مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بيان كذب أثر ( لولا حب الوطن لخرب بلد السوء) عن عمر بن الخطاب

بيان كذب أثر ( لولا حب الوطن لخرب بلد السوء) عن عمر بن الخطاب



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فينتشر بين الناس أثر ينسبونه إلى المحدث الملهم عمر بن الخطاب وهو قوله ( لولا حب الوطن لخرب بلد السوء )

وهذا أثر لا أصل له عن عمر بن الخطاب وإنما ذكره صاحب تفسير حقي وهو متأخر جداً بلا إسناد

والأثر الذي لا أصل لا يكفي فيه (روي ) فإن ذلك يوهم أنه ضعيف فقط

وكذا يقرن بهذا الأثر أثر لا أصل له آخر

قال ابن الزبير: ليس الناس في شىء من أقسامهم، أقنع منهم بأوطانهم

وهذا لا أصل له وإنما ذكره المسعودي في مروج الذهب بلا إسناد وهو رافضي

ومعنى المتن ليس على إطلاقه فإن أهل الفجور يخربون بلدانهم بمعاصيهم وشركهم وإن كانوا يحبونها

قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)

فهؤلاء أضروا ببلدهم وإن كانوا يحبونها

قال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

والبلد التي تصنف عالمياً في استهلاك الخمور بلد سوء ، والبلد التي يفشو فيها الزنا المنظم باسم السياحة بلد سوء

فكيف إذا كانت زيادة على ذلك تختضن المشركين من دعاة عبادة القبور وتقام الموالد فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ولرئيس الدولة السابق !

لا يصف هذه البلد بالمباركة إلا من لم يراقب الله عز وجل فيما يقول

وحب الوطن غريزة وفطرة لا تحمد ولا تذم ولكن إن ترتب مفاسد ذمت هذه المفاسد كرفض بعضهم للهجرة الواجبة عليه حباً للوطن ، وكمحبة الفاسق المواطن أو حتى الكافر المواطن أكثر من الموحد غير المواطن فهذه حزبية بغيضة والولاية بدعة والبراءة بدعة كما قال السلف

وكنت قد تكلمت على هذه المسألة بإسهاب في مقالي ( نقد الدعوة إلى الوطنية ) ومقال ( خطورة عبارة أعيش لله والجزائر ) ومقال ( نقد عبارة الله الوطن الأمير )

ومن حارب الحزبية وسكت عن الوطنية فجهاده منقوص ونظرته عوراء ومشيته عرجاء

قال ابن عثيمين في شرح البيقونية :" ومثله "حب الوطن من الإيمان" وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب"

وليس كلامه على إطلاقه وإنما يريد الوطنية المعاصرة التي نشأ عنها مفاسد كبيرة

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (10/122) :" وهكذا إذا اوذى المؤمن على إيمانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن لم يفعل أوذى وعوقب فاختار الأذى والعقوبة على فراق دنيه اما الحبس واما الخروج من بلده كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين وكانوا يعذبون ويؤذون"

وقال شيخ الإسلام كما في قاعدة في المحبة :" ولهذا تجدهم كثيرا ما يجتمعون علي سماع الشعر والأصوات التي تهيج الحب المشترك الذي يجتمع فيه محب الرحمن ومحب الأوثان ومحب الصلبان ومحب الأخوان ومحب الأوطان ومحب المردان ومحب النسوان وهذا السماع هو سماع المشركين كما قال تعالي وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية "

وفي هذا عبرة لمن اتخذ الأناشيد الوطنية حرفة وجعلها جنباً إلى جنب مع ما يسمونه بالأناشيد الدينية

ولم يكن السلف يكثرون الكلام حول ( حب الوطن ) كإكثار أهل عصرنا فإنها مسألة فطرية كما أنك لا تحتاج إلى التنبيه إلى حب الوالدين وإنما تحتاج إلى بيان البر ووجوهه ومن أحب الله ورسوله كما ينبغي وفق لكل خير 

وإنني لأعجب ممن يتنزه عن ذكر الأخبار الضعيفة ضعفاً محتملاً ولو ذكرها أهل العلم العارفون بالأسانيد ، وحتى وصل الأمر ببعضهم بالتنفير من كتب العقيدة المسندة بحجة أنك لا تعلم صحة كل ما فيها ، ثم هم يتداولون مثل هذه الآثار والله المستعان 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي