الثلاثاء، 7 فبراير 2017

دفع النكارة عن خبر (طُوبَى، لِلشَّامِ، إِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ)



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن هذا العصر عصر العجائب بحق فما إن انتهينا من الكلام عمن يتساهلون في تقوية الأخبار ويجمعون لها الشواهد من غرائب الأجزاء والفوائد حتى فوجئنا بضرب آخر يحكم بالنكارة على الأخبار بعجلة ظاهرة

وينبغي أن يعلم أن الخبر إذا اجتمعت فيه هذه الأمور فلا يصلح الحكم عليه بالنكارة

1_ تخريجه في الكتب المشهورة بالانتقاء بالجملة كالسنن ومسند أحمد

2_ أنه يكون رواته من مشاهير الرواة الذين يجمع حديثهم ويعرف بين الناس

3_ ألا نجد إماماً متقدماً حكم عليه بالنكارة مع اتصافه بالصفتين الآنفتين

فإذا وجدنا أن هناك من صححه ولو من المتساهلين وسكت عليه الناس كل هذه القرون فغاية الخبر بعد هذا أن نجد له علة تجعله ضعيفاً فحسب وأما النكارة بحيث يقال منكر فلا والمنكر أخو الموضوع وقد يوجد في خبر كهذا زيادة شاذة ولكن أن يكون الخبر كله منكراً فلا إذ أن بعض الأئمة يتسمح في إخراج ما فيه زيادة شاذة إن كان المتن في الجملة محتملاً

والحديث الذي معنا ما يلي

قال أحمد في مسنده (21606) 21942- حَدَّثَنَا حَسَنٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حِينَ قَالَ : طُوبَى لِلشَّامِ ، طُوبَى لِلشَّامِ قُلْتُ : مَا بَالُ الشَّامِ ؟ قَالَ : الْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ.

خرج هذا الحديث أحمد في مسنده ولم يخرجه أحد ممن جمع الغرائب كالبزار ولا أحد ممن صنف في الضعيف والمنكر كالعقيلي وابن عدي وغيرهم

وقال الترمذي في جامعه 3954 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ القُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِلشَّامِ»، فَقُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ»

وهذا غريب من الترمذي فإن يحيى بن أيوب قد تابعه ابن لهيعة عند أحمد وفي مصادر أخرى

وصححه من المتسامحين ابن حبان والحاكم

ويبدو أن مستنكر هذا الخبر وقف على ما قاله ابن يونس في رواية يحيى بن أيوب لهذا الخبر وقضى على رواية ابن لهيعة بالضعف فتعجل للتضعيف بل والاستنكار

وفاته أمر هام أن عمرو بن الحارث تابع ابن لهيعة

قال ابن حبان في صحيحه 2311 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث- وذكر ابن سلم  آخر معه- عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة:
أنَّهُ سَمعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: "قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً وَنَحْنُ عِنْدَهُ: "طُوبَى، لِلشَّامِ، إِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ"

فإن تشككت في شأن هذه الرواية أتيناك بما يقطع الشك باليقين

قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ حدثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو وَمُحَمَّدُ بْنُ [أَبِي] [4] زُكَيِّرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ [5] عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبَ عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ [6] حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (91 ب) يَوْمًا وَنَحْنُ عِنْدَهُ قَالَ: طُوبَى لِلشَّامِ. فَقُلْنَا:
ما باله يا رسول الله؟ قَالَ: إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ لَبَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ. إِلَّا أَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ قَالَ: سَمِعَ زَيْدًا أَوْ حَدَّثَهُ مَنْ سَمِعَهُ.

فهذا ثقتان يرويان الخبر عن ابن وهب زيادة على حرملة الذي ذكره ابن حبان فهؤلاء ثلاثة  والآن مع قرائن تدل على ثبوت الخبر أو على الأقل احتماله

1_ أنه فضيلة شامية مروية بإسناد مصري فهذا أبعد عن الوهم والاتهام

2_ أن الخبر رواه ابن لهيعة وهو مذكور بالتشيع وهو في فضل الشام

3_ أنه خبر مروي من طريق يزيد بن أبي حبيب النوبي وهو من الأعيان والوهم والغلط عليه لا يمرره الناس بسهولة وكذا هو مروي من طريق ابن وهب وهو من كبار الأئمة

4_ أن الشام قد ثبتت لها فضائل في نصوص قرآنية وأحاديث وآثار هي من جنس هذا المذكور

قال الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسحد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}.
وقال تعالى: {ولسليمان الريح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيءٍ عالمين}.
وقال موسى لقومه: {ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم}.
وقال تعالى: {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}.

وهذه كلها قال عامة المفسرين أنها الشام وتظليل الملائكة من جنس معنى البركة

غير الأخبار المعروفة الواردة في الباب

قال الحاكم في المستدرك فإني سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : كان أبي يحكي عن عبد الرحمن بن مهدي يقول : إذا روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم في الحلال و الحرام و الأحكام شددنا في الأسانيد و انتقدنا الرجال و إذا روينا في فضائل الأعمال و الثواب و العقاب و المباحات و الدعوات تساهلنا في الأسانيد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم