الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

ماذا لو شهد حاتم العوني حروب الردة ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن الحوادث التاريخية التي لا يجهلها مسلم ، حادثة حروب الردة

والتي قاتل فيها الصحابة ثلاث فرق واستحلوا دماءهم

وهم فرقة قالت بنبوة أنبياء جدد كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي

وفرقة جحدت وجوب الزكاة

وفرقة أقرت بوجوب الزكاة ولكنها بخلت وامتنعت وآثرت القتال على دفع الزكاة

هذه الفرق الثلاث يجمعها أنها جميعاً تشهد الشهادتين ( شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ) ومع ذلك لم يمتنع الصحابة جميعاً عن تكفيرهم وقتالهم لما وقعوا في الكفر ، وكانت حروب الردة حروباً مباركة على الأمة ولولا الله ثم هي لما قامت للأمة دولة في الشام والعراق ومصر واليمن والمغرب وخراسان والأندلس وتركيا وغيرها من الأقطار

وأنا أذكر هذا لأبين أمراً هاماً

وهو أن كثيرين ممن يحمل فكراً شاذاً غريباً اليوم لو كان موجوداً أيام حرب الردة لأنكر على الصديق والصحابة

وقال ( كيف تقاتلون هؤلاء وهم يشهدون الشهادتين )؟

وكيف تكفرونهم والحال هذه ؟

وهل أقمتم عليهم الحجة واحداً واحداً ؟

افهم هذا جيداً بارك الله فيك ، واسأل ما الفرق الجوهري بين هؤلاء وبين يعبد غير الله صراحة بل ربما وصل شركه إلى الربوبية ويتواطأ مع قومه على ترك بعض شعائر الإسلام الظاهرة أو كلها من أهمها تحكيم شرع الله واتباع سلوم وقوانين وضعية  ( كما هو شأن كثير من القبائل في حقبة الإمام المجدد ) ، واعلم أن التكفير حكم شرعي لا يذم مطلقاً لوجود من يغلو فيه ويكفر بغير وجه حق بل من ينكر التكفير مطلقاً من أجل وجود من يستخدمه استخداماً ظالماً فهذا كمن يطالب بإلغاء سلك القضاء كاملاً لوجود بعض القضاة الفاسدين وهذا من أعظم الظلم في بداهة العقل

والعجيب أنه يأتي من يترك غلو جميع فرق أهل الباطل في التكفير ، ويشن هجومه على أهل الحق كحاتم العوني

فينسى صنيع المعتزلة في زمن المأمون والمعتصم والواثق وما فعلوه في نعيم بن حماد وأحمد بن نصر الخزاعي وغيرهم من القتل والتكفير على التوحيد

والمعتزلة بل من ألهج الفرق بالتكفير حتى أنهم ليكفر بعضهم بعضاً ، فجمهور المعتزلة على تكفير النظام كما ذكر صاحب الفرق بين الفرق

والفاسق عند عامة المعتزلة خالد في النار ، هذا مع تكفيرهم بالقول بالرؤية

وأما الرافضة فتكفيرهم للصحابة ومن يواليهم أمرٌ مشهور واستحلالهم لدمائهم أمرٌ لا يخفى على أحد ، وكيف قامت إيران وما قام به الشاه الصفوي من تقتيل لأهل السنة أمر معروف

وأما الزيدية فعامتهم يقول بتخليد أهل الكبائر في النار والهادي الذي ينتسب إليه الكثير من الزيدية اليوم ما أقام دولته في اليمن إلا على أشلاء أهل السنة ، والاقتتال بين الزيدية أنفسهم كثير وكذلك أمر التكفير

قال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق :" هَؤُلَاءِ البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية لاقرار الجارودية على تَكْفِير أبي بكر وَعمر والجارودية يكفرون السليمانية والبترية لتركهما تَكْفِير أبي بكر وَعمر"

وأما الخوارج بما فيهم الإباضية فالكلام على غلوهم في التكفير والقتال أمرٌ لا ينضبط ولا ينحصر بسطور قليلة

وأما الماتردية فعامتهم أهل رأي يتوسعون في التكفير حتى أنهم ليكفرون من يقول ( مسيجد ) و ( مصيحف ) ويذكرون ذلك في كتب الردة ملزمين الإمام أن يقتل على الردة من يتلفظ بهذه الألفاظ ، وبلغ من غلوهم ما صنعه ابن نجيم وغيره من تكفير من يقول بأن الله يرى في المنام ، وما فعله كثير من أئمتهم المتقدمين من تكفير من يستثني في الإيمان حتى أفتوا بعدم تزويج الشافعي لهذه العلة

وأما الأشاعرة فهذا الشيرازي يقول بكفر من ليس أشعرياً ، وهذا ابن العربي يكفر من يقول أن أبوي النبي في النار ، وهذا القرافي يكفر من يقول بأن هاروت وماروت ملائكة ، وهذا ابن حجر يقول بأن اليهودي الذي يقول بأنه يشهد أن لا إله إلا الله الذي في السماء لا يكون مسلماً ، وأفتى ابن فورك بعض الأئمة بقتل المعتزلة جميعاً ( وحاله قريب من حالهم )

وذكر المقريزي في الخطط أن في زمن الأيوبيين من يظهر خلاف اعتقاد الأشعري يهدر دمه ، وفي زمن ابن قلاوون نادوا ( من اعتقد اعتقاد ابن تيمية حل دمه ) ، وذكر ابن حجر في الدرر الكامنة عن بعض زنادقة القوم أنه كفر ابن تيمية لتحريمه الاستغاثة بالنبي ، ومعلوم صنيعهم مع ابن أبي العز لما أظهر تحريم التوسل ورأوه قد أساء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا كله لا زالت بقاياه موجودة في الدنيا فيترك كل هذا ويؤتى لأهل السنة الذين لا يكفرون بالكبائر ولا يكفرون أحداً باعتقاد صحيح موجود في النصوص

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر السنية (13/ 68) :" فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا ليس عند التكفير والقتال، بل هم الذين بدؤونا بالتكفير والقتال، بل عند قوله: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن آية: 18] ، وعند قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [سورة الإسراء آية: 57] ، وقوله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [سورة الرعد آية: 14] . فهذا بعض المعاني في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة آية: 4] بإجماع المفسرين كلهم"

ثم يأتي ظالم ويفري لسانه في عرض إمام لولا الله ثم هو ما عرف التوحيد بل لولا الله ثم هو لما قامت هذه الدولة التي يتفيأ ظلالها وينعم فيها برفاهية يغبطه عليها عامة سكان الدنيا ، على أنهم إن تنكروا للدعوة ليوشكن الله أن يبدل ما بهم ويستبدلهم بقوم غيرهم

( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم