجد فتبعه العوام ا.
هـ.
وقال العلامة خليل المالكي في مناسكه
وليحذر مما يفعله بعضهم من طوافه بقبره عليه الصلاة والسلام وكذلك تمسحهم بالبناء
ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع
له عليه السلام، وما كانت عبادة الأصنام إلا من هذا الباب ولأجل ذلك كره علماؤنا
التمسح بجدار الكعبة أو بجدار المسجد والتقبيل للمصحف وتعظيم المصحف قراءته والعمل
بما فيه لا تقبيله ولا القيام له كما يفعله بعضهم في زماننا، والمسجد تعظيمه
الصلاة فيه واحترامه لا التمسح بجدرانه، وكذلك الورقة يجدها الإنسان مطروحة فيها
اسم من أسمائه تعالى أو نبي أو غير ذلك ترفيعها إزالتها من موضع المهنة لا
تقبيلها، وكذلك الولي تعظيمه اتباعه لا تقبيل يده ا. هـ.
وقال العلامة سيدي علي النووي صاحب غيث
النفع بعد أن ذكر أشياء مخالفة للشرع تفعل في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن
هذا المعنى التمسح بجدار الكعبة وتقبيلها وبالمصحف الشريف ويبالغ بعض العوام حتى
يفعل ذلك بالمساجد وقبور الأولياء، وليس هذا كله بتعظيم شرعي، بل التعظيم الشرعي
للكعبة الطواف بها والصلاة إليها والنظر إليها، وتعظيم المصحف قراءته والعمل بما
فيه، وتعظيم المسجد تعميره بالصلاة وأنواع العبادات، وتعظيم الولي الاقتداء بما
كان عليه والتضرع إلى الله تعالى في الترحم عليه ورفع درجته ا. هـ"
فكيف لا يكفر الطائف بالقبر والذابح
والناذر له والحال هذه حتى على أصول العاذرين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم