الأحد، 28 ديسمبر 2014

قول أرسطو واضع المنطق فيمن لا دين له



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فكثيراً ما نسمع من الناس قولهم ( هذا منطقي ) و ( هذا غير منطقي ) ، والمنطق علم وضعه أرسطو يقال أنه وضعه رداً على السوفسطائية ، وقيل لحسم الخلاف بين الفلاسفة ، والواقع أنه لم ينجح في هذا ، بل كان الأمر أنه زاد على خلاف الناس خلافاً جديداً حول منطقه !

ولكن لأدعياء العقلنة المزعومة أنقل كلاماً له يعتبر في عرفهم محض تطرف

قال أبو محمد البطليوسي في كتابه الحدائق العلية في المباحث الفلسفية ص52 :" وَإِنَّمَا تتهيأ معرفَة هَذِه الْأُمُور على كمالها للنَّفس الَّتِي اتّفق لَهَا فِي فطرتها وَكَونهَا أَن فطرت وفيهَا استعداد لقبُول ذَلِك وَكَانَت هاجرة للذات مميتة للشهوات زاهدة فِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم محبَّة للخير وَأَهله مبغضة للشر وَأَهله مرتبطة بالنواميس مكتسبة للفضائل مطرحة للرذائل قد اجْتمع لَهَا الْعلم وَالْعَمَل
فَهَذَا هُوَ الفيلسوف الْحق عِنْد ارسطو وأفلاطون وزعماء الفلاسفة
وَمن لم يكن عِنْدهم بِهَذِهِ الصّفة فَلَيْسَ بفيلسوف وَلذَلِك قَالَ أرسطو لَيْسَ الْغَرَض أَن تعلم فَقَط وَإِنَّمَا الْغَرَض أَن تعلم وتعمل وتكونوا أخيارا فضلاء مرتبطين بالنواميس
وَقَالَ اقْتُلُوا من لَا دين لَهُ
وَقَالَ أفلاطون من أَرَادَ قِرَاءَة الفلسفة فليطهر أخلاقه من الرذائل فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّم الفلسفة الطاهرة من كَانَ نجسا كَمَا لَا يُمكن أحد أَن يرى وَجهه فِي مَاء كدر ومرآة صدئة"

فأرسطو يقول ( اقتلوا من لا دين له ) والبطليوسي هذا من أشد الناس تعظيماً للفلاسفة ومعرفة بمقالاتهم من المنتسبين للإسلام حتى أنه يحاول دفع كل شنعة عنهم ويلفق بين الشريعة ومقالاتهم تلفيقاً متكلفاً

وهنا أرسطو يرى وجوب قتل من لا دين ، وهذا ما نقله ابن حزم عن جماعة من الفلاسفة القائلين بتكافؤ الأدلة مع إقرارهم بضرورة التدين وعبروا عن ذلك بلفظ أقرب إلى أفهام الفقهاء وضرب القياس فقالوا ( من لا دين له كالحية أو العقرب ) 

وإلى هذا المعنى أومأ   أينشتاين حين قال :" ان الشخص الذي يعتبر حياته وحياة غيره من المخلوقات عديمة المعنى ليس تعيسا فحسب، ولكنه غير مؤهل للحياة"

وقد اتفقت الأمم على استعظام أمور يبيحون دم المرء فيها ، وأبى الله إلا أن تكون الردة عن دينه بهذه المنزلة العظيمة

وأبى سبحانه ألا أن ينزل شرعاً يكون حاكماً على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ويكون الملتزم به المطبق له أعلى من المنحل عنه وحاكماً عليه وما سوى ذلك حال مرذولة مغضوب عليها عند الله

ومن الأمور التي وافق فيها الفلاسفة من يسميهم الزنادقة بالمتطرفين هو أمر التسليم للشريعة والاعتراف بقصور المدارك عن فهم إدراك الحكمة في كل شيء فيها تفصيلياً

قال البطليموسي في الحدائق :" وَلذَلِك قَالَ أفلاطون
نَحن عاجزون عَن فهم مَا جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع وَإِنَّمَا نعلم من ذَلِك يَسِيرا ونجهل كثيرا وَلذَلِك كَانَ أرسطو يَأْمُرنَا بِالتَّسْلِيمِ لما جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع ويأمرنا بتأديب من تعرض لتعليل أوامرها ونواهيها وتعاطي الْخَوْض فِيهَا وَهَذِه النَّفس أشرف النُّفُوس الَّتِي فِي عَالم الْأَركان وأعلاها وَهِي السائسة الْمُدبرَة لسياسة النُّفُوس وَلَا يتَّفق أَن تُوجد هَذِه النَّفس الشَّرِيفَة إِلَّا فِي ذَوي الْفطر الْكَامِلَة
وَهَذِه النَّفس لَا تحْتَاج إِلَى اكْتِسَاب المعارف والعلوم بالمقاييس والمقدمات كَمَا تحْتَاج النَّفس الفلسفية لِأَن المقاييس العلمية إِنَّمَا هِيَ قوانين وَضعهَا ذَوُو الْفطر الْكَامِلَة تسديدا وتقويما لِذَوي الْفطر النَّاقِصَة"

فإن قيل : أليس المتكلمون وهم خير من الفلاسفة يقدمون العقل على النقل

فيقال : هذا مما قصر كثيرون عن فهمه وأوقعوه على غير محله

فعامة الأشاعرة ومعهم ابن حزم إنما يعملون هذه القاعدة في أمر الإلهيات وأما في الأوامر الشرعية فهم يقولون بنفي التحسين والتقبيح العقليين وقصرهما على الشرعيين

بمعنى أنه لا توجد حكمة في الأوامر والنواهي حتى تناقش بالعقل بل يجوز على الله أن يأمر بالزنا والقتل وما لا يتسق في القياس ويصير عدلاً لأنه تصرف منه في ملكه والمالك لا يسأل عن تصرفاته في ملكه وكل فعله فيهم عدل

وهذا مذهب سوء وهو نفي الحكمة والتعليل ومذهب خبيث وقد كان عليه ابن حزم والغزالي بل كل الأشاعرة إلا نزراً يسيراً منهم

قال الغزالي في فضائح الباطنية :" بل عندنَا يجوز خلو الْعَالم عَن النَّبِي أبدا بل يجوز لله ان يعذب جَمِيع خلقه وان يضطرهم الى النَّار فانه بِجَمِيعِ ذَلِك متصرف فِي ملكه بِحَسب إِرَادَته وَلَا معترض على الْمَالِك من حَيْثُ الْعقل فِي تَصَرُّفَاته وانما الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَالتَّصَرُّف فِي غير مَا يسْتَحقّهُ الْمُتَصَرف وَهَذَا لَا يتَصَوَّر من الله"
وقال الشهرستاني في الملل والنحل :"   قال أهل السنة:_ يعني الأشاعرة _ الواجبات كلها بالسمع, والمعارف كلها بالعقل. فالعقل لا يحسن ولا يقبح، ولا يقتضي ولا يوجب، والسمع لا يعرف، أي لا يوجد المعرفة، بل يوجب"

وخالفهم المعتزلة فأثبتوا الحكمة ولكن نفوا قيامها في الحكيم ومذهب المعتزلة خير من مذهب هؤلاء

غير أنك تجد الجميع لا يعترضون على الرجم وعلى حد الردة فمثبت الحكمة يذكر لذلك حكمة ومن لا يثبت الحكمة قد أراح نفسه من البحث في ذلك

فعامة المشاهير ممن يقدم العقل على النقل هو في أمر الشرائع من نفاة الحكمة لذا لا يستخدم قاعدته هذه في رد أي مسألة من مسائل الحلال والحرام

ومن هنا تعلم أن أمثال طارق السويدان وعدنان إبراهيم لا يسيرون لا على طريقة الفلاسفة ولا المتكلمين ولا أهل الحديث ولا أهل الرأي ولا أهل الظاهر ولا أهل التدين من أهل الكتاب ولا على مذهب ذوي المروءة من أهل الأوثان

بل حقيقة هدمهم للأصول التي اتفق عليها جميع هؤلاء وساروا عليها كاستحسان عقوبة الزاني المحصن بأشد عقوبة واستقباح ولاية المرأة _ على غير طريق التوريث إذ لا يعلم امرأة حكمت قوماً لهم ذكر إلا عن طريق التوريث لقصورها عن ذلك ابتداءً _ واحتقار من لا دين له والسعي في إفنائه حقيقة هذا أنه شعبة من مذاهب الإباحيين

والإباحية اليوم انتعشت فصارت لها منظمات ترعاها بل صارت وسائل الإعلام مكرسة للشهوانية والإباحية في أكثرها حتى حصلت أحوال لم يمر على تاريخ البشرية مثلها من فشو الزنا واللواط والمجاهرة بذلك ونشره على العلن وعدم الاستحياء منه

ولما كان في الأمة قوم من أهل الإحداث وأهل البدع أسرع الناس ردة كانوا يتأثرون بكل بلاء يعم في العالم ويقولون التلفيق بينه وبين الشرع فليس هم إباحية خلص ولا هم مسلمون حقاً

وأساس الفلسفة الإباحية تعظيم الحرية مطلقاً وإظهارها على أنها قيمة مقدسة يتضاءل كل شيء أمامها ، وحقيقة هذه الحرية هي العبودية للشهوات والاستكبار عن الخضوع للشرع ، وربما ألزمهم بعض أهل التدين بما يدعون من الحرية إذا منعوا النقاب أو سخروا منه أو منعوا الدعوة أو الخطابة عن بعض الناس وكثرة سخرية أساطينهم من الشرع وسعيهم لطمس مظاهره بحجة حرب الإرهاب يدل على أن الحرية المرادة هي الإباحية 

قال ابن تيمية في التدمرية :"  والإنسان مضطر إلى شرع في حياته الدنيا، فإنه لابد له من حركة يجلب بها منفعته، وحركة يدفع بها مضرته، والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفعه، والأفعال التي تضره، وهو عدل الله في خلقه، ونوره بين عباده، فلا يمكن الآدميين أن يعيشوا بلا شرع يميزون به بين ما يفعلونه ويتركونه.
وليس المراد بالشرع مجرد العدل بين الناس في معاملاتهم، بل الإنسان المنفرد لابد له من فعل وترك، فإن الإنسان همام حارث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصدق الأسماء حارث وهمام) وهو معنى قولهم: متحرك بالإرادة، فإذا كان له إرادة فهو متحرك بها، ولابد أن يعرف ما يريده، هل هو نافع له أو ضار؟ وهل يُصلحه أو يفسده؟ وهذا قد يعرف بعضه الناس بفطرتهم، كما يعرفون انتفاعهم بالأكل والشرب، وكما يعرفون ما يعرفون من العلوم الضرورية بفطرتهم، وبعضه يعرفونه بالاستدلال الذي يهتدون به بعقولهم، وبعضه لا يعرفونه إلا بتعريف الرسل وبيانهم لهم، وهدايتهم لهم"


وقال جون لوك أبو الليبرالية الحديثة :" لا يمكن التسامح مع الذين ينكرون وجود الله فالوعد والعهد والقسم من حيث هي روابط الممجتمع البشري لا قيمة لها عند الملحد "

وهذه لفتة جيدة من هذا الرجل واليوم يقسمون على الكتب المقدسة على مخالفة ما فيها وتطبيق القوانين الوضعية وهذه نكتة وشيء مثير جداً للسخرية وفعلاً ما عسانا أن نحلف الملحد به إذا جاء يشهد وعلى أي أساس سيقوم زواجه وكيف نلزمه بأداء أمانة في منصب خطير كالقضاء ونحوه وهو لا يحلف على شيء ! 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم