الاثنين، 5 مايو 2014

تعقيب على قول محمد الأمين الشنقيطي ( الله هو المؤثر حقيقة )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقال محمد الأمين الشنقيطي في كتابه العذب النميز (3/1286) :" ونعطيكم نماذج وأمثلة على أن الله هو المؤثر حقيقة "

ثم قال بعد كلام له :" المؤثر في الحقيقة هو خالق السماوات والأرض "

هذه العبارات هي عبارات الأشعرية الجبرية الذين ينفون تأثير الأسباب ويعتقدون أن تأثيرها مجازي وأن الله هو الفاعل حقيقة وأن فعل المخلوقات صوري وهذا الجبر بعينه فعبارة محمد الأمين توهم مذهبهم إن لم تكن مذهبهم صراحة

قال ابن القيم في شفاء العليل :" وكذلك لفظ المؤثر لم يرد إطلاقه في أسماء الرب وقد وقع إطلاق الأثر والتأثير! على فعل العبد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قال ابن عباس: "ما أثروا من خير أو شر فسمى ذلك آثارا لحصوله بتأثيرهم" ومن العجب أن المتكلمين يمتنعون من إطلاق التأثير والمؤثر على من أطلق عليه في القرآن والسنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبني سلمة: "دياركم تكتب آثاركم" أي الزموا دياركم ويخصونه بمن لم يقع إطلاقه عليه في كتاب ولا سنة وإن استعمل في حقه الإيثار والاستئثار كما قال أخو يوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} وفي الأثر: "إذا استأثر الله بشيء فاله عنه" وقال الناظم:
استأثر الله بالثناء وبالحمد وولى الملامة الرجلا
ولما كان التأثير تفعيلا من أثرت في كذا تأثير فأنا مؤثر لم يمتنع إطلاقه على العبد"

سبحان الله كلام ابن القيم هذا كأنه قرأ كلام الشنقيطي وصار يرد عليه الذي فيه المنع من إطلاق المؤثر على المخلوقات وإطلاقه التأثير على الخالق وأنه هو المؤثر حقيقة ولا شك أن الله يخلق أفعال العباد ولكن هذا لا ينفي إرادتهم ولا ينفي كون الأسباب مؤثرة

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (3/13) :" الوجه الثاني أن يقال نقله عن الأكثر أن العبد لا تأثير له في الكفر والمعاصي نقل باطل
بل جمهور أهل السنة المثبتة للقدر من جميع الطوائف يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وأن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب وينب النبات بالماء .
ولا يقولون إن القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون أن لها تأثيرا لفظا ومعنى .
حتى جاء لفظ الأثر في مثل قوله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم وإن كان هناك التأثير هناك أعم منه في الآية لكن يقولون هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها والله تعالى خالق السبب والمسبب ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه ولابد له من معارض يمانعه فلا يتم أثره مع خلق الله له إلا بأن يخلق الله السبب الآخر ويزيل الموانع "

وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/342) :" بل نؤمن بالمقدور ونصدق الشرع فنؤمن بقضاء الله وقدره وشرعه وأمره ولا نعارض بينهما فنبطل الأسباب المقدورة أو نقدح في الشريعة المنزلة كما فعله الطائفتان المنحرفتان فإحداهما بطلت ما قدره الله من الأسباب بما فهمته من الشرع وهذا من تقصيرها في الشرع والقدر والأخرى توصلت إلى القدح في الشرع وإبطاله بما تشاهده من تأثير الأسباب وإرتباطها بمسبباتها لما ظنت أن الشرع نفاها وكذبت بالشارع فالطائفتان جانيتان على الشرع لكن الموفقون المهديون آمنوا بقدر الله وشرعه ولم يعارضوا أحدهما بالآخر بل صدر منهما الآخر عندهم وقرره فكان الأمر تفصيلا للقدر وكاشفا عنه وحاكما عليه والا أصل للأمر ومنفذ له وشاهد له ومصدق له فلولا القدر لما وجد الأمر ولا تحقق "

وقال ابن القيم في شفاء العليل (1/158) :" وهؤلاء منكرو الأسباب يزعمون أنه لا حرارة في النار تحرق بها ولا رطوبة في الماء يروى بها وليس في الأجسام أصلا لا قوى ولا طبائع ولا في العالم شيء يكون سببا لشيء آخر البتة وان لم تكن هذه الأمور جحدا للضروريات فليس في العالم من جحد الضروريات وان كانت جحدا للضروريات بطل قولكم ان جمعا من العقلاء لايتفقون على ذلك والاقوال التي يجحد بها المتكلمون الضروريات أضعاف أضعاف ماذكرناه فهم أجحد الناس لما يعلم بضرورة العقل"

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (8/521) :" وهذه الأصول باطلة فإنه قد ثبت أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد و غيرها و دلت على ذلك الدلائل الكثيرة السمعية و العقلية و هذا متفق عليه بين سلف الأمة و أئمتها و هم مع ذلك يقولون أن العباد لهم قدرة و مشيئة و أنهم فاعلون لأفعالهم و يثبتون ما خلقه الله من الأسباب و ما خلق الله من الحكم "
وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (8/392) :" فَإِنَّ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ الْأَسْبَابِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ دُخُولٌ فِي الضَّلَالِ ، وَاعْتِقَادَ نَفْيِ أَثَرِهَا وَإِلْغَاؤُهُ رُكُوبُ الْمُحَالِ"

وأحسن من كلام الشنقيطي في العذب النمير كلامه في أضواء البيان حيث قال :" أن الأخذ بالأسباب في تحصيل المنافع ودفع المضار في الدنيا أمر مأمور به شرعاً لا ينافي التوكل على الله بحال؛ لأن المكلف يتعاطى السبب امتثالاً لأمر ربه مع علمه ويقينه أنه لا يقع إلا ما يشاء الله وقوعه . فهو متوكل على الله ، عالم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له من خير أو شر . ولو شاء الله تخلف تاثير الأسباب عن مسبباتها لتخلف"

فهذا فيه إثبات تأثير وأن ذلك لا يكون إلا بمشيئة الله عز وجل وهذا هو الصواب وأما تسمية الله عز وجل ب( المؤثر ) فليست من تسميات السلف ولا يجوز وقوله ( المؤثر حقيقة ) بما يتضمن أن تأثير غيره مجازي وهذا عين الجبر وأيضاً لا يجوز

وكونه الخالق للتأثيرات وأن ما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن لا يجوز قولك ( هو المؤثر حقيقة ) فإنه هو سبحانه الخالق لأفعال العباد وما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن وقولهم ( هو الفاعل حقيقة ) من عبارات الجبرية المعروفة لينفوا اختيار العبد وإرادته ولهذا يقول ابن القيم أن توحيدهم ( لا فاعل إلا الله )

ومن أحسن ما قاله ابن تيمية في المسألة ما جاء في مجموع الفتاوى (8/485) :" ومذهب الفقهاء ان السبب له تأثير فى مسببه ليس علامة محضة وانما يقول انه علامة محضة طائفة من اهل الكلام الذين بنوا على قول جهم وقد يطلق ما يطلقونه طائفة من الفقهاء وجمهور من يطلق ذلك من الفقهاء يتناقضون تارة يقولون بقول السلف والائمة وتارة يقولون بقول هؤلاء"

والقول بأن الله هو المؤثر حقيقة متضمن للقول بأن تأثير الأسباب محض علامة يعني مجاز لا حقيقة له
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم