الاثنين، 23 يونيو 2014

ديمقراطية المودودي !



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن أبا الأعلى المودودي _ وهذه الكنية فيها نظر _  هو الشيخ الأكبر لأصحاب التفسير السياسي للإسلام ، والرجل على لم يكن على دراية كبيرة بالحديث والأثر وتفاسير السلف لذا نجده مادة الحديث والأثر شحيحة في تصانيفه ، ولم يكن يفهم الإسلام فهماً جيداً لهذا الاعتبار ، بل كانت درايته بأنظمة الحكم الغربية تفرض عليه قراءة غريبة للنصوص ، كلما رأى في النصوص ما يشابه أو يتخيل أنه يشابه أنظمة الحكم الغربي التي لا يعترض عليها في نفسه حمل هذه النصوص عليها بغض النظر عما قاله السلف وفهموه

وكنت قد نظرت في رسالة له بعنوان ( نظرية الإسلام والسياسة ) والعنوان نفسه عليه مآخذ فالدين ليس نظريات ، ولكنه متأثر جداً باللغة الغربية في الخطاب

أ _ قال المودودي في نظرية الإسلام :" "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد: 25).
فالمراد من الحديد في الآية هو القوة السياسية. والآية قد بينت ما تبعث الرسل لأجله، وهو أن الله قد أراد ببعثهم أن يقيم في العالم نظام العدالة الاجتماعية (Social justice) على أساس ما أنزله عليهم من البينات وما أنعم عليهم في كتابه من الميزان أي نظام الحياة الإنسانية العادل"

أقول : تفسير الحديد بالقوة السياسية تفسير حادث

قال الطبري في تفسيره حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:( وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها،( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك.

فتخصيصه بالجانب السياسي غلط وليست كل السياسة جهاداً

ب_ وقال أيضاً :" فمن تدبر هذه الآيات اتضح له أن الدولة التي يريدها القرآن ليس لها غاية سلبية (Negative) فقط بل لها غاية إيجابية (Positive) أيضاً، أي ليس من مقاصدها المنع من عدوان الناس بعضهم على بعض وحفظ حرية الناس والدفاع عن الدولة فحسب، بل الحق أن هدفها الأسمى هو نظام العدالة الاجتماعية الصالح الذي جاء به كتاب الله. وغايتها في ذلك النهي عن جميع أنواع المنكرات التي ندد بها الله في آياته، واجتثاث شجرة الشر من جذورها، وترويج الخير المرضي عند الله، المبين في كتابه، ففي تحقيق هذا الغرض تستعمل القوة السياسية تارة ويستفاد من منابر الدعوة والتبليغ العام تارة أخرى، ويستخدم لذلك وسائل التربية والتعليم طوراً، ويستعمل لذلك الرأي العام والنفوذ الاجتماعي طوراً آخر، كما تقتضيه الظروف والأحوال"

أقول : حفظ ( حرية الناس ) ليست من مقاصد الشريعة البتة وذكرها في مقاصد الشريعة بدعة وضلال ، والغاية من الجهاد إعلاء كلمة لا إله إلا الله

قال الله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) والفتنة الشرك باتفاق العلماء

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ) الحديث

بل طبق الناس جميع أحكام الشرع العادلة ولم يوحدوا لكان مصيرهم الخلود في النار باتفاق المسلمين

ولو فعلوا ما فعلوا من المعاصي دون الشرك والكفر ثم جاءوا موحدين لكانوا تحت المشيئة إن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة وإن شاء غفر لهم وأدخلهم الجنة بلا عقاب

ج_ وقال أيضاً :" والنكتة الثانية البديعة في هذه الآية أن الله قد وعد جميع المؤمنين بالاستخلاف؛ ولم يقل أنه يستخلف أحداً منهم؛ فالظاهر من هذا أن المؤمنين كلهم خلفاء الله، وهذه الخلافة التي أوتيها المؤمنون خلافة عمومية "Popular Vicegerency" لا يستبد بها فرد أو أسرة أو طبقة، بل كل مؤمن خليفة عن الله، وكل واحد مسئول أمام ربه من حيث كونه خليفة كما جاء في الحديث:
"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
وليس أحد منهم بأحط منزلة من آخر مثله في هذا الشأن من أية وجهة كانت."
القول بأن العبد خليفة الله غلط

فمن العبارات المنتشرة على ألسنة الناس اليوم قولهم ( الإنسان خليفة الله في الأرض )
 والسبب في ذلك فهمهم الخاطيء لقوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية غلط هذا الفهم

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (35/43) :" وَالْمُرَادُ " بِالْخَلِيفَةِ " أَنَّهُ خَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْخَلْقِ .
وَالْخَلْفُ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ كَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ عَلَى أُمَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَمَا   كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَافَرَ لِحَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوَةٍ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَنْ يَكُونُ خَلِيفَةً لَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً   .
 فَيَسْتَخْلِفُ تَارَةً ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَتَارَةً غَيْرَهُ  وَاسْتَخْلَفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ .
 وَتُسَمَّى الْأَمْكِنَةُ الَّتِي يَسْتَخْلِفُ فِيهَا الْإِمَامُ " مَخَالِيفَ " مِثْلَ : مَخَالِيفِ الْيَمَنِ وَمَخَالِيفِ أَرْضِ الْحِجَازِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : [ حَيْثُ خَرَجَ مِنْ مِخْلَافٍ إلَى مِخْلَافٍ ] وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا } - إلَى قَوْله تَعَالَى - { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ } الْآيَةُ .
 وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْقَائِلِينَ الغالطين - كَابْنِ عَرَبِيٍّ - أَنَّ " الْخَلِيفَةَ " هُوَ الْخَلِيفَةُ عَنْ اللَّهِ مِثْلَ نَائِبِ اللَّهِ ؛ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُسْتَخْلَفًا"

وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة (7/352) :" والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته فالنبي صلى الله عليه و سلم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها كما أن سائر من استخلفه النبي صلى الله عليه و سلم لما رجع انقضت خلافته وكذلك سائر ولاة الأمور إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلف
ولهذا لا يصلح إن يقال إن الله يستخلف أحدا عنه فانه حي قيوم شهيد مدبر لعباده منزه عن الموت والنوم والغيبة
ولهذا لما قالوا لأبى بكر يا خليفة الله قال لست خليفة الله بل خليفة رسول الله وحسبي ذلك
والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد كما قال صلى الله عليه و سلم اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال في حديث الدجال والله خليفتي على كل مسلم وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله
كقوله ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم
و كذلك قوله إني جاعل في الأرض خليفة أي عن خلق كان في الأرض قبل ذلك كما ذكر المفسرون و غيرهم
وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية و غيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل و ضلال "

وقال النووي في الأذكار ص456:" فصل : ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة اللّه، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأميرُ المؤمنين .
روينا في شرح السنّة للإِمام أبي محمد البغوي رضي اللّه عنه قال رحمه اللّه : لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له . قال : ويُسمَّى خليفة لأنه خلفَ الماضي قبلَه وقام مقامه .
قال : ولا يُسمى أحدٌ خليفة اللّه تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام . قال اللّه تعالى : { إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً } وقال تعالى : { يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفةً في الأرْضِ } وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه : يا خليفة اللّه ! فقال : أنا خليفة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك .
وقال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه : يا خليفة اللّه ! فقال : ويلَك لقد تناولتَ تناولاً بعيداً.
 إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك .
وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه " الأحكام السلطانية " أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أُمته، قال : فيجوز أن يُقال الخليفة على الإِطلاق، ويجوز خليفة رسول اللّه .
قال : واختلفوا في جواز قولنا خليفة اللّه، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ } وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي"

وهنا تنبيه : النووي كثيراً ما يأخذ البغوي في شرح السنة في شرحه على صحيح مسلم والبغوي عنده أغلاط في العقيدة إلا أن عقيدته خير من عقيدة النووي بكثير فهو يثبت العلو والكثير من الصفات

وحديث ( كلكم راع ) لم يقل كلكم خليفة وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معناه ( فقال الرجل راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية وهي مسئولة عن رعيتها ) هذا مع اتفاق المسلمين أن المرأة لا تصلح للخلافة لقوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء ) وحديث ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )

د_ وقال أيضاً :" كل ما قدمت آنفاً، هو أساس الديموقراطية الإسلامية، وإذا أنعمنا النظر في مبدأ هذه الخلافة العمومية التي جاء بها الإسلام، ووقفنا على تفاصيلها، ظهرت لنا النتائج الآتية:
1-   المجتمع الذي يكون كل عضو منه خليفة لا يتسرب إليه فساد التفريق بين الطبقات، ولا شر الامتيازات التي تأتي من جهة الحياة الاجتماعية "Social Life" والفوارق النسبية، ويكون أفراد هذا المجتمع سواسية، لا يكون لأحد فضل على آخر إلا من جهة المواهب الشخصية، والسجايا الذاتية، وهذه هي الحقيقة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم وأوضحها مراراً؛ كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في كلامه الجزل البليغ: "ليس لأحد فضل على أحد إلا بدين أو تقوى، الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى"

أقول : قوله ( الديمقراطية الإسلامية ) تعبير قبيح كقولك ( العلمانية الإسلامية ) أو ( النصرانية الإسلام ) فالإسلام والديمقراطية ضدان لا يجتمعان

وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم أن الأئمة من قريش وهذا من فضل الله عليهم

والحديث الذي ذكره وغير في لفظه في أمر الآخرة ولا شك أن الأمة في حال الاختيار ينبغي أن تختار الأتقى والأصلح ولكن لا بد من مراعاة شرط القرشية الذي يهمله المودودي وأضرابه

ه_ وقال المودودي في كتابه المذكور :" ولم يخص الله تلك الخلافة بشروط خاصة من الكفاءة والثروة، بل هي مشروطة بالإيمان والعمل الصالح فحسب، فالمسلمون سواسية في حق التصويت وإبداء الرأي"


لا يوجد في الإسلام تصويت أصلاً ، وأمور الخلافة العامة يتكلم في الخاصة من أهل الدين والسياسة

قال البخاري في صحيحه 6830 : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وَأَنْ لَا يَعُوهَا وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا

فتأمل مشورته على عمر بألا يتكلم في أمر الخلافة في الموسم وأنه إنما ينبغي أن يتكلم في دار الخلافة بين فقهاء الناس بهذا الأمر فما أبعد عن هذا عن حكم الدهماء ( الديمقراطية )
وأين حق التصويت وإبداء الرأي

ثم إن الفاسق والعدل لا يمكن أن يكون حقهما واحد في الإسلام ، وشهادة المرأة ليست كشهادة الرجل ، وشهادة العالم ليست كشهادة الجاهل ، والمرأة العالمة الخالية من أسباب الفسق خير من الفاسق باتفاق وخير من العدل الأقل منها في ذلك ومع ذلك وقد نقل الجويني الإجماع على أن النساء لا مدخل لهن في اختيار الإمام

قال في (غياث الأمم من التياه الظلم : ص80-81) : « والآن نبدأ بتفصيل صفات أهل العقد والاختيار ، فليقع البداية بمحل الإجماع في صفة أهل الاختيار ، ثم ينعطف على مواضع الاجتهاد والظنون ، فما نعلمه قطعاً أنَّ النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة ، فإنهن ما رُوجِعن قط ، ولو اسْتُشِير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة ـ رضي الله عنها ـ ، ثم نسوة رسول الله ص ، أمهات المؤمنين ، ونحن بابتداء الأذهان نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومَكَرّ الدهور »( مستفاد من بعض الأخوة )

ولذلك لم يكن أحد الخلفاء يطلب بيعة أمهات المؤمنين كما كانت تطلب بيعة ابن عباس وابن عمر وغيرهم

و_ وقال أيضاً :" إذا تأملت بعض ما تقدم لي بيانه فيما سبق من تصور (Conception) الخلافة العمومية والإحاطة بفروعه وتفاصيله، تبين لك أن منزلة الإمام أو الأمير أو الرئيس في الدولة الإسلامية ليست بأكثر ولا أقل من أن جمهور المسلمين –الخلفاء- قد اختاروا عن أنفسهم رجلاً هو أفضلهم وأتقاهم، وأودعوه ما بيدهم من أمانة الخلافة، وأما تسميته بالخليفة فليس معناه أنه هو الخليفة وحده، بل معناه أن خلافة المسلمين العمومية أصبحت مركزة في ذاته"

أقول : تنصيب الخليفة لا يكون باختيار الناس فقط ، بل يكون يتنصيب الخليفة قبله له كما فعل الصديق ويكون بالتغلب أيضاً

والخليفة في الإسلام هو الخليفة وحده ولهذا عليه مسئوليات كبيرة وحده وأجره عظيم إن عدل ووزره عظيم إن ظلم

ز_ وقال المودودي أيضاً :" ثانياً: الأمير الإسلامي ليس له فضل على جمهور المسلمين في القانون، وإنما هو رجل من الرجال، يوجه إليه النقد فيما يتراءى للعامة من الأخطاء في سياسته الناس، والزلات في حياته الذاتية فهو يعزل إذا شاءت الأمة، وترفع عليه القضايا في المحاكم، ولا يستحق أن يعامل فيها معاملة يمتاز بها عن غيره من المسلمين"

هذا الكلام من المودودي يصادم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مصادمة صريحة

قال البخاري في صحيحه 7053 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً

فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالصبر والمودودي يطالب بالعزل ، والكلام عن رفع قضايا كلام خطابي لا واقع له وإنما تصير ثورات تحرق الأخضر واليابس ، وهذه الحكمة من الأمر بالصبر على أئمة الجور وخصوصاً وأن الناس قلما يرضون عن حاكم وإن كان عادلاً ففتح باب الثورات وإضعاف السلطان يكون من باب معالجة الشر بالأشر والله المستعان

وقال مسلم في صحيحه 4801- [44-1842] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، قَالَ : قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي ، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ ، قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ ، فَالأَوَّلِ ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ.
4802- [...] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

وهذا ناقضه المودودي والعجيب أن الكلام للمودودي منشور في منبر التوحيد والجهاد وهو حري أن يسمى منبر التجهم والإلحاد بعد النظر في كثير من المواد التي تنشر فيه فهناك كلام لا بأس به في باب توحيد الألوهية والأسماء والصفات في عديد من المسائل غير أنه يرافقه تخليط عظيم في مسائل عديدة والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم