الجمعة، 20 فبراير 2015

كلمة نفيسة لابن تيمية في ظهور كفر القبورية ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص73 :" الوجه الرابع: أن يقال: عداوة الأنبياء وعنادهم هو بمخالفتهم لا بموافقتهم كمن نهى عما أمروا به من عبادة الله وحده، وأمر بما نهوا عنه من الشرك بالمخلوقات كلها بالملائكة والأنبياء والشمس والقمر والتماثيل المصورة لهؤلاء، وغير ذلك.
ومن كذّبهم فيما أخبروا به من إرسال الله لهم وما أخبروا به عن الله من أسمائه وصفاته وتوحيده وملائكته وعرشه، وما أخبروا به من الجنة والنار والوعد والوعيد، فلا ريب أن من كذّب ما أخبروا به ونهى عما أمروا به، وأمر بما نهوا عنه؛ فقد عاداهم وعاندهم. وأما من صدّقهم فيما أخبروا به وأطاعهم فيما أمروا به، فهذا هو المؤمن ولي الله الذي والاهم واتبعهم.
وإذا كان كذلك؛ فننظر فيما جاء عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وغيره من الأنبياء، إن كانوا أمروا بالسفر إلى القبور كما يسافر المسافرون لزيارتها يدعون ويستغيثون بها، ويطلبون منها الحوائج، ويتضرّعون لها- أي لأصحابها- ويرون السفر إليها من جنس الحج أو فوقه أو قريبا منه، فمن نهى عما أمر به الرسول ورغّب فيه يكون مخالفا له، وقد يكون بعد ظهور قوله له: وإصراره على مخالفته معاديا ومعاندا، كما قال تعالى:
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى [النساء: 115] الآية.
وإن كان الرسول لم يأمر بشيء من ذلك، ولكن شرع السفر إلى المساجد الثلاثة، وقال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى». ونهى عن اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، وهو أهون من الحجّ إليها ومن دعاء أصحابها من دون الله، فإن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء دون ذاك.
فالمخالف للرسول الآمر بما نهى عنه من شدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، الآمر بالسفر إلى زيارة القبور؛ قبور الأنبياء والصالحين، وهذا السفر قد علم أنه من جنس الحج، وعلم أن أصحابه يقصدون به الشرك أعظم مما يقصدون الذين يتخذون القبور مساجد، الذي لا ينهى عما نهى عنه الرسول من اتخاذ القبور مساجد، واتخاذها عيدا وأوثانا، المعادي لمن وافق الرسول، فأمر بما أمر، ونهى عما نهى، المكفّر لمن وافق الرسول، المستحل دمه؛ هو أحق بأن يكون معاديا للرسول، معاندا له مجاهرا بعداوة أولياء الرسول وحزبه، ومن كان كذلك كان هو المستحق لجهاده وعقوبته بعد إقامة الحجة عليه، وبيان ما جاء به الرسول، دون الموافق للرسول الناصر لسنته وشريعته وما بعثه الله به من الإسلام والقرآن.
ولكن هذا من جنس أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويعادون من خالفها، وينسبونها إلى الرسول افتراء وجهلا؛ كالرافضة «1» الذين يقولون: إن المهاجرين والأنصار عادوا الرسول وارتدّوا عن دينه، وأنهم هم أولياء الله، والخوارج «2» المارقين الذين يدّعون أن عثمان وعليا ومن والاهما كفّار بالقرآن الذي جاء به الرسول، ويستحلّون دماء المسلمين بهذا الضلال. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بقتالهم وأخبر بما سيكون منهم، وقال فيهم: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرميّة. أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله» «3». وقال: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» «4». والأحاديث فيهم كثيرة، وعظم ذنبهم بتكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم «1»، وإلا فلو لم يفعلوا ذلك لكان لهم أسوة بأمثالهم من أهل الخطأ والضّلال. ومعلوم أن الشرك بالله وعبادة ما سواه أعظم الذنوب، والدعاء إليه والأمر به من أعظم الخطايا، ومعاداة من ينهى عنه ويأمر بالتوحيد وطاعة الرسول أعظم من معاداة من هو دونه. ولولا بعد عهد الناس بأول الإسلام وحال المهاجرين والأنصار، ونقص العلم وظهور الجهل، واشتباه الأمر على كثير من الناس؛ لكان هؤلاء المشركون والآمرون بالشرك مما يظهر كفرهم وضلالهم للخاصة والعامة، أعظم مما يظهر من ضلال الخوارج والرافضة، فإن أولئك تشبثوا بأشياء من الكتاب والسنة، وخفي عليهم بعض السنة، اللهم إلا من كان منافقا زنديقا في الباطن مثل بعض الرافضة، ويقال: إن أول من ابتدعه كان منافقا زنديقا، فإن هؤلاء من جنس أمثالهم من الزنادقة والمنافقين، بخلاف الخوارج فإنهم لم يكونوا زنادقة منافقين، بل كان قصدهم اتباع القرآن، لكن لم يكونوا يفهمونه، كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلّم: «يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم». فالمبتدع العابد الجاهل يشبههم من هذا الوجه. وأما الحجّاج إلى القبور والمتّخذون لها أوثانا ومساجد وأعيادا؛ فهؤلاء لم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم منهم طائفة تعرف، ولا كان في الإسلام قبر ولا مشهد يحجّ إليه، بل هذا إنما ظهر بعد القرون الثلاثة.
والبدعة كلما كانت أظهر مخالفة للرسول يتأخّر ظهورها، وإنما يحدث أولا ما كان أخفى مخالفة للكتاب والسنة كبدعة الخوارج، ومع هذا فقد جاءت الأحاديث الصحيحة فيها بذمّهم وعقابهم، وأجمع الصحابة على ذلك. قال الإمام أحمد: صحّ فيهم الحديث من عشرة أوجه. وقد رواها صاحبه مسلم كلها في صحيحه، وروى البخاري قطعة منها. وأما بدع أهل الشرك وعبّاد القبور والحجّاج إليها فهذا ما كان يظهر في القرون الثلاثة لكل أحد مخالفته للرسول، فلم يتجرّأ أحد أن يظهر ذلك في القرون الثلاثة.
وبسط هذا له موضع آخر، ولكن نبّهنا على ما به يعرف ما وقع فيه مثل هذا المعترض وأمثاله من الضلال والجهل ومعاداة سنّة الرسول ومتبعيها، وموالاة أعداء الرسول وغير ذلك مما يبعدهم عن الله ورسوله.
ثم من قامت عليه الحجة استحقّ العقوبة، وإلا كانت أعماله البدعية المنهي عنها باطلة لا ثواب فيها، وكانت منقصة له خافضة له بحسب بعده عن السنة، فإن هذا حكم أهل الضّلال، وهو البعد عن الصراط المستقيم، وما يستحقه أهله من الكرامة ثم من قامت عليه الحجة استحقّ العقوبة، وإلا كان بعده ونقصه وانخفاض درجته وما يلحق في الدنيا والآخرة من انخفاض منزلته وسقوط حرمته وانحطاط درجته هو جزاؤه، والله حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة وهو عليم حكيم لطيف لما يشاء، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون"

أقول : تأمل قوله وهو يتكلم عن القبورية أمثال الأخنائي  (ولولا بعد عهد الناس بأول الإسلام وحال المهاجرين والأنصار، ونقص العلم وظهور الجهل، واشتباه الأمر على كثير من الناس؛ لكان هؤلاء المشركون والآمرون بالشرك مما يظهر كفرهم وضلالهم للخاصة والعامة، أعظم مما يظهر من ضلال الخوارج والرافضة)

فتأمل كيف اعتبر تكفير القبورية من الضروريات التي لا تخفى إلا مع إفراط بالجهل

وتأمل ما ذكره من أن كفرهم وضلالهم أظهر مما عند الرافضة والخوارج

وأنه لم يكن في القرون الفاضلة أحد من هؤلاء ، وجعل قيام الحجة شرطاً في العقوبة لا نزول الاسم

وقد قال كما في مجموع الفتاوى (30/37) :" فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا"

وكلمة ابن تيمية هذه فيها عبرة لفريقين

فريق يسب الرافضة ويفارقهم لسبهم الصحابة ثم هو بعد ذلك يعظم القبورية بحجة أنهم علماء كالسبكي والهيتمي والزركشي والعسقلاني وغيرهم وهؤلاء جمعوا بين التجهم والقبورية

وهذا الفريق نفسه يذم الخوارج أو من يراهم خوارج أشد الذم حتى ولو كانوا ليسوا قبورية ولا نفاة للصفات بل يحاربون القبورية والنافين للصفات ولا يظهرون التكفير بالكبائر ومع ذلك يعظمون الجهمية الأشعرية حتى بلغوا إلى عدد من قبوريتهم

فهؤلاء يقال لهم ما قاله ابن تيمية من أنه لولا الجهل بما كان السلف لكانت نفرتكم ممن يعطل صفات الله أو يستغيث بالنبي بالملمات أعظم من نفرتكم ممن يسب الصحابة أو يكفر بالكبائر أو يخرج على الحاكم

وفريق آخر يزعم أن ابن تيمية كان مهادناً لأهل البدع ! لا يعاديهم بل لا يكفر أحداً منهم مطلقاً ! مهما قال ما دام يصلي للقبلة !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم