السبت، 28 يناير 2017

نظرة بلاغية في سورة الفلق ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال الله تعالى : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5)

فهذه تأملات بلاغية في هذه السورة العظيمة

قال تعالى : ( برب الفلق ) والمفسرون على قولين منهم من قال فالق الإصباح ومنهم من قال ( فالق الحب والنوى ) ولا تعارض لذا جمع بينهما بعض المفسرين

والتنبيه على فلق الصبح في بداية الآية له مناسبته البلاغية

فهو يحقق التناظر لأن الله بعدها ذكر الغاسق إذا وقب وهو الليل فهنا ليتحقق التناظر ثم كل ما ذكره بعد من الأمور التي تقع في الخفاء فالنفث في العقد والحسد كلها أمور خفية ذات أثر خفي لطيف

فذكر الله فلق الصبح في البداية ليتحقق التناظر وللتنبيه على أن قدرة الله تجلي هذه الأمور وتبطلها كما يجلي الصباح الظلمة وللتنبيه أن الله قدرته ظاهرة غالبة فالقة وكيد شياطين الجن والانس كيد ضعيف خفي

ثم إن قوله ( من شر ما خلق ) يقوم مقام التعليل فكأن سائلاً ولم نستعيذ برب الفلق فيأتي الجواب لأنه من خلق وهو القادر على إبطال شر المخلوق

وتأمل هذه النكتة وما فيها من الرد على القدرية إذ أنهم ينفون أن يكون الله خلق الشر ولو لم يكن هو خالقه ابتداءً وخالق الخير لما استتمت قدرته وعظمت ثقتنا بأنه قادر على إبطاله

كما يروى أن الأعرابي قال لعمرو بن عبيد إذا كان السارق سرقها رغماً عن الله فقد يريد الله أن ترجع فلا تعود ( هذا معنى القصة )

وتضمنت الآية الرد على الجبرية لأنه أثبت فعلاً خاصاً للعبد يترتب عليه إجابة من الخالق وهو استعاذة المخلوق به ثم هو يعيذ سبحانه

وأمر الاستعاذة واختصاص الله بهذا مما رد به أئمة أهل السنة على الجهمية فالنبي كان يستعيذ بكلمات الله ، ولا يستعاذ بمخلوق في دفع شر عامة المخلوقات وإنما يستعاذ بالله فدل على أن كلمات غير مخلوقة وهذه الكلمة من أئمة أهل السنة فيها الرد على الجهمية والقبورية معاً

وعوداً إلى اللفتات البلاغية نجد آخر حرف في كل آية من هذه السورة من حروف القلقلة ( قطب جد )

وهذه الأحرف تمتاز بالقوة بالنطق عند تسكينها وهذا مناسب لسياق الآية وبيان قدرة الله وغلبته على كيد السحرة والحسدة

كما قال تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه )

ثم هي مناسبة لتحقيق التناظرية الحرفية مع سورة الناس التي تختم جميع آياتها بحرف ( السين ) وهو من أحرف الهمس

وأحرف الهمس تقابل أحرف القلقلة وهذا تحقيق عجيب للتناظرية في هاتين السورتين اللتين في العادة تتليان معاً وقد نزلتا معاً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم