مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: « نقد لقصاص الديمقراطية » قراءات مشبوهة في التاريخ الإسلامي

« نقد لقصاص الديمقراطية » قراءات مشبوهة في التاريخ الإسلامي


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                  
         
فخلال قراءاتي فيما كتب في السيرة النبوية ، وسيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم خلفائه الراشدين من قبل المعاصرين ، رأيت العجب العجاب من الاجتزاء ، والاقتصار على ما يؤيد مذهب الكاتب ، وإن كان ضعيفاً أو واهياً ، والبعد عما يخالف ذلك ، وإن كان صحيحاً ثابتاً .

فمما اشتهر عند المعاصرين ، وذكر في الكثير من الكتب الدراسية ، قصة إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم لأسارى بدر مقابل تعليمهم لصبيان المسلمين الكتابة .

قال ابن سعد في الطبقات[ 1594] : أَخْبَرَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ ، أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ فِدَاءُ أُسَارَى بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ أُمِرَ أَنْ يُعَلِّمَ غِلْمَانَ الأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ .

وقال [1595] : أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ :
أَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ أَسِيرًا ، وَكَانَ يُفَادِي بِهِمْ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَكْتُبُونَ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لاَ يَكْتُبُونَ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِدَاءٌ دُفَعَ إِلَيْهِ عَشَرَةُ غِلْمَانٍ مِنْ غِلْمَانِ الْمَدِينَةِ فَعَلَّمَهُمْ ، فَإِذَا حَذَقُوا فَهُوَ فِدَاؤُهُ.

وقال [1596] : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ قُرَيْشٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : كَانَ فِدَاءُ أَهْلِ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ، أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَلَّمَ عَشْرَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْكِتَابَةَ ، فَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِمَّنْ عُلِّمَ.

أقول : والأسانيد للشعبي لا تصفو ففي السند الأول مجالد وهو ضعيف ، والثاني فيه الجعفي متروك ، والثالث فيه قريش وهو مجهول ، والخبر مرسل ، وسياقته تختلف عن السياقة المشهورة في الكتب الدراسية ، فإن الخبر صريحٌ في أن من لم يكن له فداء فهذا فداؤه .

واعتضد هذا المرسل بما روى الحاكم [ 2678 ]:
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ ، ثنا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ لَيْسَ لَهُمْ فِدَاءٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ : أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ .
قَالَ : فَجَاءَ غُلَامٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي .
قَالَ : الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِدَخْلِ بدْرٍ وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِ أَبَدًا .

أقول : وتجتنب القراءات الانتقائية ما ثبت في صحيح مسلم في شأن أسارى بدر

قال مسلم [ 4610] :
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ : فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ :
بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ : أَقْدِمْ حَيْزُومُ ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ ، وَشُقَّ وَجْهُهُ ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ ، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : صَدَقْتَ ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ .
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ : مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟
قُلْتُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا .
فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمِ الْفِدَاءَ
 لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ .

قال الطبري في تفسيره [ 14/ 58 ] :
وإنما قال الله جل ثناؤه [ذلك] لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يعرِّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثم فادى بهم ، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.اهـ

أقول : فهذا الثابت في القرآن الكريم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان قتلهم بدلاً من المفاداة لكان هو الأولى

وقال الطبري في تفسيره [ 16286] :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله :
{ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} ، وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم ، أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى :{ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }، ، فجعل الله النبيَّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار ، إن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادَوْهم .
أقول : فقتل الأسرى مشروع حتى بعد بدر ، إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك

وهنا وقفة : وهو أن بعض من يناظر النصارى يرهبه الكفار ببعض الأطروحات الديمقراطية العصرية فيقولون لهم ( كيف يقتل الأسير ؟ )
ويتقهقر ضعيف الإيمان وقليل العلم ، فيذهب يعلل ذلك بتعليلات باردة ، والواجب التسليم لله ولرسوله ، والأرواح التي بين جنوب الكفار الله عز وجل خالقها ومالكها وله سبحانه وتعالى أن يهبها لعباده المؤمنين
 وقد حلت دماؤهم ، بجريمة الكفر وقتال المسلمين ، ثم إن في قتل بعض الكفار من المصلحة العظيمة ما لا تدركه عقول المستغربين من إرهاب أهل دينهم ، أو كف شر بعضهم إذا كان من أهل النكاية بالمسلمين .

وهنا مثالٌ آخر للقراءات المشبوهة ، وهو ما قعقع به بعض الكتاب في زمن ازدهار الاشتراكية
 من نسبة القول بالاشتراكية لأبي ذر - رضي الله عنه -، وهذا هو دأبهم كلما أحدث الكفار شيئاً تكلف القوم ، استخراج الأدلة من الكتاب والسنة وسير الصحابة على مشروعيته .
وقد تناسى أولئك الانتقائيون ما صح عن أبي ذر من تدينه بالسمع والطاعة لولي أمره
قال الطيالسي في مسنده [ 452 ] :
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ :
لَمَّا قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ مِنَ الشَّامِ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَحْسَبُ أَنِّي مِنْ قَوْمٍ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ وَلاَ أُدْرِكُهُمْ ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَرْجِعَ السَّهْمُ عَلَى فُوقِهِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَاللهِ لَوْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقُومَ مَا قَعَدْتُ مَا مَلَكَتْنِي رِجْلاَيَ وَلَوْ وَثَّقْتَنِي بِعَرْقُوَتَيْ قَتَبٍ مَا حَلَلْتُهُ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تَحُلُّنِي .
أقول : فهذا الخبر الصحيح ، يمثل قمة الانبطاح عند دعاة الثورة ، والاشتراكية ، لهذا إذا تكلم أحدهم في سيرة أبي ذر لا يتعرض لهذا النص !

ومن أمثلة القراءات الانتقائية ما اشتهر اليوم عند دعاة الديمقراطية من التغني بالأثر المروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً "

وقد تم اجتزاء هذا النص من السيرة العمرية الحافلة ، لإظهاره بصورة الحاكم المؤمن بحقوق المواطنة ، وعدم مشروعية استرقاق .

والقصة أولاً : لا تثبت فقد رواها ابن عبد الحكم في [ فتوح مصر - ص114] ، فقال : حُدِّثنا عن أبي عبدة عن ثابت البناني وحميد عن أنس .
ففي السند أولاً انقطاع .

وفي متنها نكارة إذ كيف يسب عمر عمرواً بذنب لم يفعله 



أقول : ثم إن هؤلاء يتناسون ما صح في السيرة العمرية من الشروط العمرية لأهل الذمة
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة [ 6/2] :
قال : الخلال في كتاب أحكام أهل الملل أخبرنا عبد الله بن أحمد فذكره .
وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال :
كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه :
ألا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب .
ولا يجددوا ما خرب .ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم .
ولا يؤوا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن .
ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه.
وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس.
ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا .
ولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رؤوسهم .
وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين .
ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين .
ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين.
فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.اهـ

قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم [ ص282 ] :
وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم ، وهي مجمع عليها في الجملة ، بين العلماء من الأئمة المتبوعين ، وأصحابهم ، وسائر الأئمة ، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها.اهـ

أقول: فهذه الشروط تنافي الديمقراطية ، والمواطنة منافاةً جذرية فلماذا لا يذكرونها ، إذا تكلموا عن سيرة عمر بن الخطاب ، وبعض هؤلاء مستعدٌ للجلوس الأيام والليالي يتغنى بعدل عمر - رضي الله عنه - ويجتنب هذا الذي هو عند أهل العلم من أعظم المناقب ، ومن أدلها على فقهه وسداده ، رضي الله عنه ، ونفعنا بعلومه الجمة .
بل دعني آتيك بأمرٍ تطيش له أحلام دعاة الديمقراطية .
قال البيهقي في السنن الكبرى [ 18498 ] :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد ثنا قبيصة بن عقبة عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن أسلم قال :
كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد أن اختموا رقاب أهل الجزية في أعناقهم .

أقول: قبيصة عن سفيان فيه ضعف
 وفي القلب منه شيء لحال رواية قبيصة عن سفيان غير أنه متابع عند أبي عبيدة القاسم في كتاب الأموال فالخبر صحيح عن عمر  ، وهو على كل حال ، أحسن حالاً من حادثة [ متى استعبدتم الناس ] من جهة الثبوت ، والقوم لا يحبذون هذا ، لأن الكفر عند منظمات حقوق الإنسان ليس جريمةً تستحق العقوبة
ولو رجعت إلى محاضرات الحركيين من أمثال سلمان العودة ومحمد حسان و عائض القرني ، لوجدتهم يكثرون من ذكر حادثة [ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ].
ولا تجد ذكراً لما هو أصح من هذه الحادثة مما تقدم ذكره .

ومن هؤلاء من هو مضطرب ، بين ما بعض ما تحصل عليه من العلم الشرعي ، وما وجده في كتب من يسمى بـــــــ[ المفكرين الإسلاميين ] ، الذين تأثر عامتهم بالأطروحات الغربية ، فتجده لا يستقيم على قَدَم.

ومن أمثلة القراءات المشبوهة ما اشتهر من قصة علي بن أبي طالب مع الكتابي في شأن الدرع التي سرقها الكتابي ، وإليك القصة بدون بتر قصاص الديمقراطية وحقوق الإنسان على ضعف سندها .
قال البيهقي في الكبرى [ 20465 ] :
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ , أنبأ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ ، ثنا أُسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ الْجَمَّالُ , ثنا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي , أنبأ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْخُرَاسَانِيِّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي هَارُونَ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ , ثنا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ , عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ :
خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ , فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا ، قَالَ : فَعَرَفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الدِّرْعَ فَقَالَ : هَذِهِ دِرْعِي ، بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ : وَكَانَ قَاضِيَ الْمُسْلِمِينَ شُرَيْحٌ ، كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَقْضَاهُ ، قَالَ : فَلَمَّا رَأَى شُرَيْحٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَامَ مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ، وَأَجْلَسَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مَجْلِسِهِ , وَجَلَسَ شُرَيْحٌ قُدَّامَهُ إِلَى جَنْبِ النَّصْرَانِيِّ .
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَمَا يَا شُرَيْحُ لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَقَعَدْتُ مَعَهُ مَجْلِسَ الْخَصْمِ ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
[ لَا تُصَافِحُوهُمْ، وَلَا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلَامِ ، وَلَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ , وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ ، وَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى مَضَايِقِ الطُّرُقِ ، وَصَغِّرُوهُمْ كَمَا صَغَّرَهُمُ اللهُ ]
اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحُ ، فَقَالَ شُرَيْحٌ : تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ ، قَالَ : فَقَالَ شُرَيْحٌ : مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ ؟
قَالَ : فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : مَا أُكُذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، الدِّرْعُ هِيَ دِرْعِي قَالَ : فَقَالَ شُرَيْحٌ : مَا أَرَى أَنْ تُخْرَجَ مِنْ يَدِهِ ، فَهَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : صَدَقَ شُرَيْحٌ ، قَالَ : فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ :
أَمَّا أَنَا ، أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَجِيءُ إِلَى قَاضِيهِ ، وَقَاضِيهِ يَقْضِي عَلَيْهِ هِيَ وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دِرْعُكَ ، اتَّبَعْتُكَ مِنَ الْجَيْشِ وَقَدْ زَالَتْ عَنْ جَمَلِكَ الْأَوْرَقِ ، فَأَخَذْتُهَا ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَمَّا إِذَا أَسْلَمْتَ فَهِيَ لَكَ ، وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ .
قَالَ : فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : لَقَدْ رَأَيْتُهُ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ.

أقول :عمرو بن شمر وجابر الجعفي كذابان ، وتأمل إيراد علي لحديث [ لَا تُصَافِحُوهُمْ ، وَلَا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلَامِ ، وَلَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ , وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ ، وَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى مَضَايِقِ الطُّرُقِ ، وَصَغِّرُوهُمْ كَمَا صَغَّرَهُمُ اللهُ ] وكيف أن هذا المقطع يبتر من القصة كلما ذكرت مع وجوده في كل طرقها
فما سبب هذا البتر ؟!

فهذا المدعو عبد الله الجلالي في رسالةٍ له عمن يظلهم الله في ظله لما تكلم عن الإمام العادل قال :
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه : فقد فَقَد درعه ذات يومٍ في معركة صفين ، فذكر له أن الدرع عند يهودي ، فأخذ اليهودي إلى القاضي شريح ، وقال للقاضي : هذا اليهودي أخذ درعي .
فقال شريح لليهودي : أأخذت درعه ؟ فقال : لا .
فيلتفت إلى أمير المؤمنين علي - وهو الخليفة – ويقول : ألك بينة يا أبا الحسن ؟
فيقول : والله ما عندي بينة ! فقال : إذاً الدرع لليهودي ! فلما ولى اليهودي رجع مؤمناً ؛ لأن هذه الأخلاق تدعو إلى الإسلام ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وأشهد أن هذه أحكام أنبياء ، الدرع لك يا أمير المؤمنين ، تبعتك يوم صفين فسقط منك فأخذته .
انظر يا أخي ماذا فعل العدل !! رد الدرع والحق إلى صاحبه ، ودخل رجل يهوديٌ في الإسلام وحسن إسلامه ، وانتهت القضية بالعدل ، الذي لا يُحكم الناس إلا به.
إن ديننا الإسلامي دين عدل حتى مع غير المسلمين ، فلابد أن يُــنصفَ الكافرُ من المسلم إذا كان المسلم ظالماً .اهـ
أقول :فانظر كيف جاءت القصة مبتورة ؟!

وهذا محمد حسان في محاضرةٍ له بعنوان [ لا سعادة إلا بالإسلام ] يقول :
اقرءوا التاريخ : ها هو علي يقف إلى جوار يهودي بعدما سرق اليهودي درع علي ، ويقاضي علي اليهوديَّ أمام قاضي المسلمين ،- انظر معي- يقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أمام خصمه ، أمام قاض من قضاة المسلمين في ساحة القضاء ، ويكني شريح القاضي رحمه الله ، أي : ينادي عليه بكنيته ويقول : يا أبا الحسن ! وينادي على اليهودي باسمه مجرداً دون تكنيه ، فغضب علي ، ونظر إلى شريح وقال : إما أن تكني الخصمين معاً ، وإما أن تدع تكنيتهما معاً .
! ارفعوا رءوسكم إلى كواكب الجوزاء في عنان السماء ، وبينوا للعالم كله إسلامكم.اهـ
أقول : ما يتعلق بالكنى لم أجده ! ، وعلي لم يجلس إلى جانب اليهودي كما تقدم معنا ، ولكن القوم لهم زيادات .

وهذا عائض القرني في محاضرةٍ له في شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله يقول :
أورد أهل السير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه - وسِيَرَهُ وسير أبي بكر و عمر و عثمان ؛ هؤلاء الصفوة هي التي تحيي القلوب بإذن الله عز وجل ، والذي يريد أن يعرف ويتعرف على الإسلام؛ فعليه أن يقرأ سير هؤلاء فإنهم هم الذين هداهم الله وذكرهم في كتابه .
فَقَدَ علي بن أبي طالب درعه ، فأخذه يهودي ، فمر علي رضي الله عنه ، فرأى درعه على اليهودي ، فأمسكه بتلابيبه ، وقال : درعي يا يهودي ! و علي في ذلك الوقت خليفة المؤمنين من شرق الأرض إلى غربها ، وبإمكانه أن يدعو الجنود فيضربوا هذا اليهودي حتى لا يدري أين الشرق من الغرب ، لكن لا ,
فالأمر شورى والخلافة بيعة والحق حق والحقوق قضاء
فقال اليهودي : ليس هذا بدرعك.
فقال علي : بل درعي والله.
والواجب أن يصدق ، فقال اليهودي : أتحاكم أنا وأنت.
قال : أنا الخليفة.
قال : لا , أنت ستحكم لنفسك.
وأراد اليهودي أن يمتحنه ، فذهبوا إلى شريح القاضي ، وهو أحد قضاة علي رضي الله عنه وأرضاه ، فلما أتوا إليه قام فرحب بـ علي بن أبي طالب ، قال علي : لا ترحب بي ، لأنني خصم.
أنا جئتك اليوم خصم ، وما جئتك خليفة ، إذا جئتك خليفة فرحب بي ، ولكن ساو بيننا في لحظك ولفظك .
فقال شريح : اجلس هنا يا أمير المؤمنين ! قال : لا.
لأنني خصم ، إما أن تجلسنا سوياً في مكان واحد ، أو أجلسنا على الأرض في مكان واحد ، فأجلس علياً بجانب اليهودي على الأرض ، وجلس شريح على كرسي القضاء.
ثم قال : هل لك بينة يا أمير المؤمنين أن الدرع درعك ؟ قال : نعم.
يشهد لي شاهد.
قال : من شاهدك ؟ قال : ابني.
قال : أنت تعلم أن الابن لا يشهد لأبيه.
و علي يريد أن يختبر القاضي ، قال : إذاً ليس عندي شاهد.
قال : إذاً فالدرع درع اليهودي ، لأنك لم تأت ببينة ، فأخذه اليهودي فولى ، ثم التفت وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، آمنت بهذا الدين الذي أجلسك يا أمير المؤمنين بمجلس معي، والله الذي لا إله إلا هو إن الدرع درعك ، فأعطاه وسلمه ودخل في الإسلام.اهـ

أقول :وما قاله عائض القرني من جلوس علي مع اليهودي ! معاً كذب يخالف الرواية الواردة في الكتب ، وما قاله من أمر الترحيب لم أجده ! ، ولكن هذه هي عادتهم يسبكون من عند أنفسهم
زيادات [ درامية ] لـــــــ[ تجميل ] القصة !

وقال عبد الله عزام في كتابه العقيدة وأثرها في بناء الجيل :
أما الخليفة والأمير والحاكم فهم جميعا خلق الله ، ويعبدون الله بتنفيذ هذا القانون الرباني ، فماداموا من خلق الله فهم عبيد وليسوا آلهة لا يسألون .

وهذا الواقع التاريخي الإسلامي يدل على هذا ، فهذا يهودي يشتكي عليه الخليفة علي رضي الله عنه إلى القاضي شريح بشأن درعه فيحكم شريح لليهودي بالدرع.اهـ

وقال الصلابي في [ سيرة علي بن أبي طالب ص318] :
لقد كان أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه قدوة في عدله ، أسر القلوب وبهر العقول ، فالعدل في نظره الذي يسعى لتطبيقه في الحكم هو إحدى أهم ركائز الخلافة الراشدة.
دعوة عملية للإسلام تفتح قلوب الناس للإيمان ، وقد سار على ذات نهج الرسول , فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس .
فعن شريح قال : لما توجه على رضي الله عنه إلى حرب معاوية ، رضي الله عنه ، افتقد درعًا له ، فلما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة ، أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق ، فقال له :
يا يهودي ، هذا الدرع درعي ، لم أبع ولم أهب .
فقال اليهودي : درعي وفي يدي ، فقال على : نصير إلى القاضي ، فتقدما إلى شريح ، فجلس على إلى جنب شريح ، وجلس اليهودي بين يديه.
فقال شريح : قل يا أمير المؤمنين ، فقال : نعم ، أقول : إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي ، لم أبع ولم أهب ، فقال شريح : يا أمير المؤمنين بينة .
قال : نعم قنبر والحسن والحسين يشهدون أن الدرع درعي ، قال: شهادة الابن لا تجوز للأب ، فقال : رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ؟
سمعت رسول الله يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
فقال اليهودي : أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ، وقاضيه قضى عليه ؟ أشهد أن هذا الحق ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وأن الدرع درعك ، كنت راكبًا على جملك الأورق وأنت متوجه إلى صفين فوقعت منك ليلاً ، فأخذتها .
قال : أما إذا قلتها فهي لك ، وحمله على فرس ، فرأيته وقد خرج فقاتل مع على الشراة بالنهروان.اهـ

أقول : وسآتيك بلفظ القصة من المصادر الأصلية وأوقفك على بتر الصلابي لجزءٍ مهم من القصة

قال وكيع في أخبار القضاة [2/ 200] :
حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللهِ بْن معاوية بْن ميسرة بْن شريح بْن الحارث القاضي قال : حَدَّثَنِي أبي، عَن أبيه معاوية ، عَن ميسرة، عَن شريح ، قال :
لما توجه علي رضي الله عنه إِلَى قتال معاوية افتقد درعاً له ، فلما رجع وجدها في يد يهودي يبيعها بسوق الكوفة ، فقال : يا يهودي الدرع درعي لم أهب ولم أبع.
فَقَالَ اليهودي : درعي وفي يدي ، فَقَالَ : بيني وبينك القاضي ، قال : فأتياني.
فقعد علي إِلَى جنبي واليهودي بين يدي ، وقال: لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس.
ولكني سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: [ أصغروا بهم كما أصغر الله بهم ]
ثم قال : هذه الدرع درعي ، لم أبع ، ولم أهب ، فَقَالَ : لليهودي : ما تقول ?
قال : درعي وفي يدي ، وقَالَ : شريح : يا أمير المؤمنين هَلْ من بينة ?
قال : نعم الْحَسَن ابني ، و قنبر يشهدان أن الدرع درعي.
قَالَ : شريح : يا أمير المؤمنين شهادة الابن للأب لا تجوز ، فَقَالَ : علَيْ سَبحان الله ! رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته.
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : [ الْحَسَن والحسين سيدا شباب أهل الجنة] .
فَقَالَ : اليهودي : أمير المؤمنين قدمني إِلَى قاضيه ، وقاضيه يقضي عليه أشهد أن هَذَا الدين على الحق، وأشهد أن لا إله إِلَّا الله ، وأن مُحَمَّداً عَبْده ورسوله وأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين ، سقطت معك ليلاً ، وتوجه مع علي يقاتل معه بالنهروان فقتل.اهـ
أقول : فبتر الصلابي قول علي [ ولكني سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أصغروا بهم كما أصغر الله بهم لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس ] ، وهذا لأن قول علي هذا ينافي حقوق المواطنة !
وهذا الخبر أيضاً موضوع فشيخ وكيع ترجم له الذهبي في الميزان ونقل عن أبي حاتم أنه حكم على خبره بالوضع ، وفي سنده مجاهيل ، وعلي بن أبي طالب كان أقضى الصحابة ، ومن أعلمهم بمن تجوز شهادته ومن لا تجوز .

وقد صح عن علي بن أبي طالب أمرٌ ما أحسب القوم سيتحمسون إلى نشره
قال عبد الرزاق في المصنف [ 18710 ] :
عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ , عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي , عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ :
أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ تَنَصَّرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ , فَبَعَثَ بِهِ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ إِلَى عَلِيٍّ , فَاسْتَتَابَهُ , فَلَمْ يَتُبْ , فَقَتَلَهُ , فَطَلَبَتِ النَّصَارَى جِيفَتَهُ  بِثَلَاثِينَ أَلْفًا , فَأَبَى عَلِيٌّ وَأَحْرَقَهُ .
أقول : تحرفت [ سليمان التيمي ] في المطبوعة إلى [ سليمان الشامي ]
وهذا إسنادٌ صحيح ، والظاهر أنه أحرق جثته بعد ما مات , فهذا يدل على أن الكفر و الردة عندهم جريمةٌ كبرى تستحق أقصى العقوبات المتاحة .

وهذا عبد الرحمن بن عوف الذي تحمس كثيرٌ منهم لما روي عنه من أنه استشار حتى النساء في خدورهن في خلافة عثمان ، وهذا لا يصح ، ولو صح فهو لم يستشر الفاسقات والفاجرات ، ولم يكن معياره الأغلبية .

بل عمر الذي هو خير من عبد الرحمن إجماعاً حصر الشورى في نفرٍ معينين ، ثم إن القصة في حد ذاتها فيها الرد عليهم فقد قال :[ في خدورهن ] ولم يقل أنهن خرجن مع الرجال جنباً إلى جنب كما يحصل في المظاهرات والاستفتاءات الديمقراطية ، بل إن عبد الرحمن لم يستشر إلا المهاجرين والأنصار ، وهذا ظلم عند دعاة الديمقراطية .
ثم إنه قد صح عن عبد الرحمن بن عوف في صحيح البخاري ما يدل على أنه لا يرى إدخال رعاع الناس في أمر الولاية والشورى .

قال البخاري في صحيحه [ 3928 ] :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ :
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَوَجَدَنِي فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ وَالسَّلَامَةِ وَتَخْلُصَ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ قَالَ عُمَرُ لَأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ

أقول : فانظر كيف نهى عمر ، عن الكلام في أمر الخلافة في الموسم ، لأنه يجمع الناس ، واعجب ممن يترك هذا الصحيح الوارد في أصح كتابٍ بعد كتاب الله عز وجل , ويتمسك برواية لا خطام لها ولا زمام
والأمر في تتبع القوم يطول ، وتحريفهم لم يقتصر على سير الصحابة ، والمراد هنا التنبيه فقط ، وإلا فالأمر أوسع من هذا .

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي