الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال الخلال في السنة 1804- وَأَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ , قَالَ : أَتَيْنَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أَنَا وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ , فَقَالَ
لَنَا الْعَبَّاسُ . وَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الأَسَدِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْحَارِثِ الْعَبَّادِيُّ , قَالَ : قُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , فَأَتَيْتُ
عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ , فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
فِي أَمْرِ ابْنِ مَعْذَلٍ , فَسُرَّ بِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ , وَمَعَهُ أَبُو
بَكْرِ بْنُ هَانِي , فَدَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , فَابْتَدَأَ عَبَّاسٌ
, فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , قَوْمٌ هَاهُنَا حَدَّثُوا , يَقُولُونَ :
لاَ نَقُولُ مَخْلُوقٌ وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . قَالَ : هَؤُلاَءِ أَضَرُّ مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ عَلَى النَّاسِ , وَيْلَكُمْ , فَإِنْ لَمْ تَقُولُوا لَيْسَ
بِمَخْلُوقٍ , فَقُولُوا مَخْلُوقٌ , فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كَلاَمُ
سُوءٍ . فَقَالَ الْعَبَّاسُ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : الَّذِي
أَعْتَقِدُهُ وَأَذْهَبُ إِلَيْهِ , وَلاَ أَشُكُّ فِيهِ , أَنَّ الْقُرْآنَ
غَيْرُ مَخْلُوقٍ . ثُمَّ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ , وَمَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا ؟
ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْتِعْظَامًا لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ
: سُبْحَانَ اللَّهِ , فِي هَذَا شَكٌّ ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {أَلاَ
لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} , فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالأَمْرِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَالْقُرْآنُ
مِنْ عِلْمِ اللَّهِ , أَلاَ تَرَاهُ يَقُولُ : {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} , وَالْقُرْآنُ
فِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُونَ ؟ أَلاَ
تَقُولُونَ إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ ؟ مَنْ
زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقَةٌ , فَقَدْ كَفَرَ , لَمْ
يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدِيرًا , عَلِيمًا , عَزِيزًا , حَكِيمًا , سَمِيعًا
, بَصِيرًا , لَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِمَخْلُوقَةٍ , وَلَسْنَا
نَشُكُّ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ , وَهُوَ
كَلاَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكِيمًا . ثُمَّ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَأَيُّ كُفْرٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا وَأَيُّ كُفْرٍ
أَكْفَرُ مِنْ هَذَا ؟
إِذَا زَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ
مَخْلُوقٌ , فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ , وَأَنَّ
عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ , وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَهَاوَنُونَ بِهَذَا
وَيَقُولُونَ : إِنَّمَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ , فَيَتَهَاوَنُونَ
وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ هَيِّنٌ وَلاَ يَدْرُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ . قَالَ :
فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَبُوحَ بِهَذَا لِكُلِّ أَحَدٍ , وَهُمْ يَسْأَلُونِي , فَأَقُولُ
: إِنِّي أَكْرَهُ الْكَلاَمَ فِي هَذَا , فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيَّ
أَنِّي أَمْسِكُ.
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فَمَنْ
قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ , فَقَالَ : لاَ أَقُولُ أَسْمَاءُ اللَّهِ
مَخْلُوقَةٌ , وَلاَ عِلْمُهُ , وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا , أَقُولُ : هُوَ
كَافِرٌ ؟ فَقَالَ : هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : نَحْنُ
نَحْتَاجُ أَنْ نَشُكَّ فِي هَذَا ؟ الْقُرْآنُ عِنْدَنَا فِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ , وَهُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ , مَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ , فَهُوَ
عِنْدَنَا كَافِرٌ . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا
خَالِدٍ , وَمُوسَى بْنَ مَنْصُورٍ وَغَيْرَهُمْ , يَجْلِسُونَ فِي ذَلِكَ
الْجَانِبِ , فَيَعِيبُونَ قَوْلَنَا , وَيَدْعُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ , أَنْ
لاَ يُقَالَ : مَخْلُوقٌ وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ , وَيَعِيبُونَ مَنْ يكفر , وَيَزْعُمُونَ
أَنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ الْخَوَارِجُ . ثُمَّ تَبَسَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
كَالْمُغْتَاظِ , ثُمَّ قَالَ : هَؤُلاَءِ قَوْمُ سُوءٍ , ثُمَّ قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ لِلْعَبَّاسِ : وَذَاكَ السِّجِسْتَانِيُّ الَّذِي عِنْدَكُمْ
بِالْبَصْرَةِ , ذَاكَ خَبِيثٌ , بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ وَضَعَ فِي هَذَا يَوْمًا
, يَقُولُ : لاَ أَقُولُ مَخْلُوقٌ وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ , وَذَاكَ خَبِيثٌ , ذَاكَ
الأَحْوَلُ . فَقَالَ الْعَبَّاسُ : كَانَ يَقُولُ مَرَّةً بِقَوْلِ جَهْمٍ , ثُمَّ
صَارَ إِلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ . فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مَا
يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ جَهْمٍ إِلاَّ الشَّفَاعَةَ.
أقول : تأمل قول أحمد (وَيَعِيبُونَ
مَنْ يكفر , وَيَزْعُمُونَ أَنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ الْخَوَارِجُ)
فهؤلاء الذين قال فيهم ( هؤلاء قوم سوء ) يعيبون
على أهل السنة تكفير الجهمية الذين يقولون القرآن مخلوق
فكيف لو رأى من يعيب على كفر الجهمية
الذين يقولون بنفي العلو ( وهو أشر من القول بخلق القرآن اتفاقاً ) ؟
هذا مع أن هؤلاء الجهمية النفاة للعلو
يقولون يخلق القرآن ونفي أكثر الصفات مع القول بالجبر والإرجاء والقبوريات وتحريف
معنى الإله
وكيف لو رأى من يعيب على من يكفر عباد
القبور ويصفه بأنه متورط بتكفير المسلمين
وهذا فات أئمة الدعوة النجدية في ردهم على
من عاب عليهم تكفير عباد القبور ووصفهم بأنهم خوارج لذلك وأحسب أنهم لو وقفوا عليه
لذكروه
وأيضاً ابن القيم اتهمه الجهمية الأشعرية
بأنه على مذهب الخوارج
من لي بشبه خوارج قد كفروا*** بالذنب
تأويلا بلا احسان
ولهم نصوص قصروا في فهمها*** فأتوا من
التقصير في العرفان
وخصومنا قد كفرونا بالذي*** هو غاية
التوحيد والايمان
ومن العجائب أنهم قالوا لمن*** قد دان
بالآثار والقرآن
أنتم مثل الخوارج وأنهم*** أخذوا الظواهر
ما اهتدوا لمعان.
وتأمل قول الإمام أحمد ( وأي كفر أبين من هذا ) في القول بخلق القرآن وما فيه من الرد على من ادعى أن هذه المسألة خفية وألحق بها مسألة العلو الأبين منها
وتأمل قول الإمام أحمد ( وأي كفر أبين من هذا ) في القول بخلق القرآن وما فيه من الرد على من ادعى أن هذه المسألة خفية وألحق بها مسألة العلو الأبين منها
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم