الجمعة، 14 نوفمبر 2014

لا دفاعاً عن يزيد بن معاوية وإنما حبا في الإنصاف



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد قال الله تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )

ومعلوم ما فعله يزيد بن معاوية في ولايته من الجنايات ، غير أن هذا لا يبرر أن نصدق كل ما ذكره المؤرخون في شأنه خصوصاً من عرف منهم بالكذب

ويزيد بعد انقراض زمن بني أمية سخطه كل الناس تقريباً وما والاه إلا قليلون ، وأود بذكر لبعض الأخبار المكذوبة في شأنه بيان تناقض بعض الناس الذين ينكرون الروايات الصحيحة الثابتة في فضائل الصحابة وقضايا أخرى مهما كانت متواترة أو موثوقة الطرق ويصدقون كل ما يقال في ثلب يزيد بن معاوية كأمثال عدنان إبراهيم

ولنذكر بعض الروايات التي ذكرها غير واحد مع كونها من رواية الكذابين أو معضلة الأسانيد

أ_ جاء في تاريخ الإسلام للذهبي :" وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ تَمِيمٍ، كُلُّ قَدْ حَدَّثَنِي، قَالُوا: لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الْحَرَّةِ، وَأَخْرَجُوا بَنِي أُمَيَّةَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، وَبَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ: يَا قَوْمُ اتَّقُوا الله، فو الله مَا خَرَجْنَا عَلَى يَزِيدَ حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرْمَى بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ، إِنَّهُ رَجُلٌ يَنْكِحُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، وَيَشْرَبُ الْخَلَّ وَيَدَعُ الصَّلَاةَ"

وذكرها أيضاً في سير أعلام النبلاء وذكرها الهيتمي في الصواعق المحرقة والسيوطي في تاريخ الخلفاء وسعد البريك في بعض محاضراته

وهذه الرواية مدارها على الواقدي الكذاب !

الذي قال الشافعي أن كتبه كلها كذب

قال ابن المديني : الهثيم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء

وهذه رواية تنسب أمور خطيرة ليزيد

وأنا أعجب من الذهبي في نقله مثل هذا وعادته النقد ، ولما ترجم لبعض أهل الرأي كأبي حنيفة وأبي يوسف الشيباني تجلد في كتمان ما قيل في ذمهم مع كونها أخباراً صحيحة ولها فائدة فهؤلاء لهم مذهب ولهم أتباع ولهم رواية بخلاف يزيد الذي لا مذهب له ولا فتاوى ولا رواية

ب_ قال الذهبي في السير :" عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مِسْمَعٍ, قَالَ: سَكِرَ يَزِيْدُ, فَقَامَ يَرْقُصُ, فَسَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ, فَانْشَقَّ وَبَدَا دِمَاغُهُ"

هذه الرواية لم أجد لها إسناداً ولم أعرف محمد بن أحمد بن مسمع هذا !

ج_ قال ابن الوزير في الروض الباسم :" وقال ابن خلكان (1) في ترجمة أبي الحسن عليّ بن محمد الملقّب عماد الدّين, المعروف بالكيا الهرّاسي (2) الشّافعيّ ما لفظه: ((وسئل إلكيا عن يزيد بن معاوية فقال: إنّه لم يكن من الصّحابة, لأنّه ولد في أيّام عمر ابن الخطّاب - رضي الله عنه - , وأمّا قول السّلف؛ ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح, ولمالك قولان: تلويح وتصريح, ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح, ولنا قول واحد: تصريح دون تلويح. كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد, والمتصيّد بالفهود, ومدمن الخمر, وشعره في الخمر معلوم, ومنه قوله:
أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنّم
خذوا بنصيب من نعيم ولذّة ... فكلّ وإن طال المدى يتصرّم

وكتب فصلاً طويلاً, ثمّ قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرّجل؛ وكتب فلان ابن فلان))"

وما قاله الكيا هراسي يحتاج إلى إثبات بالإسناد وما ثمة إسناد والكيا هراسي جاء بعد مئات السنين ولم يكن له خبرة بالمنقولات أبداً كما صح بذلك ابن تيمية في الدرء

وقد رأيت رافضياً نقل هذه الفتيا فحرف بها فجعل مكان ( لم يكن من الصحابة ) ( كان من الصحابة )!!

ج_ قال ابن كثير في البداية والنهاية :" وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ قَدِ اشْتَهَرَ بِالْمَعَازِفِ وَشُرْبِ الخمر والغنا وَالصَّيْدِ وَاتِّخَاذِ الْغِلْمَانِ وَالْقِيَانِ وَالْكِلَابِ وَالنِّطَاحِ بَيْنَ الْكِبَاشِ وَالدِّبَابِ وَالْقُرُودِ، وَمَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا يُصْبِحُ فِيهِ مَخْمُورًا، وَكَانَ يَشُدُّ الْقِرْدَ عَلَى فَرَسٍ مُسَرَّجَةٍ بِحِبَالٍ وَيَسُوقُ بِهِ، وَيُلْبِسُ الْقِرْدَ قَلَانِسَ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ الْغِلْمَانُ، وَكَانَ يُسَابِقُ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَكَانَ إِذَا مَاتَ الْقِرْدُ حَزِنَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ مَوْتِهِ أَنَّهُ حَمَلَ قِرْدَةً وَجَعَلَ يُنَقِّزُهَا فَعَضَّتْهُ.
وَذَكَرُوا عَنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ"

رأيت رافضياً نقل كلام ابن كثير هذا ، وحذف تحرزه من عدم صحته وعدم صحته ظاهرة فلا يوجد لهذه الأخبار أسانيد معتمدة ، والرجل مسخوط عليه بسبب بعض جرائمه وكان الرافضة قد عادوه وهم معدن الكذب

د_ قال الطبراني في الكبير 2846 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَى الْكُوفَةِ سَاخِطًا لِوِلَايَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ وَالِيهِ عَلَى الْعِرَاقِ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ حُسَيْنًا قَدْ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ الْأَزْمانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ الْبُلْدَانِ، وابْتُلِيتَ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْعُمَّالِ، وَعِنْدَهَا يُعْتَقُ أَوْ يَعُودُ عَبْدًا كَمَا يُعْتَبَدُ الْعَبِيدُ ". فَقَتَلَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُمَامِ:
[البحر الطويل]

نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَحِبَّةٍ ... إِلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا "

هذه الرواية منقطعة كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد غير أنها أحسن سنداً من الروايات التي بلا إسناد وتنسب ليزيد أبياتاً كفرية يقول فيها أنه ثأره من النبي

وجاءت رواية بمثل هذه الدرجة فيها أنه قال البيت أمام علي بن الحسين ، والبيت فيه أنه يعتبر الحسين حبيباً له ولكنه عقه وظلمه مما اضطره إلى فعله وهذا اعتذار بارد ولكنه ينافي الروايات المشهورة والتي يبثها الرافضة

قال الطبراني في الكبير 2806 - حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: أَبَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنْ يُسْتَأْسَرَ، فَقاتَلُوهُ فَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا ابْنَيْهِ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مِنْهُ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الطَّفُّ، وَانْطُلِقَ بِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ، وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَلِيٌّ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ بَلَغَ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَ بِسُكَيْنَةَ فَجَعَلَهَا خَلْفَ سَرِيرِهِ لِئَلَّا تَرَى رَأْسَ أَبِيهَا وَذَوِي قَرابَتِهَا، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي غُلٍّ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، فَضَرَبَ عَلَى ثَنِيَّتَيِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ:
[البحر الطويل]

نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَحِبَّةٍ ... إِلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] . فَثَقُلَ عَلَى يَزِيدَ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ، وَتَلَا عَلِيٌّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ يَزِيدُ: بَلْ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَمَا وَاللهِ لَوْ رَآنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْلُولِينَ لَأَحَبَّ أَنْ يُخَلِّيَنَا مِنَ الْغُلِّ» . قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلُّوهُمْ مِنَ الْغُلِّ. قَالَ: «وَلَوْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بُعْدٍ لَأَحَبَّ أَنْ يُقَرِّبَنَا» . قَالَ: صَدَقْتَ، فَقَرِّبُوهُمْ. فَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ وَسُكَيْنَةُ يَتَطَاوَلَانِ لِتَرَيَا رَأْسَ أَبِيهِمَا، وَجَعَلَ يَزِيدُ يَتَطَاوَلُ فِي مَجْلِسِهِ لِيَسْتُرَ عَنْهُمَا رَأْسَ أَبِيهِمَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَجُهِّزُوا، فَأَصْلَحَ إِلَيْهِمْ، وَأُخْرِجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ

وهذه الرواية تبين أنه ما سبيت هاشمية كما يدعي الكفرة ، بل إنه علياً بن الحسين يخاطبه بشجاعة وأحرج يزيد ولما ذكر اسم الرسول ليزيد أظهر الإحسان لأبناء الحسين ، وهذا لا يدفع عنه تبعة المقتلة التي حصلت ولكن يبين أن ما يدعى من أنه كان كافراً في الباطن ويريد أن ثأره من المسلمين لما حصل ببدر كلام فارغ ، ولا أدل على ذلك من أنه لو شاء أن يقتل علياً بن الحسين زين العابدين لفعل أو يسجنه لفعل ولكن لم يفعل شيئاً من هذا بل أطلقه ، وذلك أنه إنما يريد الملك

ه_ ما روي عن يزيد

ليت أشياخي ببدرٍ شَهِدُوا ... جزعَ الخزرجِ مِنْ وقع الأسل

فهذا كذب معروف عند الناس أنه كذب

قال ابن العربي في العواصم :" وقد تركتُ ما يختص الشيعة بروايته مما لم أعرف له إسناداً، مثل ما يروى عن يزيد من قوله:
ليت أشياخي ببدرٍ شَهِدُوا ... جزعَ الخزرجِ مِنْ وقع الأسل"

وهذا البيت لعبد الله بن الزبعرى قاله يوم أحد من قصيدة مطلعها:

يا غراب البين أسمعتَ فَقُلْ ... إنما تَنْطِقُ شيئاً قد فُعِلْ
وأجابه حسان بن ثابت بقصيدة مطلعها:
ذَهَبَتْ بابنِ الزِّبعرى وقعةٌ ... كان منا الفَضْلُ فيها لو عَدَلْ
انظر " سيرة ابن هشام " 3/ 143 - 145، و" العقد الفريد " 5/ 131، و" شرح شواهد المغني " 4/ 254، و" الكامل " 3/ 1372، و" ديوان حسان " ص 358.

وكثير من الروايات من هذا الجنس والمقصود هنا التنبيه ومع كون هذا البحث شائكاً وكثير منه دخله الكذب يترك عدنان إبراهيم مصائب الأمة وما ألم بها ( وهو أحد هذه المصائب ) ويشغل المسلمين بالكلام عن يزيد الذي ليس له أي حديث في الكتب الستة ولا فتوى ولا أعلم إماماً من أئمة المسلمين في القرون الفاضلة يثني عليه بإطلاق بل كان عمر بن العزيز يعاقب من يثني عليه 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم