الجمعة، 13 يونيو 2014

من نفائس ابن القيم : معظم أهل الكتاب في زمن الصحابة أسلموا !



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فهذا فصل نفيس لابن القيم يذكر فيه أن معظم اليهود والنصارى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ممن بلغتهم الدعوة قد أسلموا ودون إكراه

قال ابن القيم في هداية الحيارى :"  أما المسألة الاولى وهي قول السائل قد اشتهر عندكم بان أهل الكتابين ما منعهم من الدخول في الاسلام الا الرياسة والمأكلة لا غير فكلام جاهل بما عند المسلمين وبما عند الكفار أما المسلمون فلم يقولوا انه لم يمنع أهل الكتاب من الدخول في الاسلام الا الرياسة والمأكلة لا غير وان قال هذا بعض عوامهم فلا يلزم جماعتهم والممتنعون من الدخول في الاسلام من أهل الكتابين وغيرهم جزء يسير جدا بالاضافة الى الداخلين فيه منهم بل أكثر الامم دخلوا في الاسلام طوعا ورغبة واختيارا لا كرها ولا اضطرارا فان الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه و سلم رسولا الى أهل الارض وهم خمسة أصناف قد طبقوا الارض يهود ونصارى ومجوس وصابئة ومشركون وهذه الاصناف هي التي كانت قد استولت على الدنيا من مشارقها الى مغاربها
 فأما اليهود فاكثر ما كانوا باليمن وخيبر والمدينة وما حولها وكانوا بأطراف الشام مستذلين مع النصارى وكان منهم بأرض فارس فرقة مستذلة مع المجوس وكان منهم بأرض العرب فرقة وأعز ما كانوا بالمدينة وخيبر وكان الله سبحانه قد قطعهم في الارض أمما وسلبهم الملك والعز وأما النصارى فكانوا طبق الارض فكانت الشام كلها نصارى وأرض المغرب كان الغالب عليهم النصارى وكذلك أرض مصر والحبشة والنوبة والجزيرة والموصل وأرض نجران وغيرها من البلاد وأما المجوس فهم أهل مملكة فارس وما اتصل بها وأما الصابئة فأهل حران وكثير من بلاد الروم وأما المشركون فجزيرة العرب جميعها وبلاد الهند وبلاد  الترك وما جاورها وأديان أهل الارض لا تخرج عن هذه الاديان الخمسة ودين الحنفاء لا يعرف فيهم البتة وهذه الاديان الخمسة كلها للشيطان كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره الاديان ستة واحد للرحمن وخمسة للشيطان وهذه الاديان الستة مذكورة في آية الفصل في قوله تعالى ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه و سلم استجاب له ولخلفائه بعده اكثر الاديان طوعا واختيارا ولم يكره أحدا قط على الدين وانما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله ولم يكرهه على الدخول في دينه امتثالا لامر ربه سبحانه حيث يقول لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وهذا نفي في معنى النهي أي لا تكرهوا أحدا على الدين نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد قد تهودوا وتنصروا قبل الاسلام فلما جاء الاسلام أسلم الآباء وأرادوا اكراه الاولاد على الدين فنهاهم الله سبحانه عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الاسلام والصحيح ان الآية على عمومها في حق كل كافر وهذا ظاهر على قول من يجوز أخذ الجزية من جميع الكفار فلا يكرهون على الدخول في الدين بل أما أن يدخلوا في الدين وإما أن يعطوا الجزية كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة وان استثنى هؤلاء بعض عبدة الاوثان ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه و سلم تبين له انه لم يكره أحدا على دينه قط وانه انما قاتل من قاتله وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم فمن على بعضهم وأجلى بعضهم وقتل بعضهم وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين لم يبدءهم بقتال حتى بدءوا هم بقتاله ونقضوا عهده فعند ذلك عزاهم في ديارهم وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق ويوم بدر ايضا هم جاءا لقتاله ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم والمقصود انه صلى الله عليه و سلم لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة وانما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا فاكثر أهل الارض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وانه رسول الله حقا فهؤلاء أهل اليمن كانوا على دين اليهودية أو اكثرهم كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن انك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله وذكر الحديث ثم دخلوا في الاسلام من غير رغبة ولا رهبة وكذلك من اسلم من يهود
 المدينة وهم جماعة كثيرون غير عبد الله بن سلام مذكورون في كتب السير والمغازي لم يسلموا رغبة في الدنيا ولا رهبة من السيف بل اسلموا في حال حاجة المسلمين وكثرة اعدائهم ومحاربة أهل الارض لهم من غير سوط ولا نوط بل تحملوا معاداة اقربائهم وحرمانهم نفعهم بالمال والبدن مع ضعف شوكة المسلمين وقلة ذات ايديهم فكان احدهم يعادي اباه وامه واهل بيته وعشيرته ويخرج من الدنيا رغبة في الاسلام لا لرياسة ولا مال بل ينخلع من الرياسة والمال ويتحمل أذى الكفار من ضربهم وشتمهم وصنوف اذاهم ولا يصرفه ذلك عن دينه فان كان كثير من الاحبار والرهبان والقسيسين ومن ذكره هذا السائل قد اختاروا الكفر فقد أسلم جمهور أهل الارض من فرق الكفار ولم يبق الا الاقل بالنسبة الى من أسلم فهؤلاء نصارى الشام كانوا ملء الشام ثم صاروا مسلمين الا النادر فصاروا في المسلمين كالشعرة السوداء في الثور الابيض وكذلك المجوس كانت أمة لا يحصى عددهم الا الله فاطبقوا على الاسلام لم يتخلف منهم الا النادر وصارت بلادهم بلاد اسلام وصار من لم يسلم منهم تحت الجزية والذلة وكذلك اليهود أسلم أكثرهم ولم يبق منهم الا شرذمة قليلة مقطعة في البلاد فقول هذا الجاهل ان هاتين الامتين لا يحصى عددهم الا الله كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم كذب ظاهر وبهت مبين "

أقول : ثم ذكر أنهم وإن لم يسلموا ( فرضاً ) فشأنهم شأن قوم نوح وإبراهيم وهود وسائر الأنبياء ممن استحبوا العمى على الهدى
وخلاصة كلام ابن القيم أن أهل الكتاب الذين بلغتهم الدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا في اليمن والشام والمدينة ومصر وبلاد المغرب العربي والحبشة والنوبة وهذه البلاد صارت كلها إسلامية بعد بلوغ الدعوة إليها

والأمر نفسه في المجوس الذين كانوا في العراق والبحرين وبلاد فارس والحمد لله معز الإسلام بنصره ، وهذا يدلك على أن الإتباع الذي كان عليه السلف له البالغ في نجاح الدعوة للكافرين 

ولا شك أن إسلام بعض علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار كان له الأثر الطيب في انتشار الدعوة، إذ قد أشاعوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والتي آمن بها كل من ذكرنا ممن أسلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم