الأربعاء، 14 مايو 2014

بيان خطورة معارضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحديث ( الدين يسر )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن المسالك الخطيرة التي يسلكها بعض العامة أنهم إذا أمروا بالمعروف أو نهوا عن المنكر قالوا ( الدين يسر )

وهذا مسلك خطير فإنه من باب ضرب النصوص بعضها ببعض واتباع المتشابه وهذا عين جدال أهل النفاق بالكتاب الذي اعتبره عمر من هوادم الدين

وبيان غلط هذا الاستدلال أنه إنما يقال للمتشدد بالعبادة الذي يصوم الدهر ويقوم الليل كله أو يتبتل

فيقال له : الدين يسر والله عز وجل يرضى منك بدون ذلك ولذا كان في تتمة الحديث ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )

ثم جاء بعده الأمر بالصلاة

ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا العلماء أنهم جابهوا من يقوم بفريضة الأمر والنهي بهذا الكلام

وقد قال الله تعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم )

وقال سبحانه ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )

وصح في السنة أن الجنة حفت بالمكاره

ولو كان معنى اليسر في الدين أنه لا أمر ولا نهي ولا حتى شدة في ذلك لما كان لهذه النصوص معنى

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون للين فيه والشدة متعلقان بعين الأمر المنهي عنه أو المأمور به وبحال المنهي عنه والمأمور وحال الآمر الناهي

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال لمن تعوى بعزاء الجاهلية ( امصص أير أبيك )

وأمر بضرب الصبي على الصلاة لعشر من قبل وليه

ورخص الله عز وجل للزوج بضرب زوجه في حق نفسه فكيف بحق الله عز وجل ؟

وهذا لا يلغي اللين والرفق في الشريعة ولكن المراد أن الأمر يتفاوت

قال ابن رجب في تفسيره :" (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) يعني: أنهم يعامِلُونَ الكافرينِ بالعزَّة والشدَّةِ عليهم.
والإغلاظِ لهم، فلما أحبُّوا اللَّهَ، أحبُّوا أولياءَه الذين يُحبونَهُ، فعامَلُوهُم
بالمحبِّةِ، والرَّأفةِ، والرحمةِ، وأبغضُوا أعداءَه الذين يُعادونه، فعاملُوهُم بالشِّدَّةِ
والغلظةِ، كما قال تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) .
(يجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم) .
فإنَّ من تمامِ المحبةِ مجاهدةَ أعداءِ المحبوبِ - وأيضًا - فالجهادُ في سبيلِ اللَّهِ
دعاءٌ للمعرضِينَ عن اللَّهِ إلى الرجوع إليه بالسِّيفِ والسنانِ، بعد دعائِهم إليه
بالحجَّةِ والبُرْهانِ، فالمحبُّ للَّهِ يحبُّ اجتلابِ الخلقِ كلِّهم إلى بابِهِ، فمنْ لم
يُجبِ الدعوةَ إليه باللينِ والرِّفقِ، احتاجَ إلى الدعوة بالشدَّةِ والعنفِ: "عجِبَ ربُّك من قوم يُقادون إلى الجنَّةِ بالسَّلاسلِ"

وقد نص الإمام أحمد أن المجاهر لا حظ له في اللين وهذا يختلف باختلاف أحوال الناس قوةً وضعفاً

وأيضاً من أحوال العامة الخطيرة أنه إذا قال له عامي مثله ( افعل كذا أو اترك كذا ) من المعروف أو المنكر قال له ( إذا أطلقت لحيتك أطيعك )

وهذا التعليق فاسد فإن معصيته لا تبرر معصيتك والواجب عليك أن تطيعه فيما أمر أو نهى ثم بعد ذلك تأمره وتنهاه فيما ترى من تقصيره لا أن تعيره بذنبه لكي يسكت عما فيك فإن هذا من حبائل الشيطان بل هو من أبغض الكلام إلى الله

قال النسائي في الكبرى  10688 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن حارث عن عبد الله _ هو ابن مسعود _ قال : إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقال للعبد اتق الله فيقول عليك نفسك وإن من أحسن الكلام أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك رب إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي.

وأيضاً مما ابتلي به كثير من العامة استدلالهم الغالط بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) فيظنون أن النية الصالحة تصحح العمل الفاسد

وهذا غلط عظيم وباب الحديث أن الرجل يعمل الصالح فتكون نيته الآخرة فيكون أجره على الله في الآخرة ومنهم من يعمل العمل الصالح ويريد به الدنيا فله ما نوى وتتمة الحديث تدل على ذلك

وقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

ولا شك أن الصحابة نيتهم صالحة في قولهم ( راعنا ) ولم يريدوا ما أراد اليهود

ولا يوجد أحد إلا ويزعم أن نيته صالحة ولم يرض الله بقول أهل النفاق ( كنا نخوض ونلعب )

ونحن في الدنيا مأمورون بالنظر للظواهر وأما بواطن فهي إلى الله

قال البخاري في صحيحه 2641 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم