الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

التنبيه على إقرار المغراوي لكلام خطير لابن بطال



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال المغراوي في كتابه موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج (6/186) :" العلامة أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري، القرطبي، ثم البلنسي، ويعرف بابن اللجام، أصلهم من قرطبة وأخرجتهم الفتنة إلى بلنسية. أخذ عن أبي عمر الطلمنكي، وابن عفيف وأبي المطرف القنازعي، ويونس بن مغيث وغيرهم. روى عنه أبو داود المقرئ، وعبد الرحمن بن بشر وغيرهم. قال ابن بشكوال: كان من أهل العلم والمعرفة عني بالحديث العناية ...

إلى أن قال المغراوي :" جاء في الفتح: قال ابن بطال اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وقالت الجسمية معناه الاستقرار، وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع، وبعضهم معناه علا، وبعضهم معناه الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك، يقال لمن أطاعه أهل البلاد، وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}  فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل أن "على" في قوله على العرش بمعنى: إلى، فالمراد على هذا انتهى إلى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، ثم قال ابن بطال: فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا، وقوله: {ثم اسْتَوَى} يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، ولازم تأويلهم أنه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه، وهذا منتف عن الله سبحانه، وأما قول المجسمة ففاسد أيضا، لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي، وهو محال في حق الله تعالى، ولائق بالمخلوقات لقوله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} وقوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}  قال: وأما تفسير استوى: علا فهو صحيح وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة لأن الله سبحانه
وصف نفسه بالعلي، وقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} وهي صفة من صفات الذات"

أقول : هذا النص الذي نقله المغراوي عن ابن بطال مغتبطاً به عليه مآخذ عظيمة
فمن ذلك قوله : (وقالت الجسمية معناه الاستقرار) وهذا رمي لأهل السنة بالتجسيم فإن تفسير الاستواء بالاستقرار هو قول لعامة أهل السنة

قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 121) : "لو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ﴿اسْتَوَى﴾ قال علا قال وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت وقال غيره استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد.
قال أبو عمر:
الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال :﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِا﴾"

وابن عبد البر عليه مآخذ في باب الصفات غير أن نصه هنا جيد
وقد نقل ابن القيم هذا الكلام في اجتماع الجيوش الاسلامية وأقره، وقال شيخ الإسلام في شرح حديث النزول ص145 : "وقال عبد اللّه بن المبارك ـ ومن تابعه من أهل العلم، وهم كثير ـ : إن معنى ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾: استقر، وهو قول القتيبي"
 والقتيبي يعني به شيخ الإسلام ابن قتيبة.

قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص171 : "وكيف يسوغ لأحد أن يقول أنه بكل مكان على الحلول مع قوله:: الرحمن على العرش استوى " أي استقر كما قال: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك " أي استقررت".

قال الذهبي في العلو : "315- قال العلامة أبو أحمد الكرجي في عقيدته التي ألفها، فكتبها الخليفة القادر بالله وجمع الناس عليها، وذلك في صدر المائة الخامسة، وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفراييني شيخ الشافعية ببغداد، وأمر باستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي، فمما قال فيها:
"كان ربنا عز وجل وحده لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرا1 كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق"، وقد علق الذهبي بقوله (قلت: ليته حذف "استواء استقرار" وما بعده فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه).

أقول : بل ليت الذهبي ترك هذا التعليق فإن هذا التفسير منقول عن جماعة من السلف كما تقدم ولا يناقض التفاسير الأخرى المنقولة عنهم بل يؤكدها ، وما أنكره أحد في زمن السلف ، وتحتمله اللغة .

وقال ابن القيم في الكافية الشافية (2/361) :
فلهم عبارات عليها أربع*** قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك *** ارتفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع *** وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره *** أدرى من الجهمي بالقرآن

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في الدرر السنية (3/215) :" وهو الذي ورد عن الصحابة، والتابعين من المفسرين وغيرهم، في معنى قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ إن معنى استوى: استقر، وارتفع، وعلا، وكلها بمعنى واحد؛ لا ينكر هذا إلا جهمي زنديق، يحكم على الله وعلى أسمائه وصفاته بالتعطيل، قاتلهم الله أنى يؤفكون".
فنص ابن بطال هذا فيه تبديع لأهل السنة والله المستعان ، ودعوى أن الاستقرار يلزم منه التجسيم وهذه نفثة تجهم

ومن ذلك قول ابن بطال :( وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع، وبعضهم معناه علا، وبعضهم معناه الملك والقدرة)

الذين أولوا الاستواء بالملك والقدرة هم الجهمية وليسوا أهل السنة بل قولهم هو عين قول المعتزلة الذي نقده ابن بطال نفسه !
قال البخاري في خلق أفعال العباد ص 37:" وَحَذَّرَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْجَهْمِيَّةِ وَقَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ جَهْمِيٌّ»"

فهؤلاء الذين شهد لهم ابن بطال بالسنة جهمية في الحقيقة

وقد كان السلف يكفرون من لا يكفر الجهمية فكيف بمن يشهد لهم بالسنة

قال عبد الله بن أحمد في السنة 19 - حدثني غياث بن جعفر ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : « القرآن كلام الله عز وجل ، من قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر »

وقال أيضاً 170 - وقال هارون يعني الفروي : « القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، ومن قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في الواقفة فهو كافر ، فقلت لهارون اللفظية ؟ قال : هؤلاء مبتدعة ضلال »

قال الخطيب في تاريخ بغداد (7/377) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى بشر بن أَحْمَد الإسفراييني قَالَ لكم أَبُو سُلَيْمَان داود بن الْحُسَيْن البيهقي: بلغني أن الحلواني الْحَسَن بن عَلِيّ قَالَ: إني لا أكفر من وقف فِي القرآن، فتركوا علمه .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: سألت سَلَمَة بن شبيب عَنْ علم الحلواني، قَالَ: يرمى في الحش. ثم قَالَ أَبُو سَلَمَة: من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر

وكذا قرر حرب في عقيدته وهذه النصوص تنطبق على منكر الاستواء

والخلاصة أن كلام ابن بطال فيه تبديع لأهل السنة وتسنين لأهل البدعة والضلال ، وقد نقل كلامه السيء هذا كل من ابن حجر والبدر العيني في شرحيهما على صحيح البخاري

وهذه فتنة الثناء على المبتدعة والضلال دون بيان  أدت إلى إحسان الظن بكلامهم السيء وانتحال أنصاف المتعلمين لكلامهم المحدث

وابن بطال له نصوص سيئة في باب الصفات ككلامه في الشخص والصورة فإنه تجهم صريح

قال ابن حجر في شرح البخاري (13/393) :" قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِثْبَاتُ يَدَيْنِ لِلَّهِ وَهُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَتَا بِجَارِحَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُشَبِّهَةِ مِنَ الْمُثْبِتَةِ وَلِلْجَهْمِيَّةِ مِنَ الْمُعَطِّلَةِ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ قُدْرَةَ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ الْمُثْبِتَةِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ فِي قَوْلِ النُّفَاةِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ قَادِرٌ لِذَاتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَدَيْنِ لَيْسَتَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ مَا مَنعك ان تسْجد لما خلقت بيَدي"

وهذا النص يظن بعضهم أن فيه إثباتاً للصفة غير أن هذه الطريقة للاثبات بدعية وهي طريقة الكلابية يثبتون الصفة ثم يتبعون ذلك بالنفي المفصل

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/58) :" وذلك لأنها ألفاظ مجملة يراد بها حق وباطل وعامة من أطلقها ف بالنفي أو الإثبات أراد بها ما هو باطل لا سيما النفاة فإن الصفات كلهم ينفون الجسم والجوهر والمتحيز ونحو ذلك ويدخلون في نفي ذلك صفات الله، وحقائق أسمائه ومباينته لمخلوقاته بل إذا حقق الأمر عليهم وجد نفيهم متضمناً لحقيقة نفي ذاته، إذ يعود الأمر إلى وجود مطلق لا حقيقة له إلا في الذهن والخيال، أو ذات مجردة لا توجد إلا في الذهن والخيال أو إلى الجمع بين المتناقضين بإثبات صفات ونفي لوازمها.
فعامة من يطلق ذلك إما متناقض في نفيه وإثباته يثبت الشيء بعبارة وينفيه بأخرى، أو يثبته وينفي نظيره أو ينفيه مفصلاً ويثبته مجملاً أو بالعكس، أو يتكلم في النفي والإثبات بعبارات لا يحصل مضمونها ولا يحقق معناها"

ومما يؤكد أن ابن بطال كان مائلاً إلى طريقة الكلابية نقله قول الأشعري في أن آيات القرآن لا تتفاضل وقوله به مع ثنائه على أئمة الجهمية الأشعرية 


قال ابن بطال في شرح البخاري : " ومذهب الأشعري، وأبي بكر بن الطيب الباقلاني، وابن أبي زيد، والداودي، وأبى الحسن القابسي، وجماعة علماء السنة: أن القرآن لا يفضل بعضه بعضاً، إذ كله كلام الله وصفته، وهو غير مخلوق، ولا يجوز التفاضل إلا في المخلوقات ".

وهذا مذهب باطل يخالف النصوص وهؤلاء كلابية جهمية وليسوا من علماء أهل السنة 

تنبيه : وممن وقع في نفي الاستقرار بل ونفي نسبة ذلك لابن تيمية بكر أبو زيد 

فقد قال في معجم المناهي اللفظية :" نسب بعض الأفَّاكين إلى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - أنه يثبت استقرار الله على العرش. وهذه النسبة افتراء عليه - رحمه الله تعالى - ومعتقده معلوم مشهور من إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، ومنه: إثبات استواء الله على عرشه كما يليق بجلاله، وتجد رد تلك الفرية في مقدمة تحقيق: ((مختصر العلو)) للألباني"

والحق أن الألباني وبكر كلاهما غالط والاستقرار من معاني الاستواء الثابتة عن السلف وقال به ابن تيمية وغيره كما تقدم  

وقد أنكر بكر في كتابه المذكور الحد متابعة للذهبي والله المستعان  

والعجيب أن المغراوي نقل كلام ابن قتيبة في مسألة الاستقرار وأقره في المجلد الرابع من كتابه ! 



هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم