الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فهذا بحث في قصة مدح أبي جعفر المنصور لعمرو بن عبيد؛ قال الخطيب في تاريخ
بغداد (14/ 64) :
وأَخْبَرَنِي الصيمري، وعلي بْن
أيوب القمي، قَالَ الصيمري: حَدَّثَنَا، وَقَالَ الآخر: أَخْبَرَنَا أَبُو عبيد اللَّه
المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسن بْن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
علي عسل بْن ذكوان العسكري بعسكر مكرم، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض أهل الأدب عَنْ صالح
بْن سليمان، عَنِ الفضل بْن يعقوب بْن عبد الرحمن بْن عياش بْن ربيعة بْن الحارث بْن
عبد المطلب
قَالَ: المرزباني، وَحَدَّثَنِي:
أَبُو الحسين عبد الواحد بْن مُحَمَّد الخصيبي، وأحمد بْن مُحَمَّد المكي، قالا: حَدَّثَنَا
أَبُو العيناء مُحَمَّد بْن القاسم، قَالَ: حَدَّثَنِي الفضل بْن يعقوب الهاشمي ثم
الربعي، قَالَ: حَدَّثَني عمي إسحاق بْن الفضل، قَالَ: بينا أنا على باب المنصور
قَالَ المرزباني: وَحَدَّثَنِي
عبد اللَّه بْن مرزوق، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زكريا الغلابي، قَالَ: حَدَّثَنَا
رجاء بْن سلمة، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن إسحاق الهاشمي، عَنْ أبيه إسحاق بْن
الفضل، قَالَ:
إني لعلي باب المنصور وإلى جنبي
عمارة بْن حمزة، إذ طلع عمرو بْن عبيد على حمار، فنزل عَلى حماره ونجل البساط برجله
وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة، فقال: لا تزال بصرتكم ترمينا منها بأحمق، فما فصل كلامه
من فيه، حتى خرج الربيع وهو، يقول: أَبُو عثمان عمرو بْن عبيد، قَالَ: فوالله ما دل
على نفسه حتى أرشد إليه، فأتكاه يده، ثم قَالَ له: أجب أمير المؤمنين، جعلني اللَّه
فداك، فمر متوكئا عليه
فالتفت إلى عمارة، فقلت: إن الرجل
الذي قد استحمقت قد دعي وتركنا، فقال: كثيرا ما يكون مثل هذا، فأطال اللبث، ثم خرج
الربيع وعمرو متوكئ عليه، وهو يقول: يا غلام حمار أبي عثمان، فما برح حتى أقره على
سرجه، وضم إليه نشر ثوبه، واستودعه اللَّه
فأقبل عمارة على الربيع، فقال:
لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلا لو فعلتموه بولي عهدكم لكنتم قد قضيتم حقه، قَالَ:
فما غاب عنك وَاللَّه ما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب، قَالَ: فإن اتسع لك الحديث
فحَدِّثْنَا
فقال: ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين
بمكانه، فما أمهل حتى أمر بمجلس، ففرش لبودا، ثم انتقل هو والمهدي، وعلى المهدي سواده
وسيفه، ثم أذن له، فلما دخل سلم عليه بالخلافة، فرد عليه،
وما زال يدنيه حتى أتكأه فخذه،
وتحفى به، ثم سأله عَنْ نفسه وعن عياله، فسماهم رجلا رجلا، وامرأة امرأة، ثم قَالَ:
يا أبا عثمان عظني
فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ
وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ
(5)أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي
لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10)الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ
(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ
(13) إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا أبا جعفر ﴿لَبِالْمِرْصَادِ﴾ .
قَالَ: فبكى بكاء شديدا، كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة
وَقَالَ: زدني، فقال: إن اللَّه
قد أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها، واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك
إنما كان في يد من كان قبلك ثم أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك، وإني أحذرك
ليلة تمخض صبيحتها عَنْ يوم القيامة
قَالَ: فبكى وَاللَّه أشد من بكائه
الأول، حتى جف جنباه، فقال له سليمان بْن مجالد: رفقا بأمير المؤمنين، قد أتعبته منذ
اليوم، فقال له عمرو: بمثلك ضاع الأمر وانتشر، لا أبا لك، وماذا خفت على أمير المؤمنين
أن بكى من خشية اللَّه؟ !
فقال له أمير المؤمنين: يا أبا
عثمان أعني بأصحابك أستعن بهم، قَالَ: أظهر الحق يتبعك أهله
قَالَ: بلغني أن مُحَمَّد بْن
عبد اللَّه بْن حسن بْن حسن، وَقَالَ ابْن دريد: أن عبد اللَّه بْن حسن كتب إليك كتابا،
قَالَ: قد جاءني كتبا يشبه أن يكون كتابه، قَالَ: فبم أجبته
قَالَ: أو ليس قد عرفت رأيي في
السيف أيام كنت تختلف إلينا؟ إني لا أراه
قَالَ: أجل لكن تخلف لي ليطمئن
قلبي، قَالَ: لئن كذبتك تقيه، لأحلفن لك تقيه
قَالَ: وَاللَّه والله أنت الصادق
البر قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تسعتين بها على سفرك وزمانك، قَالَ: لا حاجة لي فيها،
قَالَ: وَاللَّه لتأخذنها، قَالَ: وَاللَّه لا أخذتها، فقال له المهدي: يحلف أمير المؤمنين
وتحلف؟ ! فترك المهدي، وأقبل على المنصور
فقال: من هذا الفتى؟ فقال: هذا
ابني مُحَمَّد، وهو المهدي وولي العهد، قَالَ: وَاللَّه لقد أسميته اسما ما استحقه
عمله، وألبسته لبوسا ما هو من لبوس الأبرار، ولقد مهدت له أمرا أمتع ما يكون به أشغل
ما يكون عنه، ثم التفت إلى المهدي، فقال: يابْن أخي إذا حلف أبوك حلف عمك، لأن أباك
أقدر على الكفارة من عمك
ثم قَالَ: يا أبا عثمان، هل من
حاجة؟
قَالَ: نعم، قَالَ: وما هي؟، قَالَ:
لا تبعث إلي حتى آتيك، قَالَ: إذا لا نلتقي، قَالَ: عَنْ حاجتي سألتني
قَالَ: فاستحفظه اللَّه وودعه
ونهض، فلما وَلى أمده بصره، وهو يقول: كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بْن عبيد.
هذه هي القصة بتمامها ويلاحظ على أسانيدها أمور:
الأول: أن مدار القصة على رجل
اسمه الفضل بن يعقوب الهاشمي وهو مجهول ، وقد تابعه عبد الله بن إسحاق الهاشمي ولكن
في السند إليه محمد بن زكريا الغلابي الكذاب فليس بشيء.
الثاني: الفضل بن
يعقوب يروي هذا الخبر عن إسحاق بن الفضل الهاشمي وهو مجهول الحال.
الثالث: أن مخرج القصة
أبو عبيد الله المرزباني وهو معتزلي وقد ضعفه الأزهري ودافع عنه الخطيب بأنه ليس كذاباً
ولكنه مجروح بالاعتزال والشرب فمثله لا يطمئن القلب إلى انفراده بقصة فيها منقبة لإمام
مذهبه عمرو بن عبيد.
وقد يقول قائل : لماذا البحث في هذا والأخبار التاريخية يتسامحون فيها..
فأقول : عمرو بن عبيد مبتدع ضال رأس في الضلالة وأبو جعفر المنصور كان
من خلفاء المسلمين فنسبته إلى الثناء على رجل كهذا ، من حقه أن يبرأ منها إذا لم يثبت
الخبر ، وحتى إذا كان المنصور يمدحه ذكره بهذه المنقبة مما ينبغي أن يدفع عنه إذا لم
يصح.
وذكر ابن قتيبة في عيون الأخبار بلا إسناد أن المنصور رثا عمراً بهذه الأبيات،
فلما مات عمرو رثاه المنصور فقال: [كامل]
صلّى الاله عليك من متوسّد ... قبرا مررت به على مرّان
قبرا تضمّن مؤمنا متحنّفا ... صدق الاله ودان بالقرآن
وإذا الرجال تنازعوا في سنّة ... فصل الحديث بحكمة وبيان
فلو انّ هذا الدهر أبقى صالحا ... أبقى لنا حيّا أبا عثمان
وقال العقيلي في الضعفاء 4331- حَدثنا إِبراهيم بن مُحمد، قال: حَدثنا
مُسلم بن إِبراهيم، قال: حَدثنا نُوح بن قَيس، قال: كان بَين عَمرو بن عُبَيد وبَين
أَخي خالد بن قَيس إِخاء، فَكان يَزُورَنا، فَكان إِذا صَلَّى في المَسجِد, يَقُوم
كَأَنه عُود، قال: فَقلت لخالد، أَما تَرَى عَمرو، ما أَخشَعَهُ، وأَعَبَدَهُ، فقال:
أما تَراه إِذا صَلَّى في البَيت كَيف يُصَلّي؟ قال: فَنَظرت إِلَيه إِذا صَلَّى في
البَيت يَلتَفِت يَمينًا وشِمالاً.
وهذا يدل على فساد في الباطن والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم