السبت، 1 فبراير 2014

هل كان ابن أبي ذئب يؤوي القدرية ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فيشيع بعض الناس كصاحب كتاب التعامل مع العلماء ، أن من جالس المبتدعة لأنه رجل سمح النفس سخي لا يضلل بذلك ولا يبدع ولا يثرب عليه ويستدل بما قال الواقدي في ابن أبي ذئب :" كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ يُكْنَى أَبَا الْحَارِثِ , وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ عَامَ الْجَحَّافِ , وَكَانَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ , وَكَانُوا يَرْمُونَهُ بِالْقَدَرِ , وَمَا كَانَ قَدَرِيًّا , لَقَدْ كَانَ يَنْفِي قَوْلَهُمْ وَيَعِيبُهُ , وَلَكِنْ كَانَ رَجُلاَّ كَرِيمًا يَجْلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَيَغْشَاهُ فَلاَ يَطْرُدُهُ , وَلاَ يَقُولُ لَهُ شَيْئًا , وَإِنْ هُوَ مَرَضَ عَادَهُ , فَكَانُوا يَتَّهِمُونَهُ بِالْقَدَرِ لِهَذَا وَشِبْهِهِ"

وأقول : الواجب على المرء أن يأخذ بالدائم المستمر من عمل الأئمة ولا يتتبع الشذوذ وأهل التمييع يتهمون غيرهم باتباع شواذ الآثار وهذا الواقع فيهم أنهم يفعلون ذلك عن تعمد وسوء طوية ، وإليك مجموعة من آثار السلف في التثريب على من أن جالس المبتدع يعاقب بل يلحق به

أ_ قال المزي في تهذيب الكمال :" قال الذهلي : حدثنى أبو العباس محمد بن رجاء البصرى قال : قلت لأبى داود السجستاني : لم أرك تحدث عن الرمادى ؟
قال : رأيته يصحب الواقفة فلم أحدث عنه"

فألحقه بالواقفة لمجرد المصاحبة والمرء بخدنه كما قال ابن مسعود

ب_ قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/160) :" منها ما أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ قِرَاءَةً قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ إِسْمَاعِيل بْن بكر السكري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ قلت: لأبي عبد اللَّه أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَرَى رَجُلا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلامَهُ قَالَ: لا أو تعلمه أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَهُ مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلامَهُ فَكَلِّمْهُ وَإِلا فَأَلْحِقْهُ بِهِ"

ج_ وقال في التهذيب :" و قال أبو داود : سألت أحمد : هل أنكر أهل النظر على مكحول شيئا ؟ قال : أنكروا
عليه مجالسة علان و رموه به ، فبرأ نفسه بأن نحاه "

فهذا مكحول عالم كبير يآخذ بمجالسة قدري ويبريء نفسه بأن ينحيه

د_ قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" قال المروذي: ولما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف حذر أبو عبد الله عنه، وأمر بهجرانه وهجران من كلمه"

وأما اليوم فيقع من هو دون يعقوب بن شيبة في ضلالات هي أعظم من الوقف _ كنفي العلو وشبهها من الضلالات _ويدعو لها فيوصف بإمامة الإسلام ويهجر من أبى ذلك من أهل السنة

ه_ قال الخطيب في تاريخ بغداد : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر بن بكير الْمُقْرِئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حمزة بن أَحْمَدَ بْنِ مخلد الْقَطَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحَسَن بن هَارُون الموصلي، قَالَ: سألت أبا عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بْنِ حنبل، فقلت: يا أبا عَبْد اللَّهِ أنا رجل من أهل الموصل والغالب عَلَى أهل بلدنا الجهمية، وفيهم أهل سنة نفر يسير يحبونك، وقد وقعت مسألة الكرابيسي نطقي بالقرآن مخلوق؟ فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إياك إياك وهذا الكرابيسي لا تكلمه ولا تكلم من يكلمه، أربع مرات أو خمس مرات.

وهذا صحيح

و_ قال عبد الله في السنة 871 - حدثني أبو بكر الباهلي محمد بن عمرو بن العباس ، نا الأصمعي ، عن معاذ بن مكرم ، قال : « رآني ابن عون مع عمرو بن عبيد في السوق ، فأعرض  عني ، قال : فاعتذرت إليه ، فقال : أما إني قد رأيتك فما زادني »

ز_ وقال ابن وضاح في البدع  نا إسماعيل بن سعد البصري عن رجل أخبره قال: كنت أمشي مع عمرو بن عبيد فرآني أبن عون فأعرض عني شهرين

ح_ قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في ترجمة الحسن بن عمارة  ذكره أَبي، حَدثنا إِسماعيل بن حفص الأَيلي قال: قال غُنْدَر قال لي شُعبة: لا تقرب الحسن بن عمارة فإِني إِن رأَيتك تقربه لم أحدثك.

والحسن بن عمارة متروك في الحديث فما بالك بصاحب البدعة ؟


والآثار في هذا الباب كثيرة والمقصود هنا الإشارة والتنبيه

وقد صار هذا الأمر أصلاً متقرراً عند أهل السنة

و قال أبو عبد الله عبيد الله ابن بطة العكبري – رحمه الله -: " ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك بهالعبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إنخالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدعوالزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا … " ومما ذكره في هذا الشرح: " ولاتشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لاتقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة " [الشرح والإبانة ( ص 282] "

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/ 286):" لأن المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها ظاهرة كما في الأثر (من أذنب سرا فليتب سرا ومن أذنب علانية فليتب علانية) وليس من الستر الذي يحبه الله تعالى كما في الحديث (من ستر مسلما ستره الله) بل ذلك إذا ستر كان ذلك إقرارا لمنكر ظاهر وفى الحديث (إن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة) فإذا أعلنت عقوبتها بحسب العدل الممكن
ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة كما روى ذلك عن الحسن البصري وغيره لأنه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له وأدنى ذلك أن يذم عليه لينزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغتر به الناس وربما حمل بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه ويزداد أيضا هو جرأة وفجور ومعاصي فإذا ذكر بما فيه إنكف وإنكف غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته قال الحسن البصري: اترغبون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه كي يحذره الناس وقد روى مرفوعا و (الفجور) اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب قائله
ولهذا كان مستحقا للهجر إذا أعلن بدعة أو معصية أو فجورا أو تهتكا أو مخالطة لمن هذا حاله بحيث لا يبالى بطعن الناس عليه فإن هجره نوع تعزير له، فإذا السيئات أعلن هجره، وإذا أسر , أسر هجره " أ هـ

قلت: في نص شيخ الإسلام هذا عدة فوائد

أهمها بالنسبة لي: إلحاق مجالس الداعي للبدعة به، فكيف إذا كان مدافعاً منافحاً عنه مؤذياً لأهل السنة من أجله؟

وكل ما قيل في مجالسة المبتدع يقال من باب أولى في الثناء عليه وكل ما قيل في الثناء عليه ومجالسته يقال من باب أولى في جعله من أهل السنة والموالاة والمعاداة عليه وإيذاء أهل الحق فيه بغير تأويل ظاهر 

والشيخ ابن تيمية يفترى عليه كثيراً هذه الأيام 

وأما قصة ابن أبي ذئب فالواقدي كذاب

قال ابن المديني : الهثيم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء

وقد اتهمه غير واحد بوضع الحديث

وقد ذكر الخبر بسياق آخر

قال اللالكائي في السنة 1083 - أخبرنا محمد بن الحسين بن يعقوب ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، قال : ثنا أحمد بن علي الأبار ، قال : سألت مصعب الزبيري عن ابن أبي ذئب ، وقلت له : حدثونا عن أبي عاصم أنه قال : كان ابن أبي ذئب قدريا ؟ قال : معاذ الله إنما كان زمن المهدي أخذوا القدرية وضربوهم ونفوهم ، فجاء قوم من أهل القدر فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب ، فقال قوم : إنما جلسوا إليه ؛ لأنه كان يرى القدر ، فقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط

ورجال هذا الخبر ثقات

وظاهر هذا الخبر أنهم جلسوا إليه جلوس المتعلمين ، والعالم السني لا يعلم حال كل من جلس إليه وإذا رأى في جلوس بعض أهل البدع إليه على جهة تعلم السنة منه نفعاً فهذا ذهب إليه جماعة ومن الناس من كره تعليم أهل البدع والأمر يختلف باختلاف أحوال الناس والله أعلم

وابن أبي ذئب كان رجلاً شديداً على من خالف السنة من أهل السنة فكيف بأهل البدع ؟

قال عبد الله بن أحمد في العلل [ 1275 ] سمعته يعني أباه _ أحمد ابن حنبل_ يقول قالوا لابن أبي ذئب إن مالكا يقول ليس البيعان بالخيار فقال بن أبي ذئب هذا خبر موطوء في المدينة قال أبي وكان مالك يقول ليس البيعان بالخيار سمعت أبي يقول قال بن أبي ذئب يستتاب مالك فإن تاب وإلا ضربت عنقه

وقال الخطيب في تاريخه (3/103) : أخبرنا عبد الله القطان قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حَدَّثَنِي الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل، قَالَ: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث «البيعين بالخيار» . قَالَ: يستتاب وإلا ضربت عنقه. ومالك لم يرد الحديث، ولكن تأوله على غير ذلك. فقال شامي: من أعلم؟ مالك، أو ابن أبي ذئب؟ فقال:
ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك؛ وابن أبي ذئب أصلح في دينه وأورع ورعا، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين؛ وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يهبه  أن قَالَ له الحق؛ قَالَ: الظلم فاش ببابك. وأبو جعفر أبو جعفر

والإمام مالك تأول وعلمه وورعه معروف غير أن ابن أبي ذئب احتملته الحمية فقال هذه الكلمة والإمام أحمد يثني عليه وعلى علمه وعلى ورعه ولا سبيل إلى تضعيف قصة كلمته هذه في مالك بعد إثبات الإمام أحمد لها وما بينه وبينهم كبير أحد

وقد برأ الإمام أحمد ابن أبي ذئب من قول القدرية كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم

وما رمى أحد الذين تكلموا في ابن أبي ذئب للقدر بالغلو ، وما اتهم أحد ابن أبي ذئب في كلمته تلك في مالك بالغلو فتأمل، وإن كان بعد هذا البيان لا يجوز شرعاً لأحد أن يتبع هاتين الكلمتين وإلا كان ظالماً

وتأمل الهوى فيمن ترك كل هذه الآثار وتشبث بأثر عن الواقدي فهمه على غير وجهه  

والمجالسة التي تكون دافعة للريبة هي مجالسة المناصحة من رجل عالم متمكن لرجل واقع في بدعة يرجى خيره ورجوعه
 

تنبيه : ومقارنة بعض أهل البدع أو الثناء عليهم ثناءً مقيداً لمصلحة شرعية أو تعجب من حال مع أمن الافتتان ببدعته فهذا أمر حصل من كثير من السلف  خصوصاً السماع ممن ليس داعية منهم في أمر الرواية ، وبعض أئمة أهل السنة الكبار أثنوا على عبادة أو فقه بعض المنسوبين لبدعة أو حتى علمه بالتفسير كما حصل من الشافعي في شأن مقاتل بن سليمان فهذا من هذا الباب وليس من الباب المنتقد أو حتى لو رؤي أنه حصل على الوجه الذي يقع فيه التغرير فإنه يعتذر للإمام الذي وقع منه مثل هذا إذا كان سائراً على أصول السنة بالجملة دون متابعته على زلته 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم