مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: دفع اعتراض صالح العصيمي على وصف النبي صلى الله عليه وسلم ب( الشارع )

دفع اعتراض صالح العصيمي على وصف النبي صلى الله عليه وسلم ب( الشارع )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                  
فتصحيح الأخطاء العلمية المنتشرة عند طلبة العلم ، مقصد شرعي حسن يشكر القاصد إليه والشارع فيه ، وقد رأيت الشيخ صالح العصيمي حريصاً على ذلك في عدد من دروسه ولكنه في بعض ذاك لم يوفق

فمن ذلك قوله في شرح ثلاثة الأصول :" لا يصحُّ وصْفُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِـ: الشَّارِعِ أو الْـمُشَرِّعِ؛ لأنَّ مَن تدبَّر آياتِ القُرآن التِي وردَ فيهَا ذِكْرُ الشَّرْعِ؛ ليس فيها نِسْبةُ الشَّرعِ لغيرِ اللهِ، فيُستَنبَطُ منها: أنَّ التَّشْرِيعَ حقٌّ للهِ وحْدَه؛ فمَن قال: شَرَعَ لنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كذا وكَذَا؛ فقد أخطَأَ.
صَالِحُ الْعَصِيمِيُّ:
الشَّرْعُ حَقُّ اللهِ دُونَ رَسُولِـهِ **** مَنْ طَالَعَ الْقُرْآنَ دَلِيلَهَا وَجَدْ
فَـمَا أَتَى فِي الذِّكْرِ قَطُّ: مُشَرِّعٌ **** أَحْكَـامَنَا غَيْـرُ الْوَاحِدِ الْأَحَدْ"

أقول : الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالشارع عدد من أهل العلم المعروفين بالتحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن رجب

أما شيخ الإسلام فلفظه في هذا كثير فمن ذلك قوله في كتاب الإيمان (2/52) :" لأن الملك الشرعي هو المقدرة على التصرف الذي أباحه الشارع صلى الله عليه وسلم، والشارع لم يبح لهم تصرفاً في الأموال"
وأما ابن القيم فكثير في كلامه فمن ذلك قوله في زاد المعاد (4/205) :" الشّرَابُ فِي لِسَانِ الشّارِعِ وَحَمَلَةُ الشّرْعِ هُوَ الْمَاءُ وَمَعْنَى تَنَفّسِهِ فِي الشّرَابِ إبَانَتُهُ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ وَتَنَفّسُهُ خَارِجَهُ ثُمّ يَعُودُ إلَى الشّرَابِ كَمَا جَاءَ مُصَرّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفّسْ فِي الْقَدَحِ وَلَكِنْ لِيُبِنّ الْإِنَاءَ عَنْ فِيهِ"
وأما ابن كثير فقال في تفسيره :" وَقَدْ فَسَّرَهَا الشَّارِعُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ يا رسول الله ما الغيبة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ»"

وأما ابن رجب فقال في قواعده (1/334) :" وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ حَيْثُ أَوْجَبَ الشَّارِعُ رَدَّ صَاعِ التَّمْرِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ"
فالشيخ العصيمي يتعقب هؤلاء جميعاً ، والله المستعان

ولم ينكر عليهم أحد في عصرهم ولا بعده فهذه القرائن كلها تجعل المرء يتأنى قبل التعقب ، وما تأنى صاحبنا فلم يصب

فإن الصحابة وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ نظيرة ل( شرع ) باعتبار أنه مبلغ الشرع

قال البخاري في صحيحه 5527 : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَالْمَاجِشُونُ وَيُونُسُ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ

فقوله ( حرم رسول الله ) نظير ( شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فإن التشريع والتحليل والتحريم كلها حق لله ، وإنما يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بها من جهة أنه مبلغ وما ينطق عن الهوى نظير قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) وهو مبلغ القول والقول كان ابتداؤه من الله عز وجل

وقال أحمد في مسنده 5819 : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيذَ الْجَرِّ " .
 قَالَ: فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَزْعُمُ " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ نَبِيذَ الْجَرِّ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ، فَقُلْتُ : وَمَا الْجَرُّ ؟
 قَالَ: " مَا يُصْنَعُ مِنَ الْمَدَرِ " وقد رواه مسلم

فنسب التحريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن باب أنه المبلغ للتحريم عن الله عز وجل ، ومثله التشريع

وقال مسلم في صحيحه 3312- [472-...] وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا مَا ذَعَرْتُهَا ، وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى.

وهذا كذاك

فإن قيل : الشيخ تكلم عن وصفه ب( الشارع ) ، وأنت هنا تأتي بالفعل ( حرم )

فيقال : وهو أيضاً نهى عن أن يقال ( شرع رسول الله ) ولا فرق بين ( شرع ) و ( حرم ) واشتقاق أسماء في ذلك سهل والشارع ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة وإنما يذكر في حال الاشتقاق

قال الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)

وهنا إضافة وإن كانت على شرطي في البحث ولكن لدفع اعتراض المعترض 

جاء  في فتاوى النور على الدرب للشيخ ابن باز :" 34 - حكم تحديد صلاة الليل بعدد معين
س: أنا في كل ليلة جمعة أصلي في الليل تسعا وأربعين ركعة، ثم في شهر رمضان أصلي تسعا وتسعين ركعة، أفيدوني عن صلاتي هذه ما حكمها؟ هل أستمر أم توجهوني إلي شيء آخر؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إن الصلاة في الليل لم يحددها الشارع عليه الصلاة والسلام، بل أطلقها للعباد، وما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم شرع محترم؛ لأنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، كما قال الله عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (2) {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (3) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (4) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (5) والمراد به نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى (6) »"


فهذا استخدام الشيخ ابن باز للفظ خلافاً غلط عليه وادعى خلاف ذلك ، وإنما كره الشيخ ذلك في غير النبي صلى الله عليه وسلم


هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي