الخميس، 9 أبريل 2015

تكفير أحمد بن سنان شيخ البخاري ومسلم لقول الأشاعرة في القرآن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقال الضياء المقدسي في كتابه اختصاص القرآن بعوده إلى الرحيم الرحمن 16 - أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ الله الْمَعْرُوف ب ابْن سُكَيْنَةَ الصُّوفِيُّ بِبَغْدَادَ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المقرىء أَخْبَرَهُمْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ مِنْ لَفْظِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَفِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ شَيْئَيْنَ أَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ حِكَايَةٌ فَهُوَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ زِنْدِيقٌ كَافِرٌ بِاللَّهِ هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَى مُحَمَّد لَا يُغَيَّرُ وَلَا يُبَدَّلُ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}.

وهذا إسناد قوي

فشيخ الضياء ثقة مترجم السير وطبقات الشافعية

وشيخه المقريء ثقة مترجم في ذيل طبقات الحنابلة وتاريخ الإسلام

وشيخه عبد الملك بن أحمد بن الحسن شيخ مترجم في تاريخ بغداد

والحسن بن محمد الخلال حافظ مشهور مترجم في السير

وأما أبو بكر أحمد بن إبراهيم ابن شاذان ثقة مترجم في تاريخ دمشق وتاريخ بغداد وتاريخ الإسلام

وأما الحسين بن محمد بن محمد بن عفير فهو ثقة وثقه الدارقطني كما في سؤالات السهمي وهو مترجم في تاريخ بغداد وذكروا أنه من أصحاب أحمد بن سنان

وأحمد بن سنان هذا شيخ البخاري ومسلم

 و قال أبو حاتم : ثقة صدوق .
و قال ابنه عبد الرحمن بن أبى حاتم : إمام أهل زمانه

فهذا الإمام يكفر بمقالة الأشعرية في القرآن وأنه حكاية، وهو متقدم على الأشعرية غير أن مقالة ابن كلاب قد عاصرها هذا الإمام

وقد ذكرت في كتابي ( الوجوه في إثبات الإجماع أن بدعة الأشاعرة مكفرة ) غيره ولكن كلهم تأخر عنه وهذا نصه صريح

وذكرت في مقال مستقل الإجماع الذي نقله ابن حزم على تكفير الأشعرية لقولهم في القرآن

وممن كفر مقالة الأشاعرة في القرآن أحمد بن كامل القاضي

قال الخطيب في تاريخه وأخبرنا عبيد الله قال أخبرنا أحمد بن كامل قال حدثني أبو عبد الله الوراق جواز قال: كنت أورق على داود الأصبهاني فكنت عنده يوماً في دهليز مع جماعة من الغرباء فسئل عن القرآن؟ فقال: القرآن الذي قال الله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (1) وقال: {في كِتَابٍ مَكْنُونٍ}  غير مخلوق. وأما ما بين أظهرنا يمسه الجنب والحائض فهو مخلوق. قال القاضي أحمد بن كامل: وهذا مذهب الناشئ وهو كفر بالله العظيم. صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو"  فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كتب في الصحف والمصاحف قرآناً. فالقرآن على أي وجه تلي وقرئ فهو واحد وهو غير مخلوق

وهذا سبب إنكار الأئمة على داود الأصبهاني وقد ذكر ابن تيمية هذا وقد استبعدته قد وقفت على هذا الكلام

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (6/161) :" وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: اسْتَأْذَنَ " دَاوُد " عَلَى أَبِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا. دَاوُد؟ لَا جَبَرَ وُدُّ اللَّهِ قَلْبَهُ وَدَوَّدَ اللَّهُ قَبْرَهُ فَمَاتَ مُدَوَّدًا"

وهذه من كرامات الإمام رحمه الله

وداعي التنبيه على هذه المسألة من حين لآخر ما أراه من كثرة تخبيط المعاصرين فيها

فهذا عبد الرحيم بن صمايل السلمي صاحب الرسالة الشهيرة في الليبرالية وصاحب الشروح العديدة على كتب المعتقد

فقد جاء في شرحه على الواسطية :" السؤال
  الأشاعرة الذين ينفون رؤية الله عز وجل، هل هم كفار؟

الجواب
  لا، ليسوا كفاراً، وإنما هم أهل بدع"

ونقل في مكان آخر الاتفاق على إسلام الأشاعرة !

وجاء في شرحه على اللامية :" السؤال
  هل من ينكر رؤية الله تعالى يكفر؟

الجواب
  إنكار الرؤية كفر، لكن ليس كل من ينكر الرؤية يكفر، وإن كانت المقالة في حد ذاتها مقالة كفرية"

أقول : وهذا تناقض بين فإذا كان إنكار الرؤية كفرياً فكيف تجزم بإسلام كل أفراد فرقة تنكر الرؤية فحتى لو كنت تفرق بين المطلق والمعين فلا بد أن يوجد منهم معينون قامت عليه الحجة أو تمكنوا منها وأعرضوا

وكيف تدعي الإجماع على إسلامهم وهم قائلون بمقالات كفرية عندك

فإنكار العلو كفري

وقولهم في الإيمان كفري

وقولهم في الرؤية كفري

فبينهم وبين الكفر على منهجك إقامة الحجة فحسب ! فكيف يكونون مسلمين باتفاق

وهذا الاتفاق يدعيه كثيرون منهم عبد الرحمن المحمود وعلي الشبل وأنا أخص هؤلاء بالذكر لما عرفوا فيه من الاهتمام بأمر العقيدة

وكثيرون هم من كفر الأشاعرة بل الأمر إجماعي كما شرحته في رسالتي المستقلة والمعاصرون يرتكبون عدة أمور متناقضة في هذا الباب تفصيلها ما يلي

أولها : أنهم يقولون تكفير السلف للجهمية تكفير إطلاق لا تكفير تعيين

بمعنى أن قول السلف ( الجهمية كفار ) يراد به قولهم وأما المعين فلا يحكم عليه إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع ومنها بلوغ الحجة

ثم هم يرفضون أن يقال ( الأشاعرة  كفار) كما يقال ( الجهمية كفار ) ولو على سبيل الإطلاق لا التعيين ! بل يقولون الأشاعرة مسلمون باتفاق بل يقول صالح آل الشيخ في شرحه على الواسطية ( مسلمون مؤمنون ) ، على أنه قال في شرح الطحاوية أنه لا يطلق عدم تكفيرهم ! 

وأما الراجحي فقال :"  هذه مسألة مختلف فيها، فمن العلماء من كفرهم بإطلاق، وقال بكفر كل من أنكر العلو، ومنهم من قال: لا يكفرون بإطلاق، ومنهم من قال: العامي المقلد لا يكفر وإنما يكفر علماؤهم وخاصتهم، ولعل هذا هو الأقرب"

الثاني : أن عامتهم يعترف بأن إسماعيل الهروي الأنصاري كان يكفر الأشاعرة ثم بعد ذلك يدعون الإجماع ! على خلاف هذا

بل من الحنابلة من نقل عن أحمد تكفير عامة أهل الأهواء وقد نقل ابن تيمية هذا وناقشه

بل إن عامة متقدمي الحنابلة لا يكتفون بتكفير الجهمية فحسب بل يشهدون عليه بالنار وقد ذكر ابن تيمية أن هذا مذهب أبي حاتم وأبي زرعة

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/487) :" وَكَذَلِكَ تَنَازَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَخْلِيدِ الْمُكَفَّرِ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ فَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ عَلَيْهِ التَّخْلِيدَ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ؛ كَأَبِي حَاتِمٍ؟ وَأَبِي زُرْعَةَ وَغَيْرِهِمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّخْلِيدِ"

وقد كان جد ابن تيمية على هذا المذهب وصار تنازع بينه وبين ابن قدامة في هذه المسألة وكلام ابن قدامة غير جيد وقد نقله ابن رجب في الذيل ولم يعقب والله المستعان

قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة :" ووقع بَيْنَ الشيخين أَيْضًا تنازع فِي مسالة تخليد أهل البدع المحكوم بكفرهم فِي النار. وَكَانَ الشيخ الموفق لا يطلق عَلَيْهِم الخلود. فأنكر ذَلِكَ عَلَيْهِ الشيخ الفخر. وَقَالَ: إِن كَلام الأَصْحَاب مخالف لِذَلِكَ. وأرسل يَقُول للشيخ موفق الدين أنظر كَيْفَ تستدرك هذه الهفوة؟"

وقد حاول ابن قدامة في هذه الرسالة التشويش على الإجماع المنقول بتكفير من يقول بخلق القرآن متكئاً على كلام السجزي

على أن ابن قدامة نفسه يكفر الأشاعرة !


حيث قال في المناظرة على القرآن ص50 :" وَهَذَا حَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا محَالة فهم زنادقة بِغَيْر شكّ فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي أَنهم يظهرون تَعْظِيم الْمَصَاحِف إيهاما أَن فِيهَا الْقُرْآن ويعتقدون فِي الْبَاطِن أَنه لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْوَرق والمداد ويظهرون تَعْظِيم الْقُرْآن ويجتمعون لقرَاءَته فِي المحافل والأعرية ويعتقدون أَنه من تأليف جِبْرِيل وَعبارَته ويظهرون أَن مُوسَى سمع كَلَام الله من الله ثمَّ يَقُولُونَ لَيْسَ بِصَوْت"

وقد صرح الطوفي في شرح مختصر الروضة أن كلام الفخر ابن تيمية وابن قدامة وما بينهما من الخلاف يدخل فيه الأشعرية

فقال في شرح مختصر الروضة (3/661) :" هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ» مُصَنِّفِ «الرَّوْضَةِ» «فِي رِسَالَتِهِ» ، وَهِيَ رِسَالَةٌ رَدَّ فِيهَا عَلَى بَعْضِ الْحَرَّانِيِينَ قَوْلَهُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ مُبْتَدِعٍ فِي مَسَائِلِ الْعَقَائِدِ، كَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَ «لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا» مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرَ الْمُعَانِدِينَ وَمُنْكِرِي الضَّرُورِيَّاتِ لِقَصْدِهِمُ الْحَقَّ مَعَ اسْتِبْهَامِ طَرِيقِهِ"

كلام ابن قدامة ظاهره نفي التكفير الذي يستلزم الخلود في النار لا مطلق الكفر وإلا فهو يكفر وكلامه في الأشعرية ظاهر فهذا غلط في تصوير مذهبه

الثالث : أن ابن تيمية وغيره ممن يحاول المعاصرون التشبث به تسمية الأشعرية خصوصاً المتأخرين منهم جهمية وإدخالهم في الذم الوارد للجهمية عن السلف
وكثير من المعاصرين يرفض بقوة تجهيم الأشعرية

وإلا فكتاب ( بيان تلبيس الجهمية ) إنما هو رد على الأشاعرة وكتاب ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) رد عليهم وكذلك ( اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية ) رد عليهم

ووصف الرازي ب( الجهمي الجبري ) ويفرق باستمرار بين متقدمي الأشعرية ومتأخريهم وهو يرى أن المتأخرين فاقوا الجهمية الأولى في عدة مسائل

فمنها : التصريح بنفي العلو بشكل واضح

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (3/523) :" ولهذا قال البخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق الأفعال ما أبالي أصليت خلف الجهمي أو الرافضي أو صليت خلف اليهودي والنصراني ولايسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم قال وقال عبد الرحمن بن مهدي هما ملتان فاحذروهم الجهمية والرافضة إذا عرف ذلك فالجهمية أظهروا مسألة القرآن وأنه مخلوق وأظهروا أن الله لا يرى في الآخرة ولم يكونوا يظهرون لعامة المؤمنين وعلمائهم إنكار أن الله فوق العرش وأنه لا داخل العالم ولا خارجه وإنما كان العلماء يعلمون هذا منهم بالاستدلال والتوسم كما يعلم المنافقون في لحن القول قال الله تعالى وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد 30] فأقسم سبحانه وتعالى أن المنافقين لتعرفنهم في لحن القول وهذا كما قال حماد بن زيد الإمام الذي هو من أعظم أئمة الدين القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يحاولون إلا أن ليس في السماء إله وقال أيضًا سليمان بن حرب سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء وقال عباد بن العوام الواسطي كلمت بشر المريسي وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء وقال عبد الرحمن بن مهدي ليس في أصحاب الهواء شر من أصحاب جهم يَدُورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا وقال أيضًا أصحاب جهم يريدون أن يقولوا ليس في السماء شيء وأن الله ليس على العرش أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا وقال عاصم بن علي ناظرت جهميًّا فتبين من كلامه أن لا يؤمن أن في السماء ربًا وقال علي بن عاصم ما الذين قالوا إن لله ولدًا أكفر من الذين قالوا إن الله لا يتكلم وقال احذر من المريسي وأصحابه فإن كلامهم أبو جاد الزندقة وأنا كلمت أستاذهم جهمًا فلم يثبت أن في السماء إلهًا هكذا وجدت هذا عنه في كتاب خلق الأفعال للبخاري والأول رواه ابن أبي حاتم عن عاصم بن علي بن عاصم في كتاب الرد على الجهمية وكان إسماعيل بن أبي أويس يسميهم زنادقة العراق وقيل له سمعت أحدًا يقول القرآن مخلوق فقال هؤلاء الزنادقة والله لقد فررت إلى اليمن حين تكلم أبو العباس ببغداد بهذا فرارًا من هذا الكلام وقال وكيع بن الجراح من كذب بحديث إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر فهو جهمي فاحذروه قال وكيع أيضًا لا تستخفوا بقولهم القرآن مخلوق فإنه من شر قولهم إنما يذهبون إلى التعطيل وقال الحسن بن موسى الأشيب وذكر الجهمية فنال منهم ثم قال أُدخل رأس من رؤساء الزنادقة يقال له سمعلة على المهدي فقال دلني على أصحابك فقال أصحابي أكثر من ذلك فقال دلني عليهم فقال صنفان ممن ينتحل القبلة الجهمية والقدرية الجهمي إذا غلا قال ليس ثم شيء وأشار الأشيب إلى السماء والقدري إذا غلا قال هم اثنان خالق خير وخالق شر فضرب عنقه وصلبه ومثل هذا كثير من كلام السلف والأئمة كانوا يردون ما أظهرته الجهمية من نفي الرؤية وخلق القرآن ويذكرون ما تبطنه الجهمية مما هو أعظم من ذلك أن الله ليس على العرش ويجعلون هذا منتهى قولهم وأن ذلك تعطيل للصانع وجحود للخالق إذ كانوا لا يتظاهرون بذلك بين المؤمنين كما كانوا يظهرون مسألة الكلام والرؤية لأنه قد استقر في قلوب المسلمين بالفطرة الضرورية التي خلقوا عليها وبماجاءتهم به الرسل من البينات والهدى وبما اتفق عليه أهل الإيمان من ذلك مما لا يمكن الجهمية إظهار خلافه وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً {115} [النساء 115] فهذا يبين أن الاعتراف بأن الله فوق العالم في العقل والدين أعظم بكثير من الاعتراف بأن الله يرى في الآخرة وأن القرآن غير مخلوق فإذا كان هؤلاء الشرذمة الذين فيهم من التجهم ما فيهم مثل الرازي"

فانظر كيف يقرر بأن السلف كفروا الجهمية الذين لم يكونوا يصرحون بنفي العلو كما يصرح به الرازي وأضرابه ويصف الرازي من ومعه بالشرذمة وينزل عليه كلام السلف بقياس الأولى

وقال أيضاً في بيان التلبيس (5/377) :" وعن عباد بن العوام أنه قال كلام بشر المريسي يزعم أنه ليس بشيء يعني أن الله ليس بشيء وعنه قال كلمت بشراً وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن ليس في السماء شيء وروي عن أبي بكر بن عياش إنما تحاول الجهمية أن ليس في السماء شيء وعن الميموني أنه ذاكر أبا عبد الله أحمد بن حنبل أمر الجهمية وما يتكلمون به فقال في كلامهم كلام الزنادقة يدورون على التعطيل ليس يثبتون شيئاً وهكذا الزنادقة وقال لي أبو عبد الله بلغني أنهم يقولون شيئاً هم يدعونه وينقصون على المكان ويقولون هو الأشياء وليس بالشيء في الشيء قال لي فهو قد ترك قوله الأول وأقبل يتعجب إليَّ وعن أحمد بن حنبل قال ما أحد أضر على الإسلام من الجهمية ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كثيرٌ في كلام السلف والأئمة وسائر العلماء لايحصيه إلا الله يصفون فيه الجهمية بالزندقة التي هي النفاق وبالتعطيل وبالجحود للقرآن والحديث وبأنهم إنما يقرون في الظاهر بالإسلام والقرآن خوفاً من السيف"

وهذا كله ينزله على الرازي

المسألة الثانية : قولهم في القرآن إذ نفوا الكلام وجوزوا محاكاة كلام الله عز وجل وقد صرح ابن القيم في مختصر الصواعق أنه زادوا على المعتزلة في التعطيل وصرح شارح الطحاوية أنهم في هذا أكفر من المعتزلة القائلين بخلق القرآن ( وثمة معتزلة أوائل لا يقولون بخلق القرآن كابن أبي نجيح )

وقال كما في مجموع الفتاوى (15/222) :" وَمِنْهَا إبْطَالُ قَوْلِ الْأَشْعَرِيَّةِ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَعْنَى وَهَذَا الْعَرَبِيُّ خُلِقَ لِيَدُلَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَالُوا: خُلِقَ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ أَوْ أَلْهَمَهُ جِبْرِيلَ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ اللَّوْحِ فَإِنَّ هَذَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَوَّلًا وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ لَكِنْ يُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ أُولَئِكَ يَقُولُونَ الْمَخْلُوقُ كَلَامُ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّهُ كَلَامٌ مَجَازًا وَهَذَا أَشَرُّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ بَلْ هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّة الْمَحْضَةِ؛ لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يُوَافِقُونَهُمْ فِي الْمَعْنَى. الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلَّهِ كَلَامٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَالْخِلْقِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ؛ فَإِنَّ الْكُلَّابِيَة خَيْرٌ مِنْهُمْ فِي الظَّاهِرِ؛ لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُثْبِتُوا كَلَامًا لَهُ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ"

المسألة الثالثة : اسم الله النور

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (5/488) :" الخامس أن كونه نوراً أو تسميته نوراً مما لم يكن ينازع فيه قدماء الجهمية وأئمتهم الذين ينكرون الصفات بل كانوا يقولون إنه نور قال الإمام أحمد في الرد على الجهمية وقلنا للجهمية حين زعموا أن الله بكل مكان لايخلو منه مكان فقلنا لهم أخبرونا عن قول الله جل ثناؤه فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف 143] لِمَ تجلى للجبل إذا كان فيه بزعمكم فلو كان فيه كما تزعمون لَمْ يكن متجلياً لشيء هو فيه لكن الله تبارك وتعالى على العرش وتجلى لشيء لم يكن فيه ورأى الجبل شيئاً لم يكن رآه قط قبل ذلك وقلنا للجهمية الله نور فقالوا هو نور كله فقلنا قال الله وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا فقد أخبر جل ثناؤه أن له نوراً وقلنا لهم أخبرونا حين زعمتم أن الله في كل مكان وهو نور فلِمَ لايضيء البيت مظلم من النور الذي هو فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء فعند ذلك تبين كذبهم على الله"

المسألة الرابعة : دعوى عدم إفادة النصوص لليقين

قال ابن تيمية في درء التعارض (5/328) : "وهذا الذي ذكرناه من أن هذا الأصل يوجب عدم الاستدلال بكلام الله ورسوله على المسائل العلمية قد اعترف حذاقهم به بل التزمه من التزمه من متأخري أهل الكلام كالرازي كما التزمته الملاحدة الفلاسفة وأما المعتزلة فلا يقولون الأدلة السمعية لا تفيد اليقين بل يقولون لا يحتج بالسمع على مسائل التوحيد والعدل لأن ذلك بزعمهم يتوقف العلم بصدق الرسول عليه، وكذلك متأخرو الأشعرية يجعلون القول في الصفات من الأصول العقلية"

والقول بأنه لا يحتج في باب الصفات بالأدلة السمعية لم يقله الرازي فحسب بل قاله قبله ابن العربي في قانون التأويل ونسبه للجويني

بل قال ابن تيمية في شرح الأصبهانية وهي عقيدة أشعرية متأخرة :" ثم هذا الاعتقاد المشروح مع أنه ليس فيه زيادة على اعتقاد المعتزلة البصريين فاعتقاد المعتزلة البصريين خير منه فإن في هذا المعتقد من اعتقاد المتفلسفة في التوحيد ما لا يرضاه المعتزلة كما نبهنا عليه فيما تقدم وبيناه أن ما ذكره من التوحيد ودليله هو مأخوذ من أصول الفلاسفة وأنه من أبطل الكلام"

وكلام ابن تيمية في أنهم خير من المعتزلة أو الجهمية الأولى مخصوص بمتقدميهم أو في أبواب معينة كإثباتهم لبعض الصفات التي ينكرها المعتزلة والجهمية

وإلا فابن تيمية يرى أن المعتزلة في باب القدر والإيمان أحسن من الأشعرية لأن قول الوعيدية والقدرية أحسن من قول المرجئة والجبرية من جهة أثره على الناس سلوكاً وإن كان كلاهما بدعة وضلالة

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (16/242) :" لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ أَصْلَحُ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَنَحْوِهِمْ فِي الشَّرِيعَةِ عِلْمَهَا وَعَمَلَهَا"

فتحصل أن المعتزلة الذين اتفق السلف على تكفيرهم خير من الأشاعرة في الإيمان والقدر والقول في القرآن والتعامل مع النصوص والموقف من الأصول الفلسفية ، وأن الجهمية الذين كفرهم السلف ما صرحوا بإنكار العلو تصريح متأخري الأشعرية

وبقيت مسألة أخيرة

المسألة الخامسة : أن قول الأشعرية أن الله لا داخل العالم ولا خارجه خير منه قول الجهمية الأولى ( الله في كل مكان ) وكلاهما كفر بواح

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (5/186) :" وكل من هذين المقالين من مقالات الجهمية لكن الأولى أقرب إلى العقل وهي قولهم في الابتداء يقولون إنه في كل مكان فيجعلونه بمنزلة الحال فيها المحتاج إليها هو نظير قول من قال مقارن للأزمنة المحدثة فيكون هؤلاء قد جعلوه داخلاً في المخلوقات والمحدثات بل زادوا حتى جعل الاتحادية منهم نفسَ وجود المخلوقات فهؤلاء أقروا به ثم جعلوه هو المخلوق أو بعض المخلوق وإذا قال هو في العالم لا مباين له ولا مماس له كان كقولهم هو مع العالم لا متقدم عليه ولا مقارن له وأما الجهمية في الانتهاء فإنهم عطَّلوه بالكلية ولم يثبتوا له وجود المخلوقات ولا غيرها حيث قالوا لا هو داخل العالم ولا خارجه"

الرابع : أن المعاصرين لو ذكرت لهم تكفير المجسمة القائلين بأن الله جسم لا كالأجسام كالكرامية فعامتهم لا يعترض حتى أنني رأيت بعضهم ينقل الاتفاق على تكفير المجسمة وقد كفر ابن خزيمة الكرامية

غير أن الكرامية قولهم في الصفات أقرب للنصوص والعقل من كلام الأشاعرة خصوصاً متأخريهم

قال ابن تيمية في بيان التلبيس (4/299) :" ولم يثبت خطا الكرامية المنازعين لهم في قولهم إنه على العرش لا على قول الأولين المثبتين العلو ولا على قول الآخرين الملازمين بين العلو والجسم ظهر أن الكرامية المنازعين الأشعرية في مسالة العلو والجسم أقرب إلى الصواب منهم"

وقول الكرامية في الإيمان خير من قول الأشعرية فالكرامية وإن أدخلوا المنافقين في الإيمان في الدنيا فهم قائلون بخلودهم في النار بيد أن الأشاعرة يدخلون الكفار المصدقين بقلوبهم غير المتلفظين بالشهادتين للجنة في الآخرة وهذا قول جهم ومنهم من يخالف في هذا

قال الذهبي في السير (17/484) :" قَالَ جَعْفَرٌ المُسْتَغْفِرِي (5) :كَانَ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ النَّضْرِيّ قَاضِي مَرْو وَنَسَف صُلْبَ المَذْهَب، فَدَخَلَ صَاحِبُ غَزْنَة سُبُكْتِكِيْن بَلْخَ، وَدَعَا إِلَى مُنَاظرَة الكَرَّامِيَّة، وَكَانَ النَّضْرِيُّ يَوْمَئِذٍ قَاضِياً ببَلْخ، فَقَالَ سُبُكْتِكِيْن: مَا تقولُوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الزُّهَّاد الأَوْلِيَاء؟
فَقَالَ النَّضْرِيُّ: هَؤُلاَءِ عِنْدنَا كَفَرَة.
قَالَ: مَا تقولُوْنَ فِيَّ؟
قَالَ: إِنْ كُنْتَ تَعْتَقِدُ مَذْهَبَهُم، فَقولُنَا فِيْكَ كَذَلِكَ"

الخامس : أن المعاصرين يحكون الخلاف في تكفير الخوارج ومنهم من يختاره

والخوارج خيرٌ من الأشاعرة

قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (1/243) :" ومن تدبر هذا رأى أهل البدع من النفاة يعتمدون على مثل هذا، فيبتدعون بدعاً بآرائهم ليس فيها كتاب ولا سنة، ثم يكفرون من خالفهم فيما ابتدعوه، وهذا حال من كفر الناس بما أثبتوه من الأسماء والصفات التي يسميهما هو تركيباً وتجسيماً وإثبات لحلول الصفات والأعراض به، ونحو ذلك من الأقوال التي ابتدعتها الجهمية والمعتزلة، ثم كفروا من خالفهم فيها.
والخوارج الذين تأولوا آيات من القرآن وكفروا من خالفهم فيها أحسن حالاً من هؤلاء، فإن أولئك علقوا الكفر بالكتاب والسنة، لكن غلطوا في فهم النصوص، وهؤلاء علقوا الكفر بكلام ماأنزل الله به من سلطان.
ولهذا كان ذم السلف للجهمية من أعظم الذم، حتى قال عبد الله بن المبارك: إنا لنكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية"

وقال كما في الفتاوى الكبرى وهو في التسعينية :" فَإِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ، وَقَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ فِيهِ مِنْ التَّنَقُّصِ وَالسَّبِّ وَالطَّعْنِ عَلَى السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَعَلَى السُّنَّةِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ. فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يُعَظِّمُونَ الْقُرْآنَ وَيُوجِبُونَ اتِّبَاعَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّبِعُوا السُّنَنَ الْمُخَالِفَةَ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَهُمْ يَقْدَحُونَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْدَحُوا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ بَلْ لَا تُجَوِّزُ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ كَمَا
يُصَرِّحُونَ بِهِ، كَالرَّازِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَّبِعُوا السُّنَنَ أَوْ إجْمَاعَ السَّلَفِ فَالْجَهْمِيَّةُ أَعْظَمُ قَدْحًا فِي الْقُرْآنِ وَفِي السُّنَنِ وَفِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.
وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ هَلْ هُمْ دَاخِلُونَ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً لَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُونَ بِبَعْضِ الْجَهْمِ وَأَيْضًا فَفِيهِمْ مَنْ لَا يُكَفِّرُ الْأُمَّةَ بِخِلَافِهِ وَلَا يَسْتَحِلُّ السَّيْفَ، وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ وَجَهِلُوا أَصْلَ الْقَوْلِ وَقَوْلَ الدُّعَاةِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَظُهُورَ ذَلِكَ، فَمِنْ هُنَا كَانَ حَالُ فُرُوعِ الْجَهْمِيَّةِ قَدْ يَكُونُ أَخَفَّ مِنْ حَالِ الْخَوَارِجِ وَإِلَّا فَقَوْلُهُمْ فِي نَفْسِهِ أَحْنَثُ مِنْ قَوْلِ الْخَوَارِجِ بِكَثِيرٍ، وَإِذَا كَانَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ قَدْ قَالَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّ فِتْنَتَهُمْ أَضَرُّ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ فِتْنَةِ الْأَزَارِقَةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ جَهْمِيَّةٌ؛ عُلِمَ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الرَّقَاشِيُّ، سَمِعْت يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ فِتْنَةُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْأَزَارِقَةِ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَلُّوا وَأَنَّهُمْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بِمَا أَحْدَثُوا، وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ، وَيُنْكِرُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، وَفُرُوعُ الْجَهْمِيَّةِ لَا يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَأْتَمِرُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ شَرٌّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ هُمْ أَصْلُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يَرَى التَّكْفِيرَ وَالسَّيْفَ كَمَا تَرَاهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْخَوَارِجِ
وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَهْلُ الْبِدَعِ مَعَ الْقُدْرَةِ يُشْبِهُونَ الْكُفَّارَ فِي اسْتِحْلَالِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَكْفِيرِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارِجُ وَالرَّافِضَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَفُرُوعُهُمْ لَكِنَّ فِيهِمْ مَنْ يُقَاتِلُ بِطَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ كَالْخَوَارِجِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْعَى فِي قَتْلِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالِفِيهِ إمَّا بِسُلْطَانِهِ وَإِمَّا بِحِيلَتِهِ وَمَعَ الْعَجْزِ يُشْبِهُونَ الْمُنَافِقِينَ يَسْتَعْمِلُونَ التَّقِيَّةَ وَالنِّفَاقَ كَحَالِ الْمُنَافِقِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبِدَعَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكُفْرِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ يُحَارِبُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ الْعَجْزِ يُنَافِقُونَهُمْ وَالْمُؤْمِنُ مَشْرُوعٌ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَنْ يُقِيمَ دِينَ اللَّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهَا وَمَعَ الْعَجْزِ يُمْسِكُ عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ الِانْتِصَارِ وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْبَلَاءِ مِنْ غَيْرِ مُنَافَقَةٍ، بَلْ يُشْرَعُ لَهُ مِنْ الْمُدَارَاةِ وَمِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ أَهْلِ الْبِدْعَةِ بِالْعَكْسِ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ لَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالتَّكْفِيرِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمْ الْعَدْلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْحَرُورِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَإِذَا جَاهَدُوهُمْ فَكَمَا جَاهَدَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَرُورِيَّةَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ وَعَامَّةُ مَا كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمْ الْهِجْرَانَ وَالْمَنْعَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَظْهَرُ بِسَبَبِهَا بِدْعَتُهُمْ، مِثْلُ تَرْكُ مُخَاطَبَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ إلَى خُمُودِ بِدْعَتِهِمْ، وَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُمْ لَمْ يُنَافِقُوهُمْ بَلْ يَصْبِرُونَ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ كَمَا كَانَ سَلَفُ الْمُؤْمِنِينَ يَفْعَلُونَ وَكَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى الْحَقِّ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلَهُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لَا يَعْدِلُوا"

وتأمل قوله (، بَلْ يُشْرَعُ لَهُ مِنْ الْمُدَارَاةِ وَمِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا) وهو هنا يصور حاله وتكلمه بما يكره أحياناً لهؤلاء صيانة لدمه وهذا كلامه في التسعينية وقد كان في سجن مصر

وأنا هنا لخصت شيئاً مما ذكرته في كتابي ( الوجوه ) وما ذكرته في العديد من  المقالات في هذه المسألة الكبيرة

والمرء في المسائل التي حصل فيها خلط كثير بين المنتسبين للعلم في هذا العصر محتاج إلى تكرار وتنويع في أساليب العرض حتى يستبين الأمر على وجهه

وليعلم أن كفر الجهمية الأولى وكفر الأشعرية في المسائل الظاهرة التي لا يقبل فيها العذر _ غير عذر الإكراه _  وقد تكلمت على هذا في مواطن عديدة من بحث عنها في المدونة وجدها

وبقي تنبيه على تناقض ظاهر في كلام المعاصرين : وهو نفي بعضهم كسفر الحوالي وعبد الرحيم السلمي أن يكون ابن حجر أشعرياً مع جزمهم بأشعرية الباقلاني 

والباقلاني في باب الصفات خير من ابن حجر فهو يثبت العلو والصفات الذاتية على طريقة الكلابية وأما ابن حجر فقطعاً ينفي العلو بل ويشنع على مبثته وابن حجر في باب الإيمان والقدر والنبوات أيضاً موافق في الغالب للأشعرية مع قوله بالتبرك وشد الرحال والاستغاثة بالنبي والمولد والبدعة الحسنة 

وبعض الناس يذكر نقده لبعض الأشاعرة أو بعض أقوالهم يحاول تبرئته وكثير من الأشعرية كذلك 

وابن حجر عد من غلطات ابن النديم في الفهرست وصفه للأشعرية بالجبرية فهو يذب عن الأشاعرة في هذا الباب وهو منهم 

واثنى على عقيدة أبي حيان الأندلسي في الدرر الكامنة وأبو حيان أشعري 

وعامة كلام ابن حجر في الصفات تأويل وتفويض وإن أثبت أثبت على طريقة الكلابية حتى ادعى على البخاري كذباً أنه في مسائل الكلام يسلك مسالك الحارث الحاسبي وابن كلاب ! 

وأما النووي فأمره أظهر وأظهر فهو يرى أن علم الكلام بدعة واجبة ويعظم علماء الأشعرية المتكلمين جداً ويصرح بقاعدتهم منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم ويقول بأن أخبار الآحاد ظنية  

وقال سفر الحوالي في منهج الأشاعرة الكبير :"  وقال شارح (الجوهرة): «واعلم أن معتقد الجهة لا يكفر، كما قاله العز بن عبد السلام، وقيده النووي بكونه من العامة، وابن أبي جمرة بعسر فهم نفيها، وفصَّل بعضهم فقال: إن اعتقد جهة العلو لم يكفر؛ لأن جهة العلو فيها شرفٌ ورفعةٌ في الجملة ،
وإن اعتقد جهة السفل كفر»"


فالنووي يكفر مثبت العلو إذا كان عالماً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم