مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: قول ابن تيمية في تسلسل الحوادث وسوء فهم عدنان إبراهيم وأحمد سعد زايد

قول ابن تيمية في تسلسل الحوادث وسوء فهم عدنان إبراهيم وأحمد سعد زايد



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :

فإن كثيراً ممن يدعون أنهم مفكرون ومطلعون ليسوا سوى ظواهر صوتية حين يصطدمون بأول بحث دقيق يظهر لك بلادتهم وضعف اطلاعهم

ولكن اليوم البغاث بأرضنا يستنسر

واليوم مع مثال أحمد سعد زايد وعدنان إبراهيم فهذان الرجلان كلاهما غلط على ابن تيمية في تسلسل الحوادث ولم يفهم مذهبه

فأما عدنان إبراهيم فزعم أن ابن تيمية على مذهب ابن سينا في قدم العالم !

وهذا شيء مضحك غاية لأن الشيخ كثير النقد لقول ابن سينا في قدم العالم بل يكفره بهذا المذهب !

يقول عدنان إبراهيم في مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد :" ابن سينا كافر ابن تيمية كافر لا تكفر يا أخي فهي مسألة معقدة فابن تيمية متابع لهم "

وله كلمات أخرى في هذا الغباء نقلها خالد كبير علال في نقده عليه

والسؤال هنا : ما الفرق بين مقالة ابن تيمية بحوادث لا أول لها ومقالة الفلاسفة بقدم العالم ؟

الجواب : هما مقالتنا متناقضتان تماماً والخلط بينهما غباء عظيم

فالفلاسفة القدامى يذهبون إلى أن هذا العالم قديم وأنه بالنسبة لله تبارك وتعالى كالشعاع للشمس لم يأت هذا العالم بفعل أراده الله في وقت معين وإنما هذا الكون مقارن لله عز وجل كما يقارن شعاع الشمس الشمس

وأما قول الشيخ فهو يقول أن لله أفعالاً لا بداية لها وهذا أحد معاني قوله بحوادث لا أول لها

ويقول بجواز أو وقوع مخلوقات لا أول لها بمعنى أن كل مخلوق قبله مخلوق قبله مخلوق إلى ما لا بداية كما أن أفعال أهل الجنة وأهل النار لا نهاية لها

فكل مخلوق خلقه بإرادة وفعل ولهذا المخلوق بداية والله عز وجل متقدم على هذا المخلوق

فانظر إلى التناقض بين المقالتين فالمقالة الأولى تنفي تقدم الله على الكون والمقالة الثانية تثبت هذا والمقالة الأولى تنفي أن يكون المخلوق خلق بإرادة خاصة وجدت بعد إن لم تكن والمقالة الثانية تثبت هذا

والفرق بين مقالة الشيخ ومقالة الأشعرية التي نصرها الغزالي أن الغزالي يقول أن الكون خلق بإرادة قديمة ومع ذلك حادث وأما الشيخ فيقول أن الله عز وجل متصف بالأفعال كما دلت عليه نصوص فهو يفعل فعلاً الآن لم يكن قد فعله قبل الآن ( فعال لما يريد ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )

والسؤال الثاني : ما هي أدلة قول الشيخ

يقول الله تبارك وتعالى ( وكان الله سميعاً بصيراً ) قال ابن عباس : لم يزل كذلك

والآية جاءت في كونه يسمع ويبصر غيره فهو لم يزل يبصر ويسمع غيره وأما النصوص الواردة في أولية بعض المخلوقات فيحملها الشيخ على أولية نسبية يعني أولية بالنسبة لهذا العالم

قال ابن تيمية في الصفدية :" ولكن الذي نطقت به الكتب والرسل أن الله خالق كل شيء فما سوى الله من الأفلاك والملائكة وغير ذلك مخلوق ومحدث كائن بعد أن لم يكن مسبوق بعدم نفسه وليس مع الله شيء قديم بقدمه في العالم لا أفلاك ولا ملائكة سواء سميت عقولا ونفوسا أو لم تسم والحديث الذي في صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لما قدم عليه وفد اليمن قالوا: جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض" قد ذكرنا ألفاظه وطرقه وذكرنا الحديث الآخر الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" والحديث الآخر الذي رواه مسلم أيضا في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: " أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر" وذكرنا أن حديث عمران رواه البخاري في ثلاثة مواضع بثلاثة ألفاظ كان الله ولم يكن شيء قبله ورواه في موضع ولم يكن شيء معه ورواه في موضع آخر ولم يكن شيء غيره وأن المجلس كان واحدا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إلا واحدا من الثلاث وقد ثبت أنه قال: "ليس قبلك شيء" واللفطان الآخران رويا بالمعنى وبينا على كل تقدير أن مراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جواب أهل اليمن عما سألوه من ابتداء خلق هذا العالم الذي خلق في ستة أيام وكان عرش الله على الماء قبل ذلك وقدر الله مقادير هذا العالم قبل أن يخلقه بخمسين ألف سنة والمقصود هنا أنه إذا قيل لا يكون حادث حتى يكون حادث"

وقد ركز الشيخ على لفظة ( أول هذا الأمر ) في شرحه لحديث عمران بن حصين للتدليل على أنهم يتكلمون عن عالمنا هذا الذي يتصل بعضه ببعض وهذا لا يمنع وجود عوالم أخرى قبله

فالشيخ قوله أصلاً مناقضة للقول بقدم العالم فكيف يخلط بينهما

وإليك نصوصه في ذم مسالك الفلاسفة القائلين بقدم العالم

قال الشيخ في الرد على المنطقيين :" وهذا ابن سينا أفضل متأخريهم الذي ضم إلى كلامه في الإلهيات من القواعد التي أخذها عن المتكلمين أكثر مما أخذه عن سلفه الفلاسفة أكثر كلامه فيها مبني على مقدمات سوفسطائية ملبسة ليست خطابية ولا جدلية ولا برهانية مثل كلامه في توحيد الفلاسفة وكلامه في أسرار الآيات وكلامه في قدم العالم كما بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع"

وقال في درء تعارض العقل والنقل :" فالفلاسفة الإلهيون الذين هم أشهر هذه الطوائف بالحكمة والنظر والعلم - رهط الفارابي وابن سينا وأمثالهما - عمدتهم في إنكار المعاد هو اعتقادهم قدم العالم، وأن الفاعل علة تامة موجبة بالذات، لا يختلف فعلها، فلا يجوز أن يتغير العالم لأجل ذلك.
وهؤلاء في كلامهم من نفي قدرته وعلمه ومشيئته ما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
ومن أيسر ذلك أنهم في الحقيقة ينكرون أن يكون خالقاً للمحدثات.
وإذا كان قد عرف بضرورة العقل أن المحدثات، وما فيها من التخصيص والإتقان والحكمة، دل على الخالق العليم القدير الحكيم، علم فساد قول هؤلاء"

وقال في درء التعارض :" أخذ ابن سينا وأمثاله هذه الأصول، وألزمهم ما هو أبلغ من ذلك، فزاد في نفي الصفات عليهم، حتى كان أظهر تعطيلاً منهم، بل أبلغ تعطيلاً من الجهم رأس نفاة الصفات.
وخالف ابن سينا وأمثاله المعتزلة في أمور: بعضها أصابوا في مخالفتهم، وبعضها أخطأوا في مخالفتهم، لكن الذي أصابوا فيه، منه ما صاروا يحتجون به على باطلهم، لضعف طريق المعتزلة الذي به يردون باطلهم.
وهذا الذي ذكرته يجده من اعتبره في كتب ابن سينا كـ الإشارات وغيرها، ويتبين للفاضل أنه إنما بنى إلحاده في قدم العالم على نفي الصفات، فإنهم لما نفوا الصفات والأفعال القائمة بذاته، وسموا ذلك توحيداً، ووافقهم ابن سينا على تقرير هذا النفي الذي سموه توحيداً، بين امتناع القول بحدوث العالم مع هذا الأصل، وأظهر تناقضهم"

والشيخ يعني بالإلحاد هنا الميل لا إنكار الله فهذا لم يكن معروفاً في ذلك الزمان

وقال في شرح الأصبهانية :" إن من انتسب إلى الملل منهم من المسلمين واليهود والنصارى هم مضطربون في ما جاءت به الأنبياء في المعاد فالمحققون منهم يعلمون أن حججهم على قدم العالم ونفي معاد الأبدان ضعيفة فيقبلون من الرسل ما جاؤوا به ومنهم قوم واقفة متحيرون لتعارض الأدلة وتكافئها عندهم ومنهم قوم أصروا على التكذيب ثم زعموا أن ما جاءت به الرسل هو أمثال مضروبة لتفهم المعاد الروحاني وهؤلاء إذا حقق عليهم الأمر صرحوا بأن الرسل تكذب لمصلحة العالم وإذا حسنوا العبارة قالوا إنهم يخيلون الحقائق في أمثال خيالية وقالوا إن خاصة النبوة تخييل الحقائق للمخاطبين وإنه لا يمكن خطاب الجمهور إلا بهذا الطريق كما يزعم ذلك الفارابي وأمثاله مع أن الفارابي له في معاد الأرواح ثلاثة أقوال متناقضة تارة يقول لا تعاد وينكر المعاد بالكلية وتارة يقول إنها تعاد وتارة يفرق بين الأنفس العالمة والجاهله فيقر بمعاد العالمة دون الجاهلة ولهم في تفضيل النبي على الفيلسوف أو بالعكس نزاع فعقلاؤهم كابن سينا وأمثاله يفضل النبي على الفيلسوف وأما غلاتهم فيفضلون الفيلسوف"

فإن قيل : هلا ذكرت شيئاً من نصوص الشيخ في تسلسل الحوادث تشرح مذهبه

قال شيخ الإسلام رحمه الله :
روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( أنه سأله سائل عن قوله : ﴿وكان الله غفوراً رحيماً﴾، ﴿عزيزاً حكيماً﴾، ﴿سميعاً بصيراً﴾، فكأنه كان ثم مضى ، فقال ابن عباس : ﴿وكان الله غفوراً رحيماً﴾ سمى نفسه ذلك ، وذلك قوله ، أي : لم يزل كذلك ) هذا لفظ البخاري وهو رواه مختصراً .
ولفظ البوشنجي محمد بن إبراهيم الإمام ، عن شيخ البخاري الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه : (فإن الله سمى نفسه ذلك ولم ينحله غيره ، فذلك قوله : ﴿وكان الله﴾ أي : لم يزل كذلك) هكذا رواه البيهقي عن البرقاني .
وذكر الحميدي لفظه : ( فإن الله جعل نفسه وسمى نفسه ، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحد غيره ﴿وكان الله﴾ أي : لم يزل كذلك).
ولفظ يعقوب بن سفيان عن يوسف بن عدي شيخ البخاري : (فإن الله سمى نفسه ذلك ، ولم يجعله غيره ﴿وكان الله﴾ أي : لم يزل كذلك)، فقد أخبر ابن عباس أن معنى القرآن : أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء لم ينحله ذلك غيره ، وقوله : ﴿وكان الله﴾ يقول : إني لم أزل كذلك .
ومن المعلوم أن الذي قاله ابن عباس هو مدلول الآيات ففي هذا دلالة على فساد قول الجهمية من وجوه:
أحدهما: أنه إذا كان عزيزا حكيما ولم يزل عزيزا حكيما، والحكمة تتضمن كلامه ومشيئته كما أن الرحمة تتضمن مشيئته دل على أنه لم يزل متكلما مريدا وقوله : (( غفورا )) أبلغ فإنه إذا كان لم يزل غفورا فأولى أنه لم يزل متكلما , وعند الجهمية بل لم يكن متكلما ولا رحيما ولا غفورا , إذا هذا لا يكون إلا بخلق أمور منفصلة عنه فحينئذ كان ذلك.
والثاني : قول ابن عباس : فإن الله سمى نفسه ذلك ، يقتضي أنه هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء ، لا أن المخلوق هو الذي سماه بها ، ومن قال : إنها مخلوقة في جسم ، لزمه أن يكون ذلك الجسم هو الذي سماه بها .
الثالث : قوله : ولم ينحله ذلك غيره ، وفي اللفظ الآخر : ولم يجعله ذلك غيره ، وهذا يتبين بجعله ذلك في الرواية أي : هو الذي حكم لنفسه بذلك لا غيره ، ومن جعله مخلوقاً لزمه أن يكون الغير هو الذي جعله كذلك ونحله ذلك .
الرابع : أن ابن عباس ذكر ذلك في بيان معنى قوله : ﴿وكان الله غفوراً رحيما﴾، ﴿عزيزاً حكيماً﴾، ﴿سميعاً بصيراً﴾، ليبين حكمة الإتيان بلفظ كان في مثل هذا ، فأخبر في ذلك أنه هو الذي سمى نفسه ذلك ولم ينحله ذلك غيره .
ووجه مناسبة هذا الجواب ، أنه إذا نحل ذلك غيره كان ذلك مخلوقاً بخلق ذلك الغير ، فلا يخبر عنه بأنه كان كذلك ، وأما إذا كان هو الذي سمى به نفسه ناسب أن يقال : إنه كان كذلك وما زال كذلك ، لأنه هو لم يزل - سبحانه وتعالى - وهذا التفريق إنما يصح إذا كان غير مخلوق ، ليصح أن يقال : لما كان هو المسمي لنفسه بذلك ، كان لم يزل كذلك اهـ. من التسعينية لشيخ الإسلام ( 2/578).
قال شيخ الإسلام في الفتاوى: (5/538)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾،﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ : كَانَ وَلَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ اهـ.

قال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، ثنا أبو معاوية ، عن الاعمش عن المنهال ابن عمرو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اتاه رجل فقال : أرأيت قول الله وكان الله عزيزا حكيما قال ابن عباس : كذلك كان ولم يزل.
6245 حدثنا أبو سعيد الاشج ، ثنا اسحاق بن سليمان الرازي ، عن عمرو بن أبى قيس عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اتاه رجل فقال : سمعت الله تعالى يقول : وكان الله كانه شيء كان . قال : اما قوله : وكان ، فانه لم يزل ولا يزال وهو الاول والاخر ، والظاهر والباطن ، بكل شيء عليم . اهـ.

ول جعفر بن محمد الصادق: قال شيخ الإسلام في الفتاوى : 5/538)، رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ اللَّهَ كَانَ مُحْسِنًا بِمَا لَمْ يَزَلْ فِيمَا لَمْ يَزَلْ إلَى مَا لَمْ يَزَلْ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُفِيضَ إحْسَانَهُ إلَى خَلْقِهِ وَكَانَ غَنِيًّا عَنْهُمْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ وَلَا لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ وَلَكِنْ خَلَقَهُمْ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ الرُّسُلَ حَتَّى يَفْصِلُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَمَنْ أَحْسَنَ كَافَأَهُ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ عَصَى كَافَأَهُ بِالنَّارِ .اهـ

قول الإمام أحمد بن محمد بن حنبل : قال في رده على الجهمية ص34 : وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة : يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، أليس الله هو القائل ؟ قالوا : فيكون الله شيئاً فيعبر عن الله ، كما يكون شيئاً فعبر لموسى . قلنا : فمن القائل: ﴿فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين () فلنقصن عليهم بعلم﴾، أليس الله هو الذي يسأل ؟ قالوا هذا كله إنما يكون شيئاً فيعبر عن الله . فقلنا قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم . فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله ، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان فلما ظهرت عليه الحجة قال : إن الله يتكلم ولكن كلامه مخلوق . قلنا : وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق ، فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق . ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم ، وكذلك بنو آدم كانوا ولا يتكلمون حتى خلق الله لهم كلاماً . فقد جمعتم بين كفر وتشبيه ، فتعالى الله عن هذه الصفة ، بل نقول : إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولا تقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام.اهـ.
قول إمام أهل السنة ابن المبارك :
قال شيخ الإسلام: كان القول الصحيح قول أهل الحديث الذين يقولون : لم يزل متكلما إذا شاء كما قاله ابن المبارك. اهـ (منهاج: 2/66) أو 2/383).
قول الإمام البخاري ونعيم بن حماد : قال البخاري في كتابه خلق أفعال العباد ص107 : ولقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بخلق وأن العرب لا تعرف الحى من الميت إلا بالفعل ، فمن كان له فعل فهو حي ومن لم يكن له فعل فهو ميت ، وأن أفعال العباد مخلوقة ، فضيق عليه حتى مضى لسبيله ، وتوجع أهل العلم لما نزل به، وفي اتفاق المسلمين دليل على أن نعيماً ومن نحا نحوه ليس بمفارق ولا مبتدع ، بل البدع والرئيس بالجهل بغيرهم أولى.اهـ.
وهو قول الإمام عثمان الدارمي بل قول اهل الحديث أهل الأثر أهل السنة والجماعة فالمنكر على ابن تيمية ينكر على أئمة الإسلام وجعل قوله من الفلسفة فلسفة بنفسها، ابن تيمية ينقل من كتبهم قولهم فكيف ننكر عليه بل نشنع عليه ونخطئه ونجعل ما ينقله فلسفة بل والله من ينكر ما يقوله شيخ الإسلام ويجعل قوله فلسفة هو أحق بهذا الوصف وما قررناه فيما سبق يقول فيه شيخ الإسلام رحمة الله على هذا الإمام رحمة واسعة : حينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معين فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها كما يقول أئمة أهل السنة منكم : إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء ويقولون : إن الفعل من لوازم الحياة والرب لم يزل حيا فلم يزل فعالا. وهذا معروف من قول أئمتكم كأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح ونعيم بن حماد الخزاعي وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم ممن قبلهم مثل ابن عباس وجعفر الصادق وغيرهما ومن بعدهم اهـ (منهاج: 1/216).

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (18/ ص227-228) : وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ فَلَمْ يَعْرِفُوا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَمْ يُمَيِّزُوا فِي الْمَعْقُولَاتِ بَيْنَ الْمُشْتَبِهَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَقْلَ يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ مُتَكَلِّمًا بِشَيْءِ بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا وَكَوْنِ الْفَاعِلِ يَفْعَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا وَبَيْنَ آحَادِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَيَقُولُ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْعَالِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ مَعَ الْفَاعِلِ أَزَلًا وَأَبَدًا وَأَمَّا كَوْنُ الْفَاعِلِ لَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ فِعْلًا بَعْدَ فِعْلٍ فَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْفَاعِلِ فَإِذَا كَانَ الْفَاعِلُ حَيًّا وَقِيلَ : إنَّ الْحَيَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ الْفِعْلَ وَالْحَرَكَةَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَالدَّارِمِي وَغَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَبِمَا شَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ : كَانَ كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا أَوْ فَاعِلًا مِنْ لَوَازِمِ حَيَاتِهِ وَحَيَاتُهُ لَازِمَةٌ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا فَعَّالًا ؛ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْحَيَّ يَتَكَلَّمُ وَيَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ وُجُودَ كَلَامٍ بَعْدَ كَلَامٍ وَفِعْلٍ بَعْدَ فِعْلٍ فَالْفَاعِلُ يَتَقَدَّمُ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ وَلَا نَقُولُ : إنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خُلِقَ لَهُ قُدْرَةٌ وَاَلَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ وَلَكِنْ نَقُولُ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ عَالِمًا قَادِرًا مَالِكًا لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا كَيْفَ . فَلَيْسَ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ قَدِيمٌ مَعَهُ . لَا بَلْ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ قُدِّرَ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا فَعَّالًا . اهـ .
المبحث الثامن الأدلة من العقل:
والعقل لا يمنع ما تقرر عندنا لمن تأمل وجعله الله على بصيرة بل العقل يدل على ذلك لما ذكر بل نقول : أن الفعل لازم من لوازم الحياة فكل حي فهو فعال والله حي فهو فعال وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً فيمتنع حدوث الفعل له بعد أن لم يكن فيجب دوامه أبداً وأزلاً.
ويقال لهم : هل يمكن أن يخلق الله مذ كان هو الخالق؟ فإن قالوا : نعم يمكن ذلك فقد قالوا بحوادث لا أول لها وذلك أنه لا فرق عند العقلاء بين إمكانها وبين وقوعها وحدوثها فعلا فإنه إذا أمكن ذلك فلا نستطيع نفي وقوعه. راجح كلام ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية: 114).
وكذا الفطرة تدل على ذلك فأننا نسمع الناس في دعائهم واستغاثتهم وطلبهم الحاجات من الله عز وجل يلهجون بهذه العبارات من قولهم : يا قديم الإحسان ، يا قديم المعروف والسلطان ، يا دائم الجود والامتنان إلى غير ذلك مما يفهم أنهم فطروا على اعتقاد ذلك فطرة دون أن يوصي بعضهم بعضاً بذلك ، أو يعلمه إياه ودون أن ينكر بعضهم على بعض اهـ من شرح هراس على النونية ( 1/170).

( هذا كله مستفاد من بحث لأحد الأخوة )

والآن بعد انتهينا من عدنان إبراهيم لننتقل للمتذاكي الثاني والذي حين ألزم بمنع التسلسل في المؤثرات لإثبات وجود الخالق احتج أن ابن تيمية يقول بالتسلسل ولم يفرق بين تسلسل الحوادث وتسلسل المؤثرات

وهو صاحب العبارة اللوذعية ( الله عز وجل علمياً غير موجود وفلسفياً موجود عند كثيرين )

وهو يعني بالعلم البحث التجريبي والبحث التجريبي إنما يتعلق بالمادة الحادثة ولا يقول شيئاً في الماورائيات لهذا عتاة الملاحدة كدوكنز وهاوكنج وساغان لا يجزمون بأن الله غير موجود لأنهم علمويون

والبحث في الماورائيات بحث فلسفي لا علاقة له بالبحث التجريبي فهل يصلح أن أقول ( الإرادة الحرة علمياً غير موجودة الأخلاق علمياً غير موجودة لأنها غير مرصودة تجريبياً ولا تدخل المختبر )

هل يصلح أن أذهب لمهندس وأسأله في مسألة طبية ! وأعتبر قوله

ولنعد لغلطه على الشيخ

لنفهم أولاً ما هي حجة منع التسلسل في المؤثرات



يبحث الطبائعيون عن سبب مادي للانفجار الكبير وللضبط الدقيق للكون لكي يهربوا من أمر الإله

والعجيب أن بعض العلمويين من بني جلدتنا بدأ يتأثر بهم

وهذا البحث يدل على أنهم إلى الآن لم يستوعبوا حجة اللاهوتيين المبنية على عدة مقدمات

المقدمة الأولى : أن هذا الكون موجود

المقدمة الثانية : أنه وجد بعد إن لم يوجد وهذا كان الفلاسفة والمتكلمون يثبتونه بأدلة كثيرة وكان من الناس من يتشكك به مثل الرازي وتوما الأكويني ولكن الفيزيائيين اليوم يقرون مع جماهير اللاهوتيين بحدوث الكون

المقدمة الثالثة : أن كل شيء له بداية ( يعني حادث ) فلا بد له من سبب مؤثر جعله يبدأ وهذه بديهة السببية والتي يحاول البعض التشكيك بها من خلال الاحتكام للجهل فيما يتعلق ببعض معطيات ميكانيكا الكم التي لم يعرف العلم لها جواباً بعد فجاءت تفسيرات عديدة فاختار القوم أبعد التفاسير عن الحتمية والسببية وقالوا به واختاروه من دون غيره بتحكم والواقع أن ذلك لا ينفي السببية فجهلنا بالسبب لا يعني عدم وجوده وبديهة السببية أحد الأسس التي يقوم عليها العلم يبحث في علل الأشياء وحتى الصدفة هي صورة من صور السببية فهي سبب غير مقصود

المقدمة الرابعة : أن التسلسل في الأسباب المؤثرة ممتنع لأنه ينبني عليه بطلان المقدمة الأولى وهي كون الشيء موجوداً

ما معنى هذا الكلام

لو فرضنا أن هناك جندي يريد أن يطلق رصاصة وكان أمره متوقفاً على أن يأمره من فوقه والذي فوقه هناك فوقه واحد وهكذا إلى ما لا بداية فلن تنطلق الرصاصة أبداً فإذا انطلقت علمنا أن السلسلة انقطعت وأن هناك آمر مؤثر غير متأثر وغير متوقف على غيره

الكون هو هذه الرصاصة ونحن متأكدون من وجود الكون والكون حادث كهذه الرصاصة التي انطلقت بعد أن لم تكن منطلقة ، فلا بد والحال هذه من مؤثر غير متأثر

وفي حال الكون هذا المؤثر لكي لا يكون متأثراً وتتنفي في حقه بديهية السببية يجب أن يكون لا بداية له لكي لا يتوقف وجوده على سبب أحدثه ( وهذا يرد على سؤال من خلق الخالق لأنه مغالطة منطقية لأن السؤال عن السبب إنما يكون في الأشياء الحادثة التي لها بداية وأيضاً ينقض هراء ابريق راسل وغيره فإن هذه الأمور ليست تفسيراً لوجودنا )

إذا فهمت الحجة السابقة بكل حيثياتها تفهم أن البحث عن سبب مادي للانفجار الكبير لن يحل المشكلة أبداً

لأن هذا السبب المادي إذا كان له بداية وهو قطعاً كذلك فلا بد أن يكون سببه شيء آخر وتنطبق عليه الحجة السابقة

والذي يقول لا أتصور أن يؤثر الخالق في المخلوق لأن المخلوق مادي ، يقال له وهل تتصور سبب مادي له بداية بلا سبب مؤثر فيه ، أو تتصور سلسلة لا بداية لها من المؤثرات وأنتجت شيئاً هذا أشد امتناعاً من الأول

وإذا كان المخلوق يؤثر في المخلوق فمن باب أولى الخالق

وأما قول بعض أهل العلم بأن كل مخلوق قبله مخلوق قبله مخلوق إلى ما لا بداية وكل مخلوق له أول وآخر

فهذا قول لا ينافي حجتنا الماضية لأنه يقول كل مخلوق إنما أوجد بالخالق ( المؤثر الذي لا يؤثر عليه أحد )

فهناك فرق بين التسلسل في المؤثرات والتسلسل في المخلوقات التي كلها ترجع إلى مؤثر واحد أو خالق واحد وهو رب العالمين

حقاً الطبائعيون فلاسفة فاشلون

فماذا فعل اللوذعي أمام هذه الحجة الخانقة خالف ما يعرف العقلاء كلهم امتناعه من تسلسل المؤثرات وادعى أن ابن تيمية قال بهذا التسلسل خلطاً بين تسلسل المؤثرات وتسلسل الحوادث فما الفرق ؟

وهما شيئان مختلفان بل يلتقيان تماماً فمنع التسلسل في المؤثرات هو منع تسلسل في الفاعلين وتجويز التسلسل في الحوادث هو تجويز تسلسل في الأفعال

فكل فعل لله عز وجل قبله فعل قبله فعل إلى ما لا بداية وكل فعل له بداية ونهاية وهذا كاف في كون قانون السببية ينطبق عليه والمؤثر هنا هو الله عز وجل أو نقول الفعال لما يريد سبحانه

فكلاهما إثبات لقدرة الله عز وجل فمنع التسلسل في المؤثرات إثبات لكمال قيومته وحياته وإثبات التسلسل في القدم والمستقبل ( كما في أفعال أهل الجنة ) إثبات لكمال قدرته وأنه لم يكن معطلاً عن الفعل ثم فعل

إذا فهمت منع التسلسل في المؤثرات تفهم قول الفلاسفة ( العلة الأولى ) وتفهم أن وجود الله عز وجل ضروري لتفسير وجودنا فلا يصلح قياسه على الخرافات أو اعتقاد إبريق يطير حول الأرض

وإمعاناً في الحجة ننقل كلام الشيخ نفسه في القول بأن التسلسل في المؤثرات ممتنع عند كل العقلاء

قال الشيخ في منهاج السنة :" ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ [الْقَدِيمُ] (1) الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ الْقَيُّومُ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، فَإِنَّهُ إِنِ افْتَقَرَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَمَفْعُولُهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ. وَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ"
واحفظها هكذا هناك فرق بين تسلسل الآثار وتسلسل المؤثرات
ويا ليت شعري لو رأينا نقوشاً على جدار قديم سنوقن أنه قد كتبه بشر

ولو وجدنا آلات حرب عملاقة فلن نشك أن هناك عمالقة استخدموها

والأهرامات لا يختلف الناس أن هناك من بناها ولم يقل أحد أنها تكونت صدفة عبر مليارات السنين

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي