الخميس، 29 مايو 2014

هل أولياؤكم أجل من الإمام البخاري ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمعلوم لطلبة العلم الفتنة التي حصلت بين الإمام البخاري من جهة والإمام محمد الذهلي من جهة أخرى بسبب ما نسب للبخاري من القول باللفظ

وقد تابع الذهلي كل من أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين على تبديع الإمام البخاري بحسب ما نقل لهما ، وكرها الرواية عنه

ولا يختلف اثنان في فضل أبي حاتم وأبي زرعة وفضلهما على الأمة في باب علم الحديث وغيرها من الأبواب

وقد تكلمت على هذه المسألة في شرحي لخلق أفعال العباد وقد بينت أن البخاري لم يتكلم باللفظ غير أنه صدرت منه عبارات أخرى انتقدها ابن تيمية وغيره ولا شك أنه على طريقة أهل الحديث

والشاهد من هذه القصة هنا

أن الذهلي وأبا حاتم وأبا زرعة لم يبدعهم أحد بسبب قدحهم بالبخاري وإن لم يوافقوا على هذا القدح لأن مأخذهم كان الحمية على السنة

وهذا ابن تيمية _ رحمه الله _ والذي يعول عليه عامة المعاصرين يصف الذهلي بأنه من أئمة الإسلام وهداته في مسألة اللفظ

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/421) :" وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ - الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ - وَهِيَ " مَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةِ " فَقَدْ أَنْكَرَ بِدْعَةَ " اللَّفْظِيَّةِ " الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتَهُ وَاللَّفْظَ بِهِ مَخْلُوقٌ أَئِمَّةُ زَمَانِهِمْ جَعَلُوهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَبَيَّنُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ إلَّا كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ الْجَارُودِيَّ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدورقي وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطوسي وَعَدَدٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاتِهِ"

فلم يبدعه بشدته على البخاري _ وإن لم يوافقه على النتيجة _ ولم يقل ( قد يكون خرج من السلفية بإخراجه للبخاري )!

وهذا أوضح من أن يبين فالصحابي الذي قال للصحابي الآخر ( ولكنك منافق تجادل عن المنافقين ) لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم ( لعلك صرت منافقاً بكلمتك هذه ) ومعلوم أنه قالها حمية كقول عمر لحاطب

ولكننا اليوم نعاني من طريقة عجيبة يعذر فيها من يعبد غير الله ، بل بعضهم يعذر من يسب الله ، ولا يعذر من تكلم حمية على الدين

ومنكر العلو لا يقال فيه إلا الجميل ولا يعني نقده انتقاص قدره ، والسني الذي يشتد على المخالف شدة لا يرتضيها هؤلاء يبدع ويتفرغ للطعن فيه فتارة يشبه بالخوارج وأخرى بالرافضة ولا أدري ما سيقال في المستقبل

والسؤال هنا : إذا كان هؤلاء الأئمة الأعلام بدعوا البخاري بالقول _ باللفظ _ ولا يثبت عنه كما كررنا ، ومع ذلك هم أئمة الإسلام وهداته ولهم فضل على الأمة لا ينكره إلا جاهل

فكيف بمن بدع أو جهم من ينكر العلو وإنكار العلو ثابت عليه ولم يخدم الدين خدمة البخاري ، بل ويخالف عقيدة أهل السنة في أبواب القدر والإيمان والصفات والنبوات وتوحيد الألوهية

وليعلم أن أبا زرعة والبخاري متفقون على ذم أهل الرأي

واقرأ ما كتب البخاري في جزء رفع اليدين على أبي حنيفة سترى شدة تذهلك ولا تتوقعها من الإمام البخاري في شأن أبي حنيفة

هذا المثال يبين أن طريقة تبديع السني الذي تكلم حمية في رجل وقع أمر مشتبه أو ثبتت عليه الضلالة أو حتى التشنيع على السني مسلك بدعي حادث ، فكيف إذا كانت هذه الضلالة بدعة مكفرة كبدعة إنكار العلو

وإليك مثال آخر يبين لك الأمر  ويجليه أكثر

أبو إسماعيل الهروي الأنصاري كان يكفر الأشاعرة وعقد لذلك فصلاً نفيساً في ذم الكلام له

ومع هذا يصف الذهبي بأنه ( أثري قح ) ولا أشك أن الذهبي لا يوافق على تكفير الأشعرية

وابن عبد الهادي في جمع الجيوش والدساكر يصفه بأنه إمام متفق عليه

وابن ناصر الدين يذكره في الرد الوافر بين الأئمة النقاد

والصواب في شأن هذا الرجل أنه وقع في الجبر والتصوف الغالي كما حققه ابن تيمية

ولكن لم يبدعه أحد لتكفيره للأشاعرة بل اشتهر بلقب ( شيخ الإسلام ) ومن عظمه لا يعظمه إلا لرده على هؤلاء القوم

ولو كانوا على منهج القوم اليوم الذين منهم من يميل إلى تكفير الخوارج ولا يكفرون الجهمية ، وفي مقابلهم من يكفر الحاكم بغير ما أنزل الله مطلقاً ولا يكفر بعض فروع الجهمية الغلاة كالأشعرية

لاعتبروا هذا الحكم من الأنصاري مسقطاً له بحد ذاته ، إذ أن الحمية على السنة والمبالغة في نظرهم في الحكم على المخالف بدعة وضلالة أعظم من ضلالة المخالف نفسه وإن كانت كفراً

والخلاصة أن المنهج الذي يسير بعض الناس اليوم حقيقته أن الأمة بقيت أربعة عشر قرناً ليست على شيء وما من أحد من علمائها وصلحائها إلا وقد وقع في الظلم والإجحاف

فالإجماع الذي نقله حرب الكرماني على تبديع أهل الرأي وما نقله ابن عبد البر وابن الجوزي وابن أبي داود على تبديع أبي حنيفة والطعن فيه مردود ولا يقول به إلا الغلاة

والإجماعات المنقولة على أثر مجاهد في المقام المحمود كلها مردودة ولا يقول بها إلا الغلاة

وإجماع علماء خراسان على تضليل محمد بن نصر المروزي لقوله الإيمان مخلوق مردود وغلو تقليداً للذهبي

والإجماع المنقول على تضليل ابن حزم ( وهو في لسان الميزان وغيره من الكتب ) مردود

والعلماء فاقوا الألف نفساً الذين قالوا بتكفير الأشاعرة ونقل كلامهم الهروي في ذم الكلام قولهم باطل وظلم وغلو ولا يقول به إلا الغلاة

وما قاله ابن أبي زيد القيرواني من أن من قول أهل السنة أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة ، غير جائز تنزيله على أعيان الأشاعرة المشتغلين بالحديث ومن فعل ذلك فهو من الغلاة

وما قاله ابن مندة من أن المخالف المتأول في أبواب التوحيد كالمعاند لوضوح أبواب التوحيد غير جائز تطبيقه على الأشاعرة أو على جمع من الأشاعرة ، أو على الواقفة

وكلام أئمة الدعوة في أن العذر بالجهل إنما يكون في المسائل الخفية وأن هذا محل إجماع وهذا الموجود المقرر في عامة رسائلهم نشره فتنة ولا يجوز ، وكذلك يجب كتم كلام من وافقهم من المعاصرين

وقد قال الدارقطني :" من قدم علياً على عثمان فقد أزرى على المهاجرين والأنصار "

والذي أرى أن هؤلاء القوم أزروا على علماء الإسلام في كل قرن إذ ردوا إجماعاتهم ، بل جعلوا منهجم ظلماً ومفارقة للجماعة والله المستعان



هذه إيقاظة يسيرة ونصيحة عسى الله أن تقع موقعاً حسناً من نفوس طالبي الحق ، والأمر أشد وأعمق مما شرحت غير أنك إذا فتح على قلبك وفهمت هذا وتركت التعصب للرجال وهجرت ما خالف به الخلوف منهج السلف وإن زخرفوه لك بالقول رجي خيرك ، والسنة والأثر ومنهاج الفرقة الناجية والطائفة ليست دعاوى تدعى وإنما منهج يتبع ، وإن خالف عامة ما عليه الناس ، بل كيف تتحقق الغربة والامتحان إن لم تخالف عامة الناس

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم