الاثنين، 9 يونيو 2014

نماذج من الأمهات الصالحات في زمن السلف...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال البخاري في صحيحه 2409 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

أقول : هذا الحديث وقع موقعه الحسن من نفوس السلف كعادتهم مع الأخبار ، وتاقت نفوسهم المؤمنة إلى تطبيقه

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم (وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ) فهم ذلك النساء المؤمنات وعرفن ما خاره الله لهن والدور الواجب عليهم وهو الرعاية في بيوت الأزواج المكان الذي ينبغي أن يكن فيه

ومن المعلوم عند كثير من الناس أن الإمام الشافعي والإمام أحمد نشآ يتيمين فتولت كل واحد منهما رعايته وتنشئته في الصلاح حتى صار كل واحد منهما إماماً مجدداً

وإليك بعض أخبار الأمهات الصالحات في زمن السلف عسى أن يصرن قدوةً لمن أرادت الخير من نساء عصرنا والله المستعان

قال البيهقي في الشعب 2955 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ، يَقُولُ: كَانَتْ أُمِّي تَقُومُ اللَّيْلَ فَتُصَلِّي حَتَّى تَعْصِبَ رِجْلَيْهَا وَسَاقَيْهَا بِالْخِرَقِ، فَيَقُولُ لَهَا أَبُو عِمْرَانَ: دُونَك هَذَا يَا هَذِهِ، فَتَقُولُ لَهُ: " هَذَا عِنْدَ طُولِ الْقِيَامِ فِي الْمَوْقِفِ قَلِيلٌ فَيَسْكُتُ عَنْهَا "

وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/4) :" وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَهْلَوَيْهِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالِي مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ كَانَتْ أُمِّي تُلْبِسُنِي الثِّيَابَ وَتَعُمِّمُنِي وَأَنَا صَبِيٌّ وَتُوَجِّهُنِي إِلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَتَقُولُ يَا بُنَيَّ ائْتِ مَجْلِسَ رَبِيعَةَ فَتَعَلَّمْ مِنْ سَمْتِهِ وَأَدَبِهِ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ وفقهه"

أحمد بن مروان اتهم ولا يبعد هذا فإن مالكاً بالكاد أدرك أباه وعامة رعايته كانت من جهة أمه

وقال عبد الله بن أحمد في العلل 1362 - قَالَ حَدثنِي إِسْمَاعِيل أَبُو معمر قَالَ حَدثنَا حَفْص بن عبد الرَّحْمَن الْبَلْخِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ كَانَت أُمِّي تهب الدَّرَاهِم على طلب الْعلم

أقول : فصار ابنها من ثقات رواة الحديث وعليه مدار حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) أحد أشهر أحاديث السنة فلعل لها أجراً في كل مرة يسمع فيها هذا الحديث

وقال عبد الله بن أحمد في العلل 1973 - حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا وَكِيع قَالَ حَدَّثَنَا شريك عَن عَطاء بْن السَّائِب قَالَ كَانَتْ أُمِّي تصنع البشبارجات فادعو إِبْرَاهِيم وَأَصْحَابه فَيَأْكُلُونَ

وهذه من الأعمال التي يحتسب بها إكرام أهل العلم تسهيلاً للانتفاع بعلمهم

وقال البخاري في الأدب المفرد 12- حَدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَسْتَخْلِفُهُ مَرْوَانُ، وَكَانَ يَكُونُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَكَانَتْ أُمُّهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ فِي آخَرَ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ وَقَفَ عَلَى بَابِهَا فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا أُمَّتَاهُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَتَقُولُ: وَعَلَيْكَ يَا بُنَيَّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَيَقُولُ: رَحِمَكِ اللهُ كَمَا رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: رَحِمَكَ اللهُ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ صَنَعَ مِثْلَهُ.

قال الإمام أحمد في الزهد 1164- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَنْبَأَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ أَنَّ صِلَةَ بْنَ أَشْيَمَ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ تَقَدَّمْ فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ ، فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقُتِلَ فَاجْتَمَعَتِ النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ فَقَالَتْ : مَرْحَبًا إِنْ كُنْتُنَّ جئتن لِتُهَنِّيَنِّي فَمَرْحَبًا ، وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَارْجِعْنَ.

أقول : معاذة العدوية وصلة بن أشيم زاهدان معروفان ، ومعاذة تتلمذت على عائشة  وهذا إسناد صحيح

وقال الهروي في ذم الكلام 1161 - أخبرنا الجارودي، أبنا إبراهيم بن محمد، ثنا أبو يحيى الساجي، حدثني أبو محمد الخراساني؛ قال: سمعت يونس ابن عبد الأعلى؛ قال:
((قالت [لي] أم الشافعي: انه ابني أن يجالسه حفص  الفرد)).
قال الساجي: (([وكانت معه يحملها] إلى كل موضع)).

فانظر حرص هذه المرأة الصالحة على ابنها ألا يجالس أهل البدع وابنها إمام في العلم

قال ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: قَالَتْ لِي أُمُّ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ: كَلِّمِ الْمَرِيسِيَّ، أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْكَلامِ وَالْخَوْضِ فِيهِ، فَكَلَّمْتُهُ فِي ذَلِكَ، فَدَعَانِي إِلَى الْكَلامِ

وهذا إسناد صحيح وأم المريسي يبدو أنها صالحة غير أنه كان شقياً

وقال أبو نعيم في الحلية (6/212) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثَنَا غَسَّانُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَأْتِي كَهْمَسًا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَيَجْلِسُ عِنْدَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: إِنِّي أَرَى هَذَا وَأَصْحَابَهُ وَأَكْرَهُهُمْ وَمَا يُعْجِبُونِي فَلَا تُجَالِسْهُمْ، قَالَ: فَجَاءَ إِلَيْهِ عَمْرٌو وَأَصْحَابُهُ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي قَدْ كَرِهَتْكَ وَأَصْحَابَكَ فَلَا تَأْتُونِي

عمرو بن عبيد ضال معروف

وقال أبو نعيم في الحلية (9/163) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ فِي أَوَّلِهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ» ، وَجِيءَ بِهِ حَمْلًا مِنْ مَرْوَ، وَتُوُفِّيَ أَبُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَلَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَوَلِيَتْهُ أُمُّهُ. قَالَ أَبِي: " وَكَانَ قَدْ بَعَثَ أَدَمًا لِي فَكَانَتْ أُمِّي رَحِمَهَا اللَّهُ تَصْبِرُ فِيهَا حَبَّةَ لُؤْلُؤٍ فَلَمَّا تَرَعْرَعَتُ، فَكَانَتْ عِنْدَهَا، فَدَفَعَتْهَا إِلَيَّ فَبِعْتُهَا بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا

وقال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أَنبأَنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَحمد ابن محمد بن عمر، قال: أملى عليَّ عبد الله بن أحمد من حفظه، قال: نَزلنا بمكة داراً وكان فيها شيخ يكني بأَبي بكر بن سَماعة- وكان من أهل مكة- قال: نزل علينا أَبو عبد الله في هذه الدار وأَنا غلام، فقال لي أُمي: الزم هذا الرجل فاخدمه فإنه رجل صالح، فكنت أَخدمه. وكان يخرج يطلب الحديث، فَسُرق متاعُه وقماشه، فجاءَ، فقالت له أُمي: دخل عليك السُّرّاق، فسرقوا قماشك. فقال: ما فعلتِ الأَلواح؟ فقالت له أُمي: في الطاق. وما سأل عن شيءٍ غيرها.

وقال المروذي في أخلاق الشيوخ 20 وَسَمِعْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : قَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لابْنِهَا أَبِي الرِّجَالِ : يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَإِيَّاكَ وَمَجَالِسَهُمْ، فَإِنَّكَ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ : إِمَّا كَفَفْتَ عَنْ حَقٍّ، وَإِمَّا أَعَنْتَ عَلَى جَوْرٍ.

عمرة هذه تلميذة عائشة 

وقال المروذي في الورع حدثني يعقوب بن يوسف قال سمعت يوسف بن يونس يحدث عن عبد الرحمن قال سمعت وكيعا يقول قالت ام سفيان الثوري لسفيان يا بني اذا كتبت عشرة احرف فأنظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم تر ذلك فأعلم انها تضرك ولا تنفعك وقال وكيع قالت ام سفيان لسفيان يا بني إطلب العلم وانا اكفيك بمغزلي

أقول : الله أكبر سفيان إمام الدنيا أيضاً تنشئة أم صالحة ، وإنني لأرجو لها أجر كل العلم الذي نشره سفيان في الأمة وقد حفظ على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مئات الأحاديث الصحيحة مع ما تواتر عنه من زهد وورع وتقوى وخشية هي محل اقتداء الخاصة من أهل العلم

وقد روى البيهقي هذا الخبر بسند آخر إلى وكيع في المدخل

وكذلك الأوزاعي إمام أهل الشام نشأ يتيماً في حجر أمه

فهؤلاء الأمهات الصالحات اخترن الآخرة على الدنيا ونلن بهذا الخير براً في الدنيا وذكراً حسناً بين الناس _ ولا شك أنهن لم يطلبنه _  ونرجو لهن ثواباً عظيماً في الآخرة

فشتان بينهن وبين اللواتي آثرن العاجلة ونسمع عن نساء يقفن حاجزاً دون طلب العلم لأبنائهن أو أزواجهن نعوذ بالله من الشقاء

وأسفل طبقة تلك المخدوعات بدعاوى التحرر والمساواة فلم يفزن بالمساواة بل صرن أداة للاستغلال الجسدي وتفريغ الشهوات وبمجرد أن يكبرن يجدن أنفسهن على قارعة طريق الحياة لا يوجد من يأبه بهن ، أو يجدن أن ما فزن به لا يوازي من خسرنه وفازت به أولئك اللواتي اخترن الفطرة ،  والله أعلم بما يدخر لهن في الآخرة

ونرجو العفو والمغفرة لكل من كان مسلماً موحداً ، وأما إن كافرات ومتن على ذلك فالمصير معروف 

وإنني لأعجب من ملحد أو علماني يتكلم عن مساواة الرجل بالمرأة ، وهذا طرح ظاهره أنه أخلاقي ( مع مناقضته للدين وضرورة العقل ) ولا مكان للكلام عن الأخلاق في عالم يعتقد أنه بني على اختيار الأقوى وأنه لا وجود للدين فيه فما الذي يمنع الرجل من الطغيان واستغلال ضعف المرأة إن استطاع ذلك إن لم يكن يعتقد بوجود رب يخافه 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم