مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعليق على حادثة اعتقال صالح الأسمري واعتراض الأشاعرة على ذلك

تعليق على حادثة اعتقال صالح الأسمري واعتراض الأشاعرة على ذلك



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فيستميت بعض الأشعرية الجهمية المعاصرين في التباكي على شيخهم صالح الأسمري حين اعتقل ، ويستغلون بعض الشعارات العصرية في حرية التعبير لجلب استعطاف الناس

ويتناسى القوم تاريخ أئمتهم الذين يفخرون بهم وكلما جاء ذكر الأشاعرة قالوا ( منا فلان ومنا فلان ) في التكفير واستحلال دماء المخالفين

قال أبو إسحق الشيرازي امام الأشاعرة في وقته وصاحب كتاب المهذب ما نصه: (فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر. ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما. .). انظر شرح اللمع له (1/ 111)

وقال ابن حجر في شرح البخاري (2/444) :" وَقَدْ خَصَّ الْحَلِيمِيّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَع بِهِ الِاشْتِرَاك كَمَا لَوْ قَالَ الطَّبَائِعِيّ : لَا إِلَه إِلَّا الْمُحْيّ الْمُمِيت ، فَإِنَّهُ لَا يَكُون مُؤْمِنًا حَتَّى يُصَرِّح بِاسْمٍ لَا تَأْوِيل فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ مَنْ يُنْسَب إِلَى التَّجْسِيم مِنْ الْيَهُود لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي فِي السَّمَاء لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا كَذَلِكَ ، إِلَّا إِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْقَهُ مَعْنَى التَّجْسِيم فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّة الْجَارِيَة الَّتِي سَأَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ مُؤْمِنَة ، قَالَتْ نَعَمْ ، قَالَ فَأَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاء ، فَقَالَ أَعْتِقهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم"

فتأمل تصريحه بأن اليهودي الذي يؤمن بالعلو لا يكون مؤمناً ولو تلفظ بالشهادتين وذلك لأنهم يكفرون معتقد العلو ويردون على النبي صلى الله عليه وسلم شهادته للجارية بالإيمان وتأمل ما في كلامه من نبز الجارية بالجهل وعدم العلم بالتجسيم أي أنها لم تعلم من التوحيد ما علم هؤلاء

وقال ابن حجر أيضاً في شرح البخاري (5/123) :" لَكِنْ قَالَ حُذَّاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ : مَا عَرَفَ اللَّهَ مَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْيَدَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ فَمَعْبُودُهُمْ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ وَإِنْ سَمَّوْهُ بِهِ"

فجعل من يثبت اليد لله عز وجل كمن يقول لله ولد ومن قال بهذا القول ينبغي أن يوصف بأنه من فجرة الملحدين لا حذاق المتكلمين

وقال ابن حجر في الدرر الكامنة (1/49) :" ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما له عقد المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يعذر فقال البكري لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصاً يقتل وإن لم يكن تنقيصاً لا يعذر"

فانظر كيف كفروه بالتوحيد المحض وحديث ( إنه لا يستغاث بي ) معلوم عند أهل العلم وإن كان فيه ضعيف إلا أنه نص في المسألة ومشهور بين أهل العلم وما أنكر أحد متنه وتدل عليه قواطع الأدلة من الكتاب والسنة

وابن حجر ينقل هذا الهراء ساكتاً عليه في سلسلة من الاتهامات الفاجرة في حق شيخ الإسلام سردها سرداً والله الموعد

وتكفير الأشعرية لعبد الغني المقدسي معلوم مشهور لإثباته الصفات وامتحانهم له ، وكذا صنيعهم مع الهروي وعرضه على السيف عدة مرات ليسكت عنهم

واستتابة القوم لابن أبي العز لقوله بحرمة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم معلومة مشهورة

وهذا صلاح الدين الأيوبي الذي يفخر القوم بأنه منهم كان الذي يظهر خلاف اعتقاد الأشعري في عصره يكفر ويهدر دمه

قال المقريزي في الخطط ( المواعظ والاعتبار ) ( 3/84) :" .وأما العقائدفإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الآشعريّ،تلميذ أبي علي الجباءيّ،وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر، كالمدرسة الناصرية بجوارقبرالإمام الشافعيّ من القرافة،والمدرسة الناصرية التي عُرفت بالشريفية بجوار جامع عمرو بن العاص بمصر،والمدرسة المعروفة بالقمحية بمصر،وخانكاه سعيد السعداء بالقاهرة.فاستمرّ الحال على عقيدة الأشعري بديار مصر وبلاد الشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب أيضاً، لإدخال محمد بن تومرت رأي الأشعريّ إليها، حتى أنه صار هذا الإعتقاد بسائر هذه البلاد، بحيث أن من خالفه ضرب عنقه، والأمر على ذلك إلى اليوم، ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثيرذكرلمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، ثم اشتهر مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في آخرها"

وقد حصل في دولة المماليك بعض التنفيس للحنابلة وقد عكس عبد الرحمن المحمود الأمر في كتابه في موقف ابن تيمية من الأشاعرة فجعل امتحان الناس على عقد الأشعري من خصائص عهد المماليك لكي يخرج الأيوبي من الذم

وقال المقريزي أيضاً (2/488) :" وولى القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي، كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول، فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاده، حتى يكفر من خالفه"

وكان مما يفرض أبيات فيها نفي علو الله عز وجل على خلقه 


وهذا الشاطبي وهو أشعري يقرر أن سجن المبتدع من العقوبات التي الشرعية التي تتخذ تجاهه في كتابه الاعتصام

وقد كفر عدد منهم المقلد
والمقلد عند القوم من لم يقم الدليل على الأصول العقدية والأدلة عند القوم هي الأدلة الكلامية

قال الباجوري في شرح جوهرة التوحيد:" ففيه بعض القوم: أي فبسبب تحيره وتردده اختلف العلماء في إيمانه صحة وفساداً، وحاصل الخلاف فيه أقوال منها:
1 - عدم صحة إيمان المقلد، فيكون المقلد كافراً، وعليه السنوسي.
2 - الاكتفاء بالتقليد مع العصيان - إن كان فيه أهلية للنظر - وإلا فلا عصيان.
3 - إن من قلد القرآن والسنة القطعية صح إيمانه لإتباعه القطعي، ومن قلد غير ذلك لم يصح إيمانه لعدم أمن الخطأ على غير المعصوم.

قال الهروي في ذم الكلام 1273 - سمعت أحمد بن الحسن أبا الأشعث يقول:
((قال رجل لبشر بن أحمد أبي سهل الإسفراييني: إنما أتعلم الكلام لأعرف به الدين. فغضب وسمعته قال: أوكان السلف من علمائنا كفاراً؟!)).

وقال الهروي أيضاً في ذم الكلام (5/136) :" فسقط من أقاويلهم على ثلاثة أشياء: أنه ليس في السماء رب، ولا في الروضة  رسول، وما في الأرض كتاب؛ كما سمعت يحيى بن عمار رحمه الله يحكم به عليهم.
وإن كانوا موهوها ووروا عنها واستوحشوا من تصريحها؛ فإن حقائقها لازمة لهم، وأبطلوا التقليد؛ فكفروا أباءهم وأمهاتهم وأزواجهم وعوام المسلمين، وأوجبوا النظر في الكلام، واضطروا إليه الدين بزعمهم؛ فكفروا السلف"


وقال القحطاني في نونيته

587- والآن أهجو الأشعري وحزبه ... وأذيع ما كتموا من البهتان
588- يا معشر المتكلمين عدوتم ... عدوان أهل السبت في الحيتان
589- كفرتم أهل الشريعة والهدى ... وطعنتم بالبغي والعدوان
590- فلأنصرن الحق حتى أنني ... آسطوا على ساداتكم بطعاني

وكذلك تذمر ابن القيم من تكفيرهم لأهل السنة في الكافية حيث قال

ولأي شيء دائما كفرتم ... أصحاب هذا القول بالعدوان
فدعوا الدعاوى وابحثوا معنى ... بتحقيق وإنصاف بلا عدوان
وارفوا مذاهبكم وسدوا خرقها ... إن كان ذاك الرفو في الإمكان
فاحكم هداك الله بينهم فقد ... أدلوا إليك بحجة وبيان
لا تنصرن سوى الحديث وأهله ... هم عسكر الإيمان والقرآن
وتحيزن إليهم لا غيرهم ... لتكون منصورا لدى الرحمن

ولهذا استظهر ابن القيم أنهم شر من الخوارج الذين هم شر قتلى تحت أديم السماء ، وذلك لأن الخوارج يكفرون بالمعاصي وهؤلاء يكفرون بالتوحيد

قال ابن القيم في الكافية الشافية


والله ما كان الخوارج هكذا ... وهم البغاة أئمة الطغيان
كفرتم أصحاب سنته وهم ... فساق ملته فمن يلحاني
إن قلت هم خير وأهدى منكم ... والله ما الفئتان مستويان

شتان بين مكفر بالسنة ... العليا وبين مكفر العصيان
قلتم تأولنا كذاك تأولوا ... وكلاكما فئتان باغيتان
ولكم عليهم ميزة التعطيل ... والتحريف والتبديل والبهتان
ولهم عليكم ميزة الإثبات ... والتصديق مع خوف من الرحمن
ألكم على تأويلكم أجران إذ ... لهم على تأويلهم وزران
حاشا رسول الله من ذا الحكم بل ... أنتم وهم في حكمه سيان

وفي كلام ابن القيم هذا عبرة لمن يعد أحداً من هؤلاء الجهمية الغلاة من أهل السنة أو يصفه بالتأويل أو الاجتهاد فيما غلط فيه

وقال ابن القيم أيضاً

وجعلتم التكفير عين خلافكم ... ووفاقكم فحقيقة الإيمان
فوفاقكم ميزان دين الله لا ... من جاء بالبرهان والفرقان
ميزانكم ميزان باغ جاهل ... والعول كل العول في الميزان
أهون به ميزان جور عائل ... بيد المطفف ويل ذا الوزان
لو كان ثم حيا وأدنى مسكة ... من دين أو علم ومن إيمان
لم تجعلوا آراءكم ميزان كفـ ... ـر الناس بالبهتان والعدوان
هبكم تأولتم وساغ لكم ... أيكفر من يخالفكم بلا برهان
هذه الوقاحة والجراءة والجها ... لة ويحكم يا فرقة الطغيان

وقال ملزماً إياهم تكفير الأشعري ومتقدمي الأشعرية

لكن خلاف الأشعري بزعمكم ... وكذبتم أنتم على الإنسان
كفرتم من قال ما قد قاله ... في كتبه حقا بلا كتمان
هذا وخالفناه في القرآن مثـ ... ـل خلافكم في الفوق للرحمن
فالأشعري مصرح بالاستوا ... ء وبالعلو بغاية التبيان
ومصرح أيضا بإثبات اليدين ووجـ ... ـه رب العرش ذي السلطان

وكلامه قوي فمتقدمي الأشعرية يثبتون العلو والصفات الذاتية على طريقة الكلابية وأما الاستواء فلم يثبته الأشعري على طريقة أهل السنة بل نفى الاستقرار

والحق أن كلامهم هو الكفر الصريح كما بينته في كتابي ( الوجوه في إثبات الإجماع على أن بدعة الأشاعرة مكفرة )

والمراد هنا إلزام القوم الذين يتهمون أهل السنة بالغلو والتطرف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي