الجمعة، 27 سبتمبر 2013

دفع تشنيع الأحباش على أهل السنة في صفة الجلوس



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
فقد وقفت على منشور للأحباش يذكرون فيه أخطاء الوهابية ! ، وأول ما بدأوا به إثبات صفة الجلوس ، وأن هذا تجسيم، وأوردوا ما جاء في فتح المجيد (2/260) :" قال الذهبي: حدث وكيع عن إسرائيل بحديث: "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب وكيع وقال: "أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها". أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية".

والجواب على هذا التشنيع من وجوه:

أولها: أنه وردت أحاديث في صفة الجلوس أو القعود صححها بعض الحفاظ الذين يعتد بهم الأحباش.
 قال الطبراني في الكبير 1364- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بن مَسْلَمَةَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الطَّالْقَانِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سُفْيَانَ بن حَرْبٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بن الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِذَا قَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِقَضَاءِ عِبَادِهِ : إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي ، وحُكْمِي فِيكُمْ ، إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ ، عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ ، وَلا أُبَالِي.

وقد قوى السيوطي هذا الخبر في اللآليء المصنوعة (1/281) :" له طريق لا بأس به قال الطبراني حدثنا أحمد بن زهير التستري حدثنا العلاء بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم" فذكره
 قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 3 / 141 ) : "إسناده جيد".
 وقد ضعفه الألباني ، وأنتم لا تعتدون بالألباني فخذوا بقول الحفاظ واتركوا الألباني الوهابي الذي ليس بحافظ، وهناك حديث عمر بن الخطاب الذي ادعى الذهبي الاتفاق على تلقيه بالقبول بين السلف.

قال الذهبي في كتاب العرش ص155 :" ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث] ولا ينكرونها.

قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان فلا أدري أخرجه أم لا؟
 فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.

فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري و الأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.

قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع".

فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث" ، فإذا كان كل هؤلاء مجسمة ، فمن الموحدون ؟

وقال العلامة سليمان بن سحمان في كتابه الضياء الشارق ص معلقاً على كلام الذهبي 178 :
" فإذا ثبت هذا عن أئمة أهل الإسلام، فلا عبرة بمن خالفهم من الطغام أشباه الأنعام" .
 نعم هناك من ضعف هذا الحديث ممن تأخر عن سفيان ووكيع ، ولكنه لم يرمِ القائلين به بالتجسيم أو التشبيه، وقد نص شيخ الإسلام على أن أكثر أهل السنة قبلوا هذا الحديث حيث قال كما في مجموع الفتاوى (16/ 435) :" وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَرْوِي عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ المقدسي فِي " مُخْتَارِهِ ".
 وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ لِاضْطِرَابِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبِلُوهُ. وَفِيهِ قَالَ: ﴿إنَّ عَرْشَهُ أَوْ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ أَوْ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ﴾"، وهذه الأحاديث أقوى بكثير من الأحاديث التي يعتمدها هؤلاء في باب التوسل وشد الرحال إلى القبور .

ثانيها : أنه ورد عن جمع من السلف تفسير الاستواء بالقعود

قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص158 :
" وفي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس الرحمن على العرش استوى قال قعد "
 ورواية السدي يصححها جمع أهل العلم .
 وقد بحث الشيخ أحمد شاكر بحثاً طويلاً في تفسير الطبري في تقويتها .
 وجود  الألباني خبراً من طريق السدي في التفسير في مختصر العلو.
 وقال الدشتي في إثبات الحد ص82 :" وفيه: عن عباد بن منصور قال: سألت الحسن وعكرمة عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} قالا:  جالس .

فعلق الأخ أسامة عطايا بقوله : "رواه الحكم بن معبد في كتاب السنة-كتاب الرؤية- وإسناده حسن" ، وكذلك فسر الاستواء بالقعود عبد الوهاب الوراق صاحب الإمام أحمد.

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (1/435) :" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي وعن عبد الوهاب قال الرحمن على العرش استوى قال قعد وعن ابن المبارك قال الله على العرش بحد" .

قال الدشتي في إثبات الحد ص88:
" قال الخلال: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبدالوهاب يقول: {الرحمن على العرش استوى} قال:  قعد ، وقيل للإمام أحمد بن حنبل: من نسأل بعدك؟
فقال: سل عبد الوهاب.
 وقال الإمام أحمد: عبدالوهاب أهل يُقْتَدَى به، عافا الله عبدَالوهاب، عبدُالوهابِ إمامٌ، وهو موضعٌ للفتيا.

قيل له: كلما أجاب عبدُالوهاب في شيء تقبله؟
قال: «سبحان الله! الناس يختلفون في الفقه، هو موضعز
 فإذا تبين هذا لم يجز تبديع من يثبت لله صفة الجلوس أو القعود ، كما هو شأن بعض الإخوة.
 فإن قال قائل : هذا لم يثبت بدليل مستقل من الكتاب أو السنة.

فيقال : هذا تفسير التابعين للقرآن ، وهم أعلم الناس باللسان وهذا التفسير ، لا يناقض التفاسير الأخرى ولا تحيله اللغة وقد رد ابن حجر تفسير العلو بالارتفاع بهذا التعليل .
 وليس الأمر كذلك فهو  نفسه قبل تفسير الصمد بالذي ( لا جوف له ) ، وهذه كتلك.
 وما أحسن ما قال ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح (11/14) :" السؤال: عثمان الدارمي في رده على بشر المريسي أورد أن الاستواء يأتي بمعنى الجلوس، ما رأي فضيلتكم؟

الجواب :
الاستواء على الشيء في اللغة العربية يأتي بمعنى الجلوس، قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}، والإنسان على ظهر الدابة جالس أم واقف؟
 هو جالس، لكن هل يصح أن نعديه إلى استواء الله على العرش؟ هذا محل نظر، فإن ثبت عن السلف أنهم فسروا ذلك بالجلوس فهم أعلم منا بهذا، وإلا ففيه نظر.
 وإلا نقول: كيفية الاستواء مجهول، ومن جملة الجهل ألا ندري أهو جالس أو غير جالس، ولكن نقول: معنى الاستواء العلو، هذا أمر لا شك فيه، استوى على العرش يعني: علا علواً خاصاً غير العلو العام الذي على جميع المخلوقات" .

فعلق  الحكم على ما ورد عن السلف وقد ورد عن جماعة منهم تفسير الاستواء بالقعود أو الجلوس، ولهذا أورد عبد الله بن أحمد في السنة ، والخلال في السنة قول خارجة بن مصعب :" وهل يكون الاستواء إلا بجلوس "، وحتى لو كان خارجة بن مصعب فيه كلام ، فإيراد الأئمة لكلامه يعني إقرارهم له، وقد صح عن التابعي الجليل محمد بن كعب القرظي ، أنه أثبت الجلوس لله عز وجل ، أمام عمر بن عبد العزيز وأقره.

قال ابن وهب في تفسيره 187 - قال: وحدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظللٍ من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في القرآن ﴿سلامٌ قولا من ربٍ رحيمٍ﴾، فيقول: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب، قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أدخلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب، وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا من ذلك شيئا؛ قال: إن لدي مزيدا؛ قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه؛ قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحمله إليهم الملائكة، قال: وليس في الآخرة ليل ولا نصف نهارٍ، إنما هو بكرة وعشيا، وذلك في القرآن، في آل فرعون: ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا﴾، وكذلك قال لأهل الجنة: ﴿لهم زرقهم فيها بكرة وعشيا﴾، قال: وقال: والله، الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من حور العين أطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها الشمس والقمر، فكيف المسورة وإن خلق الله شيئاً يلبسه إلا عليه مثلما عليها من ثياب أو حلي.

الشاهد قوله رحمه الله : "فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه" ، والسند رجاله ثقات إلا سليمان بن حميد المزني وثقه ابن حبان، قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" سليمان بن حميد المزني. عن أبيه عن أبي هريرة وعن محمد بن كعب القظي وعامر بن سعد، وعنه الليث بن سعد وضمام بن إسماعيل وجماعة، مات بمصر سنة خمس وعشرين ومائة"
 فرواية جماعة من الثقات عنه ، مع توثيق ابن حبان يجعل خبره مقبولاً في خبر مقطوع.

وقال  عبد الرحمن بن ناصر السعدي كما في الأجوبة السعدية على الأسئلة الكويتية ص146 :
 "نثبت أنه على عرشه استواء يليق بجلاله ، سواءً فسر ذلك : بالارتفاع ، أو بعلوه على عرشه ، أو بالاستقرار ، أو الجلوس فهذه التفاسير واردة عن السلف" .

والأمر كما قال : وعليه قد أثبت صفة الجلوس مع من تقدم ذكرهم في كلام الذهبي ، الحسن البصري وعكرمة و عثمان الدارمي وعبد الله بن أحمد وعبد الوهاب الوراق وشيخ الإسلام وابن القيم والذهبي وابن كثير ( فقد قوى حديثاً في الباب ) والدشتي وعامة أئمة الدعوة النجدية وغيرهم.

الوجه الثالث : إيرادهم لقوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) ، لا يرد على إثبات صفة الجلوس ، فإننا كما أثبتا ذاتاً ليست كذوات المخلوقين ، فكذلك له صفات لا كصفات المخلوقين، هذه القاعدة العامة، وأما في صفة الجلوس؛ فكما أثبت لله علماً وسمعاً وبصراً لا كالمخلوقين فكذلك نثبت له جلوساً لا كجلوسهم ، وهذه قاعدة عامة أخرى في أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.

وكذلك جلوس المخلوقين لا يتشابه، فما بالك بجلوس الخالق ، ولله المثل الأعلى، قال شيخ الإسلام في شرح حديث النزول ص149 :
" وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ " القعود والجلوس " في حق الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد".
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم