السبت، 23 يونيو 2018

هل أراد النبي صلى الله عليه وسلم تطليق سودة لما كبرت ؟




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :



فإن مما يشيعه المنصرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلق سودة لما كبرت رضي الله عنها وأرضاها

وهم مع كفرهم بكل معجزاته ومناقبه زهده وعبادته المتواترة يؤمنون بهذه الرواية التي سأبين لك ضعفها وأنه ليس فيها ما يقولون على ضعفها

وهم عندهم الأنبياء يزنون كما ينسبون لداود بل ويكفرون كما ينسبون لسليمان ويعيبون على نبينا صلى الله عليه وسلم مجرد إرادة الطلاق

قال أبو داود في سننه 2135 - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا عبدُ الرحمن - يعني ابنَ أبي الزناد - عن هشامِ بنِ عُروة، عن أبيه، قال:
قالت عائشةُ: يا ابنَ أُختي، كان رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلم - لا يُفضِّلُ بعضنا
على بعضٍ في القَسمِ، من مُكثه عِندنا، وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يَطُوفُ
علينا جميعاً، فيدنو مِنْ كُلِّ امرأة مِن غير مَسِيسٍ حئى يَبْلُغَ إلى التي
هو يَوْمُها فيبيتُ عندها، ولقد قالت سودَةُ بنتُ زمْعَةَ حين أسنَّتْ
وَفرِقَتْ أن يُفَارِقَها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم -: يا رسولَ الله، يومي لِعائشة، فَقَبِلَ.

هذه هي الرواية وهي خارج الصحيحين وسأبين لك عدم صحتها

فمدارها على عبد الرحمن بن أبي الزناد تكلم فيه كثيرون وقال عنه أحمد أنه مضطرب الحديث وقد اضطرب هنا فتارة روى الحديث موصولاً كما في رواية أبي داود وتارة رواه مرسلاً كما في رواية سعيد بن منصور

قال سعيد بن منصور في سننه 702- قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَاد  ، عَنْ هِشَام بْنُ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ  ، قَالَ أنْزِلَت فِي سَوْدَة  وأشباهِها: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نشوزًا أو إعراضًا} قَالَ: ذَلِكَ أَنَّ سَوْدَةَ بنتَ زَمْعَةَ قَدْ أسَنَّت، فَفَرِقَتْ  أَنْ يُفَارِقَها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَنَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْهُ، وَعَرَفَتْ مِنْ حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ، وَمَنْزِلَتِهَا مِنْهُ، فَوَهَبَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم.

وهذا الاضطراب وحده كاف مع ما ذكر علي ابن المديني أن رواية العراقيين عن عبد الرحمن فيها مناكير

وأما يذكر عن يحيى بن معين أنه أثبت الناس في هشام بن عروة فهذا يخالف كل روايات يحيى التي فيها تضعيفه ورواية الثناء من طريق ابن شاهين وله أوهام معروفة
قال السهمي: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيّ يقول أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين، يلج على الخطأ، وهو ثقة. (344) .
وقال محمد بن عمر الداوودي قال لي الدَّارَقُطْنِيّ يومًا ما أعمى قلب ابن شاهين، حمل إلي كتابه الذي صنفه في التفسير، وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطأ فرأيته قد نقل تفسير ابن الجارود، وفرقه في الكتاب، وجعله عن ابن الجارود، عن زياد بن المنذر، وإنما هو عن أبي الجارود زياد بن المنذر. «لسان الميزان

فهذه الرواية المخالفة للمشهور عن يحيى ينبغي أن يتحفظ عليها

ومع اضطراب عبدالرحمن وكون الرواية لم تذكر موصولة عنه إلا من طريق عراقي ومع ما قيل في تضعيفه فقد روى الخبر عن هشام بن عروة غيره دون ذكر خوف سودة من أن يطلقها رسول الله ( ولا يوجد في أي رواية أن الرسول صرح بأنه يريد تطليقها )

قال ابن ماجه - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ (ح) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ؛ جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : لَمَّا أَنْ كَبِرَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ , وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِ سَوْدَةَ.

فهؤلاء جمع من الثقات رووا الخبر بدون زيادة عبد الرحمن بن أبي الزناد الذي فيه كلام مما يدل على شذوذ تلك الزيادة وأن سودة إنما أهدت ليلتها لأنها كبرت وما عادت تطيق الرجال
قال الإمام مسلم في التمييز ص189(( الزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في الحفظ ))

وعبد الرحمن ليس كذلك بل ابن عدي استنكر عليه عدة أخبار عن هشام

قال ابن أبي شيبة في المصنف 16732- حدثنا ابن نمير , عن هشام بن عروة , عن أبيه أن سودة لما أسنت وهبت يومها لعائشة حتى لقيت الله.
حدثنا عقبة بن خالد , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة بمثله
وهذه رواية ابن نمير الثقة الثبت وهي رواية مرسلة وهي مختصرة بدون تلك الزيادة الشاذة التي ذكرها عبد الرحمن

وقال البخاري 5212- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ

وقال مسلم في صحيحه 3619- [47-1463] حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاَخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ ، قَالَتْ : فَلَمَّا كَبِرَتْ ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ.
3620- [48-...] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ (ح) وحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ (ح) وحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ، أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ.
وَزَادَ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ ، قَالَتْ : وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدِي

فهذا جمع كبير من الثقات يبلغون الثمانية كلهم رووا الخبر بدون زيادة ذكر خوف سودة من الطلاق وإنما ذكروا أنها كبرت فحسب .

وهشام بن عروة هنا يروي عن أبيه عروة وقد روى الزهري الإمام هذا الخبر عن عروة بدون تلك الزيادة مما يؤكد على شذوذها 

وقال البخاري 2450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] قَالَتْ: " الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ المَرْأَةُ، لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا، يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ "
 

ولعل عبد الرحمن اختلطت عليه هذه الرواية برواية إهداء الليلة 



قال البخاري في صحيحه 2593- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهناك رواية منكرة عند الطبري من رواية سليمان بن معاذ ( وهو سليمان بن قرم ضعيف يتشيع صاحب مناكير ) عن سماك ( وهذا كان يلقن في حديثه عن عكرمة فلا يعتمد ) عن عكرمة عن ابن عباس في موضوع خوف سودة من الطلاق

وحتى زيادة عبد الرحمن ليس فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأي شيء ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم لطلقها فلماذا يبقى ينفق عليها وهو لا ينتفع بها شيئاً ! 

وأما رواية القعود في الطريق فهذه ما وجدت لها إسناداً ( غير ما ذكر ابن كثير في تفسيره ) مع كونها مرسلة أصلاً وقال ابن كثير غريب مرسل وفعلاً رواية غريبة شاذة تخالف الثابت

وقد أشار ابن قطلوبغا إلى شذوذ رواية ذكر الطلاق كما في تخريج أصول البزدوي فقال :"  وأصلُ الحديثِ في الصحيحين وغيرهما بدون طلاق"

وفي بعض كتب التخريج ذكر رواية شاذة عن هشام بن عروة فيها ذكر الطلاق صراحة ولم أجدها فيما بين يدي المصادر وهي مرسلة على شذوذها ومع ذلك فيها أنها صرحت للنبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تريد الرجال وما لها بهم حاجة ولكنها تريد أن تبعث مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهي رغبتها واضحة بأنها لا تقوى على الرجال ولما طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدها أعادها فالرواية على ضعفها حجة عليهم

وبهذا ننقض شبهة المنصر التافه رشيد ومن تناقضهم أنهم يرددون أن خديجة كانت تاجرة وغنية وهذا لم يرد إلا في روايات ابن إسحاق وهم ينكرون روايات ابن إسحاق التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقال الصادق الأمين ففقط يأخذون ما يريدون ويتركون ما يريدون .



هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم