الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد يستغرب بعض الأخوة من طلبة العلم من كتابتي في هذه المواضيع
والواقع أن هذا الأمر له مبرره فهذه النظريات اكتشفنا أنها تدرس في الكثير من
الجامعات العربية وفي البلدان ذات الغالبية الإسلامية وقد دبت حركة الابتعاث حتى
في أكثر البلدان العربية محافظة وبدأ يتأثر عدد لا يستهان به من الشباب بهذه
الأطروحات
خصوصاً مع كونها تأتي من الغرب والغرب محل تقديس في نفوس الناس
عندنا والأمر إذا جاء منهم دائماً تكون قابليته أعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله
فكان لا بد من تحطيم هذا الصنم وتوجيه الضربات المتوالية له الواحدة تلو الأخرى
ولست وحيداً في هذا الباب بل ثقلي فيه من أضعف ما يكون إذا قورن
ذلك مع مجهودي في أبواب أخرى غير أنني أحاول أن أكون مشاركاً بما فيه نفع وأعطي
تطعيمات وتحصينات لمن يصله كلامي من الشباب المسلم
اليوم سنتحدث عن كارل ساغان سيد علم صاحب التجربة الفريدة في نقل
العلوم للناس على هيئة برنامج تلفزيوني ترفيهي ويحاول أن يخلفه في هذا الباب كل من
بيل ناي ونيل ديغراس تايسون
والجميع مائلون للفلسفة المادية مبالغون غاية في مقدرة العلم ولا
يكادون يفهمون أنهم ينطلقون من أسس فلسفية وأن ما يسمونه علماً هو في الحقيقة
مفرزات فلسفة مادية منحازة للمادة بلا مبرر أو مرجح عقلي قوي
وسأضرب هنا مثالاً باحتجاج كارل ساغان لنظرية التطور في كتابه
الكون والذي ترجم للعربية _ كعامة كتب الملاحدة الغربيين حتى أشدهم تطرفاً كنيتشة ! _
قال كارل ساغان في ص40 :" وفي أقل من عشرة آلاف سنة استطاع
التدجين زيادة وزن الصوف الذي يغطي جسم الغنم من أقل من كيلو غرام واحد إلى عشرة
أو عشرين كيلو غرام كما استطاع زيادة حجم الحليب الذي تعطيه بقره واحدة خلال فترة
الرضاع من بضع مئات من السنتمرات المكعبة إلى مليون سنتمر مكعب ، وإذا استطاع
الانتقاء الصناعي أن يحقق هذه التغييرات الرئيسية في فترة زمنية قصيرة فماذا يجب
أن يستطيع فعله الانتقاء الطبيعي الذي امتد عمله خلال مليارات السنين "
أقول : هذا الكلام قد يبدو مقنعاً للبعض ولكنه من جنس عامة حجج
التطوريين التي يمكن نقضها بالأوجه التالية
أولها : الأفعال ثلاثة أنواع
1_ فعل مقصود
2_ فعل ميكانيكي
3_ فعل صدفوي
الفعل المقصود أن يفعل حي أو عاقل فعلاً ينتج عنه صنع شيء مثل
السيارة حين يصنعها الإنسان
الفعل الميكانيكي هو فعل تلقائي كصدور إشعاع وكدوران الكواكب في
مداراتها وهذا فعل لا إرادة لفاعله به وإنما يسير وفقاً لقانون
وأما الفعل الصدفوي فهو حصول شيء صدفة بدون قصد ويختلف عن الفعل
المقصود بانتفاء القصد ويختلف عن الفعل الميكانيكي بعدم تكرره
الفلسفة المادية تستبعد الفعل المقصود وتميل دائماً للفعل الصدفوي
والفعل الميكانيكي أما الفعل الصدفوي فيحتاجون له لتفسير أصول الأشياء التي لم
تتكرر كأصل الحياة وأصل الكون وأصل ظهور بعض الأعضاء ثم إذا ظهرت هذه الأمور
أرجعوا الأمر للفعل الميكانيكي
ولما استبعدنا الفعل المقصود صارت هذه الفلسفة مفتاحاً للإلحاد
ولكن مهلاً
هناك عيب واضح في هذه الفلسفة الفعل الصدفوي لا يمكن أن يوجد بدون
فاعل ! فالصدفة هي فعل فاعل بدون قصد وأما الصدفة التي لا فاعل لها فهذه من خرافات
الماديين
ثم إن كل فعل صدفوي منتج ممكن أن يكون فعلاً عاقلاً والتفريق
بينهما عسير فترجيح الصدفة ترجيح بلا مرجح
بل في الواقع كلما كان الفعل مثمراً ويتصل به فعل ميكانيكي مثمر
فهذا يقوي جانب أنه فعل مقصود بل يجعل ذلك حتمياً عند العقلاء
وكلما كان الناتج عن هذا الفعل أكثر تعقيداً دل على أنه مقصود فأصل
الحياة معقدة وأصل الأرض معقد وأصل النظام الشمسي معقد وأبسط خلية في الجسم معقدة
جداً جداً
وعامة العلمويين لا يدرون أن منهجهم هو مبني على فلسفة وعادة
يفرقون بين العلم والفلسفة كقول هاوكنج العلم دفن الفلسفة .
وتجده في كتابه الكون في قشرة جوز يعلل بعض مواقفه بأنه من أتباع
المذهب الوضعي وهذا في الأساس مذهب فلسفي عقلي في دراسة العلوم
وعامة فلاسفة العلوم ينطلقون من منطلقات عقلية محضة في التمييز بين
العلم واللاعلم فعبارة العلم دفن الفلسفة . حماقة مهذبة
وهم يتخذون هذا الموقف ليوهموا انهم أكثر موضوعية من غيرهم وأنهم يبنون
على أدلة حين يبني غيرهم على تأملات
وما يخفونه أنهم ينطلقون من فلسفة مادية تفسر المعطيات بحسبها
انحيازاً لها
فماذا فعل كارل ساغان والذي لا يكون واعياً لحقيقة الفلسفة المادية
وليس هذا عيباً فيه بل كلهم كذلك ؟
جاء لفعل مقصود لا يحصل إلا من شخص عاقل وهو التدجين وقاسه على
الفعل الميكانيكي وهو الانتخاب الطبيعي
وخلاصة قوله أن ما ينتجه الفعل المقصود في وقت قصير ينتجه الانتخاب
الطبيعي في وقت طويل
يعني حين تكتب قصيدة في وقت قصير لمدة ساعة ممكن أن تنتج عن طريق
عبث طفل على الآلة الكاتبة لمدة مائة عام !
وحقيقة هذه الفلسفة تجعل من الإيمان بالبعث والمعجزات أمراً يسيراً
فتحول بكتيريا لإنسان تدريجياً عبر مليارات السنين هو أمر معجز ولكنه لم يصر كذلك
لأنه حصل عبر مليارات السنين
وتعلمنا أن الفعل العاقل المقصود يختصر الوقت ويجعل هذه المعجزات
تحصل في وقت قصير
ففي حال وجود إله قادر ففعله للمعجزات أمر معقول ومقبول
والداروينية تؤمن بمجيء الحياة من اللاحياة وبناءً عليه بعث البشر
من جديد بقدرة الإله المانح للكون بالمعجزة الأولى أمر هين وذلك أن الفعل العاقل
المقصود بإمكانه اختصار الوقت وصنع المعجزات !
وإمعاناً في نقض الفلسفة المادية الفعل الميكانيكي لا ينفي وجود
الخالق فوجود برمجة للكمبيوتر لا تنفي وجود صانع وبيان هذا في الوجه الثاني
الوجه الثاني : نحن إنما دجنا حيوانات ولكن من أين جاءت هذه
الحيوانات بكل أجهزتها المعقدة لا يمكن تفسير هذا بالانتخاب الطبيعي
فالانتخاب إنما يعمل على أجهزة معقدة أصلاً موجودة ابتداء فيبقي
على شيء ويستبعد آخر
فالفعل الميكانيكي إنما يكون بين أمور مادية أصلاً تحتاج لتفسير ثم
هو أيضاً بحاجة إلى تفسير الفعل الميكانيكي أو القانون من أين جاء أصلاً ؟
وهنا يتبين لك سخف قولهم إله الفجوات فإن نفي التدخل المباشر للإله
في ظاهرة ما لا ينفي أنه خالق الكائنات المتفاعلة مع بعضها وخالق هذا التفاعل
والقانون أصلاً فهذه فجوة لا تسد بالعلم نهائياً لأنها خارج محل بحثه فهو غايته ان
يشرح كيفية حصول الأمور لا أصولها ولا العلة من وجودها لهذا نيوتن كان يقول لا
يمكنني أن أشرح لماذا الجاذبية موجودة
الوجه الثالث : أن الأبقار بقيت أبقاراً والغنم بقيت غنماً وكل ما
حصل هو نماء في شيء موجودة أصلاً فأين ظهور أعضاء جديدة ؟ ومتناظرة
ثم إن هناك حيوانات لما دجنت ضعفت وصغرت مثل القطط !
ثم إن هذا التدجين لم يزد من عمرها كما يفترض التطور وإنما زاد من
مواصفات نافعة لنا كبشر ننتفع بها
الوجه الرابع : أن الهندسة الوراثية التي هي النوع المتطور من
التدجين أظهرت لنا استحالة التطور !
جاء في مقال لبعض المختصين وهو يعدد أضرار الهندسة الوراثية
للحيوانات :" المحاذير نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
إن الهنـدسة الوراثية قـد تسفــر عــن تولـيـد ســلالات (2)(Races) جديدة من المخلوقات الحية, وهذه السلالات يمكن أن تُشكِّل خطراً
على التوازن الحيوي في الأرض,أو أن تكون سبباً لانتقال بعض الأمراض الخطيرة إلى
الإنسان إذا ما زُرعت فيه أعضاء حيوانية معدَّلة وراثياً, كما أن النباتات
والأغذية المعدلة وراثياً قد تشكل خطراً على صحة الإنسان, ففي شهر فبراير من عام
1999م صوَّت المجلس الأوروبي للشؤون الطبية بالإجماع على تحريم ووقف تجارب
واختبارات زراعة أعضاء الحيوانات المعدَّلة وراثياً في الإنسان, بعد نشر العديد من
التقارير العلمية التي تفيد بأن الأنسجة الحيوانية لبعض الحيوانات (الخنزير بخاصة)
تحتوي على فيروسات مندمجة مع المادة الوراثية, مما أثار مخاوف العلماء من انتقال هذه
العوامل إلى الإنسان, وحدوث أوبئة عالمية تتعذر السيطرة عليها, كما أن البروفيسور
أرباد بوزتاي من جامعة كامبردج البريطانية نشر في شهر يوليو من عام 1998 بحثاً
مستفيضاً كشف فيه أن فئران التجارب التي غذيت على البطاطس المنتجة بالهندسة
الوراثية لمدة عشرة أيام قد أصيبت بضعف واضح في جهاز المناعة, مع أضرار متفاوتة في
بقية أجهزة الجسم(3).
صعوبة التنبؤ بنتائج التجارب التي تجرى في حقل الهندسة الوراثية
وانعكاساتها على الأجيال القادمة, وعلى الرغم من (أن هذه التجارب بسيطة في الوقت
الحاضر, فإنها يمكن أن تُهَدِّد حريَّة الإنسان ووجوده في المستقبل, لأنها تسعى
إلى السَّيطرة على مورِّثات الإنسان والتَّحَكُّم فيها مما يعني أنها ستسيطر على
إرادته وقد تهدد وجوده الإنساني)(4).
إن الأخطاء التي قد تنجم عن الهندسة الوراثية هي أخطاء غير عكوسة (Irreversible) أي أنه لا يمكن تصحيحها لو حدثت, وهذا ما يستدعي المزيد من الحذر
والحيطة قبل إجراء التجارب في هذا الحقل لأنها قد تنتج سلالات من المخلوقات
الخطرة, كالجراثيم والفيروسات ونحوها, فتنتشر في البيئة ويتعذر بعد ذلك القضاء
عليها.
الخلاصة:
إن الهندسة الوراثية علم حديث يبني عليه العلماء الكثير من الآمال,
ولكنه في الوقت نفسه علم ينطوي على محاذير فادحة, ولهذا يحتاج إلى الكثير من
التروي والتأمل قبل إصدار الأحكام الشرعية فيه, سواء كانت بالحِلِّ أم الحُرْمَة,
علماً بأن معظم دول العالم قد حظرت مبدئياً إجراء بعض تجارب الهندسة الوراثية التي
يتخوف العلماء من نتائجها على بني البشر, بل على الحياة كلها فوق كوكبنا الجميل..
الأرض!"
فإن قيل : كيف يدل هذا على استحالة التطور
فيقال : التطور مبني على وجود صدف عشوائية وهي الطفرات هي المسئولة
مع الانتخاب الطبيعي عن كل ما في كوننا هذا من تنوع وحياة
وانظر البشر بفعلهم المقصود للنفع وقع لهم من الهندسة الوراثية من
الأضرار أكثر من المنافع بل ثبت أن أدنى تغير في جينوم الكائن الحي بمؤثرات خارجية
يكون له أثر سلبي فكيف حصل التطور التدريجي الطفيف
ولهذا يقول مايكل بيهي أن كثيراً من النماذج المتدرجة التي يتخيلها
التطوريون هي وصفات سرطان
وهنا نعكس حجة كارل ساغان
فنقول إذا كان هذا فعل البشر للتعديل الطفيف وأدى لنتائج سلبية
عظيمة واختلال توازن بيئي فكيف تؤدي الطفرات العشوائية العمياء كما يصفها دوكنز
لتنوع خلاق وتوازن بيئي ؟!
علل كارل ساغان ظهور الذكاء فينا معاشر البشر بأنه يساعدنا على
البقاء لأن الكائنات أذكى أقدر على البقاء
وفي الواقع أن ذكاء البشر ليس مختصاً بالبقاء وتطلباته بل هو يخوض
في أمور فلسفية لا تفيده في طول البقاء من عدمه مثل طرحه للأسئلة الوجودية ومثل
بحثه عن حياة خارج الكوكب مثلاً ومحاولة معرفته لأعمار الأشياء وأصولها
وما هو تفسير ظهور أصل الدين فهل هذا يساعد على البقاء ؟
يقول ستيفن هاوكنج في كتابه الكون في قشرة جوز ( وعلموي تطوري
ولكنه فيزيائي ) :" فإننا ننحو إلى أن نرى الذكاء نتيجة حتمية للتطور إلا أن
في وسع المرء أن يشك في ذلك فليس من الواضح أن للذكاء قيمة كبيرة في استمرار
البقاء والبكتيريا تجيد البقاء تماماً بدون ذكاء وسوف تستمر باقية "
وهذا في الحقيقة اعتراض قاتل على نظرية التطور بل أزيد عليه أن
عدداً من الحيوانات يعيش عمراً قريباً من عمر البشر أو أطول فلماذا استمرت في
التطور لتعيش حياة أقصر
وأطول عشر حيوانات عمراً كلها بحرية !
بل لماذا تطورت المادة الجامدة إلى المادة الحية لتتعرض للفناء ولو
بقيت جامدة لاستمر بقاؤها هكذا بأقل تغيرات ممكنة ولكانت كبقية الكواكب غير
المأهولة فلماذا جاءت الحياة أصلاً حتى احتجنا للصراع عليها !
وهذه النيران الصديقة من هاوكنج ليست هي الوحيدة بل نيتشة أيضاً
وجه لدارون ضربة
يقول نيتشة في كتابه أفول الأصنام :" فيما يخص مقولة الصراع
من أجل الحياة المشهورة فإنها تبدو لي حتى الآن منادى بها أكثر مما هي مبرهن عليها
، يمكن لها أن تحدث لكن هذا استثناء الميزة الغالبة للحياة ليست هي القحط بتاتاً
ليست هي المجاعة بل على الأصح الغنى الوفرة بل والتبذير العبثي حيثما يكون صراع
فهو صراع على السلطة ينبغي ألا نخلط الطبيعة مع مالتوس وحتى إن اعترفنا ان هذا
الصراع يحدث وهو يحدث أحياناً فعلا فإن نهايته معاكسة لتلك التي تتمناها مدرسة
دارون والتي ينبغي للناس أن يتمنوه معها إنه ينتهي على حساب الأقوياء على حساب ذوي
الامتياز على حساب الاستثناءات المحظوظة لا تنمو الأنواع باتجاه الكمال يتفوق
الضعفاء على الأقوياء أكثر فأكثر ذلك لأنهم أكثر عدداً ولأنهم أكثر ذكاء لقد نسي
دارون العقل ( هذا النسيان شيء انجليزي بالفعل ) والحالة أن الضعفاء أكثر نباهة "
يورد بعض الناس اعتراضا على نظرية التطور فيقول إذا كان البقاء
للأقوى فلماذا الغزلان موجودة والديناصورات منقرضة أو الحيوانات الأليفة والمفترسة
كلها موجودة بشكل متوازن والانقراض في الغالب يحصل بسبب تدخل الإنسان
فيأتي الجواب التطوري بأن القاعدة هي البقاء للأصلح وليس البقاء
للأقوى
وفي الواقع هذا دور وعبارة بلا معنى فكأنهم يقولون البقاء للباقي
أو البقاء لمن يملك مميزات البقاء وهذا بديهي جداً فحين من الطلاب الناجحون فستقول
هم الذين النجاح إحدى صفاتهم ساعتها أنت تهذي ولا تأتي بشيء ذي فائدة أصلاً
وهذا ما يقوله القوم الأسس الفلسفية المبنية عليها الفلسفة المادية
التي ترى التطور علماً وما سواها زائف أسس هشة والأسس الفلسفية المبنية عليها
النظرية نفسها أيضاً هشة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله
وصحبه وسلم