الاثنين، 5 مايو 2014

تعقيب على ناصر الفهد في قوله أن مسألة العلو خفية في الأعصار المتأخرة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ناصر الفهد في الفتاوى الحايرية ص19 :" فنصوص العلو كانت ظاهرة في وقت السلف لهذا كفروا من نفاها وتأولها ، ثم خفيت بعد انتشار الشبه بين المسلمين في القرون المفضلة ، لذا تجد من تأولها من المنتسبين إلى العلم في الغالب معظماً للنصوص لا يكذبها ولا يردها "

أقول : هذا الكلام فيه نظر شديد وبعض تناقض وبيان ذلك من وجوه

أولها : أن نصوص صفة العلو ليست أخباراً آحادية تظهر لبعض الناس وتحفى على بعضهم بل هي آيات في القرآن كثيرة لا تخفى على مسلم ، مع دليل الفطرة والعقل مع ما تواتر عن السلف بإثباتها وكل من له حظ من العلم يدرك هذا

قال ابن القيم في النونية

يا قومنا والله إن لقولنا ... ألفا تدل عليه بل ألفان
عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الأ ... ولى وذوق حلاوة القرآن
كل يدل بأنه سبحانه ... فوق السماء مباين الأكوان
أترون أنا تاركون ذا كله ... لجعاجع التعطيل والهذيان

فهذه الألفان كيف تخفى على منتسب للعلم

ثانيها : أن ابن تيمية الذي يتكيء عليه ناصر الفهد صرح بأن مسألة العلو من المعلوم من الدين بالضرورة وهذا لا يكون خفياً بحال

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (7/27) :" ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل يكون ذلك الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري
 ولهذا كان كثير من علماء اليهود والنصارى يؤمنون بأن محمدا رسول الله وأنه صادق ويقولون إنه لم يرسل إليهم بل إلى الأميين لأنهم أعرضوا عن سماع الأخبار المتواترة والنصوص المتواترة التي تبين أنه كان يقول إن الله أرسله إلى أهل الكتاب بل أكثرهم لا يقرون بأن الخليل بنى الكعبة هو وإسماعيل ولا أن إبراهيم ذهب إلى تلك الناحية مع أن هذا من أعظم الأمور تواترا لإعراضهم "

وقد صرح في بيان التلبيس أن السلف ذموا الجهمية بأكثر مما ذموا به الرافضة ومعلوم أن الرافضة يخالفون المعلوم من الدين بالضرورة

وقال أيضاً في الدرء (3/234) :" وكتب أهل الآثار مملوءة بالنقل عن السلف والأئمة لما يوافق قول أهل الإثبات ولم ينقل عن أحد منهم حرف واحد صحيح يوافق قول النفاة فإذا كان سلف الأئمة وأئمتها وأفضل قرونها متفقين على قول أهل الإثبات فكيف يقال : ليس هذا إلا قول الكرامية والحنبلية ؟
 ومن المعلوم أن ظهور قول أهل الإثبات قبل زمن أحمد بن حنبل كان أعظم من ظهوره في هذا الزمان فكيف يضاف ذلك إلى أتباعه
 وأيضا فعبد الله بن سعيد بن كلاب والحارث المحاسبي وأبو العباس القلانسي وأبو الحسن بن مهدي الطبري وعامة قدماء الأشعرية يقولون : إن الله بذاته فوق العرش ويردون على النفاة غاية الرد وكلامهم في ذلك كثير مذكور في غير هذا الموضع"

فلو فرضنا أنهم جهلوا أدلة الكتاب والسنة والفطرة والعقل وإجماع السلف أفيجهلون ما قال أئمتهم في إثبات العلو

بل إن البغوي والخطابي اللذين هما عمدة من شرح الأحاديث بعدهما من الشافعية على طريقتهم في المذهب ومن تأمل شروح من جاء بعدهما وجد أنه يغرف غرفاً منهما وكتابيهما كالشيء الواحد ، كلاهما نقل الإجماع على إثبات السلف للعلو ونقل هذا الإجماع عن الخطابي ابن الصلاح في طبقات الشافعية 

بل إن القرطبي وتفسيره من مشاهير التفاسير اعترف بأن السلف مجمعون على إثبات الجهة ( يريد العلو ) 

ثالثها : أن ناصراً الفهد لا يعذر في مسألة عبادة غير الله ويحكم على الواقع بها بأنه مشرك وإن لم تقم عليه الحجة

وقد صرح ابن القيم أن المعطل شر من المشرك

فصل: في بيان أن المعطل شر من المشرك
لكن أخو التعطيل شر من أخي الـ ... إشراك بالمعقول والبرهان
إن المعطل جاحد للذات أو ... لكمالها هذان تعطيلان
متضمنان القدح في نفس الألو ... هة كم بذاك القدح من نقصان
والشرك فهو توسل مقصوده الز ... فى من الرب العظيم الشان
بعبادة المخلوق من حجر ومن ... بشر ومن قبر ومن أوثان
فالشرك تعظيم بجهلٍ من قيا ... س الرب بالأمراء والسلطان
ظنوا بأن الباب لا يغشى بدو ... ن توسط الشفعاء والأعوان
ودهاهم ذاك القياس المستبيـ ... ن فساده ببداهة الإنسان
الفرق بين الله والسلطان من ... كل الوجوه لمن له أذنان
إن الملوك لعاجزون وما لهم ... علمٌ باحوال الرعايا دانِ
كلا ولا هم قادرون على الذي ... يحتاجه الإنسان كل زمان
كلا وما تلك الإرادة فيهم ... لقضا حوائج كل ما إنسان
كلا ولا وسعوا الخليقة رحمةً ... من كل وجهٍ هم أولوا النقصان
فلذلك احتاجوا إلى تلك الوسا ... ئط حاجةً منهم مدى الأزمان
أما الذي هو عالم للغيب مقـ ... تدر على ما شاء ذو إحسان
وتخافه الشفعاء ليس يريد منـ ... هم حاجة جل العظيم الشان
بل كا حاجات لهم فإليه لا ... لسواه من ملك ولا إنسان
وله الشفاعة كلها وهو الذي ... في ذاك يأذن للشفيع الداني
لمن ارتضى ممن يوحده ولم ... يشرك به شيئاً كما قد جاء في القرآن
سبقت شفاعته إليه فهو مشـ ... فوع إليه وشافع ذو شان

إلى آخر أبياته ومعناها أن المعطل شر من وجه من المشرك
وذلك ان المعطل منتقص مشبه لله بالعدم أو بالأخرس إذا نفى الكلام بيد أن المشرك معظم بجهل
فإنه يشبه الله عز وجل بملوك الدنيا الذين لا يدخل عليهم إلا بواسطة ، والتشبيه بالملك خيرٌ من التشبيه بالعدم

قال الآجري في الشريعة 175 : حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سألت أبا عبد الله عن عباس النرسي ، فقلت : كان صاحب سنة ؟
 فقال : رحمه الله قلت : بلغني عنه أنه قال : ما قولي : القرآن غير مخلوق ، إلا كقولي : لا إله إلا الله ، فضحك أبو عبد الله ، وسر بذلك .
 قلت : يا أبا عبد الله ، أليس هو كما قال ؟ قال : بلى

وهذا إسناد صحيح ، وتأمل قوله ( القرآن غير مخلوق ، إلا كقولي : لا إله إلا الله)

فمن عذر المعطل ولم يعذر المشرك فقد تناقض

رابعها : أن الإمام المجدد صرح بأننا لو فرضنا أن هناك معطلاً يعذر فلن يعذر الذي ينقل قولين قول السلف وقول الخلف ويختار قول الخلف ويصرح بأن منهجهم أعلم وأحكم وعامة من يعذرهم ناصر وأضرابه هذه حالهم


وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما استدلوا عليه بكلام ابن تيمية في إقامة الحجة كما في رسائله الشخصية ص177 :" وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك، فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم؛ فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة. فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله:{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ }

 وقوله:{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} 1. وإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة، بل في المسائل الجزئيات، سواء كانت من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله، والذي درج عليه هو وأصحابه، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه ويسبون من خالفه. فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة على غالبهم، قامت على هذا المعين الذي يحكي المذهبين: مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ثم يحكي مذهب الأشعري ومن معه؛ فكلام الشيخ في هذا النوع يقول: إن السلف كفّروا النوع، وأما المعين: فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه، وإلا لم يكفّروا"

خامسها : أن السلف كفروا المؤولة وما اعتبروا تأويلهم عذراً بل إن رأس المؤولة بشر المريسي وقد كفره السلف ومنه يأخذ الأشاعرة تأويلاتهم

قال ابن تيمية في الحموية :" وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب «التأويلات» وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه «تأسيس التقديس» ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي علي الجبّائي، وعبد الجبار بن أحمد الهمذاني، وأبي الحسين البصري، وأبي الوفاء بن عقيل، وأبي حامد الغزالي وغيرهم، هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي التي ذكرها في كتابه، وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضًا ولهم كلام حسن في أشياء. فإنما بيَّنت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي، ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري، صنف كتابًا سماه: «رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد» حكى فيه من التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها، وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته، ثم رد عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما كان عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة لطريقهم، وضعف حجة من خالفهم"

والمريسي كان يتقي رد الأحاديث ومع ذلك كفره السلف

قال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ : يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ , فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ.

ومعطلة النصوص لا يجوز وصفهم بتعظيم الأخبار

على أن ما ذكره من عدم ردهم للأخبار غير صحيح فهذا البيهقي وهو من أحسنهم طريقة وكان يثبت العلو بالجملة نص على أن أخبار الآحاد التي لا أصل لها في القرآن لا تقبل في الصفات وهذا رد واضح للأخبار الصحيحة وذلك في كتابه الأسماء والصفات

وكثير من المتأخرين يصرحون بتقديم العقل على النقل وهذا الرازي من أكثرهم جهراً بهذا يعده السيوطي إماماً مجدداً

وهذا ابن العربي ينكر على الجويني الاحتجاج بالنصوص في باب الصفات ويقول أن هذا ليس باباً للنقل وذلك في كتابه قانون التأويل 

كما صرح كثيرون منهم كالجويني وعلي ملا قاري بأن أخبار الآحاد لا يحتج بها في العقيدة 

سادسها : أن المرء كلما كان أكثر علماً كلما كان أبعد عن العذر فلو فرضنا أننا سنعذر عوام الجهمية فكيف بمن اشتغل بالحديث بل ترى بعضهم إذا خرج الخبر صار يذكر خلق أفعال العباد للبخاري وكتاب الدارمي والسنة لعبد الله وذم الكلام للهروي وهذا موجود في تخاريج المشتغلين بالحديث منهم

قال الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (1/424) :" وَقَالَ أَحْمَد بْن منيع: " من زعم أَنه مَخْلُوق فَهُوَ جهمي، وَمن وقف فِيهِ فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يعقل مثل البقالين وَالنِّسَاء وَالصبيان سكت عَنهُ وَعلم، وَإِن كَانَ مِمَّن يفهم فَأَجره فِي وَادي الْجَهْمِية، وَمن قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي "

أقول : ابن منيع هنا يتكلم عن المعين بدليل ذكره ما يقترن بأوصاف الأعيان من الفهم وعدمه

وتأمل كيف أنه فرق بين اللفظي فحكم بجهميته مطلقاً والواقفي الذي يقف في القرآن فجعله إن كان يفهم ( يعني ليس عامياً ) جهمياً ولم يشترط لهذا شرطاً زائداً على ما ذكر

وهذا نص الإمام أحمد

قال الخلال في السنة 1788- وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : مَنْ كَانَ فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلاَمِ , فَأَمْسَكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ : الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ , فَهُوَ جَهْمِيٌّ.

يعني هو جهمي وإن كانت أصوله سلفية كما يقولون اليوم !

فهذا حكم الواقفي الذي لا يجزم بنفي الصفة فكيف بمن نفاها لا شك أنه جهمي قولاً واحداً من باب أولى والجهمية كفار عند السلف
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ (2/685)  :" وقال ابن عدى سمعت عبدان يقول قلت لابن خراش: حديث ما تركنا صدقة ؟ قال: باطل، اتهم مالك بن اوس بالكذب 2، ثم قال عبدان: وقد روى مراسيل وصلها، ومواقيف رفعها.
قلت جهلة الرافضة لم يدروا الحديث ولا السيرة ولا كيف ثم، فاما انت ايها الحافظ البارع الذى شربت بولك ان صدقت في الترحال فما عذرك
عند الله ؟ مع خبرتك بالامور، فانت زنديق معاند للجق فلا رضى الله عنك.
مات ابن خراش إلى غير رحمة الله سنة ثلاث وثمانين ومائتين"

وهذا الذي قاله الذهبي ينطبق من باب أولى على مسألة علو الله عز وجل على خلقه

وكثير ممن يريد ناصر الفهد أن يعذرهم واقعون في عبادة القبور

قال سليمان بن سحمان في كشف الشبهتين :" وإذا كان أعداء الله الجهمية، وعباد القبور قد قامت عليهم الحجة، وبلغتهم الدعوة، منذ أعصار متطاولة، لا ينكر هذا إلا مكابر، فكيف يزعم هؤلاء الجهلة أنه لا يقال لأحدهم: يا كافر، ويا مشرك، ويا فاسق، ويا متعور، ويا جهمي، ويا مبتدع وقد قام به الوصف الذي صار به كافراً، أو مشركاً، أو فاسقاً، أو مبتدعاً وقد بلغته الحجة، وقامت عليه، مع أن الذي صدر من القبورية الجهمية هؤلاء لم يكن من المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على الإنسان فَيُتَوقَّف في حال أحدهم، لكن قد علم بالضرورة من دين الإسلام أن من جحد علوا الله على خلقه، وأنكر صفاته ونعوت جلاله أنه كافر معطل لا يشك في ذلك مسلم، فكيف يظن بالإخوان أنهم يقولون للمسلم يا سني: يا جهمي، وليس كذلك، أو يا كافر أو يا مبتدع.
وقد قال الإمام مالك لما سأله رجل عن الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، وأمر به فأخرج عن مجلسه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وهو في السجن لما طلب منه أعداؤه أن يوافقهم على أمر كتبوه في ورقة، وقالوا: المطلوب منه أن يعتقد هذا، فأبى عليهم، فأعادوا عليه الجواب، فأبى وأغلظ لهم في الجواب قال: فرفعت صوتي وقلت: يا زنادقة يا كفار يا مرتدين أو كلاماً نحو هذا ذكره في التسعينية"

سابعها : أن عامة هؤلاء يكفرون أهل السنة أو يضللون وقد صرح ابن القيم أنهم لا يعذرون بهذا الاعتداء 

قال ابن القيم في الكافية الشافية 

 هبكم عذرتم بالجهالة إنكم ... لن تعذروا بالظلم والطغيان
والطعن في قول الرسول ودينه ... وشهادة بالزور والبهتان
وكذلك استحلال قتل مخالفيـ ... ـكم قتل ذي الإشراك والعدوان
إن الخوارج ما أحلوا قتلهم ... إلا لما ارتكبوا من العصيان
وسمعتم قول الرسول وحكمه ... فيهم وذلك واضح التبيان


فهنا عدة أحوال العذر منفي عنها بكل حال 

الأولى : أن يضيف إلى التعطيل عبادة غير الله وهذا يقر به ناصر الفهد 

الثانية : أن ينقل مذهب السلف ثم ينحرف عنه وهذا نص على عدم عذره الشيخ محمد بن عبد الوهاب 

الثالثة : أن يكفر أهل السنة أو يضللهم أو يفتي بحل دمهم كما أفتوا بحل دم ابن تيمية لإثباته العلو وهذه نص عليها ابن القيم

الرابعة : أن يرد الأخبار وإلى هذا يشير كلام ناصر الفهد 

ولن تأتيني بجهمي من المعظمين اليوم إلا وأدخلته لك تحت واحدة من هذه أو أكثر إلا ما ندر وقليل ما هم بل أين هم فإذا أضفنا إلى هذا وضوح المسألة وسعة العلم المزعومة انغلق باب العذر تماماً 

وإذا كان الذي نشر الكفر في الأمة واقترن به أحد الأمور السابقة ليس من أئمة الضلال فلا أدري من هو إمام الضلال 

وإذا كانوا لا يدخلون في قول السلف ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) فلا أدري من يدخل 

وإذا كانوا لا يدخلون في قول ابن أبي زيد القيرواني ( ولا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة )

فلا أدري من يدخل ؟

وإذا كانوا لا يستحقون البغض في الله فلا أدري من يستحق 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم