الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد استمعت لبعض دكاترة العقيدة ممن تصدى
لشرح العقيدة الأصبهانية تقريراً يقول بأن الله عز وجل خلق الخلق لا لعلة تعود
عليه بل لعلة غائية ! فإنه سبحانه لم يكن ناقصاً واستكمل شيئاً بخلقه للخلق
وهذا كلام المعتزلة والله المستعان فالناس
في هذه المسألة على ثلاثة أقوال
الأول : نفي الحكمة والتعليل وهو قول
الجهمية الأشعرية
الثاني : القول بحكمة تعود على المخلوقات
لا الخالق وهو قول المعتزلة على أصلهم في نفي قيام الصفات بالرب
الثالث : وهو قول أهل السنة والجماعة ،
فهم يثبتون الحكمة لله سبحانه وتعالى ، وهذه الحكمة تتضمن أمرين :
الأمر الأول: حكمة تعود إليه سبحانه يحبها
و يرضاها .
الأمر الثاني : حكمة تعود إلى عباده هي
نعمة عليهم يفرحون بها و يلتذون بها ( مستفاد من بعض الأخوة )
قال ابن القيم في شفاء العليل ص186
:" فانظر كيف اعترف بأنه لا خلاص عن هذه الأسئلة إلا بتكذيب جميع الرسل من
أولهم إلى آخرهم وإبطال جميع الكتب المنزلة من عند الله ومخالفة صريح العقل في أن
خالق العالم سبحانه مريد مختار ما شاء كان بمشيئته وما لم يشأ لم يكن لعدم مشيئته
وأنه ليس في الكون شيء حاصل بدون مشيئته البتة فأقر على نفسه أنه لا خلاص له في
تلك الأسئلة إلا بالتزام طريقة أعداء الرسل والملل القائلين بأن الله لم يخلق
السماوات والأرض في ستة أيام ولا أوجد العالم بعد عدمه ولا يفنيه بعد إيجاده وصدور
ما صدر عنه بغير اختياره ومشيئته فلم يكن مختارا مريدا للعالم وليس عنده إلا هذا
القول أو قول
الجبرية منكري الأسباب والحكم والتعليل أو
قول المعتزلة الذين أثبتوا حكمة لا ترجع إلى الفاعل وأوجبوا رعاية مصالح شبهوا
فيها الخالق بالمخلوق وجعلوا له بعقولهم شريعة أوجبوا عليه فيها وحرموا وحجروا
عليه فالأقوال الثلاثة تتردد في صدره وتتقاذف به أمواجها تقاذف السفينة إذا لعبت
بها الرياح الشديدة والعاقل لا يرضى لنفسه بواحد من هذه الأقوال لمنافاتها العقل
والنقل والفطرة والقول الحق في هذه الأقوال كيوم الجمعة في الأيام أضل الله عنه
أهل الكتابين قبل هذه الأمة وهداهم إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في
الجمعة: "أضل الله عنها من كان قبلنا فاليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى"
ونحن هكذا نقول بحمد الله ومنه القول الوسط الصواب لنا وإنكار الفاعل بالمشيئة
والاختيار لأعداء الرسول وإنكار الحكمة والمصلحة والتعليل والأسباب للجهمية
والجبرية وإنكار عموم القدرة والمشيئة العائدة إلى الرب سبحانه من محبته وكراهته
وموجب حمده ومقتضى أسمائه وصفاته ومعانيها وآثارها للقدرية المجوسية ونحن نبرأ إلى
الله من هذه الأقوال وقائلها إلا من حق تتضمنه مقالة كل فرقة منهم فنحن به قائلون
وإليه منقادون وله ذاهبون"
فانظر كيف صرح بأن قول الدكتور المذكور هو
قول المعتزلة
وأما قول شبهة نقص الرب
فقال ابن القيم في الجواب عليها :" أنه
سبحانه إذا كان قادراً على تحصيل ذلك بدون الوسائط وهو قادر على تحصيله بها كان
فعل النوعين أكمل وأبلغ في القدرة ، وأعظم في ملكه وربوبيته من كونه لا يفعل إلا
بأحد النوعين ، والرب تعالى تتنوع أفعاله لكمال قدرته وحكمته وربوبيته ، فهو
سبحانه قادر على تحصيل تلك الحكمة بواسطة إحداث مخلوق منفصل وبدون إحداثه ، بل
ربما يقوم به من أفعاله اللازمة وكلماته
وثنائه على نفسه وحمده لنفسه ، فمحبوبه يحصل بهذا وبهذا ، وذلك أكمل ممن لا يحصل
محبوبه إلا بأحد النوعين"
قد نفى الدكتور كل ما سوى العلة الغائية
والله المستعان
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (2/454)
:" وقد بسطنا الكلام على هذا في مواضع في غير هذا الكتاب وبينا تعلق العبادة
بالالهية فان الاله هو المعبود وتعلق الاستعانة بربوبيته فان رب العباد الذي يربهم
وذلك يتضمن انه الخالق لكل ما فيهم ومنهم والالهية هي العلة الغائية والربوبية هي
العلة الفاعلية والغائية هي المقصودة وهي علة فاعلية للعلة الفاعلية ولهذا قدم
قوله اياك نعبد على قوله اياك نستعين وتوحيد الالهية يتضمن توحيد الربوبية فانه من
لم يعبد الا الله يندرج في ذلك انه لم يقر بربوبية غيره بخلاف توحيد الربوبية فانه
قد أقر به عامة المشركين في توحيد الالهية"
فأثبت الغائية ونظيرتها الفاعلية
وأخيراً أقول لهذا الدكتور قبل أن تتلفظ
بهذا الكلام عن رب العالمين هل سألت نفسك ( من تكلم من السلف بهذا الكلام ) ؟
وما الحاجة إلى مثل هذه التفاصيل ، ولست
في محل رد على أهل البدع تبين ما نفوه وما أثبتوه
فأثبت الحكمة كما أثبتها السلف ودع عنك
الفضول
وكان الواجب عليه هو وأمثاله من المتصدرين العناية بآثار السلف وطريقتهم بدلاً من الخوض في هذه الأمور واستخدام الألفاظ المستوحشة والتي لا تعرف عند السلف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم