الجمعة، 20 يونيو 2014

بيان نكارة حديث : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكل حرف منها ظهر وبطن)



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن حديث (وإن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع) حديث اجتنبه عامة الأئمة المصنفين فلا ذكر له في الكتب الستة ولا مسند أحمد مع أهمية موضوعه وهذه قرينة وجود علة مع غرابة متنه وقد رأيت عبد العزيز الغماري الصوفي صنف كتاباً في التفسير الإشاري معتمداً على هذا الحديث مع العلم أنه ينازع فيما استنبطه من متنه

والحديث له طريقان

قال أبو يعلى في مسنده 5149 - وعن مغيرة عن واصل بن حيان عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد الله : عن النبي صلى الله عليه و سلم : لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لأتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله
 وإن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع

رواية أبي يعلى هذه هامة جداً لأنه بين فيها أن هذا المتن (وإن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع) جزء من حديث أطول وليس حديثاً مستقلاً ، وهذه الفائدة دقيقة في باب العلل إذ أن عدم ورودها في أسانيد أخر يجعلها من قبيل الزيادة الشاذة ومن اختصر الخبر ورواها على غير الوجه المطول غمى عنا وجه العلة

وقد صح هذا الخبر عن عبد الله بن أبي الهذيل بدون هذه الزيادة

قال النسائي في الكبرى 8104 - أخبرنا أزهر بن جميل قال أنا خالد بن الحارث قال أنا شعبة عن إسماعيل بن رجاء عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لو اتخذت خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا

وهذه الرواية في صحيح مسلم

وقد روى أبو إسحاق السبيعي هذا الخبر عن أبي الأحوص بدون هذه الزيادة

قال مسلم في صحيحه 6248- [4-...] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي أَحَدًا خَلِيلاً ، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ.

وكذا رواه سفيان عن أبي إسحاق

وأبو إسحاق أحفظ من عبد الله بن أبي الهذيل بمراحل فإن أبا إسحاق معدود في الطبقة العليا من حفاظ الحديث ، وأما ابن أبي الهذيل فمن آحاد الثقات ولا يضر اختلاط أبي إسحاق فقد روى هذا الخبر عنه سفيان وشعبة

فكيف إذا علمت أن عبد الله بن مرة قد رواه عن أبي الأحوص أيضاً بدون هذه الزيادة

قال أحمد في مسنده 4121 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

والخلاصة أن زيادة (وإن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع) زيادة شاذة انفرد بها ابن أبي الهذيل من دون أبي إسحاق وعبد الله بن مرة ثم إنه اضطرب فيه فتارة ذكرها وأخرى لم يذكرها

والشاذ ضعيف جداً ، وقد أعل الألباني هذا السند بعنعنة مغيرة بن مقسم وهذا غلط فإن تدليسه خاص بروايته عن إبراهيم النخعي

جاء في جامع التحصيل :" 52 - مغيرة بن مقسم الضبي قال ابن فضيل كان يدلس فلا نكتب إلا ما قال ثنا إبراهيم وقال أحمد بن حنبل عامة حديثه عن إبراهيم مدخول إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العكلي وجعل أحمد يضعف حديثه عن إبراهيم يعني النخعي"

فالكلام خاص بروايته إبراهيم

ثم إن للخبر طريقاً أخرى

قال أبو يعلى في مسنده 5403 - حدثنا سهل بن زنجلة الرازي حدثنا ابن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن [محمد بن عجلان عن أبي إسحاق] [ساقط من المطبوع] عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أنز القرآن على سبعة أحرف لكل حرف منها ظهر وبطن

وهذا الطريق أوهى من سابقه وفيه عدة علل

الأولى : إسماعيل بن أبي أويس متهم بالكذب

قال المزي في تهذيب الكمال :" قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : صدوق ضعيف العقل ، ليس بذاك ، يعنى أنه لا يحسن الحديث ، و لا يعرف أن يؤديه ، أو يقرأ من غير كتابه .
و قال معاوية بن صالح ، عن يحيى : أبو أويس و ابنه ضعيفان .
و قال عبدالوهاب بن أبى عصمة ، عن أحمد بن أبى يحيى ، عن يحيى بن معين : ابن
أبى أويس و أبوه يسرقان الحديث .
و قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، عن يحيى : مخلط ، يكذب ، ليس بشىء .
و قال أبو حاتم : محلة الصدق ، و كان مغفلا .
و قال النسائى : ضعيف . و قال فى موضع آخر : ليس بثقة .
و قال أبو القاسم اللالكائى : بالغ النسائى فى الكلام عليه ، إلى أن يؤدى إلى
تركه ، و لعله بان له ما لم يبن لغيره ، لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف
و قال أبو أحمد بن عدى : وابن أبى أويس هذا روى عن خاله مالك أحاديث غرائب ، لا يتابعه أحد عليه ، و عن سليمان بن بلال ، و غيرهما من شيوخه ، و قد حدث عنه
الناس ، و أثنى عليه ابن معين ، و أحمد ، و البخارى يحدث عنه الكثير ، و هو خير
من أبيه أبى أويس "

أقول : لم يخرج عنه البخاري إلا أحاديثه عن مالك وهي أحاديث الموطأ المعروفة

الثانية : لو فرضنا أن ابن أبي أويس صدوق له أغلاط فانفراده بمثل هذا منكر فإنه مدني ينفرد بسنة عن أهل الكوفة

الثالثة : محمد بن عجلان ليس من أصحاب أبي إسحاق المعروفين وأبو إسحاق كثير الأصحاب جداً حتى أنه أحد الستة الذين عليهم مدار الإسناد فالانفراد عنه عسير وابن عجلان مدني وأبو إسحاق كوفي

وليس لابن عجلان عن أبي إسحاق في الكتب الستة حديث إلا حديثاً رواه النسائي في الكبرى وقد أخطأ فيه ابن عجلان فرفعه وهو موقوف

قال النسائي في الكبرى 10799 - أخبرنا محمد بن نصر قال حدثنا أيوب وهو بن سليمان بن بلال قال حدثني أبو بكر عن سليمان عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ويدع سورة البقرة يقرؤها فإن الشيطان ينفر من البيت تقرأ فيه البقرة وإن أصفر البيوت الجوف الصفر من كتاب الله عز و جل


10800 - أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الأحوص قال قال عبد الله : جردوا القرآن ليربوا فيه صغيركم ولا ينأى عنه كبيركم فإن الشيطان يفر من البيت يسمع تقرأ فيه سورة البقرة

وقد حذفه النسائي من الصغرى إشارة منه إلى ترجيح الموقوف

وقد ذكر البزار هذا الحديث في المسند المعلل

وعلى هذا ينطبق على رواية محمد بن عجلان عن أبي إسحاق ما قرره الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنك إذا الرجل يعمد إلى الرجل كثير الأصحاب كهشام بن عروة وينفرد عنه ما لا يعرف عند أصحابه ولم يشركهم في صحيح حديثهم فغير جائز قبول حديث مثل هذا الضرب من الناس

بل مثل هذا منكر ولا شك

غير أن الذي يبدو أن محمد بن عجلان إنما رواه عن إبراهيم الهجري الضعيف وليس عن أبي إسحاق مباشرة وسقط ذكر الهجري من بعض النسخ

قال ابن حجر في المطالب العالية :" 3570 - وقال البزار : ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، ثنا أيوب بن سليمان بن بلال ، ثنا ابن أبي أويس ، يعني أبا بكر ، عن سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكل حرف منها ظهر وبطن » وقال : لم يروه عن الهجري إلا ابن عجلان ، ولم يروه هكذا إلا الهجري قال أبو يعلى : ثنا سهل بن زنجلة الرازي ، ثنا ابن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان ، به"

فهنا يظهر في كلام البزار أن ابن عجلان يرويه عن إبراهيم الهجري

وكذا قال الاشبيلي في الأحكام :" رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار من طَرِيق الهجري ، عَن أبي الْأَحْوَص ، عَن عبد الله ، عَن النَّبِي / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – "

والهجري ضعيف بل ضعفه أبو حاتم والبخاري والنسائي وابن معين جداً والظاهر أنه متروك كما صرح به ابن الجنيد

ثم إنه قد روى اثنام عنه هذا الخبر دون ذكر زيادة الظهر والبطن في القرآن

قال ابن أبي شيبة في المصنف 30746- حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، عَنِ الْهَجَرِيِّ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.

وجاء في فوائد الخلدي 429 - (160) أخبرنا أحمدُ: حدثنا شجاعُ بنُ أشرسَ: حدثنا يزيدُ بنُ عطاءٍ، عن إبراهيمَ الهجريِّ، عن أبي الأَحوصِ، عن عبدِ اللهِ،
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أُنزلَ القرآنُ على سبعةِ أَحرفٍ»

فصدق قول البزار أنه لم يروه عن الهجري إلا ابن عجلان هكذا



والخلاصة أن هذا الحديث منكر ولا شك من جميع طرقه ، وفي متنه غرابة واجتنبه أهل الانتقاء من الأئمة وقد صححه من المعاصرين المعلقون على المسند لأحمد والداراني في تعليقه على مسند أبي يعلى وشعيب الأرناؤوطي في تعليقه على صحيح ابن حبان جرياً منهم على ظاهر الإسناد ودون تنبه لما يقتضيه علم العلل من التدقيق في الأخبار ، وقد سبقهم إلى هذا الهيثمي في كشف الأستار وهكذا عامة أحكامه على الأخبار سطحية وبعيدة تماماً عن علم العلل ، وقد حسن سند البزار الذي هو ظلمات بعضها فوق بعض والله المستعان
وهذا يبين لك خطورة العجلة في تقوية الأخبار وكثير من الباحثين يجعل على نفسه تخريج كتاب كامل والحكم على جميع أخباره مع خلل في المنهج ابتداءً فتكثر الأغلاط ويقلدهم من لا علم عنده وبعض الأخبار البحث فيه يستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى نتيجة فيه أو الوقوف على علته والله المستعان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم