الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فإن عصرنا عصر العجائب بحق ، وقد
بلينا بجيل جديد تدينه على هواه فكل ما ألفه في أيام الفسق لا بد أن يحل أو يجد له
مبرراً ، فشخص يتابع الأفلام ويحللها بحجة النظر في صورتهم للمتدين ونقدها ، وآخر
يفشي الغزل الفاحش ويحتج بأمور تروى عن السلف وهو يتكلم بهذا في محافل فيها النساء
الشابات في أزمنة انتشر الخنا والشبق بين الشباب والشابات حتى رأينا العجب فهل
ينقصك الأمر ؟
فمن ذلك دعوى بعضهم أن عبد الله بن
عباس رضي الله عنه أقر غزلاً فاحشاً لعمر بن أبي ربيعة علماً أن الرواية فيها أنه
أنشده قصيدة كاملة
وعمر بن أبي ربيعة رجل شقي كان في
عصر في أقوام أخيار فما علق شيئاً من علومهم ولا فضلهم ولا من تقواهم وقضى عمره في هراء وإنما انتفع ببعض شعره في
معرفة الغريب
على أنه حكيت عنه التوبة بآخره وكان
عفيفاً وإنما يتكلم بلسانه
عن عوانة بن الحكم: أن عمر بن أبي
ربيعة كان قد ترك الشّعر ورغب عنه، ونذر على نفسه لكلّ بيت يقوله هدي بدنة؛ فمكث
بذلك حيناً ثم خرج ليلة يريد الطّواف بالبيت إذ نظر إلى امرأة ذات جمال تطوف وإذا
رجل يتلوها، كلّما رفعت رجلها وضع رجله موضع رجلها، فجعل ينظر إلى ذلك من أمرهما؛
فلمّا فرغت المرأة من طوافها تبعها الرّجل هنيهةً ثم رجع، وفي قلب عمر ما فيه.
فلمّا رآه عمر وثب إليه وقال: لتخبرنّي عن أمرك؛ قال: نعم، هذه المرأة التي رأيت
ابنة عمّي، وأنا لها عاشق، وليس لي مال؛ فخطبتها إلى عمّي فرغب عنّي وسألني من
المهر ما لا أقدر عليه؛ والّذي رأيت هو حظّي منها وما لي في الدّنيا أمنية غيرها،
وإنّما ألقاها عند الطّواف وحظّي ما رأيت من فعلي.
قال له عمر: ومن عمّك؟ قال: فلان بن
فلان؛ قال: انطلق معي إليه؛ فانطلقا، فاستخرجه عمر فخرج مبادراً إليه فقال: ما
حاجتك يا أبا الخطّاب؟ قال: تزوّج ابنتك فلانة من ابن أخيك فلان، وهذا المهر الذي
تسأله مساق إليك من مالي. قال: فإني قد فعلت. قال عمر: أحبّ أن لا أبرح حتى
يجتمعا. قال: وذلك أيضاً.
قال: فلم يبرح حتى جمعهما، وأتى
منزله فاستلقى على فراشه، فجعل النّوم لا يأخذه، وجعل جوفه يجيش بالشّعر؛ فأنكرت
جاريته ذلك، فجعلت تسأله عن أمره، وتقول: ويحك، ما الذي دهاك؟ فلمّا أكثرت عليه
جلس و أنشأ يقول: من الوافر
تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت
وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت شوقاً ... وهاج
لك البكا داءً دفينا
بربّك هل رأيت لها رسولاً ... فشاقك،
أم رأيت لها خد ينا؟
فقلت: شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض
زماننا إذ تعلمينا
فعدّ عليّ ما يلقى بهند ... فوافق
بعض ما كنّا لقينا
وذو القلب المصاب وإن تعنّى ...
يهيّج حين يلقى العاشقينا
وكم من خلّة أعرضت عنها ... لغير
قلىً وكنت بها ضنينا
رأيت صدودها فصدفت عنها ... ولو جنّ
الفؤاد بها جنونا
وفي غير هذه الرّواية إلاّ أنه متى
قال بيت شعر أعتق رقبة، فذكر معناها، ثم قال: أستغفر الله وأتوب إليه. ثم دعا
بثمانية من مماليكه فأعتقهم.
عن صالح بن أسلم، قال: نظرت إلى
امرأة مستترة بثوب وهي تطوف بالبيت، فنظر إليها عمر بن أبي ربيعة من وراء الثّوب،
ثم قال: من الطويل
ألمّا بذات الخال واستطلعا لنا ...
على العهد باق ودّها أم تصرّما
قال: فقلت له: امرأة مسلمة غافلة
محرمة قد سيّرت فيها شعراً وهي لا تعلم! فقال: إني قد أنشدت من الشّعر ما بلغك؛
وربّ هذه البنّية ما حللت إزاري على فرج حرام قطّ.
قال الضّحاك بن عثمان: إن عمر بن أبي
ربيعة مرض واشتّد مرضه، فحزن عليه أخوه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة
حزناًشديداً؛ فقال عمر: يا أخي كأنك تخاف عليّ قوافي الشّعر؟ قال: نعم. قال: أعتق
ما أملك إن كان وطئ فرجاً حراماً قطّ. قال الحارث: الحمد لله، هوّنت عليّ
والقصة المشار إليها في كتاب
الأصفهاني الأغاني
قال الأصفهاني في الأغاني أخبرني
الجوهريّ والمهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللّه
الزّهريّ قال: حدّثنا ابن أبي ثابت،
وحدّثني به عليّ بن صالح بن الهيثم عن أبي
هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ والزّبيريّ والمدائنيّ ومحمد بن سلّام، قالوا: قال
أيّوب/ بن سيّار، وأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار
قال حدّثني محمد بن الحسن المخزوميّ عن عبد العزيز بن عمران عن أيّوب بن سيّار عن
عمر الركاء قال: بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من
الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين
[4] حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة
غد أم رائح فمهجّر
حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع
بن الأزرق فقال: اللّه يابن عبّاس! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام
فتتثاقل عنّا، ويأتيك غلام مترف من مترفي
قريش فينشدك:
/ رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ...
فيخزى وأمّا بالعشىّ فيخسر
فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟
فقال: قال:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ...
فيضحى وأمّا بالعشىّ فيخصر
فقال: ما أراك إلا وقد [9] حفظت
البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إيّاها. قال فإنّي أشاء، فأنشده
القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبّة: أنّ ابن عباس أنشدها من أوّلها
إلى آخرها،/ ثم أنشدها من آخرها إلى أوّلها مقلوبة، وما سمعها قطّ إلا تلك المرّة
صفحا [
أقول : هذه هي القصة التي استشهد بها
المعترض وهي في كتاب الأصفهاني فحسب
قال ابن الجوزي: (... وكان يتشيع،
ومثله لا يوثق بروايته، فإنه يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهون شرب الخمر،
وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب ((الأغاني)) رأى كل قبيح ومنكر) [المنتظم في
تاريخ الملوك والأمم (14/ 185) ].
وقال الحسن بْن الحسين النوبختي:
(كان أَبُو الفرج الأصبهاني، أكذب الناس، كان يدخل سوق الوراقين وهي عامرة،
والدكاكين مملوءة بالكتب، فيشتري شيئا كثيرا من الصحف ويحملها إِلَى بيته ثم تكون
رواياته كلها منها)[ تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (11/ 398).].
وقال الإمام الذهبي وهو يتحدث عنه: (
شيعي، وهذا نادر في أموي, كان إليه المنتهى في معرفة الأخبار وأيام الناس، والشعر,
والغناء, والمحاضرات، يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا).[ميزان الاعتدال (3/ 123)].
وطريق عمر الركاء مذكور في مختصر
تاريخ دمشق
وفيه محمد بن الحسن بن زبالة كذاب
وفيه عبد العزيز بن عمران متهم متروك
ولو فرضنا صحة هذه الرواية فهذا مجلس
رجال يافعين كل له زوجات وسراري فأنى يقاس هذا على حال من ينشر هذا بين المراهقين
والمراهقات في أزمنة الفساد مع الأمية الفظيعة في دين الله تبارك وتعالى
والآن إلى تأصيل المسألة علمياً
قال البخاري في صحيحه 5240 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ
الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا.
فإذا نهي عن أن توصف المرأة للرجل
المتزوج لئلا يشتهيها فكيف بوصف أحوال الجماع ومقدماته للعزاب والعازبات !
وجاء في مسائل الكوسج [3314-*] قلت:
ما يكره من الشعر؟ قال: [الهجاء و] الرقيق الذي يشبب بالنساء، وأما الكلام الجاهلي
فما أنفعه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الشعر حكمة"
قال إسحاق: كما قال.
وقال البيهقي في السنن الكبرى 9806 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ , أنبأ أَبُو
الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الصُّوفِيُّ , أنبأ أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ حَاتِمٍ النَّجَّارُ الْآمُلِيُّ , ثنا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ , ثنا حَمَّادٌ , عَنْ أَيُّوبَ ,
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ هُوَ وَامْرَأَتُهُ جَمِيعًا
بِعُمْرَةٍ فَقَضَتْ مَنَاسِكَهَا إِلَّا التَّقْصِيرَ فَغَشِيَهَا قَبْلَ أَنْ
تُقَصِّرَ فَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " إِنَّهَا
لَشَبِقَةٌ " , فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا تَسْمَعُ , فَاسْتَحْيَا مِنْ ذَلِكَ
وَقَالَ: " أَلَا أَعْلَمْتُمُونِي؟ " , وَقَالَ [ص:281] لَهَا: "
أَهْرِيقِي دَمًا " , قَالَتْ: مَاذَا؟ قَالَ: " انْحَرِي نَاقَةً ,
أَوْ بَقَرَةً , أَوْ شَاةً " , قَالَتْ: أِيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ , قَالَ:
" نَاقَةٌ " وَلَعَلَّ هَذَا أَشْبَهُ
وجاء في حديث إسماعيل بن جعفر 130 -
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ عَنِ امْرَأَةٍ قَدِمَتْ
مُعْتَمِرَةً فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَوَقَعَ
عَلَيْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ فَقَالَ: «لِتُهْدِي هَدْيًا بَعِيرًا
أَوْ بَقَرَةً». قَالَ حُمَيْدٌ فَذَكَرَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَشَبِقَةٌ» قِيلَ: إِنَّ
الْمَرْأَةَ شَاهِدَةٌ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «لِتُهْدِي هَدْيًا، بَعِيرًا أَوْ
بَقَرَةً»
فهذا ابن عباس استحيا من تلك الكلمة
أن تقال في حضرة المرأة فتأمل
وقال الشافعي في الأم :" وَمَنْ
شَبَّبَ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حِينَ
شَبَّبَ فَأَكْثَرَ فِيهَا وَشَهَرَهَا وَشَهَرَ مِثْلَهَا بِمَا يُشَبِّبُ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَنَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُ"
وجاء في البيان للعمراني :" وإن
شبب بامرأة، فإن ذكرها بفحش.. فسق بذلك وكان قاذفا. وإن لم يذكرها بفحش ولكن
وصفها، فإن كانت امرأة معينة وكانت غير زوجته وجاريته.. فسق بذلك؛ لأنه ليس له
تعريضها. وإن ذكر امرأة مطلقة.. لم ترد به شهادته؛ لأنه يحتمل أنه أراد به زوجته
أو جاريته. وإن مدح إنسانا وأفرط في مدحه.. ردت شهادته؛ لأنه كذب."
وجاء في سنن سعيد بن منصور 345-
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَيْنٍ ،
عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَزَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَاحِلَتِهِ ، فَجَعَلَ
يَسُوقُهَا ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ :
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا
... إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ ... لَمِيسَا
ذَكَرَ الْجِمَاعَ ، وَلَمْ يُكَنِّ
عَنْهُ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ تَقُولُ
الرَّفَثَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ ؟ قَالَ
: الرَّفَثُ : مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاءُ.
وهم يحتجون بهذا وهو حجة عليهم فهو
فرق بين ما ووجه به النساء وما كان في محضر رجال عامة ممن يوثق بدينه وعقله وكان
ذلك أمراً يسيراً في الذكر
على أن الخبر نفسه في صحته شك فزياد
بن الحصين اضطرب في سنده والأكثر رووه عن زياد بن الحصين عن أبيه وأبوه مجهول
ومن ذكر أبا العالية في سنده فقد غلط
فالأكثر رووه عن زياد عن أبيه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله
وصحبه وسلم