مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نصوص سقطت من كتاب ( موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة )

نصوص سقطت من كتاب ( موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فمن الكتب المشهورة في الأوساط العلمية كتاب ( موقف شيخ الإسلام من الأشاعرة ) لكاتبه عبد الرحمن المحمود وقد نظرت في الكتاب ففوجئت باجتنابه لكثير من النصوص الهامة خصوصاً في مسألة حكم شيخ الإسلام على الأشاعرة ، ويزول العجب إذا علمت أنه قرر خلاف هذه النصوص المكتومة والله المستعان ، بل حمل بعض نصوص شيخ الإسلام أكثر مما تحتمل

قال صاحب موقف الأشاعرة :" وشيخ الإسلام من خلال هذا المنهج المتكامل سار على طريقة متوازنة، فالأشاعرة الذين رد عليهم طويلاً لم تمنعه هذه الملاحظات من أن يقول عنهم: إنهم من أهل السنة، وإنهم ليسوا كفاراً باتفاق المسلمين، كما لم تمنعه من التنويه بجهودهم العظيمة في الدفاع عن الإسلام، والرد على خصومه الحاقدين عليه من الفلاسفة والباطنية والرافضة والمعتزلة وغيرهم، وبالمقابل فاعتراقه بهذه الجهود لم ينسه أن هؤلاء بشر يصيبون ويخطئون، وأن ما وقعوا فيه من مخالفة لعقيدة السلف لا يجوز السكوت عنها، بل يجب بيان الحق للناس والرد على من خالفه ولو كان من أهل الفضل والعمل الصالح"

أقول : أما قوله أن شيخ الإسلام قال عن الأشاعرة أنهم من أهل السنة فهذا كذب
ودعوى أن شيخ الإسلام قال عنهم ( مسلمين باتفاق ) كذب أيضاً وإليك النص الذي اعتمد عليه وما وقع منه من البتر والتدليس
قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى :" وقد اتفق اهل السنة والجماعة على ان علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحظ بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك الا رسول الله وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق بل ولا يأثم فان الله تعالى قال فى دعاء المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا وفى الصحيح عن النبى ان الله تعالى قال قد فعلت وإتفق علماء المسلمين على انه لا يكفر احد من علماء المسلمين المنازعين فى عصمة الأنبياء والذين قالوا انه يجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون  على ذلك لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين فان هؤلاء يقولون إنهم معصومون من الاقرار على ذلك ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية والأشعرية وأهل الحديث والتفسير والصوفية الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين بل أئمة هؤلاء يقولون بذلك"

فهذا النص يرد فيه شيخ الإسلام على أشاعرة عصره الذين يكفرون من يقول أن الأنبياء يقعون في الصغائر ولا يقرون عليها ويلزمهم بأنه بذلك يلزمهم تكفير أئمتهم الذي قالوا بهذا القول

ومن يقول بوقوع الأنبياء في الصغائر دون الإقرار عليها لا يكفر بل ولا يبدع أيضاً بل هذا قول أهل السنة

فنص ابن تيمية هذا رد على الأشاعرة في الحقيقة ، ولا يدخل فيه عامة الأشاعرة القائلين بأن الأنبياء معصومون من الصغائر

فشيخ الإسلام يعني أنهم لا يكفرون بقولهم بهذه المسألة

وإلا فشيخ الإسلام له نصوص كثيرة في أن بدعة الأشاعرة مكفرة ومن كانت بدعته مكفرة لا يقال أنه مسلم باتفاق بل بينه وبين الكفر قيام الحجة أو إمكان البلوغ_ إن كانت خفية وسيأتي أن الأشاعرة خالفوا في الجلي _

وهذه النصوص كلها اجتنبها المحمود هداه الله

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :
" ولا يقدر أحد ان ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم
وإذا كان كذلك فليعلم أن الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث "

فهنا شيخ الإسلام يقرر بأن السلف ذموا الجهمية منكري العلو بأكثر مما ذموا به القدرية والخوارج والرافضة

وبعض هؤلاء كفروه أو اختلفوا في تكفيره

وقول ابن عمر في القدرية :" فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ"

ينطبق من باب أولى على نفاة العلو

والخوارج الذين قال فيهم أبو أمامة :" رحمتهم كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم ثم قرأ هذه الآية ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم  )"
رواه عبد الله في السنة بسند قوي
شر منهم نفاة العلو

وقال شيخ الإسلام في الاستقامة :" مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق فإن الله يغفر له خطأه وإن حصل منه نوع تقصير فهو ذنب لا يجب ان يبلغ الكفر وإن كان يطلق القول بأن هذا الكلام كفر كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية مثل القول بخلق القرآن أو إنكار الرؤية أو نحو ذلك مما هو دون إنكار علو الله على الخلق وأنه فوق العرش فإن تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور فإن التكفير المطلق مثل الوعيد المطلق لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة التي تكفر تاركها"

فهنا يصرح شيخ الإسلام أن كفر نفاة العلو أظهر من كفر القائلين بخلق القرآن ومنكري الرؤية ومعلوم أن السلف أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن بل قالوا من لم يكفره فهو كافر أو فهو مثله

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/122) :" فالجهمية النفاة الين يقولون لا هو داخل العالم ولا خارج العالم ولا فوق ولا تحت لا يقولون بعلوه ولا بفوقيته بل الجميع عندهم متأول أو مفوض وجميع اهل البدع قد يتمسكون بنصوص كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم الا الجهمية فانه ليس معهم عن الانبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفى
 ولهذا قال ابن المبارك ويوسف بن اسباط الجهمية خارجون عن  الثلاث وسبعين فرقة وهذا أعدل الوجهين لأصحاب أحمد ذكرهما أبو عبدالله ابن حامد وغيره"

فهنا ابن تيمية يصرح بأن نفاة العلو خارجين عن الثلاث وسبعين فرقة ، وأنه لا يوجد عندهم دليل من الكتاب أو السنة حتى من المتشابه الذي يستدل به أهل البدع في العادة
وشيخ الإسلام ينزل عليهم آثار السلف الواردة في الجهمية وتكفير السلف لهؤلاء وإطباقهم على ذلك لا يخفى والقول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ، هو نص عامة متأخري الأشاعرة

وهذه النصوص كلها اجتنبها المحمود ولا أحسب ذلك إلا عمداً

قال شيخ الإسلام في الرسالة المدنية " وكان يحيى بن عمار يقول : المعتزلة الجهمية الذكور،والأشعرية الجهمية الإناث، ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية"

وهذا لم يذكره المحمود أيضاً


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (16/ 213) : "هَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ مُتَقَدِّمِي الْجَهْمِيَّة وَمُتَأَخَّرِيهِمْ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِي الجهمي الْجَبْرِيُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَخْرُجُ إلَى حَقِيقَةِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ"

وهذا لم يذكره أيضاً

قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول :" وهذا موضع لا بد من تحريره ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا وإنما وقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترن به قول اللسان ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح"

وهنا تصريح بأن الأشاعرة جهمية متأخرة نصروا قول الجهمية الأولى في الإيمان وقول الجهمية كفر أكبر كما نقله شيخ الإسلام في مواطن عديدة

وقال في الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز ص6 :" ثم أقرب هؤلاء الجهمية الأشعرية يقولون : إن له صفات سبعًا : الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر . وينفون ما عداها،وفيهم من يضم إلى ذلك اليد فقط، ومنهم من يتوقف في نفي ما سواها، وغلاتهم يقطعون بنفي ما سواها "

وهنا يصرح بجهميتهم


وقال في بيان تلبيس الجهمية :" ولهذا تجد هؤلاء الذين يثبتون الرؤية دون العلو عند تحقيق الأمر منافقين لأهل السنة والإثبات يفسرون الرؤية التي يثبتونها بنحو ما يفسرها به المعتزلة وغيرهم من الجهمية فهم ينصبون الخلاف فيها مع المعتزلة ونحوهم ويتظاهرون بالرد عليهم وموافقة أهل السنة والجماعة في إثبات الرؤية وعند التحقيق فهم موافقون المعتزلة إنما يثبتون من ذلك نحو ما أثبته المعتزلة من الزيادة في العلم ونحو ذلك مما يقوله المعتزلة في الرؤية أو يقول قريبا منه ولهذا يعترف هذا الرازي بأن النزاع بينهم وبين المعتزلة في الرؤية قريب من اللفظي"

فهنا يصرح بأن خلافهم مع المعتزلة في الرؤية لفظي وقول المعتزلة مكفر

قال في بيان تلبيس الجهمية :" وهذه الحجة هي مثل الحجة الرابعة التي ذكرها في تاسيسه لكن فيها حشو وزيادة مستغنى عنها لا حاجة إليها وهؤلاء القوم من أعظم الناس إتيانا بحشو القول الكثير الذي نقل فائدته أو تعلم مضرته كما يروى فيهم عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه ذكر قال أنا ضمين وذمتي رهينة لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سبخ أصل وإن أبغض الناس إلى الله تعالى رجل قمش علما حتى إذا ارتوى من ماء آجن وامتلأ من غير طائل سماه أشباهه من الناس عالما فإن نزلت به احدى الشبهات هيأ له حشو الرأي من قيله فلا هو سكت عما لا يعلم فيسلم ولا تكلم بما يعلم فيغنم تصرخ منه الدماء وتبكي منه الفروج الحرام وهو من أحق الناس بهذا هؤلاء المتكلمون في أصول الدين بغير كتاب الله وسنة رسوله ويوقعون بين الأمة العداوة والبغضاء بما لا أصل له حتى قد يكفروا من خالفهم ويبيحوا قتلهم وقتالهم كما يفعل أهل الأهواء من الخوارج والرافضة والجهمية والمعتزلة كما فعله هذا المؤسس في كتابه هذا وأمثاله حيث كفر الذين خالفوه وهم أحق بالإيمان بالله ورسوله منه بدرجات لا تحصى ولا حول ولا قوة إلا بالله  ولهذا كان التكفير لمن يخالفهم من أهل السنة والجماعة من شعار المارقين كما قال النبي صلى الله عليه و سلم فيما استفاض عنه من الأحاديث الصحيحة في صفة الخوارج يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية وفي رواية يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان
 وهؤلاء الذي يدعون الإيمان لأنفسهم دون أهل السنة والجماعة من المسلمين كالخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة لهم نصيب من قوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون وبعضهم مع بعض كما قال الله تعالى وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فهم كما قال الامام أحمد مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء والذي اختلفوا على الأنبياء فآمن كل منهم ببعض وكفر ببعض قال في الأولين ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد وقال في الثاني ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد وقال تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم وقال إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله وقال ولا يزالون مختلفين  إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم
 وهؤلاء الجهمية معروفون بمفارقة السنة والجماعة وتكفير من خالفهم واستحلال دمه كما نعت النبي صلى الله عليه و سلم الخوارج لكن قولهم في الله أقبح من قول الخوارج وإن كان للخوارج من المباينة للجماعة والمقاتلة لهم ما ليس لهم مع أن أهل المقالات ذكروا أن قول الخوارج في الصفات هو قول الجهمية والمعتزلة هذا ذكره الأشعري وغيره من المعتزلة وهذا والله أعلم يكون قول من تأخر من الخوارج إلى أن حدث التجهم في أول المأة الثانية وأما الخوارج الذين كانوا في زمن الصحابة وكبار التابعين فأولئك لم يكن قد ظهر في زمنهم التجهم أصلا ولا عرف في الأمة إذ ذاك من كان ينكر الصفات أو ينكر أن يكون على العرش أو يقول أن القرآن مخلوق أو ينكر رؤية الله تعالى ونحو ذلك مما ابتدعته الجهمية من هذه الأمة"

فهنا يقرر أنهم شر من الخوارج لأنهم يكفرون الناس بالتوحيد


قال شيخ الإسلام في درء التعارض :" ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل يكون ذلك الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري
ولهذا كان كثير من علماء اليهود والنصارى يؤمنون بأن محمدا رسول الله وأنه صادق ويقولون إنه لم يرسل إليهم بل إلى الأميين لأنهم أعرضوا عن سماع الأخبار المتواترة والنصوص المتواترة التي تبين أنه كان يقول إن الله أرسله إلى أهل الكتاب بل أكثرهم لا يقرون بأن الخليل بنى الكعبة هو وإسماعيل ولا أن إبراهيم ذهب إلى تلك الناحية مع أن هذا من أعظم الأمور تواترا لإعراضهم
 وكثير من الرافضة تنكر أن يكون أبو بكر وعمر مدفونين عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي الغالية من يقول إن الحسن والحسين لم يكونا ولدين لعلي وإنما ولدهما سلمان الفارسي وكثير من الرافضة لا تعلم أن عليا زوج بنته لعمر ولا أنه كان له ابن كان يسمى عمر
 وأما دعوى التقية والإكراه فهذا شعار المذهب عندهم
 وبعض المعتزلة أنكر وقعة الجمل وصفين وكثير من الناس لا يعلمون وقعة الحرة ولا فتنة ابن الأشعث وفتنة يزيد بن المهلب ونحوها من الوقائع المتواترة المشهورة
 بل كثير من الناس بل من المنسوبين إلى العلم لا يعلمون مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة المشهورة وترتيبها وما كان فيه قتال أو لم يكن فلا يعلمون أيما قبل بدر أو أحد وأيما قبل الخندق أو خيبر وأيما قبل فتح مكة أو حصار الطائف ولا يعلمون هل كان في تبوك قتال أو لم يكن ولا يعلمون عدد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم الذكور والإناث ولا يعلمون كم صام رمضان وكم حج واعتمر ولا كم صلى إلى بيت المقدس بعد هجرته ولا أي سنة فرض رمضان ولا يعلمون هل أمر بصوم يوم عاشوراء في عام واحد أو أكثر ولا يعلمون هل كان يداوم على قصرا لصلاة في السفر أم لا ولا يعلمون هل كان يجمع بين الصلاتين وهل كان يفعل ذلك كثيرا أم قليلا
 إلى أمثال هذه الأمورا لتي كلها معلومة بالتواتر عند أهل العلم
 بأحواله وغيرهم ليس عنده فيها ظن فضلا عن علم بل ربما أنكر ما تواتر عنه
 ومعلوم أن أئمة الجهمية النفاة والمعتزلة وأمثالهم من أبعد الناس عن العلم بمعاني القرآن والأخبار وأقوال السلف وتجد أئمتهم من أبعد الناس عن الاستدلال بالكتاب والسنة وإنما عمدتهم في الشرعيات على ما يظنونه إجماعا مع كثرة خطئهم فيما يظنونه إجماعا وليس بإجماع وعمدتهم في أصول الدين على ما يظنونه عقليات وهي جهليات لا سيما مثل الرازي وأمثاله الذين يمنعون أن يستدل في هذه المسائل بالكتاب والسنة
 واعتبر ذلك بما تجده في كتب أئمة النفاة مثل أبي الحسين البصري وأمثاله ومثل أبي حامد والرازي وأمثالهما"

فهنا ينقل الاتفاق على تكفير منكر العلو ثم يسمي من نفاته الرازي والغزالي

ودعوى المحمود أن ابن تيمية ينص على أن الأشاعرة أقرب من المعتزلة ليس على إطلاقه ، بل تقدم كلام شيخ الإسلام في أن الذين يقولون أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ، لا يوجد عندهم دليل حتى من المتشابه وهذا يقتضي أن الجهمية الأولى خيرٌ منهم لأنهم احتجوا بالمتشابه ، وقد صرح شيخ الإسلام أن قولهم في الإيمان شر من قول المعتزلة ، وصرح أن المعتزلة أقرب في مسألة القرآن منهم من وجه


قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى :" وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْمُعْتَزِلَةُ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ مُنَزَّلًا مِنْ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَالَمِ لَمْ يَكُنْ الْقُرْآنُ مُنَزَّلًا مِنْهُ بَلْ مِنْ الْهَوَاءِ. وَأَيْضًا فَأَنْتُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ قَابَلْتُمْ الْمُعْتَزِلَةَ تَقَابُلَ التَّضَادِّ حَتَّى رَدَدْتُمْ بِدْعَتَهُمْ بِبِدَعٍ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا، بَلْ هِيَ مِنْ وَجْهٍ مِنْهَا وَمِنْ وَجْهٍ دُونَهَا، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ جَعَلُوا الْإِيمَانَ اسْمًا مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَقَالُوا: إنَّ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، وَقَالُوا: إنَّ الْفُسَّاقَ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُخَالِفُونَ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَخِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمِ لِلسَّلَفِ، وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْجَهْمِيَّةَ فِي الْإِرْجَاءِ وَالْجَبْرِ فَقُلْتُمْ: الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. ثُمَّ إنَّكُمْ قُلْتُمْ: إنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَوَقَفْتُمْ وَشَكَكْتُمْ فِي نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ جُمْلَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَازَعُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَأُولَئِكَ قَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا كُلُّ فَاسِقٍ، وَأَنْتُمْ قُلْتُمْ: لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُهَا فَاسِقٌ أَمْ لَا، فَتَقَابَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَقَوْلُكُمْ أَعْظَمُ بِدْعَةً مِنْ قَوْلِهِمْ، وَأَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّة"

فتأمل قول شيخ الإسلام :" وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْجَهْمِيَّةَ فِي الْإِرْجَاءِ وَالْجَبْرِ فَقُلْتُمْ: الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ"

وهنا شيخ الإسلام يذم ردودهم على المعتزلة وأنهم وافقوهم على أصول باطلة خلافاً لدعوى المحمود

قال شيخ الإسلام كما في مجموعة الرسائل والمسائل :" فهذه الأقوال التي تقدمت هي تفريع هذا القول، فإن هذا القرآن العربي لا بد له من متكلم تكلم به أولاً قبل أن يصل إلينا، وهذا القول يوافق قول المعتزلة ونحوهم في إثبات خلق القرآن العربي، وكذلك التوراة العبرية، ويفارقه من وجهين: أحدهما أن أولئك يقولون أن المخلوق كلام الله وهم يقولون إنه ليس كلام الله لكن يسمى كلام الله مجازاً هذا قول أئمتهم وجمهورهم، وقال طائفة من متأخريهم: بل لفظ الكلام يقال على هذا وهذا بالاشتراك اللفظي، لكن لفظ هذا الكلام ينقض أصلهم في إبطال قيام الكلام بغير المتكلم به، ومع هذا لا يقولون أن المخلوق كلام الله حقيقة كما يقولوه المعتزلة مع قولهم أنه كلام حقيقة، بل يجعلون القرآن العربي كلاماً لغير الله وهو كلام حقيقة، وهذا شر من قول المعتزلة وهذا حقيقة قول الجهمية، ومن هذا الوجه نقول: المعتزلة أقرب، وقول الآخرين هو قول الجهمية المحضة، لكن المعتزلة في المعنى موافقون لهؤلاء وإنما ينازعونهم في اللفظ الثاني أن هؤلاء يقولون: لله كلام هو معنى قديم قائم بذاته والخلقية يقولون لا يقوم بذاته كلام، ومن هذا الوجه الكلابية خير من الخلقية في الظاهر، لكن جمهور الناس يقولون إن أصحاب هذا القول عند التحقيق لم يثبتوا كلاماً له حقيقة غير المخلوق، فإنهم يقولون إنه معنى واحد هو الأمر والنهي والخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً"

ولهذا صرح شارح الطحاوية بأن قول الأشعرية بالقرآن ( أكفر ) من قول المعتزلة ، وكذا صرح ابن القيم في مختصر الصواعق

قال صاحب موقف الأشاعرة :" 3ـ ذكره لرجوعه في آخر عمره إلى الحديث، وأنه مات وهو يشتغل بالبخاري ومسلم (933)، ويذكر أنه رجع " واستقر أمره على التلقي من طريقة أهل الحديث، بعد أن يأس من نيل مطلوبه من طريقة المتكلمين والمتفلسفة والمتصوفة أيضاً "

شيخ الإسلام لم يجزم بل مرض

قال شيخ الإسلام في الدرء :" وإن كان يقال : إنه رجع عن ذلك واستقر أمره على التلقي من طريقة أهل الحديث بعد أن أيس من نيل مطلوبه من طريقة المتكلمين والمتفلسفة والمتصوفة أيضا "

فابن تيمية يقول ( يقال ) ولم يجزم كدعوى المحمود

قال ابن سحمان في كشف الشبهتين :" وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وهو في السجن لما طلب منه أعداؤه أن يوافقهم على أمر كتبوه في ورقة، وقالوا: المطلوب منه أن يعتقد هذا، فأبى عليهم، فأعادوا عليه الجواب، فأبى وأغلظ لهم في الجواب قال: فرفعت صوتي وقلت: يا زنادقة يا كفار يا مرتدين أو كلاماً نحو هذا ذكره في التسعينية"

فكان ينبغي على المحمود أن يذكر هذا في موقف شيخ الإسلام من الأشاعرة المعاصرين له بدلاً من أن يعتمد على روايات السبكي المنكرة

وشيخ الإسلام يبدع الأشاعرة ولا شك ومنهجه في التعامل مع أهل البدع على ما سيأتي من نصوصه

قال شيخ الإسلام كما مجموع الفتاوى (28/ 231):
" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة او العبادات المخالفة للكتاب والسنة
فان بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب اليك أو يتكلم في أهل البدع فقال إذا قام وصلى واعتكف فانما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء".

وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (10/ 376):" وكذلك يجوز قتال (البغاة) وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونهم عدولا
ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه من جزية أو خراج أو غير ذلك إذ الصحابة لا خلاف في بقائهم على العدالة وأن التفسيق انتفى للتأويل السائغ
وأما القتال فليؤدوا ما تركوه من الواجب وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وان كانوا متأولين
 وكذلك نقيم الحد على من شرب النبيذ المختلف فيه وان كانوا قوما صالحين
فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم بين في الدين أو الدنيا وان كانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم في الدنيا
كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه إلى الإمام وان كان قد تاب توبة نصوحا وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المكره فيحشرون على نياتهم
وكما يقاتل جيوش الكفار وفيهم المكره كأهل بدر لما كان فيهم العباس وغيره
وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم
 فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول في الدنيا من لا يستحقها في الآخرة وتكون في حقه من جملة المصائب كما قيل في بعضهم القاتل مجاهد والمقتول شهيد
 وعلى هذا فما أمر به آخر أهل السنة من إن داعية أهل البدع يهجر فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فإن هجرة تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها
وإن كان في نفس الأمر تائبا أو معذورا إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين أما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وأما عقوبة فاعلها ونكاله فأما هجرة بترك في غير هذا الموضع".

قلت: فانظر كيف صرح بوقوع العقوبة على داعية البدع وإن كان في نفسه متأولاً مراعاةً للمصلحة العامة في ترك الناس لبدعته

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (15/ 290):
"وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب وهى من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
 فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه وإن كان لا يريد إلا الخير إذ هو في ذلك جاهل أحمق كما يفعله بعض النساء والرجال الجهال بمرضاهم وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر ويتركونه من الخير رأفة بهم
 فيكون ذلك بسبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم"

 وقال أيضا (15/ 294):" فلا يجوز أن تأخذ المؤمن رأفة بأهل البدع والفجور والمعاصي والظلمة".

قلت: فجعل تطبيق منهج السلف مع المخالفين من باب إعانة الشيطان على الأخ
 من التلاعب وعكس الحقائق الشرعية
 قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/ 312):
" فالزناة واللوطية وتارك الجهاد وأهل البدع وشربة الخمر هؤلاء كلهم ومخالطتهم مضرة على دين الإسلام، وليس فيهم معاونة لا على بر ولا تقوى، فمن لم يهجرهم كان تاركاً للمأمور فاعلاً للمحظور"

 وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (15/ 324) :
" وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي مُقَارِنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُقَارِنَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا لِظُلْمِهِمْ مَاقِتًا لَهُمْ شَانِئًا مَا هُمْ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ"

 وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (28/ 205) :
" هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ : إنَّ الدُّعَاةَ إلَى الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ وَلَا يُنَاكَحُونَ "
 فهذا نص على أنه لا يؤخذ العلم عن أهل البدع إذا كانوا دعاةً

 وتغافل عن هذا كله أيضاً عبد الرحمن المحمود  فنقل عن طبقات الشافعية الكبرى (10/ 170) قول السبكي في ترجمة علاء الدين الباجي الأشعري :
" وكان إليه مرجع المشكلات ومجالس المناظرات ولما رآه ابن تيمية عظمه ولم يجر بين يديه بلفظة فأخذ الشيخ علاء الدين يقول تكلم نبحث معك وابن تيمية يقول مثلي ليا تكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك"

 فعلق المحمود على هذا بأن ابن تيمية وقره مع أنه أشعري ، وناقل هذه القصة عبد الوهاب بن علي السبكي وهو أشعري متعصب كثير الحط على شيخ الإسلام ولم يدرك شيخ الإسلام بل ولد في العام الذي مات فيه شيخ الإسلام فكيف يعتمد على نقله والحال هذه
 بل نقل مناظرة شيخ الإسلام مع الصفي الهندي في (9/ 92) ، على وجه لم ينقله أحدٌ ممن عاصر القصة كشيخ الإسلام نفسه وابن عبد الهادي والذهبي وغيرهم
 بل جعلها السبكي حول الحموية ، والصواب أنها كانت حول الواسطية كما هو معروف مشهور
 بل ليت المقدم نقل قول السبكي في الطبقات الشافعية الكبرى (6/ 63) :
" يعجبني من كلام الشيخ كمال الدين بن الزملكاني في رده على ابن تيمية قوله إن كانت الأشاعرة الذين فيهم القاضي أبو بكر الباقلاني والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وإمام الحرمين والغزالي وهلم جرا إلى الإمام فخر الدين مخانيث فليس بعد الأنبياء والصحابة فحل
وأقول إن كان هؤلاء أغمارا والأشعري يخلبهم فليس بعد الأنبياء والصحابة فطن فيالله والمسلمين".

وهذا الذي أعجبه قلة حياءٍ وصفاقة منه ومن ابن الزملكاني فأين ذهب التابعون ومن تبعهم الأئمة المهديين من أمثال السفيانين والحمادين والأوزاعي وابن المبارك وغيرهم
 بل أين ذهب إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل الذي انتسب إليه الأشعري نفسه في الإبانة، كل هؤلاء ينفي ابن الزملكاني والسبكي عنهم الفحولة  إن لم يكن المتهوكون من المتكلمين فحولاً !
 وهؤلاء الذين سماهم ليسوا على عقيدة واحدة فالباقلاني يثبت الصفات الذاتية _ وإن كانت طريقته كلابية في ذلك _  والعلو، فما الذي ذهب بالمحمود إلى طبقات الشافعية الكبرى ، وجعله يترك تقريرات شيخ الإسلام نفسه في المسألة.



وقال كما في مجموعة الرسائل والمسائل :" والقول الثاني للناس في كلام الله تعالى قول من يقول إن الله لم يقم به صفة من الصفات، لا حياة ولا علم ولا قدرة ولا كلام ولا إرادة ولا رحمة ولا غضب ولا غير ذلك، بل خلق كلاماً في غيره فذلك المخلوق هو كلامه، وهذا قول الجهمية والمعتزلة. وهذا القول أيضاً مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، وهو مناقض لأقوال الأنبياء ونصوصهم، وليس مع هؤلاء عن الأنبياء قول يوافق قولهم، بل لهم شبه عقلية فاسدة قد بينا فسادها في غير هذا الموضع، وهؤلاء زعموا أنهم يقيمون الدليل على حدوث العالم بتلك الحجج، وهم لا الإسلام نصروا، ولا لأعدائه كسروا"

فهنا شيخ الإسلام يصرح بأن الأشاعرة لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا فكيف يقرر المحمود أنه يثني على ردودهم على الفلاسفة مطلقاً

وهذه من أشهر كلمات شيخ الإسلام وقد رددها مراراً ومع ذلك اجتنبها المحمود طوال كتابه

وقال أيضاً :" وَلما ظهر فَسَادهَا لِلْعَقْلِ تسلط " الفلاسفة " على سالكيها وظنت الفلاسفة أَنهم إِذا قَدَحُوا فِيهَا فقد قَدَحُوا فِي دلَالَة الشَّرْع ظنا مِنْهُم أَن الشَّرْع جَاءَ بموجبها إِذْ كَانُوا أَجْهَل بِالشَّرْعِ وَالْعقل من سالكيها فسالكوها لَا لِلْإِسْلَامِ نصروا وَلَا لأعدائه كسروا بل سلطوا الفلاسفة عَلَيْهِم وعَلى الْإِسْلَام . وَهَذَا كُله مَبْسُوط فِي مَوَاضِع ."

فهنا يصفهم بأنه قد تسلط عليهم الفلاسفة بسبب دليلهم المخترع

وقال في الصفدية :"  وأنه لم يمكنه أن يتكلم ولا أن يفعل في الأزل بمشيئته وقدرته وإنما أهل الكلام
المحدث في الإسلام من المعتزلة والجهمية ومن وافقهم في أصلهم التبس عليهم حدوث الأعيان المخلوقة بحدوث نوعها كما التبس عليهم قدم نوع كلام الله بقدم عين الكلمة وظنوا أن حدوث الأعيان لا يحصل إلا بحدوث النوع فالتزموا تعطيل الرب وتعجيزه في الأزل عن الكلام والفعال وسلبوه صفات الكمال فتسلطت عليهم السلف والأئمة ورثة الأنبياء بالتبديع والتضليل بل وبالتكفير وانفتح عليهم من الفلاسفة سد الدهرية بعد أن كان مبنيا بزبر الحديد فلا للإسلام نصروا ولا للكفار كسروا ولا بحبل الله اعتصموا ولا للكتاب والسنة اتبعوا بل فرقوا دينهم وكانوا شيعا واعتاضوا عن الشريعة الإلهية بما أحدثوا بآرائهم بدعا"

فهنا يذم طريقتهم في الرد على الفلاسفة ويصفهم بأنهم فتحوا الباب للقوم


قال المحمود في موقف الأشاعرة :" وكثيراً ما ينعى على المعتزلة تشنيعهم عليهم ويقول: إن مذهب الأشاعرة ليس بهذه الشناعة (882)"

قوله كثيراً كذب بل هو موطن عزا هو إليه في درء التعارض رد فيه تشنيع معين لأبي الحسين البصري على ابن كلاب بسبب إثباته لبعض الصفات !

وقول ابن تيمية كان في ابن كلاب وليس في الأشاعرة وفرق بينهم خصوصاً المتأخرين منهم فإنهم جنحوا إلى مقالات ينكرها ابن كلاب نفسه كنفي العلو والصفات الذاتية مطلقاً

قال في درء التعارض :" وأذا عرف هذا فإطلاق القول بتكليف ما لا يطاق من البدع الحادثة في الإسلام كإطلاق القول بأن العباد مجبورون على أفعالهم وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على إنكار ذلك وذم من يطلقه وإن قصد به الرد على القدرية الذين لا يقرون بأن الله خالق أفعال العباد ولا بأنه شاء الكائنات وقالوا هذا رد بدعة ببدعة وقابل الفاسد بالفاسد والباطل بالباطل"

وقال أيضاً :" هذا مع أن السلف والأئمة يذمون ما كان من الكلام والعقليات والجدل باطلا وإن قصد به نصر الكتاب والسنة فيذمون من قابل بدعة ببدعة وقابل الفاسد بالفاسد فكيف من قابل السنة بالبدعة وعارض الحق بالباطل وجادل في آيات الله بالباطل ليدحض به الحق"

فهنا يصفهم برد البدعة ببدعة وأن هذا مذموم عند السلف

وقال أيضاً :" وأهل الكلام الذين ذمهم السلف لا يخلو كلام أحد منهم عن مخالفة السنة ورد لبعض ما أخبر به الرسول كالجهمية والمشبهة والخوارج والروافض والقدرية والمرجئة
 ويقال بأنها لا بد أن تحرس السنة بالحق والصدق والعدل لا تحرس بكذب ولا ظلم فإذا رد الإنسان باطلا بباطل وقابل بدعة ببدعة كان هذا مما ذمه السلف والأئمة"

وهذا النص الوحيد من النصوص السابقة الذي نقله المحمود في رسالته ! ، وقد تكلم بنقيضه في خلاصة دراسته

قال شيخ الإسلام في درء التعارض :" قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعت شيخنا الأمام أبا بكر الزاذقاني يقول كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرانين وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفرا من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكم فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها إن الشيخ أبا حامد قال لي يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو الناس الى الضلالة وإلا فلا تحضر مجلسي فقلت أنا عائذ بالله مما قيل وتائب اليه واشهدوا على أني لا أدخل إليه
قال الشيخ أبو الحسن وسمعت الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ ابا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا كان أبو بكر الباقلانى يخرج الى الحمام متبرقعا خوفا من الشيخ ابي حامد الإسفرايني
 قال أبو الحسن ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري وعلقه عنه ابو بكر الزاذاقاني وهو عندي وبه اقتدي الشيخ ابو اسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميزه وقال هو قول بعض اصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي استنكفوا منهم ومن مذهبهم في اصول الفقه فضلا عن أصول الدين
 قلت هذا المنقول عن الشيخ ابي حامد وأمثاله من أئمة اصحاب الشافعي أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها
 وقد ذكر الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابو اسحاق الشرازي وغير واحد بينوا مخالفة الشافعي وغيره من الأئمة لقول ابن كلاب والأشعري في مسألة الكلام التي امتاز بها ابن كلاب والأشعري عن غيرهما والا فسائر المسائل ليس لابن كلاب والأشعري بها اختصاص بل ما قالاه قاله غيرهما إما من أهل السنة والحديث وإما من غيرهم بخلاف ما قاله ابن كلاب في مسألة الكلام واتبعه عليه الأشعري فإنه لم يسبق ابن كلاب الى ذلك أحد ولا وافقه عليه أحد من رؤوس الطوائف واصله في ذلك هي مسألة الصفات الإختيارية ونحوها من الأمور المتعلقة بمشيئته وقدرته تعالى هل تقوم بذاته أم لا فكان السلف والأئمة يثبتون ما يقوم بذاته من الصفات والأفعال مطلقا والجهمية من المعتزلة وغيرهم ينكرون ذلك مطلقا فوافق ابن كلاب والسلف والأئمة في إثبات الصفات ووافق الجهمية في نفي قيام الأفعال به تعالى وما يتعلق بمشيئته وقدرته
 ولهذا وغيره تكلم الناس فيمن اتبعه كالقلانسي والأشعري ونحوهما بأن في أقوالهم بقايا من الإعتزال وهذه البقايا أصلها هو الإستدلال على حدوث العالم بطريقة الحركات فإن هذا الأصل هو الذي أوقع المعتزلة في نفي الصفات والأفعال"

وهذا النص مع أهميته أهمله الباحث على طريقته في إهمال النصوص التي لا تؤيده

فتأمل كيف أن هذا الرجل أهمل كل النصوص السابقة مع كونها صريحة في أنها على شرطه في الكتاب الذي جمعه .
 ويدعي أن الأشاعرة مسلمين باتفاق هذا مع تكفيره لمن يحكم القانون الوضعي

ومثله في التعامي علي الشبل الذي صرح في تعليقه على الرسالة الواضحة أنه لا يعلم عالماً راسخاً صرح بتكفير الأشعرية ! ، ويتناقض فيذكر أن الهروي يكفرهم

بل إن الهروي في ذم الكلام نقل تكفيرهم عن أكثر من ألف شيخ

ولكن يبدو أن الشبل يزيل صفة الرسوخ عن هؤلاء ، هذا مع وصفه لعدد من علماء الأشاعرة بأنهم ( من الراسخين  )!

وقد اتفق السلف على تكفير الجهمية المخلوقية والواقفة واللفظية كما نقله حرب الكرماني في عقيدته  والأشاعرة قولهم في القرآن أشنع من أقوال هؤلاء جميعاً وإنكارهم العلو أشنع كما تقدم

قال البربهاري في شرح السنة :" 54 - والإيمان بأن الله هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم"

وهذا قول الأشعرية

وقال اللالكائي في السنة :" سياق ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة ، وأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يتحدى به ، وأن يدعو الناس إليه ، وأنه القرآن على الحقيقة . متلو في المحاريب ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في صدور الرجال ، ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن ، وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة "

وهذا تكفير للأشاعرة لأنهم يقولون بالحكاية وبمثل قول اللالكائي قال ابن بطة ، وقال عبد الغني المقدسي وابن قدامة وغيرهم كثير فكل هؤلاء ليسوا من الراسخين عند الشبل أو لم يقف على كلامهم ولو ترك الدعاوى لكان خيراً له

وقال الآجري في الشريعة :" فَإِنْ عَارَضَهُمْ إِنْسَانٌ جَهْمِيٌّ فَقَالَ: مَخْلُوقٌ، أَوْ قَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفَ، أَوْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، أَوْ قَالَ: هَذَا الْقُرْآنُ حِكَايَةٌ لِمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُهْجَرَ وَلَا يُكَلَّمَ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَيُحَذَّرَ مِنْهُ"

فهنا تصريح بعدم جواز الصلاة خلف الأشاعرة القائلين بالحكاية وأنهم جهمية

وقال صالح ابن الإمام أحمد في سيرة أبيه ص70:" قلت لأبي من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق يكلم  ؟ قَالَ هَذَا لَا يكلم وَلَا يصلى خَلفه وان صلى رجل أعَاد"
وهذا ينطبق على الأشاعرة من باب أولى وبه يفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ _ رحمه الله _
وفيه رد على عبد العزيز القاري الذي يبيح الصلاة خلفهم مطلقاً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي