الجمعة، 17 أبريل 2015

هل حديث الافتراق ضعيف ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فيطعن بعض الزنادقة والجهلة بحديث الافتراق لغرض التمييع، ويتابعهم من ليس له هذا الغرض غير أنه اغتر بكلامهم

ويقول كيف تبنون اعتقادكم على حديث ضعيف

ويجاب على هذا : بأن ما يغيظ القوم في حديث الافتراق اعتبار عدد من الفرق المنتسبة للإسلام ضالة وفي النار ووجود فرقة ناجية نجت بالاتباع

وهذا المعنى موجود في أحاديث متواترة بل موجود في القرآن

فكون النجاة في الاتباع ففي مثل قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه  )

وقوله تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا )

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )

وثناء رب العالمين على المهاجرين والأنصار وبقية الصحابة ووعدهم لهم سبحانه بالجنة وهي الحسنى دليل على أن طريقتهم وأحوالهم في كل شيء هي المرضية عند رب العالمين

وأما وجود فرق ضالة تسير على البدعة

فعندنا حديث الذين يذادون عن الحوض ويقال ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )

وهذا الحديث مخرج في الصحيح من حديث ابن عباس وأبي سعيد وابن مسعود وأنس

وخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وأم سلمة

وهو في المسند من حديث حذيفة

فهؤلاء سبعة وهذا تواتر وجعل سبب ذودهم عن الحوض إحداثهم في الدين فدل على أن الابتداع سبب في دخول النار والحرمان من الحوض

وعندنا أيضاً حديث ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )

فقد صح في حديث جابر المعروف في الحج وورد في بعض ألفاظ حديث العرباض بن سارية( عليكم بسنتي )

وصح عن عمر موقوفاً عليه

قال ابن وضاح في البدع 56 - نا أَسَدٌ , عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , عَنْ هِلَالٍ الْوَرَّاقِ قَالَ: نا شَيْخُنَا الْقَدِيمُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ , عَنْ عُمَرَ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «أَصْدَقُ الْقِيلِ قِيلُ اللَّهِ , وَأَنَّ أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا , أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ , وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»

وقال المروزي في السنة 79 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»

عبد الله بن مرداس تابعي كبير من أصحاب عبد الله فمثله يحتمل في هذا وله شاهد

قال الطبراني في الكبير 8521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا زَائِدَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ: الْهَدْيُ وَالْكَلَامُ، وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ "

إبراهيم الهجري إنما نقموا كثرة رفعه للموقوفات وهو هنا يروي موقوفاً وقد اعتضد

وقولهما ( وكل ضلالة في النار ) كالوارد في حديث الافتراق ( كلها في النار إلا واحدة )

ثم إنه قد صح في حديث تواتر ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )

وهذا الحديث رواه جمع كالمغيرة ومعاوية وثوبان وجابر وسعد بن أبي وقاص وعمران بن الحصين وقرة المزني وغيرهم وعامتهم أحاديثهم في مسلم

وهذا تواتر

فنص على أن الحق في طائفة وذكرها لها مخالفاً وخاذلاً ولا شك أنهم في هذا الخذلان وهذه المخالفة داخلون في الوعيد فهذا في معنى حديث الافتراق

والآن مع طرق حديث الافتراق والتي كل من نظر فيها علم أن للحديث أصلاً أصيلاً عن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن تعنتات الظاهرية

قال أبو داود في سننه 4596 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»

ومحمد بن عمرو يحتمل في الشواهد بل هو قائم بنفسه في مثل هذا وقد فرح بعضهم بروايته هذه لأنها لا ذكر فيها لهلاك الفرق بالنار

والواقع أن هذا مفهوم إذا أضفنا إلى هذا الحديث الأحاديث الأخرى في ذم الإحداث وحديث الطائفة المنصورة ومعلوم أن هذه الفرق عامتها بدعية

وقد استخرج الآجري بعظيم فقهه معنى حديث الافتراق والأمر بالجماعة من القرآن الكريم

قال الآجري في الشريعة :"  ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْلَمَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ خَلْقِهِ لِيُضِلَّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مَوْعِظَةً يَتَذَكَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَيَحْذَرُونَ الْفُرْقَةَ، وَيَلْزَمُونَ الْجَمَاعَةَ وَيَدَعُونَ الْمِرَاءَ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ , وَيَتَّبِعُونَ وَلَا يَبْتَدِعُونَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قِيلَ لَهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَكُلًّا نَقَصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 118] ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّبِعَ مَا أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَّبِعَ أَهْوَاءَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَفَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَذَّرَ أُمَّتَهُ الِاخْتِلَافَ وَالْإِعْجَابَ وَاتِّبَاعَ الْهَوَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم الْجَاثِيَةِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}"

فالجماعة المجتمعون على الحق هم أهل الرحمة في أمة أهل الكتاب وفي أمتنا وأهل الفرقة ليسوا أهل رحمة فهم أهل عذاب

وقد ورد في موقوف ثابت على ابن مسعود ذكر هلاك فرق أهل الكتاب إلا واحدة

قال ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 78 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، فَاخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَاسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ، فَاسْتَحْلَتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا حَتَّى نَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى كِتَابِنَا هَذَا، فَمَنْ تَابَعَنَا تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ خَالَفَنَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالُوا: انْظُرُوا فُلَانًا، فَإِنْ تَابَعَكُمْ فَلَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْكُمْ أَحَدٌ، وَإِنْ خَالَفَكُمْ فَاقْتُلُوهُ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَأَخَذَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ فِي قَرَنٍ، ثُمَّ تَقَلَّدَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ، فَأَتَاهُمْ فَقَرَءُوا عَلَيْهِ كِتَابَهُمْ، فَقَالُوا: تُؤْمِنُ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أُؤْمِنُ بِهَذَا الْكِتَابِ، وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ، فَجَاءَ إِخْوَانٌ مِنْ إِخْوَانِهِ فَنَبَشُوهُ فَوَجَدُوا ذَلِكَ الْكِتَابَ فِي ذَلِكَ الْقَرَنِ، فَقَالُوا: كَانَ إِيمَانُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً، فَأَهْدَاهُمْ فِرْقَةُ أَصْحَابِ ذِي الْقَرَنِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا لَا يَسْتَطِيعُ فِيهِ غَيْرَ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ كَارِهٌ "

وهذا ثابت على ابن مسعود وقد حذف الكسر ، وقد قال النبي ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) فإذا أضفنا هذا الحديث إلى أثر ابن مسعود خرجنا بمعنى حديث الافتراق

وقال أبو داود في سننه 4597 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، ح وحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، نَحْوَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَازِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ «زَادَ ابْنُ يَحْيَى، وَعَمْرٌو فِي حَدِيثَيْهِمَا» وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ " وَقَالَ عَمْرٌو: «الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ»

وهذا إسناد حسن ولو فرضنا ضعفه جدلاً فهو معتضد بخبر أبي هريرة

وهذا الخبر مخرجه شامي ، وخبر أبي هريرة مخرجه مدني وأثر ابن مسعود مخرجه كوفي وهذا معناه انتشار الخبر بين البلدان دون إنكار من أهل العلم

قال ابن أبي عاصم في السنة 69 - ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا قَطَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مَرِيٍّ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: " افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَوْ قَالَ: اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَزِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِرْقَةً وَاحِدَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مِنْ رَأْيِكَ أَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ، بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ

قطن مجهول الحال

وقال المروزي في السنة 56 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا الْمُقْرِئُ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنِي أَبُو غَالِبٍ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَهَذِهِ الْأُمَّةُ تَزِيدُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، قُلْتُ: قَدْ تَعْلَمُ مَا فِي السَّوَادِ الْأَعْظَمِ،

وهذا إسناد قوي إلى أبي غالب وهو صدوق يخطيء ولم يطعن أحد في عدالته وهو هنا يروي خبراً موقوفاً على أبي أمامة والموقوف يحتمل خصوصاً وهو يروي عن شيخه مباشرة

خصوصاً وأن هذا المتن روي من طرق أخرى 

وقد رأيت كلاماً لخالد الحايك يتهم فيه أبا غالب باختلاق حديث ( الخوارج كلاب أهل النار ) مع أنه ما طعن في عدالته أحد وهذه مجازفة فجة 

ولفظة ( السواد الأعظم ) لها ثلاث تخريجات

إما أنه يعني أنه السواد المتناهي في العظم وهو يعني الإجماع فهو بمعنى الجماعة وهذا التفسير وارد في هذه الرواية فيعني به ما أجمع عليه الصحابة فهو موافق لرواية ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ورواية ( الجماعة ) _ وهذا توجيه الكلوذاني في التمهيد _

وإما أنه يعني أنه السواد الأعظم عند الله عز وجل يعني الذين قدرهم عند الله عظيم وهذا في معنى السابق وذلك أن هذا وصف الصحابة

وإما أنه يعني السواد الأعظم في القرون الثلاثة الفاضلة فهي وإن كانت قد ظهرت فيها البدع إلا أن السنة كانت هي الغالبة خصوصاً في مكة والمدينة

وأبو غالب وداود بصريان

وقال المروزي في السنة 60 - حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ دَعَا رَأْسَ الْجَالُوتِ وَأُسْقُفَّ النَّصَارَى، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ أَمْرٍ وَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمَا فَلَا تَكْتُمَانِي يَا رَأْسَ الْجَالُوتِ أَنْشَدْتُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَأَطْعَمَكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَضَرَبَ لَكُمْ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا، وَأَخْرَجَ لَكُمْ مِنَ الْحَجَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَيْنًا، لِكُلِّ سَبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَيْنٌ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَلَى كَمِ افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى؟ فَقَالَ لَهُ: وَلَا فِرْقَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ثَلَاثَ مِرَارٍ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدِ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، ثُمَّ دَعَا الْأُسْقُفَّ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَجَعَلَ عَلَى رَحْلِهِ الْبَرَكَةَ وَأَرَاكُمُ الْعِبْرَةَ فَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَأَحْيَا الْمَوْتَى، وَصَنَعَ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ طُيُورًا وَأَنْبَأَكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، فَقَالَ: دُونَ هَذَا أَصْدُقُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: عَلَى كَمِ افْتَرَقَتِ النَّصَارَى بَعْدَ عِيسَى مِنْ فِرْقَةٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ وَلَا فِرْقَةً [ص:24]، فَقَالَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدِ افْتَرَقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، فَأَمَّا أَنْتَ يَا يَهُودِيُّ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونُ} [الأعراف: 159] فَهِيَ الَّتِي تَنْجُو وَأَمَّا أَنْتَ يَا نَصْرَانِيُّ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 66] فَهِيَ الَّتِي تَنْجُو، وَأَمَّا نَحْنُ فَيَقُولُ: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] وَهِيَ الَّتِي تَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ

حميد بن زياد صدوق يهم وأبو معاوية لم يسمع سعيد بن جبير ولعل مثل هذا يحتمل في الموقوف والذي يهمنا من هذه الرواية أنها تحتمل في الشواهد وأن فيها استخراجاً لمعنى حديث الافتراق من القرآن

وقد صحح الترمذي حديث أبي هريرة

وقال في جامعه 2641 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الأَفْرِيقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي.

عبد الرحمن الافريقي ضعيف غير أن هذا سند مصري

فهذا الحديث رواه أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل الشام وأهل مصر وأهل البصرة ولم يستنكره أحد وخرجه الأئمة في مصنفاتهم وما طعن فيه أحد ولا ضعفه

وإنما ابتدأ الطعن من ابن حزم الذي احتج به في كتابه الذي في نفي القياس

وإذا كانت الأحاديث قد تواترت في ذم الخوارج وأنهم على ضلالة مع انتحالهم الدين ، وثبت عن ابن عمر وابن عباس ذم القدرية مع انتحالهم الدين فما المستغرب في وجود فرق هالكة تنتسب للدين وتدعي الحق

وقد شهد ابن عمر على القدرية بالمروق من الدين والأحاديث في الخوارج واردة بمعنى المروق من الدين 

وما قاله ابن عمر وابن عباس في القدرية ينطبق من باب أولى على منكري الصفات فأمرها أظهر من أمر القدر في النصوص والشبهة العارضة للقدرية أقوى من الشبهة العارضة للجهمية 

وإذا كان وجد في الأمة من غلا حتى نفى القدر فلا يبعد أن يوجد من يجفو حتى يقول بالجبر وكذلك إذا وجد من غلا حتى قال بقول الخوارج فلا يبعد أن يوجد من يجفو حتى يقول بقول المرجئة

وهذه سنة الله عز وجل في الخلق ما يظهر غلاة حتى يقابلهم جفاة والعكس بالعكس وما شأن المسيح عليه الصلاة والسلام عنا ببعيد

قال ابن أبي شيبة في المصنف [32796]:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ , عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:
لَيُحِبُّنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي حُبِّي وَلَيُبْغِضُنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي بُغْضِي.
قال عبد الله بن الإمام أحمد في السنة [1337]:
حدثني أبي نا وكيع عن شعبة عن أبي التياح عن أبي السوار قال: قال علي - رضي الله عنه:
ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي , وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي

وهذا إسناد صحيح

وهذا واضح في أن الروافض والشيعة داخلون في الوعيد وأن النواصب والخوارج داخلون في الوعيد وهذا جزء من معنى حديث الافتراق في شأن الفرقتين

وهذا إذا كان الغلو في بغض علي يؤدي إلى النار فما بالك ببغض الصحابة كلهم أو عامتهم والعكس بالعكس

والمسائل التي أنكرها أهل البدع أو خالفوا فيها كثير منها أظهر من فضل علي على ظهور فضل علي

ويبقى هنا تنبيه : حديث الافتراق مشهور حتى عند أهل البدع غير أنهم يزيدون فيه زيادات لا يشهد لها القرآن وإنما ذلك فقط في روايات أهل السنة ولكن يقال هذا إلزاماً للجهلة كعدنان إبراهيم وحسن المالكي وحسن السقاف الذين يخصون أهل السنة بالرد في هذا الباب

والعجيب أنهم يصححون حديثاً كحديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) وليس له طرق حديث الافتراق ولا هو مروي في عدة بلدان ولا له شواهد من الموقوف ومن القرآن ومن أصول الشريعة العامة

ويصحح السقاف حديثاً كحديث ( حياتي خير لكم من مماتي )

وحديث ( يا عباد الله احبسوا ) وغيرها من الأخبار التي يظن سفهاً أنها تدل على قبوريته وحديث الافتراق أقوى منها كلها

وأما عن إيمانهم بالبواطيل التي تروى في ثلب معاوية وطعنهم في حديث الافتراق فحدث ولا حرج وهذا التناقض اللازم لأهل البدع والزندقة وإلا أين هم عن كم الأحاديث الباطلة والمنكرة الهائلة التي يحتج بها الرافضة والصوفية لا يبينونها ولا يحكمون عليها بشيء وفقط يتكلمون في حديث الافتراق

وقريب منهم وإن كان ليس مثلهم محمد الحسن ولد الددو الذي يورد حديثاً منكراً كحديث ( أمرت بقتال الناكثين ) ثم أمام هذا الحديث يصير إماماً في العلل

وأيضاً سلمان العودة الذي ليس له كبير تنبيهات على الأخبار المعلولة والمنكرة وإنما تراه فقط يظهر له نشاط في تضعيف حديث الافتراق وتضعيف حديث الوعيد في مصافحة المرأة
ولحديث الافتراق طرق أخرى تركت ذكرها وإن كان رواتها ما فيهم متهم بالكذب ولكن منهم من ضعفه شديد 

ثم وجدت آية تشهد للحديث بشكل قوي قال تعالى : ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) وهذا معنى حديث الافتراق 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم