مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: إلزام لمن يقول بكفر الجاسوس المسلم مطلقاً

إلزام لمن يقول بكفر الجاسوس المسلم مطلقاً



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فمن الأقوال العصرية الحادثة القول بأن كل مسلم جس للكفار هو كافر ، حتى التزم بعضهم القول بأنه يقتل ردة وهذا قول محدث ما قال به أحد من السلف ، ومن قال بقتله إنما قال به تعزيراً

قال شيخ الإسلام (35/405) :" أحدها وهو أحسنها وهو قول طائفة من أصحاب الشافعى وأحمد وغيرهما أنه لا يبلغ فى التعزير فى كل جريمة الحد المقدر فيها وإن زاد على حد مقدر فى غيرها فيجوز التعزير فى المباشرة المحرمة وفى السرقة من غير حرز بالضرب الذى يزيد على حد القذف ولا يبلغ بذلك الرجم والقطع
القول الثانى أنه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود إما أربعين وإما ثمانين وهو قول كثير من أصحاب الشافعى وأحمد وأبى حنيفة
والقول الثالث أن لا يزاد فى التعزير على عشرة أسواط وهو أحد الأقوال فى مذهب أحمد وغيره

وعلى القول الأول هل يجوز أن يبلغ بها القتل مثل قتل الجاسوس المسلم فى ذلك قولان أحدهما قد يبلغ بها القتل فيجوز قتل الجاسوس المسلم إذا قصد المصلحة وهو قول مالك وبعض أصحاب أحمد كابن عقيل .
وقد ذكر نحو ذلك بعض أصحاب الشافعى وأحمد فى قتل الداعية إلى البدع ومن لا يزول فساده إلا بالقتل وكذلك مذهب مالك قتل الداعية إلى البدع كالقدرية ونحوهم .
و القول الثانى أنه لا يقتل الجاسوس وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى والقاضى أبى يعلى من أصحاب أحمد والمنصوص عن أحمد التوقف فى المسألة "انتهى

قلت : فانظر كيف نقل قولين عن السلف في قتل الجاسوس لا ثالث لهما
الأول : عدم قتله
الثاني : قتله تعزيراً ، ولو كان كفراً لكان قتله ردةً لا تعزيراً ، وتأمل كيف أن إمام أهل السنة توقف في المسألة ولو كانت الجاسوسية للعدو كفراً أكبر ما توقف الإمام

ولي في ذلك مقال موسع ، غير أن الذي أريده أن القوم يرمون من يخالفهم بالإرجاء والواقع أولى بهذا

وبيان ذلك أنهم يؤولون حاطب بن أبي بلتعة بأن حاطباً لم يكن يعلم بأن هذا الفعل كفر أكبر

والقاعدة في التكفير أن الفعل المكفر لا يشترط في تكفير الواقع فيه ، أن يعلم أن هذا الفعل مكفر وإنما فقط يكفي أن يعلم أنه محرم ومن اشترط أن يعلم أن هذا الفعل كفر فقد اشترط أن يقصد الكفر ، وهذا لا يكاد يقع

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 273) :" وَهَؤُلَاءِ الصِّنْفُ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ غَيْرُ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ حَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ الَّتِي كَفَرُوا بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَصِلُوا إلَى مَقْصُودِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ : هَمُّوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا لَكِنْ { بِمَا لَمْ يَنَالُوا } فَصَدَرَ مِنْهُمْ قَوْلٌ وَفِعْلٌ قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } فَاعْتَرَفُوا وَاعْتَذَرُوا ؛ وَلِهَذَا قِيلَ : { لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ إنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ قَدْ أَتَوْا كُفْرًا بَلْ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرِ فَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ إيمَانِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ إيمَانٌ ضَعِيفٌ فَفَعَلُوا هَذَا الْمُحَرَّمَ الَّذِي عَرَفُوا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَكِنْ لَمْ يَظُنُّوهُ كُفْرًا وَكَانَ كُفْرًا كَفَرُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا جَوَازَهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ"

قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول ص515 :" وهذا موضع لا بد من تحريره ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا وإنما وقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الإناث"

قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/ 339) :" كما ان المتنبي انما يقصد اذا لم يقصد مجرد الاضلال اما الرياسة بنفاذ الامر وحصول التعظيم او تحصيل الشهوات الظاهرة وبالجملة فمن قال او فعل ما هو كفر كفر بذلك وان لم يقصد ان يكون كافرا اذ لا يكاد يقصد الكفر احد الا ما شاء الله "

وهؤلاء القوم الذين يقولون بأن حاطباً لم يعلم أنه كفر ، لهذا لم يكفر كأنهم يقولون أن من فعل مكفراً لمصلحة دنيوية لا يكفر وهذا إرجاء عريض

أو يكابروا ويقولون أن حاطباً ما كان يعلم أن هذا الفعل محرم ، وهذه مكابرة فإنه كان يعلم أن فعله محرم بدليل أنه استخفى به ، وكل عاقل يعلم ضرر هذا الفعل العظيم على قومه ، وكلام حاطب كان كلام المعتذر

والخلاصة أنهم أولى بالإرجاء ممن لم يكفر أخذاً بكلام عامة أهل العلم والله المستعان

وقد رأيت من يكفر الجاسوس مطلقاً ولا يرى إنكار الأشاعرة للعلو وقولهم بخلق القرآن وقولهم في الإيمان مكفراً ، فسبحان قاسم العقول
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي