الاثنين، 8 يونيو 2015

الرد على من أنكر خلق حواء من ضلع آدم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد سبق أن كتبت في تقويم المعاصرين عن الآثار الغيبية التي يتوارد عليها السلف ويدفعها كثير من المعاصرين حتى بلغت عشرات الآثار

ثم لا يكتفون بهذا حتى يسفهوا السلف ويزعموا أنهم تكلم في كتاب الله بالبواطيل وما لا يليق بالأنبياء والملائكة

بل كثير منهم يرد آثاراً يقر بها اليهود والنصارى وعامة المنتسبين للملة

وكان قد فاتني هذا المقال في التقويم وها أنا أذكره هنا

وهو مسألة خلق حواء من ضلع آدم

وهذه المسألة أنكرها من المعاصرين وادعوا أنه لا يوجد عليها دليل صريح كل من الألباني وسلمان العودة وأحمد ديدات وعدنان إبراهيم وغيرهم مع تباين طرق هؤلاء

والحق أن هذه المسألة ثابتة في كتاب الله وليس عليها إجماع السلف فحسب بل عليها إجماع كل المفسرين والمؤرخين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين والصوفية بل وأهل الكتاب أيضاً ولم يخالف إلا رجل معتزلي واحد !

قال الماوردي في أعلام النبوة :" والثاني: أنه سمي بذلك لاشتقاقه من الأدمة وهي السمرة فلما تكامل خلق آدم استوحش فخلق له حوّاء واختلف فيما خلقت منه على قولين:
أحدهما: أنه خلقها من مثل ما خلق منه آدم وهذا قول تفرد به ابن بحر «9» .
والقول الثاني: وهو ما عليه الجمهور أنه خلقها من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم حتى لم يجد لها مسا"

وابن بحر هذا معتزلي أصبهاني !

بل هذا القول هو ظاهر القرآن !

قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

وقد اتفق المفسرون أن النفس الواحدة هي آدم

قال الطبري في تفسيره 8403 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وخلق منها زوجها"، قال: حواء، من قُصَيري آدم وهو نائم، (2) فاستيقظ فقال:"أثا"= بالنبطية، امرأة.
8404 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
8405 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وخلق منها زوجها"، يعني حواء، خلقت من آدم، من ضِلَع من أضلاعه.
8406 - حدثني موسى بن هارون قال، أخبرنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أسكن آدمَ الجنة، فكان يمشي فيها وَحْشًا ليس له زوج يسكن إليها. (3) فنام نومةً، فاستيقظ، فإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها
الله من ضلعه، فسألها ما أنت؟ قالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ.

وقال الطبري في تفسيره  15499 - حدثني بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. (وحمل منها زوجها) ،: حواء، فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها.

فهذا قول أعيان مفسري التابعين ولم يخالفهم أحد البتة وروي هذا القول عن الصحابة ابن مسعود وابن عباس  في تفسير السدي الذي يقويه الألباني نفسه

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 4717 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَارِثِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا قَالَ: خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ آدَمَ، مِنْ ضِلْعِ الْخُلْفِ، وَهُوَ مِنْ أَسْفَلِ الأَضْلاعِ.

وقال الماوردي في تفسيره :" {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء , قال ابن عباس , ومجاهد , والحسن خلقت من ضلع آدم , وقيل الأيسر , ولذلك قيل للمرأة: ضلع أعوج. {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيراً وَنِسَاءً} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند نزولها عليه: (خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَهَمَّهَا فِي الرَّجُلُ مِنَ التَّرابِ فَهَمُّهُ فِي التُّرابِ)"

وقال الراغب الأصفهاني في تفسيره :" نبّه بقوله: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) أن المرأة بعض من الرجل.
تنبيهًا على نقصانها وكماله، وآنجه نبّه - صلى الله عليه وسلم - بقوله ذلك أنها مخلوقة خلقة مُعْوَجة، لا ينتفع بها إلا كذلك، فلا يهمنّك تنقيتها، وعلى
ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن المرأة خُلقت من ضلع، وإنك إن أردت أن تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها ".
وبهذا النظر قيل: أَخسُّ صفات الرجل الشحُّ والجبنُ، وهما أشرف
صفات المرأة"

وقال الزمخشري المعتزلي في الكشاف :" فإن قلت: علام عطف قوله وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يعطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها، وخلق منها زوجها.
وإنما حذف لدلالة المعنى عليه. والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها وَبَثَّ مِنْهُما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث"

وقال الرازي الجهمي في تفسيره :" وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ هُوَ حَوَّاءُ، وَفِي كَوْنِ حَوَّاءَ مَخْلُوقَةً مِنْ آدَمَ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَلْقَى عَلَيْهِ النَّوْمَ، ثُمَّ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ الْيُسْرَى، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَآهَا وَمَالَ إِلَيْهَا وَأَلِفَهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ مَخْلُوقَةً مِنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ
بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَإِنْ تَرَكْتَهَا وَفِيهَا عِوَجٌ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا»
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أَيْ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [النَّحْلِ: 72] وَكَقَوْلِهِ: إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: 164] وَقَوْلِهِ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التَّوْبَةِ: 128] قَالَ الْقَاضِي:
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى، لِكَيْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إِذْ لَوْ كَانَتْ حَوَّاءُ مَخْلُوقَةً ابْتِدَاءً لَكَانَ النَّاسُ مَخْلُوقِينَ مِنْ نَفْسَيْنِ، لَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ كَلِمَةَ «مِنْ» لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَلَمَّا كَانَ ابْتِدَاءُ التَّخْلِيقِ وَالْإِيجَادِ وَقَعَ بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَيْضًا فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ كَانَ قَادِرًا أَيْضًا عَلَى خَلْقِ حَوَّاءَ مِنَ التُّرَابِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي خَلْقِهَا مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ"

وهذا تشكيك بارد من الرازي على عادته السمجة ، فإنه أصلاً من نفاة الحكمة والتعليل فالكلام على الفائدة والعلة وسؤاله الأخير الذي لا يصدر إلا زنديق سفيه مثله يقال في مقابله فلما يبقى الجنين في بطن أمه تسعاً إن كان الله قادراً على أن يبقى الجنين أياماً قليلة وخلق حواء من ضلع آدم الحكمة منه ظاهرة لكل يسر الله له التعقل والتفكر في بيان فضل جنس الرجل على جنس المرأة والتنويه على الدرجة بينهم وأن لكل أصله في الخلقة فعلى كل تكاليفه فكما أن الجنين كونه يولد من أبوين لا ينفي كونه أصلاً من تراب فكذلك كون حواء من آدم لا ينفي كونها أصلاً من تراب فهذا كالتولد تماماً ولكي تكتمل القسمة الرباعية في الخلق فمنهم من خلق من غير ذكر وأثنى كآدم ومنهم من خلق من ذكر دون أنثى وهي حواء ومنهم من خلق من أنثى دون ذكر كعيسى ابن مريم وبقية البشر من ذكر وأنثى

وقال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان :" وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْأُولَى خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ الرَّجُلِ الْأَوَّلِ. فَأَصْلُهَا جُزْءٌ مِنْهُ. فَإِذَا عَرَفَتْ مِنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ: أَنَّ الْأُنُوثَةَ نَقْصٌ خِلْقِيٌّ، وَضَعْفٌ طَبِيعِيٌّ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَقْلَ الصَّحِيحَ الَّذِي يُدْرِكُ الْحِكَمَ وَالْأَسْرَارَ، يَقْضِي بِأَنَّ النَّاقِصَ الضَّعِيفَ بِخِلْقَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ نَظَرِ الْكَامِلِ فِي خِلْقَتِهِ، الْقَوِيِّ بِطَبِيعَتِهِ ; لِيَجْلِبَ لَهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى جَلْبِهِ مِنَ النَّفْعِ، وَيَدْفَعَ عَنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ مِنَ الضُّرِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [4 \ 34] .
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ النَّاقِصُ مُقَوَّمًا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْقَوِيِّ الْكَامِلِ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُلْزَمًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نِسَائِهِ، وَالْقِيَامِ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِنَّ فِي الْحَيَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [4 \ 34] ، وَمَالُ الْمِيرَاثِ مَا مَسَحَا فِي تَحْصِيلِهِ عَرَقًا، وَلَا تَسَبَّبَا فِيهِ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مِنَ اللَّهِ مَلَّكَهُمَا إِيَّاهُ تَمْلِيكًا جَبْرِيًّا، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ أَنْ يُؤْثِرَ الرَّجُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ أَدْلَيَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ مُتَرَقِّبٌ لِلنَّقْصِ دَائِمًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نِسَائِهِ، وَبِذْلِ الْمُهُورِ لَهُنَّ، وَالْبَذْلِ فِي نَوَائِبِ الدَّهْرِ، وَالْمَرْأَةُ مُتَرَقِّبَةٌ لِلزِّيَادَةِ بِدَفْعِ الرَّجُلِ لَهَا الْمَهْرَ، وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا وَقِيَامِهِ بِشُئُونِهَا، وَإِيثَارُ مُتَرَقِّبُ النَّقْصِ دَائِمًا عَلَى مُتَرَقِّبِ الزِّيَادَةِ دَائِمًا لِجَبْرِ بَعْضِ نَقْصِهِ الْمُتَرَقِّبِ، حِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَاضِحَةٌ، لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [4 \ 11] ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْحِكَمِ الَّتِي بَيِّنَا بِهَا فَضْلَ نَوْعِ الذَّكَرِ عَلَى نَوْعِ الْأُنْثَى فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالطَّبِيعَةِ، جَعَلَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الرَّجُلَ هُوَ الْمَسْئُولَ عَنِ الْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا. وَخَصَّهُ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ دُونَهَا، وَمَلَّكَهُ الطَّلَاقَ دُونَهَا، وَجَعَلَهَ الْوَلِيَّ فِي النِّكَاحِ دُونَهَا، وَجَعَلَ انْتِسَابَ الْأَوْلَادِ إِلَيْهِ لَا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ فِي الْأَمْوَالِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [2 \ 282] ، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقَصَاصِ دُونَهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَارِقِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الضَّعْفَ الْخِلْقِيَّ وَالْعَجْزَ عَنِ الْإِبَانَةِ فِي الْخِصَامِ عَيْبٌ نَاقِصٌ فِي الرِّجَالِ، مَعَ أَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ النِّسَاءِ الَّتِي تَجْذِبُ إِلَيْهَا الْقُلُوبَ، قَالَ جَرِيرٌ:
إِنَّ الْعُيُونَ الَّتِي فِي طَرَفِهَا حَوَرٌ ... قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمَّ يُحْيِينَ قَتْلَانَا
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لَا حَرَاكَ ... بِهِ وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ أَرْكَانًا
وَقَالَ ابْنُ الدُّمَيْنَةِ:
بِنَفْسِي وَأَهْلِي مَنْ إِذَا عَرَضُوا ... لَهُ بِبَعْضِ الْأَذَى لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُجِيبُ
فَلَمْ يَعْتَذِرْ عُذْرَ الْبَرِيءِ ... وَلَمْ تَزَلْ بِهِ سَكْتَةٌ حَتَّى يُقَالَ مُرِيبُ
فَالْأَوَّلُ: تَشَبَّبَ بِهِنَّ بِضَعْفِ أَرْكَانِهِنَّ، وَالثَّانِي: بِعَجْزِهِنَّ عَنِ الْإِبَانَةِ فِي الْخِصَامِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [43 \ 18] ، وَلِهَذَا التَّبَايُنِ فِي الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّعْنَ عَلَى مَنْ تَشَبَّهَ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثْنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» ، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الْآيَةَ [59 \ 7] ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَلْتَعْلَمْنَ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ اللَّاتِي تُحَاوِلْنَ أَنْ تَكُنَّ كَالرِّجَالِ فِي جَمِيعِ الشُّئُونِ أَنَّكُنَّ مُتَرَجِّلَاتٌ مُتَشَبِّهَاتٌ بِالرِّجَالِ، وَأَنَّكُنَّ مَلْعُونَاتٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ الْمُخَنَّثُونَ الْمُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ، فَهُمْ أَيْضًا مَلْعُونُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ فِيهِمْ:
وَمَا عَجَبِي أَنَّ النِّسَاءَ تَرَجَّلَتْ ... وَلَكِنَّ تَأْنِيثَ الرِّجَالِ عُجَابُ
وَاعْلَمْ وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ: أَنَّ هَذِهِ الْفِكْرَةَ الْكَافِرَةَ، الْخَاطِئَةَ الْخَاسِئَةَ، الْمُخَالِفَةَ لِلْحِسِّ وَالْعَقْلَ، وَلِلْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ وَتَشْرِيعِ الْخَالِقِ الْبَارِئِ مِنْ تَسْوِيَةِ الْأُنْثَى بِالذِّكْرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَالْمَيَادِينِ، فِيهَا مِنَ الْفَسَادِ وَالْإِخْلَالِ بِنِظَامِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَ الْأُنْثَى بِصِفَاتِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا صَالِحَةٌ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ، صَلَاحًا لَا يُصْلِحُهُ لَهَا غَيْرُهَا، كَالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ، وَالْإِرْضَاعِ وَتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ، وَخِدْمَةِ الْبَيْتِ، وَالْقِيَامِ عَلَى شُئُونِهِ. مِنْ طَبْخٍ وَعَجْنٍ وَكَنْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْخِدْمَاتُ الَّتِي تَقُومُ بِهَا لِلْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ دَاخِلَ بَيْتِهَا فِي سَتْرٍ وَصِيَانَةٍ، وَعَفَافٍ وَمُحَافِظَةٍ عَلَى الشَّرَفِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، لَا تَقِلُّ عَنْ خِدْمَةِ الرَّجُلِ بِالِاكْتِسَابِ، فَزَعَمَ أُولَئِكَ السَّفَلَةُ الْجَهَلَةُ مِنَ الْكُفَّارِ وَأَتْبَاعِهِمْ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا مِنَ الْحُقُوقِ فِي الْخِدْمَةِ خَارِجَ بَيْتِهَا مِثْلُ مَا لِلرَّجُلِ، مَعَ أَنَّهَا فِي زَمَنِ حَمْلِهَا وَرِضَاعِهَا وَنِفَاسِهَا، لَا تَقْدِرُ عَلَى مُزَاوَلَةِ أَيِّ عَمَلٍ فِيهِ أَيُّ مَشَقَّةٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا بَقِيَتْ خِدْمَاتُ الْبَيْتِ كُلُّهَا ضَائِعَةً: مِنْ حِفْظِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ، وَإِرْضَاعِ مَنْ هُوَ فِي زَمَنِ الرَّضَاعُ مِنْهُمْ، وَتَهْيِئَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلرَّجُلِ إِذَا جَاءَ مِنْ عَمَلِهِ، فَلَوْ أَجْرَوْا إِنْسَانًا يَقُومُ مَقَامَهَا، لِتُعَطِّلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ التَّعَطُّلَ الَّذِي خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ فِرَارًا مِنْهُ ; فَعَادَتِ النَّتِيجَةُ فِي حَافِرَتِهَا عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ وَابْتِذَالَهَا فِيهِ ضَيَاعُ الْمُرُوءَةِ وَالدِّينِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَاعٌ، هُوَ خَيْرُ مَتَاعٍ الدُّنْيَا، وَهُوَ أَشَدُّ أَمْتِعَةِ الدُّنْيَا تَعَرُّضًا لِلْخِيَانَةِ.
لِأَنَّ الْعَيْنَ الْخَائِنَةَ إِذَا نَظَرَتْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا فَقَدِ اسْتَغَلَّتْ بَعْضَ مَنَافِعِ ذَلِكَ الْجَمَالِ خِيَانَةً وَمَكْرًا. فَتَعْرِيضُهَا لِأَنْ تَكُونَ مَائِدَةً لِلْخَوَنَةِ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى عَاقِلٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمَسَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا بَدَنُ خَائِنٍ سَرَتْ لَذَّةُ ذَلِكَ اللَّمْسِ فِي دَمِهِ وَلَحْمِهِ بِطَبِيعَةِ الْغَرِيزَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْقَلْبُ فَارِغًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاسْتَغَلَّ نِعْمَةَ ذَلِكَ الْبَدَنِ خِيَانَةً وَغَدْرًا، وَتَحْرِيكُ الْغَرَائِزِ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ يَكُونُ غَالِبًا سَبَبًا لِمَا هُوَ شَرُّ مِنْهُ. كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِكَثْرَةٍ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تَخَلَّتْ عَنْ تَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ، وَتَرَكَتِ الصِّيَانَةَ. فَصَارَتْ نِسَاؤُهَا يَخْرُجْنَ مُتَبَرِّجَاتٍ عَارِيَاتِ الْأَجْسَامِ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ. لِأَنَّ اللَّهَ نَزَعَ مِنْ رِجَالِهَا صِفَةَ الرُّجُولَةِ وَالْغِيرَةِ عَلَى حَرِيمِهِمْ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مَنْ مَسْخِ الضَّمِيرِ وَالذَّوْقِ، وَمِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَدَعْوَى الْجَهَلَةِ السَّفَلَةِ: أَنَّ دَوَامَ خُرُوجِ النِّسَاءِ بَادِيَةَ الرُّءُوسِ وَالْأَعْنَاقِ وَالْمَعَاصِمِ، وَالْأَذْرُعِ وَالسُّوقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ يُذْهِبُ إِثَارَةَ غَرَائِزِ الرِّجَالِ ; لِأَنَّ كَثْرَةَ الْإِمْسَاسِ تُذْهِبُ الْإِحْسَاسَ ; كَلَامٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَالْخِسَّةِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِشْبَاعُ الرَّغْبَةِ مِمَّا لَا يَجُوزُ، حَتَّى يَزُولَ الْأَرَبُ مِنْهُ بِكَثْرَةِ مُزَاوَلَتِهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى. وَلِأَنَّ الدَّوَامَ لَا يُذْهِبُ إِثَارَةَ الْغَرِيزَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ يَمْكُثُ مَعَ امْرَأَتِهِ سِنِينَ كَثِيرَةً حَتَّى تَلِدَ أَوْلَادَهُمَا، وَلَا تَزَالُ مُلَامَسَتُهُ لَهَا، وَرُؤْيَتُهُ لِبَعْضِ جِسْمِهَا تُثِيرُ غَرِيزَتَهُ. كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مُكَابِرٌ:
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا ... وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي"

وهذا كلام حسن فكما أن الطول أحسن القصر والجمال أعلى من القبح وقوة البدن أحسن من ضعفه والصحة احسن من المرض فالذكورة خير من الأنوثة غير أنه يجوز أن تكون الأنثى أفضل من كثير من الرجال بل المسلمة خير من كل الكفار اتفاقاً

وقال الألباني في الضعيفة :" ولكنه لم ينتبه لكونها خالية من ذكر (حواء) ، ولمخالفة هشام بن سعد
لعبد الرحمن إسناداً ومتناً.
نعم قد جاءت هذه الزيادة عن جمع من الصحابة موقوفاً من طريق أسباط بن
نَصْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ
مُرَّةَ بْنِ شُرَاحَبِيلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا:
" أُخْرِجَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلُعِنَ، وَأُسْكِنَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لَهُ:
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشِيّاً لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ
إِلَيْهَا، فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ، وَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ
ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا: مَا أَنْتِ؟ قَالَتِ: امْرَأَةٌ. قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟ قَالَتْ: لِتَسْكُنَ
إِلَيَّ ... "الحديث.
خرجه ابن منده في "التوحيد" (1/213 - 214) ، وقال:
"أَخْرَجَ مُسْلِمُ عَنْ مُرَّةَ، وَعَنْ السُّدِّيِّ، وَعَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ، وَأَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ فِي
"كِتَابِهِ"، وَهَذَا إِسْنَادٌ ثَابِتٌ "!
كذا قال! وأسباط مختلف فيه، وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق كثير الخطأ، يغرب".
فهو إسناد ضعيف، مع كونه موقوفاً، فكأنه من الإسرائيليات، وقد روى ابن
سعد (1/39) وغيره عن مجاهد في قوله تعالى: {وخلق منها زوجها} ، قال:
"خلق (حواء) من قُصَيْرى (1) آدم ".
وذكر ابن كثير في "البداية" (1/74) عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أنها خلقت من ضلعه
الأقصر الأيسر وهو نائم، ولأمَ مكانه لحماً. وقال:
"ومصداق هذا في قوله تعالى ... " فذكر الآية مع الآية الأخرى: {وَجَعَلَ
مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ اِلَيْهَا ... } الآية، لكن الحافظ أشار إلى تمريض هذا التفسير
في شرح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" استوصوا بالنساء [خيراً] ، فان المرأة خلقت من ضلع ... " (2) ؛ فقال (6/368) :
"قيل: فيه إشارة إلى أن (حواء) خلقت من ضلع آدم الأيسر ... "
وقال الشيخ القاري في "شرح المشكاة" (3/460) :
"أي خلقن خلقاً فيه اعوجاج، فكأنهن خلقن من الأضلاع، وهو عظم
معوج، واستعير للمعوج صورة، أو معنى ونظيره في قوله تعالى: {خلق الإنسان
من عجل} ".
قلت: وهذا هو الراجح عندي أنه استعارة وتشبيه لا حقيقة، وذلك لأمرين:
الأول: أنه لم يثبت حديث في خلق حواء من ضلع آدم كما تقدم.
والآخر: أنه جاء الحديث بصيغة التشبيه في رواية عن أبي هريرة بلفظ: "إن
المرأة كالضلع ... ".
أخرجه البخاري (5184) ،ومسلم (4/178) ،وأحمد (2/428 و 449 و 530)
وغيرهم من طرق عن أبي هريرة، وصححه ابن حبان (6/189/4168 - الإحسان) .
وأحمد أيضاً (5/164 و6/279) وغيره من حديث أبي ذر، وحديث عائشة
رضي الله عنهم.
(تنبيه) : وأما ما جاء في "سنن ابن ماجه" (1/175) - تحت الحديث (225) -
من رواية أبي الحسن بن سلمة: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَعْقِلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ
الْمِصْرِيُّ قَالَ:
"سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُرَشُّ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ
الْجَارِيَةِ" وَالْمَاءَانِ جَمِيعاً وَاحِدٌ؟ قَالَ:
لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ.
ثُمَّ قَالَ لِي: فَهِمْتَ، أَوْ قَالَ لَقِنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ؛ خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ضِلْعِهِ الْقَصِيرِ؛ فَصَارَ بَوْلُ الْغُلَامِ مِنْ
الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَصَارَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. قَالَ: قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ. قَالَ لِي: نَفَعَكَ اللَّهُ بِهِ ".

فأقول: هذا إسناد ضعيف إلى الإمام الشافعي؛ فإن أبا اليمان المصري لا
يُعرف إلا في هذه الرواية، وأفاد الحافظ في "التهذيب" أن الصواب فيه: (أبو
لقمان) - واسمه: محمد بن عبد الله بن خالد الخراساني -.
وقال في التقريب:
"مستور".

وهذا بحث سيء فتفسير السدي صحيفة والصدوق يحتمل في الموقوفات خصوصاً وأنها اعتضدت بتفاسير تلاميذ هؤلاء الصحابة وروى قتادة عن ابن عباس أنها حواء خلقت من ضلع والألباني يقوي بأقل من هذا وهو نفسه اعتمد تفسير السدي في مختصر العلو

وحديث ( المرأة كالضلع ) لا ينافي كونها خلقت من ضلع بل يؤكده فكل مخلوق يميل إلى أصل خلقته

قال ابن حجر في شرح البخاري :" وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ مَبْلَغِ ضِلَعٍ فَهِيَ كَالضِّلَعِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ قَوْلُهُ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الْمَرْأَةِ لِسَانُهَا وَفِي اسْتِعْمَالِ أَعْوَجَ اسْتِعْمَالٌ لِأَفْعَلَ فِي الْعُيُوبِ وَهُوَ شَاذٌّ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فَلَا يُنْكَرُ اعْوِجَاجُهَا أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّقْوِيمَ كَمَا أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقْبَلُهُ قَوْلُهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ"

وتضعيفه لخبر الشافعي خوض في الآثار بغير الطريقة التي يخاض فيها كما ينبغي ، فالخراساني له ترجمة في لسان الميزان وقد يحتمل في مثل هذا لأن هذا الكلام لا يحسنه بل يشبه كلام الشافعي

ولكنه فتن بكلام محمد رشيد رضا وصار يجتهد في دفع كل ما خالفه

وقال الشوكاني في نيل الأوطار :" قَوْلُهُ: (خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) أَيْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الَّذِي خُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ. قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِم "

وروايات ( خلقت من ضلع ) هي الأكثر والأقوى ولا تدفع هذه الحقيقة بتوهم المجاز وكاف التشبيه الواردة في بعض ألفاظ محمولة على ما ذكرناه من شرح الأثر فقوله ( من ضلع ) سبب وقوله ( كالضلع ) نتيجة ولا تعارض بينهما ولا أعلم أحداً فرض تعارضاً قبل الألباني

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم