السبت، 19 أكتوبر 2013

الشيخ السعدي : من وقع في بدعة مكفرة متأولاً مبتدع



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص209:
" أما أهل السنة والجماعة فيسلكون معهم ومع جميع أهل البدع المسلم المستقيم المبني على الأدلة الشرعية والقواعد المرضية ينصفونهم .
ولا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله ويعتقدون أن الحكم بالكفر والإيمان من أكبر حقوق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه غير متأول من أهل البدع فهو كافر ، لأنه كذب الله ورسوله ، واستكبر على الحق وعانده .
 فكل مبتدع : من جهمي وقدري وخارجي ونحوهم عرف أن بدعته مناقضة لما جاء به الكتاب والسنة ثم أصر عليها ونصرها فهو كافر بالله العظيم مشاق لله ورسوله من بعد ما تبين له الهدى .
ومن كان أهل البدع مؤمناً بالله ورسوله ظاهراً وباطناً معظماً لله ورسوله ملتزماً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه خالف الحق ، وأخطأ في بعض المقالات وأخطأ في تأويله من غير كفر وجحد للهدى الذين تبين له لم يكن كافراً ولكنه فاسقاً مبتدعاً أو مبتدعاً ضالاً "

قلت : هنا صرح الشيخ بأن المتأويل يسمى مبتدعاً إذا تلبس بشيء من البدع المذكورة ، وما ذكره عن الرافضة ليس على إطلاقه وكذلك الجهمية فإن الرافضي الأثنا عشري الذي يقول بتحريف القرآن ويقذف أمهات المؤمنين ويكفر عامة الصحابة فهذا كافر بعينه ولا شك

قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 362) :" وفسق الإعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك
وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم
وأما غالية الجهمية فكغلاة الرافضة ليس للطائفتين في الإسلام نصيب "

ففرق بين الغالية وغير الغالية مع تقريره أن غير الغالية المقلدة والجهال مبتدعة فتأمل هذا واحفظه

قال ابن القيم في النونية أثناء رده على الأشاعرة :

لكننا نأتي بحكم عادل ... فيكم لأجل مخافة الرحمان
فاسمع إذا يا منصفا حكميهما ... وانظر إذاً هل يستوي الحكمان
هم عندنا قسمان أهل جهالة ... وذوو العناد وذلك القسمان
جمع وفرق بين نوعيهم هما ... في بدعة لا شك يجتمعان
وذوو العناد فأهل كفر ظاهر ... والجاهلون فإنهم نوعان
متمكنون من الهدى والعلم بالـ ... أسباب ذات اليسر والإمكان
لكن إلى أرض الجهالة أخلدوا ... واستسهلوا التقليد كالعميان
لم يبذلوا المقدور في إدراكهم ... للحق تهوينا بهذا الشان
فهم الألى لا شك في تفسيقهم ... والكفر فيه عندنا قولان
والوقف عندي فيهم لست الذي ... بالكفر أنعتهم ولا الإيمان
والله أعلم بالبطانة منهم ... ولنا ظهارة حلة الإعلان
لكنهم مستوجبون عقابه ... قطعا لأجل البغي والعدوان

قال محمد خليل هراس في شرح النونية (2/ 279) شارحاً لكلام ابن القيم :" وأما حكمنا فيكم فأنتم عندنا نوعان :
أهل جهالة وذوو عناد وشقاق وعصيان ، وبينكم قدر مشترك تجتمعون فيه ، وهو أنكم أهل بدعة وضلالة خارجون عن السنة والقرآن ، ثم تفترقون بعد ذلك فيما يستحقه كل منكم من وصف الكفر أو الإيمان
فأما أهل العناد والمشاقة فكفرهم ظاهر واضح للعيان .

وأما أهل الجهالة منكم فإنهم عندنا نوعان : نوع متمكن من الهدى والعلم قد يسرت له أسبابه من عقل ذكي وبصر نافذ وقدرة على فهم معاني السنة والقرآن ، لكنهم مالوا إلى القعود والكسل ورضوا بالتخلف وعطلوا ما وهبهم الله من سلامة العقول ، وجودة الأذهان ، واستسهلوا الجري وراء غيرهم ، يقلدونهم كالعميان ، ولم يبذلوا الوسع في إدراكهم للحق لقلة اكتراثهم بهذا الشأن .
فهؤلاء لا يشك أحد في أنهم فساق ، لخروجهم عما كان ينبغي لهم من النظر الذي هو خاصة الإنسان ، وأما تكفيرهم ففيه لأهل السنة قولان ، ولكن المؤلف اختار الوقف في شأنهم ، فهو لا يصفهم بكفر ولا إيمان فكل بواطنهم إلى الله العليم بالسر والإعلان ، ويحكم عليهم بما يظهر جهرة بلا كتمان ، ونعلم أنهم مستوجبون للعقاب لما ارتكبوه في حق الموحدين المثبتين من بغي وعدوان "

فصرح الشيخ هراس بتبديع جهلة الأشعرية ومتأوليهم

قال الإمام اللالكائي في السنة 285 : أخبرنا محمد بن المظفر المقرئ ، قال : حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقرئ ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم ...

فذكرا عقيدة طويلة ومنها قولهم : من شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكا فيه يقول : لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي . ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر.

أقول : بدعة الواقفة في القرآن يبدو أنها مكفرة عند هؤلاء الأئمة بدليل قولهم من وقف فهو جهمي ، والجهمية عندهم كفار

فتأمل كيف نصوا على تبديع الواقفي الجاهل ، والذي يحتاج أصلاً إلى تعليم وهذا معناه أنه لم تقم عليه الحجة

وهذا يدلك على أن المبتدع قد يكون جاهلاً وليس كل مبتدع قد قامت عليه الحجة ، فمن أهل البدع من لو قامت عليه الحجة لكان كافراً

قال ابن مفلح في الفروع (12/ 450) :" قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ :
 وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا ، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، أَوْ أَنَّ أَلْفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ تَدَيُّنًا ، أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ"

أقول : والمقلد يعني به الجاهل

فمن نسب هذا المذهب ( يعني تبديع الجاهل إذا خالف في أصل كلي أو وقع في بدعة مكفرة ) إلى الغلاة فقد غلط ولم يحرر المسألة كما ينبغي ورحم الله من تكلم بعلم أو سكت بحلم 

وهذا كله أذكره تنزلاً مع الخصم وإلا من خالف معلوماً من الدين بالضرورة كان كافراً ولا ينفعه دعوى التأويل شأنه شأن المرتدين 

 قال شيخ الإسلام :" وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْخَمْسَ وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ. وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ سَائِغَةٌ فَلِهَذَا كَانُوا مُرْتَدِّينَ وَهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى مَنْعِهَا وَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ"

وهذا يبين لك سبب حكم السلف في الجهمية 
 وقال الشيخ ابن سحمان في الضياء الشارق ص383 :" فإذا عرفت أن كلام الشيخ ابن تيمية في أهل الأهواء كالقدرية والخوارج والمرجئة، ونحوهم، ما خلا غلاتهم، تبين لك أن عباد القبور والجهمية خارجون من هذه الأصناف.
وأما كلامه في عدم تكفير المعين فالمقصود به في مسائل مخصوصة قد يخفى دليلها على بعض الناس، كما في مسائل القدر والإرجاء، ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء، فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً، ولا يحكم على قائله بالكفر، لاحتمال وجود مانع كالجهل، وعدم العلم بنفس النص، أو بدلالته، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها، ولذلك ذكر هذا في الكلام على بدع أهل الأهواء، وقد نص على هذا فقال في تكفير أناس من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة، قال:
وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم التكفير، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة، فهذا لا يتوقف في كفرقائله
وبهذا تعلم غلط هذا العراقي، وكذبه على شيخ الإسلام، وعلى الصحابة والتابعين في عدم تكفير غلاة القدرية وغلاة المعتزلة، وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، والرافضة. فإن الصادر من هؤلاء كان في مسائل ظاهرة جلية، وفيما يعلم بالضرورة من الدين، وأما من دخل عليه من أهل السنة بعض أقوال هؤلاء، وخاض فيما خاضوا فيه من المسائل التي قد يخفى دليلها على بعض الناس، أو من كان من أهل الأهواء من غير غلاتهم، بل من قلدهم وحسن الظن بأقوالهم من غير نظر ولا بحث فهؤلاء هم الذين توقف السلف والأئمة في تكفيرهم، لاحتمال وجود مانع بالجهل، وعدم العلم بنفس النص، أو بدلالته قبل قيام الحجة عليهم، وأما إذا قامت الحجة عليهم، فهذا لا يتوقف في كفر قائله"


وعلو الله على خلقه من أظهر المسائل وكذلك قيام الصفات الفعلية فيه سبحانه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم