السبت، 24 مايو 2014

نفي الفارق المؤثر بين المعتزلة ومتأخري الأشاعرة من كلام ابن تيمية



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/237) :" وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامهم في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباع المتأخرين، كأتباع صاحب الإرشاد فأعطوا الأصول - التي سلمها للمعتزلة - حقها من اللوازم، فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن، الذي قالت به المعتزلة: إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم
والمعتزلة تنكر تصور هذا بالكلية، وصارت المعتزلة والفلاسفة - مع جمهور العقلاء، يشنعون عليهم بمخالفتهم لصريح العقل، ومكابرتهم للضروريات"

هنا يثبت ابن تيمية أن الجويني ومتأخري الأشاعرة وافقوا المعتزلة في أخطر ثلاث مسائل من مسائل الصفات

وهي مسألة القرآن ومسألة العلو ومسألة الرؤية

وقد نقل ابن القيم في مختصر الصواعق اتفاق السلف على تكفير المعتزلة

وعامة نصوص السلف في تكفير الجهمية إنما تكون مقرونة بذكر أحد هذه الصفات الثلاثة _ العلو والرؤية والكلام _

فالمقصود هنا نفي الفارق المؤثر في الحكم لا مطلق الفارق ، فمن فرق بين المعتزلة والأشاعرة في الحكم فكفر المعتزلة متابعةً للسلف ولإجماعهم على هذا الأمر ، ونفى التكفير عن الأشاعرة_ خصوصاً متأخريهم _  فنص ابن تيمية هذا يدمغه

خصوصاً مع ما قاله في آخر كلامه من أن قول الأشاعرة أبعد عن المعقول من قول المعتزلة وأن قولهم فيه مكابرة للضروريات

ويفضل المعتزلة على الأشاعرة المتأخرين بأنهم قدرية في باب القدر وأما الأشاعرة فجبرية ومذهب القدرية خير من مذهب الجبرية كما نص على ذلك ابن تيمية

وكذلك المعتزلة وعيدية والأشاعرة مرجئة غالية ومذهب المعتزلة خير من مذهب الأشاعرة في هذا نص على ذلك ابن تيمية ونقلت نصه في ردي على حاتم العوني

وفي المناظرة على الواسطية اعترف الأشاعرة بأن الجويني يقول بخلق القرآن ، ونص ابن تيمية في شرح الأصبهانية أن عقيدة الأصبهاني الأشعري لا تخرج عن عقيدة المعتزلة البصريين

وقد تواتر عن السلف أن من شك في كفر الجهمية فهو مثلهم

فكيف بمن يجزم بإسلامهم مع مخالفتهم للبراهين القاطعة في عشرات مسائل الصفات والقدر والإيمان مع بلوغ الأدلة لهم بل مع مخالفتهم لأئمتهم الأشاعرة وقد اعترف الجويني في الإرشاد بأن متقدمي أصحابه يثبتون الصفات الخبرية الذاتية

واعترف النووي في شرح مسلم والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى بأن الأشعري يخالف اعتقاد السلف في مسائل الإيمان

وقال القرطبي في كتابه الأسنى شرح أسماء الله الحسنى 2/132 بعد أن ذكر أقوال العلماء في استواء الله على عرشه :( وأظهر هذه الأقوال ـ وإن كنت لا أقول به ولا أختاره ـ ماتظاهرت عليه الآي والأخبار أن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه
وعلى لسان نبيه بلا كيف ،بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ماتقدم)

فتأمل قوله ( لا أقول به ) مع اعترافه بأنه الحق الذي تظاهرت عليه الأدلة فهذا برهان على الهوى

وله في التفسير تصريح بأن السلف قاطبة أثبوا العلو

فهذا كيف يقال بأنه لم تقم عليه الحجة ؟

ويفضل عليهم المعتزلة أيضاً بأنهم ليسوا قبورية

وقد صرح ابن تيمية في الدرء أن الرازي الأشعري المعتزلة أكثر تعظيماً للنصوص منه

وقول ابن تيمية أنهم أقرب الطوائف إلى أن أهل السنة إنما أراد في بعض أبواب الصفات وسياق كلامه يدل على ذلك

وقد صرح ابن تيمية بتسمية الجويني ومن معه ( معتزلة )

قال في الصفدية (2/34) :" وقالت معتزلة الصفاتية الذين ينفون الصفات الخبرية كصاحب الإرشاد وأتباعه"

وأتباعه هم كل من جاء بعده من الأشاعرة

وقال في النبوات :" وادّعى أبو المعالي أنّ إنكار محبّته من أسرار التوحيد. وهو من أسرار توحيد الجهميّة المعطّلة المبدّلة"

وبعد أن علمت أنه لا فرق بينهم وبين المعتزلة الذين كفرهم السلف لزم ألا يكون منهم إمام ولا أحد يترحم عليه ولا يعظم كما نصنع مع المعتزلة سواءً بسواء

ولما قيل للإمام أحمد أن اللفظية والواقفة والجهمية شيء واحد سر بذلك ، فكيف لو رأى هذه الأخوة بين المعتزلة الجهمية والأشعرية الجهمية ، ثم من يأتي ويفرق بيهم

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 3644 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُوسَى بْنُ مُحْكَمٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَقَالَ: يُعْذَرُ مَنْ حَاجَّ بِعِلْمٍ، وَلا يُعْذَرُ مَنْ حَاجَّ بِالْجَهْلِ.

فنص الحسن البصري الإمام التابعي المعروف أن من حاج بالجهل لا يعذر وهذا ينطبق على أهل الكلام وعلى رأسهم المعتزلة والأشاعرة فإنهم يردون دلالات النصوص القاطعة بعقولهم ويسفهون من يأخذ بها

فلهم حظ من قوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)

وقال الآجري في الشريعة 47 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي نَشِيطٍ، عَنِ الْحَسَنِ: وَذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: «حَيَارَى سَكَارَى، لَيْسَ  بِيَهُودٍ وَلَا نَصَارَى، وَلَا مَجُوسٍ فَيُعْذَرُونَ»

فالحسن البصري يرى أن اليهود والنصارى والمجوس الذين لم تبلغهم الدعوة أقرب إلى العذر من الخوارج وهذا ينطبق على الجهمية وفروعها _ أشعرية ومعتزلة _ من باب أول

فكيف إذا أضافوا إلى هذا الإرجاء والقبورية والجبر وتكفير أهل السنة أو تضليلهم

قال الله تعالى :( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

فإن قيل : ما داعي التركيز على هذه المسألة

فيقال : لأن كثيراً من الناس واقعون في ورطتين

الأولى : الحكم بإسلام الجهمية المنكرين للعلو وعامة الصفات مع بلوغ الأدلة لهم ويحكمون بالإسلام لهم جملة فيقولون ( الأشاعرة مسلمون ) وتفصيلاً فيأتون لأعيانهم واحداً واحداً ويترحمون عليهم ويشهدون لهم بالإمامة

فحتى مع التفريق بين الحكم بالعموم وحكم الأعيان لا يجوز هذا الجزم بإسلامهم جملة وتفصيلاً

وقد قال الرازيان في عقيدتهما :" وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ فَهُوَ كَافِرٌ"

فكيف بمن أضاف إلى هذا إنكار العلو وإنكار الرؤية وإنكار الحكمة وبلاياً أخر وإنكار العلو وحده كفر أظهر من القول بخلق القرآن

وهذا كلامهم فيمن شك في كفره فكيف بمن جزم بإسلامه وأنكر إنكاراً عظيماً على من كفره ، بل بعضهم ينكر حتى على من يبدعه مع اعتراضه بقوله بمقالة القوم في مسائل عظيمة خطيرة 

وإذا كنا سنحكم بإسلام من وقع في بدعة مكفرة مع كونه داعية وبلغته ، وسنحكم بإسلام القوم جملة وتعييناً فما الفرق بينهم وبين أصحاب البدع المفسقة ؟ 

وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (2/73) :" فلهذا كان السلف والأئمة مطبقين على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم مشهورًا معلومًا بالاضطرار لعموم المسلمين حتى قبل العلم بالإيمان فيما بعد وصار يشتبه بعض ذلك على كثير ممن ليس بزنديق"

فمقالة الجهمية فسادها لا يحتاج إلى كبير علم حتى يعرف لمخالفتها للفطرة

وقال في درء التعارض (5/257) :" ولهذا كان السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع، وذلك لأن الإيمان إيمان بالله وإيمان للرسول، فإن الرسول أخبر عن الله بما أخبر به عن أسماء الله وصفاته، ففي الإيمان خبر ومخبر به فالإيمان للرسول تصديق خبره، والإيمان بما أخبر به والإقرار بذلك والتصديق به.
ولهذا كان من الناس من يجعل الكفر بإزاء المخبر به كجحد الخالق وصفاته، ومنهم من يجعله بإزاء الخبر، وهو تكذيب الرسول.
وكلا الأمرين حق، فإن الإيمان والكفر يتعلق بهذا وبهذا، وكلام
الجهمية نفاة الصفات مناقض لخبر الرسول الصادق، ونفي لما هو ثابت لله من صفات كماله.
ومما يوضح الأمر في ذلك أنك لا تجد من سلك هذه السبيل وجوز على الأدلة السمعية أن يعارضها معقول صريح ينافيها إلا وعنده ريب في جنس خبر الله ورسوله، وليس لكلام الله ورسوله في قلبه من الحرمة ما يوجب تحقيق مضمون ذلك، فعلم أن هذا طريق إلحاد ونفاق، لا طريق علم وإيمان.
ونحن نبين فساد طريق هؤلاء بالطرق الإيمانية والقرآنية تارة، وبالأدلة التي يمكن أن يعقلها من لا يستدل بالقرآن والإيمان"

والطامة الكبرى أن ينفى حتى التبديع عن هؤلاء الجهمية فيقال في بعضهم ( ليس مبتدعاً ومن أهل السنة ومن بدعه فهو مبتدع ) مع كونه يقول بنفي العلو أشنع مقالات الجهمية على الإطلاق ، وبعضهم غاية أمره أن ينفي دخولهم في أهل السنة 

وقد رأيت منهم يصف نعت بعض الناس للأشاعرة ب( الزنادقة ) بالشطط ومع علم المسكين أن الإمام أحمد وصف اللفظية والواقفة ( وكلاهما خير من الأشعرية ) بالزنادقة العتق ( وقد وصف الأشاعرة بهذا الوصف كل من ابن مندة وابن الحنبلي ) 

والورطة الأخرى تعظيم هؤلاء الجهمية تعظيماً يضن به على كثير من أهل السنة

وقد أدى هذا إلى تنفس الأشاعرة الصعداء وبهذه الحجة يصولون ويجولون ( منا فلان ومنا فلان الذين تعظمونهم )

وبعضهم يطلق أنه لا عذر في الأصول الكبار ثم يتناقض ويعذر منكري العلو وينفي عنهم البدعة فضلاً عن الكفر

وكثير ممن هو واقع في هذه الورطات يتنازع مع غيره ممن هو متلبس في الورطات نفسها في مسائل هي دون هذه ويكثرون التنازع وكل ينزل على نفسه أحاديث الغربة وأحاديث الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وهذا ينعت هذا بالخروج وهذا ينعت هذا بالإرجاء

وما علموا أن موالاة الجهمية أمر تنزه عنه عتاة الخوارج وعتاة المرجئة وأنه من أعظم هوادم الدين في أعظم أبوابه العقدية

بل بعضهم يتهكم بأهل السنة  ويقول ( هذا خدم الإسلام فماذا قدمت للإسلام أنت )؟

وأقول جواباً على هذا : حسبي أنني لم أنشر شيئاً من عقائد الجهم في الأمة والسلامة لا يعدلها شيء، وأنني أعتقد عقيدة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة في الصفات والقدر والإيمان والنبوات وتوحيد الألوهية ولا يمكنك إلا أن تشهد بسلامة عقيدتي في هذه الأبواب وفساد عقيدة معظمك في هذه الأبواب كلها أو بعضها  ، ولو كان مجرد خدمة الدين ولو دون سلامة معتقد تجعل المرء فاضلاً لكان أبو طالب الذي حمى الرسول خيراً من كثير من المسلمين اليوم 

على أنهم لو نظرت في هذا الذي يسمونه خدمة للإسلام لرأيت كثيراً منه مدخولا ويختلط فيه كلام أهل الحديث بكلام المتكلمين ، وباب علم الحديث عدد ممن يتسمى ب( الحافظ ) أحكامه على الأخبار سطحية ولم يحكم علم علل الحديث الذي هو لب الفن

وشرح جنايتهم على علوم الإسلام يحتاج إلى بسط أكثر عسى أن ييسره الله مستقبلاً 

وقد حكم عبد الله بن عمر على القدرية بأنه لن ينفعهم لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً حتى يؤمن بالقدر 

فما الفرق بين نفي العلو ونفي القدر سوى أن نفي العلو أشنع ؟

وإنفاق مثل أحد ذهباً في سبيل لا شك أنه خدمة عظيمة للإسلام 

وأئمة الإسلام الذين إليهم المرجع في الفقه والحديث والتفسير ويتشرف هؤلاء الجهمية بالانتساب إليهم في الفقه وجمع كلامهم في الحديث والتفسير مطبقون على إكفار الجهمية 

وخدمة علم الحديث والفقه والتفسير _ إن سلمنا أنها خدمة وليست تشويهاً في كثير من أحوالها _ إن اقترن بها نشر العقائد الفاسدة فذلك بمنزلة صدقة اقترن بها من وأذى 

وقد قال الله تعالى : (   قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم