الأحد، 29 ديسمبر 2013

مجازفات ابن جماعة في نصرة التجهم ....



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فقد وقفت على كتاب بعنوان [ إيضاح الدليل في قطع حجج على أهل التعطيل ] لبدر الدين ابن جماعة الحموي الشافعي المعاصر والمؤذي لشيخ الإسلام ابن تيمية ، والكتاب كله في نصرة التجهم والتعطيل على خلاف ما يظهر من عنوانه ، ولكن على طريقة سمجة ومجازفات يتنزه عنها كثير من طلبة العلم من المعطلة في هذا العصر

فهذا الكتاب فيه تضليل أهل السنة بل والحوم على تكفيرهم وتكذيب الأخبار الصحيحة والطعن في الرواة الثقات بل والطعن في الحفاظ المشهورين



قال ابن جماعة في كتابه المذكور ص214 :" لَعَلَّه من وضع بعض المبتدعة أَو الزَّنَادِقَة وَلَقَد أنكر على الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة مثل هَذَا الحَدِيث وإيداعه كتبه وَكَيف تثبت صفة الْبَارِي تَعَالَى بِمثل ذَلِك الْخَبَر الواهي
وَلَقَد غلب على كثير من الْمُحدثين مُجَرّد النَّقْل مَعَ جهلهم بِمَا يجب لله تَعَالَى من الصِّفَات"

فهنا يصف الدارقطني بأنه جاهل بما يجب على الله تعالى ، بل ويصف كل المحدثين رواة أحاديث الصفات بذلك ويدخل فيهم الصحابة والتابعون ولاشك

والحديث الذي أغضب ابن جماعة هو حديث جلوس الرب الذي رواه عبد الله بن خليفة
قال الذهبي في كتاب العرش له :" 98- وروى العباس بن عبد العظيم العنبري، عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر3 قال: [ أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: ادعُ الله أن يدخلني الجنة. فعظم الرب، فقال:  إن كرسيه فوق السموات، وإنه يقعد عليه فما يفضل منه إلا أربع أصابع ].

هذا حديث محفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي إمام الكوفيين في وقته، سمع من غير واحد من الصحابة، وأخرجا حديثه في الصحيحين، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة.

تفرد بهذا الحديث عن عبد الله بن خليفة من قدماء التابعين، لا نعلم حاله بجرح ولا تعديل، لكن هذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقرًا له كغيره من أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري وحدث به أبو أحمد الزبيري، ويحي بن أبي بكير
ووكيع، عن إسرائيل.
99- وأخرجه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة والرد على الجهمية" له، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله ابن خليفة، عن عمر رضي الله عنه، ولفظه [ إذا جلس الرب على الكرسي، سمع له أطيط  كأطيط الرحل الجديد ].
ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع (ق38/أ) بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر [ إذا جلس الرب على الكرسي ] فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع.
 فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث] ولا ينكرونها.

قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان  فلا أدري أخرجه أم لا؟، فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.

فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.
قال الإمام أحمد:  لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع .
فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث.انتهى كلام الذهبي

أقول : هذا رد قوي على ابن جماعة وكل هؤلاء على مذهبه مشبهة أو جهلة لا يعرفون ما يجب على الله وهو وحده بتجهمه وغروره علم ذاك

وقال ابن جماعة في كتابه المذكور في ص233 :" وَلَقَد أنكر على الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن خُزَيْمَة رِوَايَة مثل هَذِه الْأَحَادِيث وإيداعها فِي مصنفاتهم من غير مُبَالغَة فِي الطعْن فِي أَمْثَالهَا
وَإِنَّمَا غلب على كثير من المحديثن مُجَرّد النَّقْل والإكثار من الغرائب مَعَ جهلهم بِمَا يجب لله تَعَالَى من الصِّفَات وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ بأدلة ذَلِك القطعية القاطعة عِنْد أهل النّظر وَالْعلم إِذْ قنعوا من الْعلم بِمُجَرَّد النَّقْل وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة كَمَا قَالَ بعض الْأَئِمَّة الِاقْتِصَار على جمع الحَدِيث بضَاعَة النوكى وَالله أعلم"

أقول : بل الأنوك أنت وأمثالك من الجهمية النفاة الذين اتهمتم الله ورسوله بأنهما تكلما بما ظاهره التشبيه والتوحيد وأن التوحيد في كلام الملاحدة والمناطقة وسفهتم من أحلام علماء الأمة ، وشبهتم ربكم بالعدم والهدى كل الهدى في التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ] ولم يقل عليكم بعلم الكلام والمعقولات

فهؤلاء الأخباث حقيقة مقالتهم أن الضلال في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وآثار السلف ، وأن الهدى في كلام أشياخهم

وكتاب ابن جماعة المذكور فيه تحريفات المعطلة المعتادة والتي يكفي للرد عليها النظر في رد الدارمي على المريسي ، وإبطال التأويلات لأبي يعلى وإن كان مفوضاً ، وكتب ابن تيمية وابن القيم

وقد كتبت قديماً ( تسفيه ادعياء التنزيه ) الذي كان رداً على كتاب دفع شبه التشبيه لابن الجوزي وتعليقات السقاف ومقدمته ، والكتاب فيه مواطن عديدة تحتاج إلى تحرير وما أحب أن يعتمد عني ، غير أنه على حاله التي ذكرت كاف في نقض شبهات القوم

وأود هنا التنبيه على بعض مجازفات ابن جماعة التي انفرد بها والتي ستبين لك منزلة هذا الرجل من العلم خصوصاً علم الحديث

أ- قال ابن جماعة في كتابه المذكور ص210 :" عَن أنس فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} قَالَ هَكَذَا يَعْنِي أَنه أخرج طرف خِنْصره
هَذَا حَدِيث ضَعِيف لم يروه إِلَّا ابْن أبي العوجاء الزنديق وَكَانَ يضع الحَدِيث على ثَابت "

أقول : ليس في سند شيء من طرق هذا الحديث ذكر ابن أبي العوجاء وإنما هو حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت ، ورواية دس ابن أبي العوجاء أحاديث موضوعة في كتب حماد بن سلمة رواية باطلة انفرد بها محمد بن شجاع الثلجي الجهمي الكذاب .
وهذا الحديث خرجه عدد من أئمة الإسلام في كتبهم منهم الإمام أحمد في مسنده ، وابنه عبد الله في السنة والخلال في السنة وغيرهم كثير واحتجوا به

ب- قال ابن جماعة في كتابه المذكور ص210 :" يرْوى عَن أبي الْأَحْوَص عَن أَبِيه ابي مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث قَالَ فِيهِ فَكل مَا أحل الله لَك وساعد الله أَشد من ساعدك ومُوسَى الله أحد من موساك هَذَا حَدِيث ضَعِيف عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث"


أقول : قاتل الله الجهل والكذب لم يضعف أحد من أئمة الحديث هذا الخبر بل هو مخرج في مسند أحمد وذكره ابن حبان في صحيحه ، والبيهقي على أشعريته لما ذكر الحديث في الأسماء والصفات ما تكلم على إسناده بشيء

ج- قال ابن جماعة في كتابه المذكور ص228 :" عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {إِن الله كَانَ سميعا بَصيرًا} فَوضع يَده على أُذُنه ثمَّ على عينه
هَذَا // حَدِيث ضَعِيف // لَا أصل لَهُ وَقد يتَمَسَّك بِهِ بعض المشبهة"

أقول : قاتل الله الجهل هذا حديث ثابت في سنن أبي داود
قال أبو داود في سننه  4728 : حدثنا علي بن نصر ومحمد بن يونس النسائي المعنى قالا أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرىء ثنا حرملة يعني ابن عمران حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال
 : سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } إلى قوله تعالى { سميعا بصيرا } قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه قال أبو هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرؤها ويضع إصبعيه قال ابن يونس قال المقري يعني إن الله سميع بصير يعني أن لله سمعا وبصرا
 قال أبو داود : وهذا رد على الجهمية .

أقول : فتأمل الفرق بين تعليق أبي داود العالم السني وتعليق ابن جماعة الجهمي الجاهل

د- قال ابن جماعة في ص204 من كتابه المذكور :"
يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما خلق الله تَعَالَى آدم وَنفخ فِيهِ من روحه عطس الحَدِيث قَالَ فِيهِ فَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى ويداه مقبوضتان اختر أَيَّتهمَا شِئْت فَقَالَ اخْتَرْت يَمِين رَبِّي وَفِي رِوَايَة فَلَمَّا قبض الله تَعَالَى الذُّرِّيَّة من ظهر آدم بكفيه قَالَ خُذ أَيَّتهمَا شِئْت قَالَ أخذت يَمِين رَبِّي وكلتا يَدَيْهِ يَمِين
فَفَتحهَا وَفِي رِوَايَة فبسطها فَإِذا فِيهَا آدم وَذريته
هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا تفرد بِهِ حَاتِم بن اسماعيل وَهُوَ ضَعِيف جدا"

أقول : قاتل الله الجهل فإن حاتماً بن إسماعيل ليس ضعيفاً جداً باتفاق
قال المزي في تهذيب الكمال :" قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل : حاتم بن إسماعيل أحب إلى من الدراوردى ،
زعموا أن حاتما كان فيه غفلة ، إلا أن كتابه صالح .
و قال أبو حاتم : هو أحب إلى من سعيد بن سالم .
و قال النسائى : ليس به بأس .
و قال محمد بن سعد : كان أصله من الكوفة ، و لكنه انتقل إلى المدينة فنزلها "
وزاد ابن حجر في التهذيب :" كذا قال فى " الثقات " ( يعنى تاريخ وفاته ) ، و كذا عند البخارى أيضا فى " التاريخ الكبير " ، و فى " الأوسط " أيضا .
و قال العجلى : ثقة .
و كذا قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين .
و قال ابن المدينى : روى عن جعفر عن أبيه أحاديث مراسيل أسندها .
و قرأت بخط الذهبى فى " الميزان " : قال النسائى : ليس بالقوى . اهـ "

فأين التضعيف الشديد ؟
هذا أولاً وثانياً الحديث ليس من طريقه أصلاً !

قال الترمذي في جامعه 3368 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلَائِكَةِ، إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ، بَيْنَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ - أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ - قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ  قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمْرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكِ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ. قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالكِتَابِ وَالشُّهُودِ ": «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ه- وقال في ص 201 من كتابه المذكور :" حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق الْخلق قَالَ كَانَ فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء ثمَّ خلق الْعَرْش على المَاء هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ يعلى بن عَطاء عَن وَكِيع بن عدس وَيُقَال حدس وَلَا يعرف لوكيع هَذَا راو غير يعلى هَذَا وهما مَجْهُولَانِ وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ كل مَا رَوَاهُ حجَّة فِي الْفُرُوع فَكيف فِي معرفَة الله تَعَالَى الَّتِي هِيَ أصل الدّين
وَاحْتج بعض الحشوية بِعَدَمِ إِنْكَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُؤَاله بقوله أَيْن الدَّالَّة على الْمَكَان
وَقد بَينا ضعف الحَدِيث وَعدم الِاحْتِجَاج بِهِ وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَالْجَوَاب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينفر الداخلين فِي الْإِسْلَام أَولا من الْأَعْرَاب والجاهلية لأَنهم كَانُوا أهل جفَاء وغلظة طباع غير فاهمين لدقائق النّظر فَكَانَ لاينفرهم ويعيرهم بمبادرة الأفكار عَلَيْهِم"

أقول : يعلى بن عطاء ثقة وليس مجهولاً وثقه أحمد وابن معين وقال أبو حاتم ( صالح ) فلا يقول عن هذا مجهول إلا جاهل لا يدري ما يخرج ما رأسه
ووكيع بن حدس قال فيه ابن حبان ( من الأثبات ) وقال الجوزجاني ( صدوق صالح الحديث ) وصحح له الترمذي والطبري وابن خزيمة وأبو عبيد القاسم بن سلام وما استنكر أحد من أهل العلم أخباره على شهرتها فضلاً عن دعوى ابن جماعة الفاجرة أنها من وضع الزنادقة

وأما قول الجهمي في الصحابة أنهم غير فاهمين لدقائق النظر فهم والله خيرٌ من ملء الأرض من أمثاله ومن شيوخه وقد قال الله فيهم { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } ولا يقارن هو ولا شيوخه الجهمية بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الخنزير والقرد أعلم بالله منهم فما من أحد من الخلق إلا وهو يؤمن بالعلو إلا هؤلاء الجهمية الزنادقة ومن شايعهم

وهبك سلمنا تأويلك الباطل فما عساك تصنع بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم نفسه للجارية ( أين الله ) وأنت وأشياعك تحرمون هذه المسألة وتكفرون بجواب الجارية بل تجعلونه مذهب الحشوية .
 فنسبتم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكفر والحشو ونسبتم صحابته إلى ذلك وهنا ابن جماعة ينسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إقرار الحشو والتجسيم إبقاءً على الناس ويلزمه أن يفعل هو كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا أن ينشر مذهبه ويصنف في نصرته فليس الناس في زمن ابن جماعة بأفقه من الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم !

وقد فرح بكتاب ابن جماعة هذا الجهمي المعاصر وهبي سليمان غاوجي الذي يثني على تحقيق السقاف لكتاب العلو للذهبي مع ما فيه من طعن في عبد الله بن سلام والإمام البخاري بل ومتقدمي الأشعرية لإثباتهم العلو

وكتاب ابن جماعة هذا يصدق عليه ما قال أبو حاتم في كتاب يوسف بن خالد السمتي
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/231) :" سمعت أَبي، وسألته عن يوسف بن خالد السمتي، فقال: أنكرت قول يَحيَى بن مَعين فيه أَنه زنديق، حتى حمل إلي كتاب قد وضعه في التجهم بابا بابا ينكر الميزان في القيامة، فعلمت أَن يَحيَى بن مَعين كان لا يتكلم إلا علَى بصيرة وفهم، قلتُ: ما حاله؟ قال: ذاهب الحديث"

ومع حال ابن جماعة هذا قال فيه الذهبي في العبر في خبر من غبر (1/ 293) :" ومات قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الحموي، صاحب التصانيف في ليلة العشرين من جمادى الأولى، وله أربع وتسعون سنة وشهر. حدث عن شيخ الشيوخ، وابن عزون، والنجيب، والرضي بن البرهان، والرشيد العطار، وابن أبي اليسر، وعدة. وعني بالرواية، ومهر في التفسير والفقه، وشارك في فنون. وكان ذا دين، وتعبد، ونزاهة، وجمد في القضاء. أضر بأخرة وانقطع للطاعة"

فانظر كيف يصف هذا الجهمي المجازف ب(شيخ الإسلام )

وليست هذه بأول واحدة للذهبي فقد عد أبا حامد الغزالي مجدداً مع ما علم منه من التعطيل والقبورية والجهل بعلم الحديث ، وذكر عنه المناوي في فيض القدير أنه عد الرازي في المجددين والله المستعان

وقد كان السلف يعظمون النكير على من يثني على أهل البدع ويعدون ذلك هدماً للإسلام وخروجاً عن السنة

ومما يؤخذ على الذهبي قوله في ابن خلكان كما في تاريخ الإسلام :" وكان إماماً ، فاضلاً ، بارعاً ، متفنناً ، عارفاً بالمذهب ، حسن الفتاوى ، جيد القريحة ، بصيراً بالعربية ، علامةً في الأدب والشعر وأيام الناس ، كثير الاطلاع ، حلو المذاكرة ، وافر الحرمة ، من سَروات الناس "

وابن خلكان من نظر في تاريخه الذي يثني عليه الذهبي وهو وفيات الأعيان وجد طعناً كثيراً في معاوية بن أبي سفيان حتى اعترف بذلك المحقق إحسان عباس
ووجد ثناءً ملفتاً على المعتزلة
واتهاماً لجعفر الصادق بأنه كان يعلم الكيمياء ( هي آنذاك ضرب من السحر )
ثم ابن خلكان كان متهماً بأمر الصبيان بل له قصائد في ذلك
قال الصفدي في الوافي بالوفيات :" وكان له ميلٌ إلى بعض أولاد الملوك وله فيه الأشعار الرائقة، يقال إنه أول يوم جاء إليه بسط له الطرحة وقال: ما عندي أعز من هذه، طأ عليها، ولما فشا أمرهما وعله به أهله منعوه الركوب فقال:
يا سادتي إني قنعت وحقكم ... في حبكم منكم بأيسر مطلب
إن لم تجودوا بالوصال تعطفاً ... ورأيتم هجري وفرط تجنبي
لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب
لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي ... ألقاه من ألمٍ إذا لم تركب
لرحمتني ورثيت لي من حالةٍ ... لولاك لم يك حملها من مذهبي
قسماً بوجهك وهو بدرٌ طالعٌ ... وبليل طرتك التي كالغيهب
وبقامةٍ لك كالقضيب ركبت في ... أخطارها في الحب أصعب مركب
وبطيب مبسمك الشهي البارد ال ... عذب النمير اللؤلؤي الأشب
لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانةً للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذ لي ... خلع العذار ولو ألحّ مؤنبي
لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي
فارحم فديتك حرقةً قد قاربت ... كشف القناع بحق ذياك النبي
لا تفضحن محبك الصبّ الذي ... جرّعته في الحبّ أكدر مشرب"

فانظر يحلف بغير الله ويتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم على محبوبه وهذا مع كونه بدعة فيه استهانة عظيمة بمقام النبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلح في هذا أن يقال أنه (كان إماماً ، فاضلاً) وهل يصح أن يقال ( كان وافر الحرمة ) وأي حرمة ترك لنفسه بعد هذه القصيدة ولها نظائر كثيرة ذكرها الصفدي بعدها

بل إن الذهبي تجاوز ذلك إلى مدح علي بن عبد الكافي السبكي القبوري الذي كان يطعن في شيخ الإسلام ويجوز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتجهم ويكفر أهل السنة القائلين بالإثبات كما يظهر من كتابه السيف الصقيل

قال السبكي الابن في طبقات الشافعية الكبرى (9/65) :" وأنشدنا لنفسه وأرسلها معي إلى الوالد رحمه الله وهي فيما أراه آخر شعر قاله لأن ذلك كان في مرض موته قبل موته بيومين أو ثلاثة
( تقي الدين يا قاضي الممالك *** ومن نحن العبيد وأنت مالك )
( بلغت المجد في دين ودنيا *** ونلت من العلوم مدى كمالك )
( ففي الأحكام أقضانا علي *** وفي الخدام مع أنس بن مالك )
( وكابن معين في حفظ ونقد *** وفي الفتيا كسفيان ومالك )
( وفخر الدين في جدل وبحث *** وفي النحو المبرد وابن مالك )
( وتسكن عند رضوان قريبا *** كما زحزحت عن نيران مالك )
( تشفع في أناس في فراء *** لتكسوهم ولو من رأس مالك )
( لتعطي في اليمين كتاب خير *** ولا تعطي كتابك في شمالك )
وذكر بعد هذا أبياتا على هذا النمط تتعلق بمدحي لم أذكرها وختمها بقوله
( وللذهبي إدلال الموالي *** على المولى كحلمك واحتمالك )"

أقول : هذه قصيدة خبيثة وإن قالها الذهبي إذ كيف يشهد لهذا الجهمي القبوري بالجنة ، فلو كان موحداً سنياً لكانت الشهادة له من الضلال المبين فكيف بهذا الجهمي القبوري داعية التجهم والقبورية
وكيف يشبهه بابن معين وسفيان ولا يساوي غبار نعالهم

ثم يتناقض ويشبهه بالرازي ابن الخطيب الذي صنف كتاباً بالسحر والرازي على كفره كان ذكياً وأما السبكي فجمع بين الكفر والبلادة ، واقرأ الصارم المنكي يأتيك الخبر

وتشبيه المرء بالرازي ذم له لا مدحة

ومن أقبح ما تقف عليه من كلام الذهبي قوله في السير (20/ 45) :" غُلاَةُ المُعْتَزِلَةِ، وَغُلاَة الشِّيْعَة، وَغُلاَة الحَنَابِلَة، وَغُلاَة الأَشَاعِرَةِ، وَغلاَة المُرْجِئَة، وَغُلاَة الجَهْمِيَّة، وَغُلاَة الكَرَّامِيَّة قَدْ مَاجت بِهِم الدُّنْيَا، وَكثرُوا، وَفِيهِم أَذكيَاءُ وَعُبَّاد وَعُلَمَاء، نَسْأَلُ اللهَ العفوَ وَالمَغْفِرَة لأَهْل التَّوحيد، وَنبرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ الهَوَى وَالبِدَع، وَنُحبُّ السُّنَّةَ وَأَهْلَهَا، وَنُحِبُّ العَالِمَ عَلَى مَا فِيْهِ مِنَ الاتِّبَاعِ وَالصِّفَاتِ الحمِيدَة، وَلاَ نُحبُّ مَا ابْتدعَ فِيْهِ بتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ، وَإِنَّمَا العِبرَةُ بِكَثْرَةِ المَحَاسِنِ"


أقول : غلاة المعتزلة وغلاة الشيعة وغلاة المرجئة وغلاة الجهمية كفار باتفاق ولا يعدون من أهل العلم بل علماء الكلام زنادقة كما قال الإمام أحمد

قال البخاري في الجهمية والرافضة :" نَظَرْتُ فِي كَلاَمِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ ، وَإِنِّي لَأَسْتَجْهِلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُمْ إِلاَّ مَنْ لاَ يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ"

فكيف بمن يقول أن فيهم علماءً وعباداً ؟!

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1110 - حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن ثنا إبراهيم بن بكر ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خواز منداد المصري المالكي في كتاب الإجارات من كتابه في الخلاف قال مالك : « لا تجوز الإجارة في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع والتنجيم ، وذكر كتبا ثم قال : وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم ، وتفسخ الإجارة في ذلك ، وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك » وقال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك : لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء قال : أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادة في الإسلام ويهجر ويؤدب على بدعته ، فإن تمادى عليها استتيب منها « قال أبو عمر : » ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه.

وقال ابن قدامة في تحريم النظر في كتب الكلام ص42 :" وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر أجمع أهل الْفِقْه والْآثَار من جَمِيع أهل الْأَمْصَار أَن أهل الْكَلَام أهل بدع وزيغ لَا يعدون عِنْد الْجَمِيع فِي طَبَقَات الْعلمَاء وَإِنَّمَا الْعلمَاء أهل الْأَثر والمتفقه فِيهِ"

وقد خرق الذهبي هذا الإجماع في الغلاة من أهل البدع والله المستعان

ونحواً من قول الذهبي هذا في الخطورة قول ابن دقيق العيد في الإحكام (3/44) :" وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّكْفِيرِ وَسَبَبِهِ ، حَتَّى صُنِّفَ فِيهِ مُفْرَدًا ، وَاَلَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ النَّظَرُ فِي هَذَا : أَنَّ مَآلَ الْمَذْهَبِ : هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ أَوْ لَا ؟ فَمَنْ أَكْفَرَ الْمُبْتَدِعَةَ قَالَ : إنَّ مَآلَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ فَيَقُولُ : الْمُجَسِّمَةُ كُفَّارٌ ؛ لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا جِسْمًا ، وَهُوَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُمْ عَابِدُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَمَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ كَفَرَ ، وَيَقُولُ : الْمُعْتَزِلَةُ كُفَّارٌ ؛ لِأَنَّهُمْ - وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِأَحْكَامِ الصِّفَاتِ - فَقَدْ أَنْكَرُوا الصِّفَاتِ وَيَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الصِّفَاتِ إنْكَارُ أَحْكَامِهَا ، وَمَنْ أَنْكَرَ أَحْكَامَهَا فَهُوَ كَافِرٌ .
وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ تَنْسِبُ الْكُفْرَ إلَى غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْمَآلِ .
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، إلَّا بِإِنْكَارِ مُتَوَاتِرٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ عَنْ صَاحِبِهَا ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِلشَّرْعِ ، وَلَيْسَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاطِعِ مَأْخَذًا لِلتَّكْفِيرِ وَإِنَّمَا مَأْخَذُهُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ السَّمْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ طَرِيقًا وَدَلَالَةً "

فهو هنا يميل إلى عدم تكفير المعتزلة مخالفاً لإجماع السلف الذي كفروهم كما نقله ابن القيم في الصواعق بل إنهم كفروا من لم يكفرهم

قال عبد الله بن أحمد في السنة 19 : حدثني غياث بن جعفر ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : « القرآن كلام الله عز وجل ، من قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر »

ونقل حرب في عقيدته الإجماع أن من لم يكفر الجهمية فهو مثلهم وعرف الجهمية بالقائلين بخلق القرآن وهذه مقالة أهل الاعتزال أيضاً

وأفتى عبد الوهاب الوراق بترك الصلاة خلف من لا يكفر الجهمية

وابن دقيق العيد أشعري متعصب نقده شيخ الإسلام في الأصبهانية وهو الآخر مسه طائف من سخاء الذهبي في الألقاب فلقبه ب( شيخ الإسلام )

ومن أسوأ ما تقف عليه للذهبي قوله في السير (12/ 177) :" قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ عَمَّنْ قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَلاَ يَقُوْلُ: مَخْلُوْقٌ، وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَقَالَ:
هَذَا شَاكٌّ، وَالشَّاكُّ كَافِرٌ  .
قُلْتُ: بَلْ هَذَا سَاكِتٌ، وَمَنْ سَكَتَ تَوَرُّعاً لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ، وَمَنْ سَكَتَ شَاكّاً مُزْرِياً عَلَى السَّلَفِ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ"
أقول يرد على كلام الذهبي أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات والأحمق فقط  من يتورع عن القول بأن الله ( غير مخلوق )

قال ابن بطة في الإبانة 2099 : حدثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف قال : حدثنا أبو يحيى الساجي ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن سميع الهلالي ، قال : سمعت عبيد الله بن معاذ ، يقول : « لو علم الواقفة أن ربهم غير مخلوق ، لما وقفوا »

والذهبي قد خالف إجماع مع الواقفة

قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/172) :" شاهين بْن السميذع أَبُو سلمة العبدي نقل عَنْ إمامنا أشياء:
منها ما قرأته بخط أبي حفص البرمكي قال: قرأت عَلَى أبي مردك حدثك عَلِيّ بْن سعيد الخفاف حَدَّثَنَا شاهين بْن السميذع قَالَ: سمعت أبا عَبْدِ اللَّهِ أحمد بن حنبل يقول الواقفة شر من الجهمية ومن قَالَ: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر قَالَ: وسمعت أبا عَبْد اللَّهِ يقول إِسْحَاق بْن إسرائيل واقفي مشئوم

 وسالت أبا عَبْد اللَّهِ عمن يقول أنا أقف فِي القرآن تورعًا قَالَ: ذاك شاك فِي الدين إجماع العلماء والأئمة المتقدمين عَلَى إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق هذا الدين الذي أدركت عليه الشيوخ وأدرك من كان قبلهم عَلَى هذا"

وكلام أحمد هذا فيه رد على الذهبي وتأمل كيف أن الذهبي اكتفى بتبديع الواقفي شاكاً والواجب تكفيره بل إن جماعة من السلف شددوا النكير على من لم يكفره

قال الخطيب في تاريخ بغداد (8/351) : أخبرنا أَبُو بَكْرٍ البرقاني، قَالَ: قرأت عَلَى بشر بن أَحْمَد الإسفراييني، قَالَ لكم أَبُو سُلَيْمَان داود بن الْحُسَيْن البيهقي: بلغني أن الحلواني الْحَسَن بن عَلِيّ، قَالَ: إني لا أكفر من وقف فِي القرآن، فتركوا علمه.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: سألت سَلَمَة بن شبيب عَنْ علم الحلواني، قَالَ: يرمى فِي الحش، قَالَ أَبُو سَلَمَة: من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر.

وهذا إسناد صحيح وهذا الذي قاله الحلواني قاله الذهبي أيضاً والله المستعان

وقال الذهبي في السير (17/ 589) في الشريف المرتضى :" وَكَانَ مِنَ الأَذكيَاء الأَوْلِيَاء، المُتَبَحِّرين فِي الكَلاَم وَالاعتزَالِ، وَالأَدبِ وَالشِّعْرِ، لَكِنَّهُ إِمَامِيٌّ جَلْدٌ - نَسْأَلُ اللهَ الْعَفو –"

فانظر كيف يشهد له بالولاية مع إقراره برافضيته واعتزاله ، وتذكر معي نص البخاري في استجهال من لا يكفرهم فكيف بمن يشهد لهم بالولاية بل لشياطينهم وطواغيتهم بذلك

وقال الذهبي في السير (18/ 176) :" 92 - ثَابِتُ بنُ أَسْلَمَ أَبُو الحَسَنِ الحَلَبِيُّ *
العَلاَّمَةُ أَبُو الحَسَنِ الحَلَبِيُّ، فَقِيْهُ الشِّيْعَةِ، وَنَحْوِيُّ حَلَبَ، وَمِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخِ أَبِي الصَّلاَحِ.
تصدَّر لِلإِفَادَة، وَلَهُ مصَنّف فِي كشف عُوَار الإِسْمَاعِيليَّة وَبَدْءِ دعوتِهم، وَأَنَّهَا عَلَى المخَارِيق، فَأَخَذَهُ دَاعِي القَوْم، وَحُمِلَ إِلَى مِصْرَ، فَصَلَبَهُ المُسْتنصر  ، فَلاَ رَضِيَ اللهُ عَمَّنْ قَتله، وَأُحرقت لِذَلِكَ خِزَانَةُ الكُتُب بِحَلَب، وَكَانَ فِيْهَا عَشْرَةُ آلاَف مجلدَة، فَرَحِمَ الله هَذَا المُبْتَدِع الَّذِي ذَبَّ عَنِ المِلَّة، وَالأَمْرُ للهِ"

فانظر كيف يترحم على عالم من علماء الرافضة وقد انقرض التشيع غير الغالي في ذلك الزمان تقريباً

وقال الذهبي في " الميزان " 1 / 111 في ترجمة أبي نعيم صاحب " الحلية ": وكلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الاعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم (لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم)

أقول : فانظر كيف أنه لم يستثنِ حتى الصديقين والشهداء والصحابة الكرام مع ظلم أقرانهم وهذا عجيب ولا ينبغي لأحد أن يدعيه ، والذي كان بين ابن مندة وأبي نعيم خلاف في مسألة عقدية وهي مسألة اللفظ وهي مسألة تكلم فيها الكبار وبدعوا المخالفين بل وكفروهم فالخلاف حقيقي وليس مصطنعاً من أجل المنافسة والتحاسد

وطريقة الذهبي كانت محل نقد من الكثيرين فصنف ابن عبد الهادي ما أخذ على تصانيف أبي عبد الله الذهبي ( ذكر ذلك ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة )

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 23) :" والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه، فإنه كان قائما في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الالحاد، وقد نسب إليه صاحب العقد أشياء لا تصح، لان صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع ومغالاة في أهل البيت، وربما لا يفهم أحد من كلامه ما فيه من التشيع، وقد اغتر به شيخنا الذهبي فمدحه بالحفظ وغيره"

والواقع أن الذهبي ربما علم برفضه ومدحه بالحفظ وغيره وهذا كثير في كتابه السير والله المستعان

وانتقد السبكي على الذهبي تبديعه لابن فورك ووصفه إياه بالعلم والفضل وأن الأمرين لا يجتمعان وصدق السبكي وهو كذوب

وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال معرضاً بالذهبي (7/251) :" وزعم بعض المصنفين من المتأخرين أن ابن حبان لم يسبق بالتفرقة بينهما، وهما واحد انتهى كلامه. وما أدري من أي أمر به أعجب، أمن قوله: لم يسبق وقد أسلفنا قول جماعة بالتفرقة، أومن قوله هما واحد بالمسترخى.
لو قالها أحمد بن حنبل لاستدل على ذلك ما يوضحه اللهم إلا إن كان نزل نفسه فوق منزلة أحمد فإنا لله وإنا إليه راجعون
هكذا تذهب العلوم إذا ما كان رأس الأقوام ذا دعوا"

فإذا اجتمع عندنا عدم إكفار الذهبي للجهمية والواقفة والمعتزلة ، ووصفه لابن جماعة وابن دقيق بمشيخة الإسلام ، ووصفه للغزالي والرازي بالتجديد ، وقصيدته في امتداح السبكي ، ووصفه للشريف المرتضى بالولاية ولابن خلكان بالإمامة وغيرهم كثير من الأهواء والبدع

ذلك مع ما ثبت عليه من المخالفات في باب توحيد الألوهية بل وفي باب الأسماء والصفات أيضاً

وقوله في شيخ الإسلام ( أخالفه في مسائل أصولية وفرعية ) ، وكلامه في بعض الصحابة كالوليد بن عقبة ، ومعاوية بن أبي سفيان وعيينة بن حصن بل وطلحة بن عبيد الله حيث قال فيه في السير (1/35) :" الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي حَقِّ عُثْمَانَ تَمَغْفُلٌ وَتَأْليبٌ، فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ عِنْدَمَا شَاهَدَ مَصْرَعَ عُثْمَانَ، فَنَدِمَ عَلَى تَرْكِ نُصْرَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَكَانَ طَلْحَةُ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ عَلِيّاً، أَرْهَقَهُ قَتَلَةُ عُثْمَانَ، وَأَحْضَرُوهُ حَتَّى بَايَعَ"

مع أمور أخرى ليس هذا محل بسطها كان من المتعين في شأنه إعادة النظر في تلك المكانة العلمية التي يحتلها اليوم ، واقتداء بعض الناس به في إطراء أهل البدع وتسمية ذلك إنصافاً ، وألا ينصح طالب العلم المبتديء أو غير المتمكن بالنظر في سير أعلام النبلاء لكثرة المواطن المشكلة والمنتقدة فيه خصوصاً فيما يتعلق بأمر الصحابة والفتن ، وما يتعلق بالتعامل مع أهل البدع

وما ينبغي أن يوضع في رتبة واحدة مع ابن القيم وشيخ الإسلام وابن عبد الهادي بل لا شك أنهم غير راضين عن ثنائه على الجهمية القبورية الذين آذوهم بالباطل


هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم