الجمعة، 26 سبتمبر 2014

وقفة في مسألة الترحم على الجاحظ ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فبعض المسائل من شدة الحساسية التي تحيط بها بسبب إرجاف البعض ، يكاد المرء يبدأ بالكلام فيها غير أن رب العالمين بمنه وكرمه ييسر مناسبات مجتمعة ليكتمل بناء المقال بطريقة تبلغ قلوب من سلم من التعصب والهوى بإذنه سبحانه وتوفيقه

قد كان وقع من عبد الحميد الحجوري الترحم على الجاحظ في بعض محاضراته ، فاهتبلها فرصة وصار يرد عليه ويشنع عرفات المحمدي قد وقع منه التراجع

وقال أبو عائشة السلفي المشرف في منتدى الوحيين معرضاً بعبد الحميد الحجوري أثناء تعليقه على موضوع لعلي الحذيفي :" كما نحب أن نشكرك أيها الشيخ الفاضل على جهودك وما تنشره من مواضيع قيمة ومفيدة ومتزنة في المنتديات السلفية وهذا مما يفرح به السلفي الصادق ولا يغيظ إلا مرضى القلوب الذي أكل الحسد قلوبهم فجزاك الله خيرا ورفع قدرك .
وأن لم تكن سحاب الخير للعلماء الأفاضل كربيع أهل السنة والجابري وزيد المدخلي والسحيمي ومحمد بن هادي وعبدالله البخاري والوصابي والإمام والبرعي والذماري والسالمي والعدنيين وإخوانهم المشايخ الأفاضل آل بازمول وآل الظفيري والعتيبي والزهراني والحذيفي والمحمدي والعمري وغيرهم ممن فاتني ذكرهم من العلماء والمشايخ الأفاضل وطلاب العلم النجباء فلمن تكون ؟!!
للسفيه العمودي أم للمترحم على الجاحظ أم لمن جعل السلفيين ممن بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار أم لغيرهم من السفهاء ؟!"

المترحم على الجاحظ !

هكذا الترحم على جهمي معتزلي كالجاحظ صار سبة

والسؤال هنا : ما الفرق الجوهري بين محمد رشيد رضا الذي يترحم عليه الكثير من المعاصرين والجاحظ ؟

الواقع أن الجاحظ أكثر تعظيماً للنصوص من محمد رشيد رضا الذي أنكر الدجال ونزول المسيح وأحاديث المهدي ويأجوج ومأجوج وخروج الشمس من مغربها في آخر الزمان وكفر بالكبيرة وكان مفوضاً وأنكر الرجم ومعجزات ( آيات ) النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر جهاد الطلب وقال بجواز التيمم بالسفر مع وجود الماء وقال بجواز جمع الصلاتين بدون عذر وقال بحل ربا الفضل والحمر الأهلية ونكاح الوثنيات وأنكر عشرات الأحاديث الصحيحة 

وواحدة من هذه التي سبقت يخرج بها من ملة الإسلام فكيف بها مجتمعة ؟

وماذا عن الترحم على سيد قطب مع قوله بخلق القرآن وإنكار العلو ووحدة الوجود ؟

فإنكار الترحم على هؤلاء ينبغي أن يكون بمستوى إنكار الترحم على الجاحظ

والعجيب أن جماعة من المعاصرين ينصون على أن الواقع في بدعة مكفرة لا يصلى عليه ويناقضون هذا فيترحمون على الواقعين في البدع المكفرة كإنكار العلو

قال ابن تيمية كما في درء التعارض (7/27) :" ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل يكون ذلك الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري"

وقد قال لعلماء الأشاعرة في مصر كما في مقدمة التسعينية ( يا كفار يا مرتدين يا مبدلين )

وقد وقع مني في بعض الشروح الصوتية الترحم على بعض منكري العلو ، وهذا أمر غلطت فيه ولا سبيل لي على المواد الصوتية فأغير ما فيها أو المنشور في المدونة ، وهذا غلط بين فلو كان المرء يعتقد جواز الترحم على أهل البدع بإطلاق داعيتهم وعاميهم ومقلدهم ، لكان ينبغي له النظر في مسألة الترحم على الواقع في بدعة مكفرة خصوصاً في مسألة معلومة من الدين بالضرورة كمسألة العلو

وقد قال عبد الرحمن البراك كما موقع طريق الإسلام :" الحمد لله،

من يقرأ قول ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" (ص 142) عن الجاحظ، وما ذكره الذهبي عنه في "السير" (ج11 ص526)، فلن تطيب نفسه أن يخص الجاحظ بالترحم، فإن الدعاء[  ]  بالرحمة للشخص من جنس الصلاة عليه، وقد نص العلماء[  ]  على ترك الصلاة على أهل البدع[  ]  والفجور، هجراً لهم وزجراً عن حالهم وفعالهم، فكيف إذا كان رأساً في البدعة والفجور، فإنه أحق بالهجران، ومع ذلك فتخصيصه بالترحم عليه يشعر بالتعظيم والاحترام والرضا، ولن من كان صحيح الإيمان[  ]  لا منافقاً شمله الاستغفار[  ]  للمؤمنين والمؤمنات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات، والله أعلم"

أقول : فكيف إذا كان واقعاً في بدعة مكفرة ودون ذلك في كتبه ، وأنا هنا أنقل كلاماً لمعاصر من جهة الإلزام وإلا فالأمر معروف عند السلف وواضح في تصرفاتهم

وقال عبد الكريم الخضير في شرحه على اللامية :" هذا يقول: أراك يا شيخ متحاملاً على ابن حزم -رحمه الله تعالى- فلماذا؟ أولاً: ابن حزم -كما هو معروف- تحامل على الأئمة، ولا أعرف أني متحامل عليه في غير مسائل الاعتقاد التي دونها بقلمه وسطرها، حتى إنه تُرحم عليه في درس الشيخ ابن باز فأنكر ذلك الشيخ، أنكر ذلك، وعنده في مسائل الاعتقاد طوام، شابه الجهمية في بعض المسائل، فليس على المنهج الصحيح ولا الهدي السليم في مسائل الاعتقاد"

أقول : سواءً كان مأخذ الشيخ ابن باز أن بدعة ابن حزم مكفرة ، أو أنه وقع في بلايا عقدية فلا إشهار الترحم عليه لكي يغتر به العامة ويظنون تعظيمه ( كما أشير إليه في فتيا البراك ) أو أنه داعية بدعة ( كما يشير إليه كلام ابن تيمية_ رحمه الله _ في الاختيارات الفقهية ) ، فهذه المآخذ كلها تدل على أن هناك توسعاً غير مرضي في مسألة الترحم هذه ووجود مسلك حادث إذا أنكر اعتبر إنكاره بدعة وغلواً، ويكون منعه هنا هو الصواب وترحمه في مكان آخر خطأ ومجانب للصواب وسيرٌ على الإلف

بل إن ما يكال من الثناء والتوقير للكثير من أهل الأهواء والبدع المكفرة كالتجهم والقبورية أمر يضن به على عامة الموحدين بل على أخيار الأمة

فلا يقال عن عبيد بن عمير ورجاء بن حيوة ومحمد بن سيرين ومسروق والأسود ( الإمام ) و ( رحمه الله ) كلما ذكر بقدر ما يقال هذا في الأشاعرة منكري العلو والقبورية وغيرهم من الواقعين في الضلالات الكبرى من أصحاب التصانيف في التفسير وشروح الحديث والفقه والتي أقل جنايتهم فيها خلطهم كلام المتكلمين  بكلام أئمة الهدى وأعظم جنايتهم نصرتهم لمقالات بني جلدتهم وطرح الشبهات على الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم

وليعلم أنه مما يؤخذ على الذهبي وابن الوزير هذه المسألة 

قال ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق :"  وَلما ذكر الذَّهَبِيّ فِي النبلاء تجويد الجاحظ فِي كتاب النبوات ترحم عَلَيْهِ وَقَالَ فَكَذَلِك فَلْيَكُن الْمُسلم مَعَ أَنه من خصومه وَهَذَا شَيْء يُعلمهُ الْعَاقِل من قَرَائِن أَحْوَال المتأولين "

وهذا إفراط في التميع 

قال البغدادي الأشعري في الفرق بين الفرق :" ذكر الجاحظية مِنْهُم هَؤُلَاءِ اتِّبَاع عَمْرو بن يحيى الجاحظ وهم الَّذين اغتروا بِحسن بذله هَكَذَا الجاحظ فى كتبه الَّتِى لَهَا تَرْجَمَة تروق بِلَا معنى وَاسم يهول وَلَو عرفُوا جهالاته فى ضلالاته لاستغفروا لله تَعَالَى من تسميتهم اياه انسانا فضلا عَن ان ينسبوا اليه احسانا فَمن ضلالاته المنسوبة اليه مَا حَكَاهُ الكعبى عَنهُ فى مقالاته مَعَ افتخاره بِهِ من قَوْله ان المعارف كلهَا طباع وهى مَعَ ذَلِك فعل للعباد وَلَيْسَت بِاخْتِيَار لَهُم قَالُوا وَوَافَقَ ثُمَامَة فى ان لَا فعل للعباد الا الارادة وان سَائِر الافعال تنْسب الى الْعباد على معنى انها وَقعت مِنْهُم طباعا وانها وَجَبت بارادتهم قَالَ وَزعم ايضا انه لَا يجوز ان يبلغ اُحْدُ فَلَا يعرف الله تَعَالَى وَالْكفَّار عِنْده من معاند وَمن عَارِف قد استغرقه حبه لمذهبه فَهُوَ لَا يشْكر بِمَا عِنْده من الْمعرفَة بخالقه وبصدق رسله فان صدق الكعبى على الجاحظ فى أَن لَا فعل للانسان الا الارادة لزمَه ان لَا يكون الانسان مُصَليا وَلَا صَائِما وَلَا حَاجا وَلَا زَانيا وَلَا سَارِقا وَلَا قَاذِفا وَلَا قَاتلا لانه لم يفعل عِنْده صَلَاة وَلَا صوما وَلَا حجا وَلَا زنى وَلَا سَرقَة وَلَا قتلا وَلَا قذفا لَان هَذِه الافعال عِنْده غير الارادة واذا كَانَت هَذِه الافعال الَّتِى ذَكرنَاهَا عِنْده طباعا لَا كسبا لزمَه ان لَا يكون للانسان عَلَيْهَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب لَان الانسان لَا يُثَاب وَلَا يُعَاقب على مَا لَا يكون كسبا لَهُ كَمَا لَا يُثَاب وَلَا يُعَاقب على لَونه وتركيب بدنه اذا لم يكن ذَلِك من كَسبه وَمن فضائح الجاحظ ايضا قَوْله باستحالة عدم الاجسام بعد حدوثها وَهَذَا يُوجب القَوْل بَان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقدر على خلق شىء وَلَا يقدر على افنائه وانه لَا يَصح بَقَاؤُهُ بعد ان خلق الْخلق مُنْفَردا كَمَا كَانَ مُنْفَردا قبل ان خلق الْخلق وَنحن وان قُلْنَا ان الله لَا يفنى الْجنَّة وَنَعِيمهَا وَالنَّار وعذابها ولسنا نجْعَل ذَلِك بَان الله عز وَجل قَادر على افناء ذَلِك كُله وانما نقُول بدوام الْجنَّة وَالنَّار بطرِيق الْخَبَر وَمن فضائح الجاحظ ايضا قَوْله بَان الله لَا يدْخل النَّار احدا وانما النَّار تجذب اهلها الى نَفسهَا بطبعها ثمَّ تمسكهم فى نَفسهَا على الخلود وَيلْزمهُ على هَذَا القَوْل ان يَقُول فى الْجنَّة انها تجذب اهلها الى نَفسهَا بطبعها وان الله لَا يدْخل احدا الْجنَّة فان قَالَ بذلك قطع الرَّغْبَة الى الله فى الثَّوَاب وابطل فَائِدَة الدُّعَاء وان قَالَ ان الله تَعَالَى هُوَ يدْخل اهل الْجنَّة الْجنَّة لزمَه القَوْل بَان يدْخل النَّار اهلها وَقد افتخر الكعبى بالجاحظ وَزعم انه من شُيُوخ الْمُعْتَزلَة وافتخر بتصانيفه الْكَثِيرَة وَزعم انه كنانى من بنى كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر فَيُقَال لَهُ ان كَانَ كنانيا كَمَا زعمت فَلم صنفت كتاب مفاخر القحطانية على الكنانية وَسَائِر العدنانية وان كَانَ عَرَبيا فَلم صنف كتاب فضل الموالى على الْعَرَب وَقد ذكر فى كِتَابه المسى بمفاخر قحطان على عدنان اشعارا كَثِيرَة من هجاء القحطانية للعدنانية وَمن رضى بهجو آبَائِهِ كمن هجا أَبَاهُ وَقد أحسن جحظة فِي هجاء ابْن بسام الذى هجا اباه فَقَالَ من كَانَ يهجو أَبَاهُ فهجوه قد كَفاهُ لَو انه من أَبِيه مَا كَانَ يهجو اباه واما كتبه المزخرفة فاصناف مِنْهَا كِتَابَة فى حيل اللُّصُوص وَقد علم بهَا الفسقة وُجُوه السّرقَة وَمِنْهَا كِتَابه فى عشر الصناعات وَقد افسد بِهِ على التُّجَّار سلعهم وَمِنْهَا كِتَابه فى النواميس وَهُوَ ذَرِيعَة للمحتالين يجتلبون بهَا ودائع النَّاس واموالهم وَمِنْهَا كِتَابه فى الْفتيا وَهُوَ مشحون بطعن استاذه النظام على اعلام الصَّحَابَة وَمِنْهَا كتبه فى القحاب وَالْكلاب واللاطة وفى حيل المكدين ومعانى هَذِه الْكتب لائقة بِهِ وبصفته واسرته وَمِنْهَا كتاب طبائع الْحَيَوَان وَقد سلخ فِيهِ معانى كتاب الْحَيَوَان لارسطاطاليس وَضم اليه مَا ذكره المدائنى من حكم الْعَرَب وَأَشْعَارهَا فى مَنَافِع الْحَيَوَان ثمَّ انه شحن الْكتاب بمناظرة بَين الْكَلْب والديك والاشتغال بِمثل هَذِه المناظرة يضيع الْوَقْت بالغث وَمن افتخر بالجاحظ سلمناه اليه قَول اهل السّنة فى الجاحظ كَقَوْل الشَّاعِر فِيهِ ... لَو يمسخ الْخِنْزِير مسخا ثَانِيًا
مَا كَانَ الا دون قبح الجاحظ ... رجل يَتُوب عَن الْجَحِيم بِنَفسِهِ
وَهُوَ القذى فى كل طرف لاحظ ..."

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم